النظام
السوري والمحكمة الدولية !!؟
بدرالدين
حسن قربي
السؤال
الذي يطرح نفسه على الدوام: هل
يحتمل النظام السوري الوقوف
متفرجاً في انتظار ظهور نتائج
التحقيقات الدولية التي يقودها
المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس
الأمن في قضية اغتيال الرئيس
المرحوم/ رفيق الحريري حتى
إعلان تقريره النهائي وسوق
المجرمين إلى ساحات القضاء
الدولي مأخوذين بالنواصي
والأقدام وِرْدَاً على رؤوس
الأشهاد..!!؟
اذا
كان كل العالم يجهل حقيقةً
مرتكبي هذه الجريمة بالدليل
القاطع والحجة البيّنة، فإن
بعضَهم يشير شكاً وظناً بأصابع
الاتهام الى من تحمّل مسؤولية
الأمن في لبنان المحبة لسنوات
طويلة عانى منها الناس ماالله
به عليم، وبعضَهم يتهم جهاتٍ
صهيونية أو حلفاءَها حسب روايته
بإنفاذ هكذا جريمة وبهذا الحجم
المريع من الوحشية والدموية. ويستدعي
كل من الجهتين مؤيداتِه ويحشد
لها كل عضلاته. بمعنى
آخر وبالعربي (المقشّر) لم
تتجاوز تقولات الناس
وتنظيراتهم جهتين، لكل منهما
تاريخه في القتل وسفك الدماء
والمجازر بطريقته الخاصة.
فلئن
كان أحدهما اتّصف بإجرامٍ
مشهودٍ له، فإن الآخر أيضاً
والحق يقال: إجرامه ووحشيته
صناعة وطنية بامتياز. ولئن كان
الكلام متاحاً ومباحاً عن الأول
لأسبابٍ وأسباب، فإن الكلام عن
الإجرام الوطني قضية خطيرة،
ولاسيما أنها تتعلق بالوطن وأمن
الوطن وسمعة الوطن ومجرمي الوطن
وشبيحة الوطن الذين نذروا
أنفسهم (لهالوطن)، والله كريم
(يعدّمنا ياهم ويرتاح منهم
هالوطن).
الملفت
للنظر في الأمر أن إحدى الجهتين
ماضيةٌ (بأذن من طين وأخرى من
عجين)، لايهمها كلام ولايثيرها
تحليل. أما الجهة الأخرى فمصابة
(سبحان ربي) برهاب (فوبيا)
المحكمة الدولية والتحقيق
الدولي وكل شيء دولي. (فهمّه)
صحيح لاعلاقة لهم بجريمة القتل
كما يقولون، وسمعوا بها من
الراديو والتلفزيون مثل
الآخرين، ولكنهم من التسييس
والتلفيق لهذه التحقيقات
والمحاكمات في أمرٍ عظيمٍ وفي
شكٍ منها مريب. فلقد
حدثت هكذا جرائم من قبل، وقُتل
فيها من قتل، وما صار شيء،
مامعنى هذه تمّ الوقوف
و(العترسه) عندها..!؟ فلا بد أن
الأمر مؤامرة وفيه مايدعو إلى
الشك والريبة.
والأهم
فيما سبق، أن مرتكب الجريمة يرى
الرؤية الشيطانية التي تتجلى له
فيها الحقيقة ولكنه يكتمها
ويُعَمّيها على الآخرين، ومن
ثمّ فهو يعلم يقيناً أنه خلف
قضبان العدالة عاجلاً أم آجلاً،
إذا ماسفينة التحقيقات مضت إلى
منتهاها، واستوت على جوديّها،
وأخذت العدالة مجراها، ويسألونك
متى هو..؟ قل: عسى أن يكون قريباً.
المجرمون
لا يخافون من الله ولا من الناس،
ولا تجد في قلوبهم شفقةً ولا
رحمةً، خوفهم الحقيقي من أن
تطالهم يد القانون قصاصاً
وعدلاً، ولذا تجدهم على الدوام
في هلعٍ وفزعٍ من أمرهم، قلوبهم
هواء لأي (جوز) كلام فيه ذكرٌ
لمحكمة، و(عيارهم يطيش) وصوابهم
يضيع، كلما اقترب أجلهم ونادى
المنادي بصوتٍ جهوريٍ أجش:
محكمة..!!
هم
يتمنون – حسب زعمهم - كشف
الحقيقة وانكشافها، وذلك قولهم
بأفواههم وغير ذلك في قلوبهم
مما يتقولون به على المحكمة
والتحقيقات خشية التدبير
والتزوير والتسييس والتضليل،
لأنهم يظنونها كتحقيقاتهم
ومحاكمهم في الافتراء
والافتئات والتلفيق. وماعلموا
أن الظلم والفساد والإفساد
والنهب والتشبيح عاقبته وخيمة،
وسيرى الذين ظلموا وقتلوا
وسفكوا وسرقوا وبلعوا ونهبوا
واغتصبوا أيَّ منقلبٍ ينقلبون.
نقول:
ليس غريباً بل هو عادي، أن تعمل
كل جهةٍ من جهات الدفع والحركة
والتأثير في الواقع السوري
واللبناني والاقليمي والدولي
لمصلحتها وبالشكل الذي تريد،
وتعمل على كسب الوقت على
طريقتها حتى
بلوغ الأمر منتهاه.
فالجهات
الدولية أوروبياً وأمريكياً
تضغط وتعمل للتغيير بسيف مجلس
الأمن والمجتمع الدولي وهذا
يتطلب وقتاً الى حدٍ ما طويلاً،
ويبدو أنهم يعملون – لأسبابٍ
شتى – على الموجة الطويلة وبشكل
لايُظهر العجلة ولا الاستعجال،
وهم - على مايبدو أيضاً - يراهنون
على الوقت أوشيء من مثله
يُعدّون له عدته بالطبخ على نار
الأمم المتحدة الهادئة.
ولاعجب
أيضاً، أن يكون لدول المنطقة
حساباتها الجبرية واللوغارتمية
وعلى طريقتها أيضاً في الحرص
على مصالحها واستقرارها
وتحالفاتها والسيطرة على
الأمور بشكل لاتخرج ولايخرج عن
الحسبان بين دهاليز السياسة
وألاعيب السياسيين.
وأما
النظام السوري وهو الحاضر
الغائب في لبنان، فهو يقيناً
يعلم الحقيقة التي تسعى وراءها
التحقيقات الدولية، ويعلم
يقيناً مايراد له ومايُدَبَّر،
وماهو مطلوب منه. وكلما أحسّ
باقتراب الخطر زاد من التهديد
والوعيد ورفع من عقيرة اتهامه
للجهات الدولية وجهاتٍ لبنانية
وإقليمية أيضاً.
وفي
هذا يبدو أن النظام بذل جهده
ويبذل، وتوسّط ويُوَسّط،
وعَرَضَ ويَعْرِض لإبقاء ماكان
على ماكان والتمديد له ولفلفة
قضية التحقيقات والطمطمة
عليها، في نفس الوقت الذي
يُظهِر فيه للناس مِنْ حَوْلِهِ
أن سورية مستهدفة، وأنه و(الشلة)
مطلوبون، لأنهم البقية الباقية
والأثر الصالح في الأمة، ولو
أنهم ينادون بالسلام كخيار
استراتيجي والعيش بسلام مع
الجار الصهيوني.
ويبدو
أن النظام أيضاً، وهو أعلم بما
فعل ويفعل وحاول ويحاول، قد عقد
العزم وهو يرى أن طرق الحل باتت
مسدودة، وهامشَ المناورة ضاق
ويضيق أكثر، وحزم أمره الذي
أكده مراراً وتكراراً أنه سيشعل
المنطقة، وأن الاقتراب منه يعني
الدمار والفوضى وشيوع الارهاب
والأرض المحروقة، والمشهود من
تاريخه شاهد على القمع والإرهاب
والمجازر. ولن يعدم الأعوان من
المنتفعين والنهابين والشبيحة
والمرتزقة والمخدوعين بشعارات
الصمود والممانعة، والمقاومة
والمصاولة والمجاولة الذين
يعتقدون أن أمريكا مربط خيلهم،
ولن يهمدوا إلا بتكسير راسها
على الأقل.
ياجماعة..!
ياعالم..! ياأهل
السياسة ..! هل تعتقدون أن النظام
سوف يضع يده على خده مفكراً في
خيبته، مننتظراً حتفه كما أنتم
تتصورون؟ أو تأخذه سنة من النوم
وأنتم عليه تضيّقون؟
إن
النظام وهو يواجه مصيره
المحتوم، لن يألو جهداً في
الدفاع عن مكتسباته وامتيازاته
والتضيحة بالوطن والناس
في سبيل مصالحه سلطةً
وثروةً، والمخفي كما القادم
أعظم. ولايعدم وسيلةً وعذراً،
و(الدنبكجية) بين الناس ينادون:
إنه
عبدالناصر القرن الحادي
والعشرين يدافع عن كرامة العرب
من الماء إلى الماء، و(يحرطم)
مؤامرات الأعداء من أمريكيين
وصهيونيين على سندان المقاومة
والصمود والتحدي. وأنه صلاح
الدين العائد من أعماق التاريخ
جاهزاً ومُجَهزّاً
و(مُقَنْبَلاً)، وحاملاً
ومحمّلاً سيف الاسلام ليرد
هجمات الفرنجة والصليبيين
الجدد من أعداء الله، و(هات بقى)
أقنع الناس (أنّو) هذا لاهو
عبدالناصر، ولاهو صلاح الدين،
وحركاته و(أفلاماته) مالها
علاقة بدين بل هي دَجَلٌ على رب
العالمين ( وحلّو ان كنتو
بتحلّو، وقشطوا إن كنتو بتقشطوا
ولحقو ان كنتو بتلحقو)
النظام
السوري يريد خروجاً من أزمته
وبأي ثمن كان، بمؤامرة أم
مقامرة، بمغامرة أم مناورة،
بمتاجرة أم مؤاجرة،
المهم الاستمرار، ولكن ماكل ما يتمنى المرء يدركه، فإذا جاء
أجلهم لا يستأخرون ساعةً
ولايستقدمون.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|