هذا
بلاغ ...
يا
ولدي ...... بشار
د.
منير محمد الغضبان *
وأقولها ولدي
لفارق السن بيني وبينك . ولا
والله ما أحب أن تكون ولدي
وملء الأرض من أمثالك وأنت
تقيم على ظلمك وطغيانك . وقد
كشرت عن أنيابك تريد أن تلغ بدم
شعبك . وتعلن أنك قررت استئصال
فريق منه ، كما قرر أباك قبل
ثلاثين عاما عندما كان في سنك .
وكأنك تقول (( إنا وجدنا آبائنا
على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
)) لقد قلنا لك قولا لينا خلال
خمس سنوات فما تذكرت وما خشيت .
وها أنت تعلن حربك من جديد على
الإخوان المسلمين وتعلن أنهم
إرهابيون مثل القاعدة . كما صرحت
للصحيفة الأمريكية : وقد قتلوا
خمسة عشر ألفا من الشعب . وتمد
يدك لليهود مصافحا ومعانقا .
فتصافح رئيسهم
وترتمي على عتباتهم تطلب
المفاوضة دون شروط
ولو انتهت بسفارة لهم في
دمشق .
ولن أمضي معك برد
الفعل الأحمق ، ولكني أذكرك فقط
.. بالمحطات الأربع
تعال . أقص عليك يا
ولدي قصة مؤتمر مثل هذا المؤتمر
.. حيث كنت في الرابعة من عمرك
تلهوا بألعابك . ويسيل مخاطك
ولعابك . في ليلة ليلاء . عندما
قرر حزبك هذا الذي تجتمع اليوم
في مؤتمره العاشر . أن يدين من
أسقط الجولان . وقاد لهزيمة
حزيران . ورأى أن أباك ورئيس
أركانه هما المسؤلان عن أعظم
هزيمة لأمتنا في القرن العشرين .
لم يكن من أبيك
إلا وتحرك في تلك الليلة
الليلاء . بجيوشه وعساكره
ودباباته وطائراته . وأحاط
بالمؤتمر والمؤتمرين
والمتآمرين جميعا وساقهم
بعساكره إلى السجون . واعتلى سدة
العرش . وأعلن انقلابه وحركته
التصحيحية . أترى هؤلاء الأربعة
الذين يجلسون معك على سدة طاولة
الرئاسة : عبد الحليم خدام ،
وعبد الله الأحمر ، ومصطفى طلاس
، ومشارقة وغيرهم . لا أدري .
هؤلاء وحدهم الذين كانوا ضد
إدانة أبيك ، فأعفوا من
الاعتقال . وصاروا نواة الحزب
الجديد ولا
يزالون منذ ستة وثلاثين عاما
يحكمون هذا البلد . وهاهم اليوم
يرمون في
سلة المهملات . وماذا كان مصير
المؤتمر القومي والقطري ؟ كان
مصيره – وعلى رأسه رئيس البلاد
الأتاسي وأمين الحزب صلاح جديد
ودولتهم وحكومتهم وهم الذين
جاؤا بأبيك وأدخلوه الجيش – كان
مصيرهم البقاء عشرات الأعوام في
السجون حتى خرجوا إلى القبور ،
أو شبيه القبور . وبقي أبوك يصول
ويجول وحده في الساحة قائلا :
أليس لي ملك سورية وهذه الأنهار
تجري من تحتي أفلا تبصرون . أم
أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا
يكاد يبين. والذي
يدعى بصلاح جديد .أدعوك إلى هذه
الغبرة الأولى ، خاصة أنك كنت
طفلا عندما تم ذلك الاغتيال
للحزب .
ثم أدعوك إلى
العبرة الثانية ، وقد صرت فتى
يشار إليك بالبنان ، وابن أسد
سورية أو سورية الأسد التي
ورثها عن آبائه وأجداده ، وطويت
على اسمه . بدأ يعد العدة
لتوريثها لأخيك باسل ليعتلي على
العرش بعده . فسورية هي الأسد ،
والأسد فقط ليس لها تاريخ قبله
ولا تاريخ بعده . وأصبحت صور
أخيك مع صور أبيك تملأ في سورية
كل فج ، وأبعد الأبعد فرعون
الصغير عمك رفعت ، واستقام
المنسم لأخيك ، وأخذت الشهادة
الثانوية ، ومضيت مختارا إلى
أوروبا ، بعيدا هن هم السياسة ،
لتكون طبيب عيون نطاسيا بارعا
يشار إليك بالبنان .
وعين الثأر لم تنم
حين نمت وأباك قرير العين .فقد
ذبحتم المدينة حماة ، التي وقفت
في وجوهكم ، ووزعتموها على
السجون والقبور والمنافي . دون
أن يرف لكم جفن .
أذكرك يا ولدي
وأنت الرئيس الأوحد اليوم ، ولا
أحد فوقك إلا ربك .
عين الثأر لم
تنم إذن يا ولدي ، فالذين
قتلتم سيدهم من آل جديد . دبروا
المؤامرة ، وحيث كان أبوك يقول :
من سيقف في وجهي ، سوف أصليه
نارا .
كان القدر يقف في
وجهه . فإذا أخوك قطعا وأشلاء
ممزقة ؛ سواء كان ذلك بجنونه
وجنون سيارته ، أو كان
الموتورون الثائرون وراءه .
ولكن ماذا يفعل الإله السوري ؟!
ممن ينتقم ؟!من القدر ؟! من الله
؟! ، يحارب الله ؟! يحارب القدر ؟!،
يوجه الدبابات إلى السماء ؟! أم
يرسل إنذارا إلى الله الذي
استلب ابنه على عينيه ن كما
استلب هو عشرات الألوف من أبناء
الأمة من قلوب أمهاتهم ، وفلذات
أكبادهم .
لو كنت أنت المرشح
للرئاسة آنذاك . لكنت أنت تلك
القطع الممزقة ، والأشلاء
المتناثرة ، ولفاتك شرف الرئاسة
اليوم ، ألا يعطيك مصرع أخيك
درسا وعبرة في إنقاذ المظلومين
، والتخلي عن خط الظالمين
والمستبدين .
لقد كانت المحطة
الثانية ، واستدعيت على عجل
ونودي بك وريثا للسلطة .
وتركت علمك وجئت لتعد رئيسا
لسورية في الثلاثين من عمرك ،
وبدأت الدنيا تضحك لك . وكانت
ذروة ضحكها في ذروة محنتك.
هاهو حافظ الأسد
الذي ترتجف القلوب من اسمه ،
وترتعب الأفئدة من ذكره . هاهو
ملقى ميتا على سريره في جانب
البيت . وجاءت الدنيا ورؤساء
العالم ، وشيعوا جثمان أبيك ،
وأنزلوه إلى قبره . وفي أقل من
أسبوع صرت الأسد الجديد الثاني
لسورية .
هل لك أن تذهب إلى
قبر أبيك لتنظر إلى ذلك الجمال
الآسر ، والشباب الفائر ،
والقامة الوسيمة ، والبزة
المرشومة بالأوسمة . لقد كان
رئيسا مثلك يوم ارتديت أوسمتك .
وفي عمره مضى أبوك . دون أن تملك
له الدنيا كلها أن تزيد لحظة
واحدة في عمره ، وأفضى إلى ما
قدم . وسيجد سبعة عشر مليونا في
انتظاره كل يطالبه بحقه منه ؛ لم
أجاعه ؟ لم
أخافه ؟ لم قتل أخاه ؟ لم شرد
أباه ؟ لم ذبح ابنها ؟ لم ، لم ،
لم ، . وليجب على هذه التساؤلات
أمام ربه . أيضرب بكفه فيحضر
دوبا وحيدر وطلاس فيأخذون
المحتجين ضده إلى المشنقة ؟!
ماذا يفعل ؟! هلك عني سلطانيه .
ألم تتعظ يا ولدي
من هذه المحطة الثالثة ؟
ألف وخمسمائة
ضابط ، اجتمعوا تحت امرتك .
ينتظرون الهمسة من شفتك . وأعلنت
لهم أن لا حل للإخوان المسلمين
إلا الاستئصال ، لقد كان أبي
مصيبا فيما فعل . هكذا بكل بساطة
تقررون استئصال عشرات الألوف
بغضبة مضرية أسدية . من يجرؤ أن
يقول لا . إنه التصفيق والهتاف .
أتذكر إنذارا
بسيطا وجه إليك وإلى قواتك
ومخابراتك في دولتك الثانية
التي كنت تحكمها . ممن هو أكبر من
دولتك ، من أمريكا العظمى .
فخسرت دولتك الثانية كلها وخرجت
مذؤما مدحورا أنت وجيشك
ومخابراتك . ألا تخشى مثل هذا
الإنذار فتفقد دولتك الأولى
ويصيبك ما أصاب سلفك صدام حيث
سقط وسقطت العراق وتريد أن تسقط
سورية معك . أما تخشى ذلك المصير
؟ أن تعيش في عالم من الرعب
والملاحقة في كل مكان .. تتخفى في
زي نساء أو زي شحاذ تخشى أن
تغتال في كال لحظة ، تلاحقك
المخابرات . فتنام في الكهوف
والمغارات . هل الحياة كلها
رئاسة ؟ ألا تدري أين تقود بلدك
؟ أما ترى إلى ما انتهت له
العراق ؟ أما ترى إلى البلاء
والدمار والموت ؟ أما ترى إلى
المجازر والغلاء والفناء الذي
حول العراق إلى مسبعة وحوش وإلى
ضريبة الدم الكبرى التي يقدمها
شعب العراق البطل ضد الاحتلال
الأمريكي ؟
أما تسمع ؟ تريد
بعد مؤتمرك القطري العتيد إصلاح
ما أفسدتموه خلال ربع قرن ونيف ؟
تريدون أن نبقى ساحة تجربة
أربعين عاما أخرى ؛ الوزارة
الأولى والثانية والثالثة ،
المؤتمر القطري ، الخطط الخمسية
والعشرية . وحولتم سورية إلى
مجتمع باطل عاطل جائع خائف
مرعوب .تريدون أن ننتظر مؤتمركم
الهمام حتى يعيد التجربة
بعبقريته الفذة عشرة أعوام أخرى
. الله أكبر . لقد قررتم إصلاح
الفساد وإصلاح الإقتصاد من خلال
الحزب القائد . أما الشعب
فسنعطيه شيئا من الحرية ، يتنفس
من خلال كوة في قبر . يكفيه ذلك .
نحن نهب الحرية التي نريد لمن
نريد والسجون لمن نريد والشنق
لمن نريد . نحن الحاكمون . أواه
لو فكرت في مصيرك أمام هذه
المحطة الرابعة .
أتعلم قرارك
العتيد في منع الأحزاب على أساس
ديني أو عرقي لقد قتلت رمز
الأكراد ، ثم قتلت الأكراد كلهم
في منعهم عن التعبير عن رأيهم من
خلال حزب سياسي . ما الفرق بينهم
وبين العرب . لماذا يحرم عليهم
حزب ينطق باسمهم . لماذا العرب .
أليس العرب عرقا ؟ أم أنهم فوق
الأعراق . لماذا كل الأحزاب
القومية العربية ؟ ستجيب .. نسبة
العرب أكثر من سبعين بالمائة من
الشعب . وإذا كان الأمر كذلك .
فلم لم تراع نسبة سبعين بالمائة
من الأكثرية المسلمة ، فتسمح
لهم بحزب . لا مانع من حزب يقوم
على أساس الإلحاد . فرفض الله
جائز . وعبودية الله محرمة .
شرائع البشر جائزة . وشريعة الله
محرمة .
امض إلى ربك وقد
حملت معك منع شريعته . امض إلى
ربك ، وقد أبحت الحرية لأعدائه .
امض إلى ربك ، وقد حملت على عنقك
مقاومة شريعته ، ومنع التعبير
عنها ، والمطالبة فيها . لا حزب
على أساس ديني أو عرقي . هذه
خلاصة مؤتمرك .
عش ما شئت . ألن
تموت . أقدر بأنك تؤمن باليوم
الآخر . من أرضيت زبانيتك ؟
أزلامك ؟ رجال أمنك ؟ حزبك
العتيد ؟. هنيئا لك به . كل شعبك
يقول لك .. نريد التغيير والحرية
للشعب كله ، هذه مطالب أربعة عشر
حزبا من شعبك . قتلت المعارضة
الداخلية والخارجية في كل
أطيافها واتجاهاتها ، ورفضت كل
مطالبها .
أما تحسب يا ولدي .
أنك سوف يأتيك عزرائيل لحظة .
وهل سينتظرك كما انتظر أباك ؟
عش ما شئت فإنك
ميت . ستنزل في حفرة وحدك وتلقى
كما لقي أبوك عشرين مليونا من
شعبك يأخذون بخناقك ويجأرون إلى
ربهم عن حقوقهم المسلوبة فماذا
ستقدم لهم حيث لا طريق إلا الجنة
أو النار .
(( ولا تحسبن الله
غافلا عما يعمل الظالمون ،إنما
يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ،
مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد
إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء .
وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب
فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا
إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع
الرسل ، أولم تكونوا أقسمتم من
قبل مالكم من زوال . وسكنتم في
مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين
لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم
الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند
الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول
منه الجبال . فلا تحسبن الله
مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو
انتقام )) سورة إبراهيم \ الآيات
42-47
هذا بلاغ ..
*
باحث إسلامي سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|