أمريكا
: البازار العالمي الإلزامي
المؤقّت ..
لابدّ
من التعامل معها.. لكن كيف !؟
عبدالله
القحطاني
1-
أمريكا هي الإمبراطورية
العالمية الوحيدة اليوم ، وهي
إمبراطورية مؤقّتة ، لها عمر
محدّد ، تستهلكه ثم تمضي كما مضى
غيرها ، قديماً وحديثاً..!(ولن
نتحدث هنا ،عن التقارير
والدراسات ، التي تتناول
تناقضات أمريكا الداخلية ،
وتناقضاتها مع العالم.. ـ التي
تزداد خطورة واتساعاً ، يوماً
بعد يوم ـ .. وتفاعلِ التناقضات
الداخلية والخارجية ، في
التعجيل بإنهاء أسطورة
الإمبراطورية العملاقة الفريدة
..! فهذا متروك للخبراء
والمختصّين ، الأمريكان وغيرهم
..!).. ولكل أجل كتاب .
2-
وهي بازار عالمي ضخم ، مفروض
على العالم التعامل معه ، مَن
أحَبه ومَن كَرهه، على مستوى
الدول والحكومات ( والأحزاب
التي تطمح إلى أن تحكم دولاً ،
أو تغيّر حكومات بلادها
المستبدة ، في المناطق الخاضعة
لهيمنة أمريكا أو نفوذها ،
ولاسيّما دول العالم الثالث..).
فهي متغلغلة في مفاصل العالم ،
اقتصادياً وسياسياً وأمنياً .. (وعسكرياً
في الكثير من دوله الكبرى
والصغرى ) في القارّات كلها.. على
شكل هيمنة ، أو نفوذ..!
3-
السؤال الذي يطرحه ، أو
ينبغي أن يطرحه ، على نفسه ، كل
راغب بالتعامل مع أمريكا ، أو
مضطرّ إلى هذا التعامل ، هو: كيف
؟
4-
السؤال ( كيف ؟) ، يجيب عليه
كل متعامل ، حسب حاجته ، وقوّته
، وحجمه ، ووزنه في ميزان بلاده
، وفي الميزان الدولي..! وكل ذلك
انطلاقاً من طبيعته (طينته)
ومبادئه ، وأخلاقه ! وبالطبع ،
حسبما يراه محققاً لمصلحته في
البيع والشراء؛ بيع البضاعة
التي لديه (أو لدَى غيره!) وشراء
البضاعة التي يحتاجها!
5-
نماذج:
أ-
بعض الحكام يبيعون (أو
يرهنون) قرارات الدول التي
يحكمونها ، سياسياً أو
اقتصادياً ، مقابل بقائهم في
كراسي الحكم !
ب- بعض الحكام
يقدّمون في بلادهم ، تسهيلات
لقواعد عسكرية أمريكية ، أو
يُبرمون اتفاقات ، أو معاهدات
طويلة الأجل (عسكرية.. اقتصادية
).. أو يعقدون (تحالفات!) أو صفقات
ضخمة ، لشراء كميات هائلة من سلع
تحتاجها بلادهم، أو (لا تحتاجها!)
مع شركات أمريكية عملاقة ،
تعطَى امتيازات خاصّة ، في
الدولة المعنية!
ت- بعض الحكام
يقدّمون مناطق واسعة من بلادهم
، لدولة حليفة لأمريكا، في حروب
هزلية مفتعلة ، للبقاء في كراسي
الحكم ، أو الارتقاء من منصب
معين ( وزيردفاع مثلاً) إلى منصب
رئيس جمهورية! / والطريف أن
هؤلاء الحكام ، هم أكثر الناس
شتماً لآمريكا ، وتظاهراً
بمعاداتها!/
ث-بعض الحكام
يحشدون جيوشهم تحت قيادة أمريكا
، لمحاربة دولة يسمّونها (شقيقة!)
تخضع مع دولتهم لقيادة حزب قومي
واحد!/ وهم ذاتهم، الذين يكثِرون
مِن شتم أمريكا ، ويتظاهرون
بمعاداتها ، والوقوف في وجه
مخططاتها الامبريالية الخبيثة!/
ج-
بعض الحكام يقدّمون لأمريكا
آلاف الملفّات الأمنية ، عن
مواطني دولتهم ( ثلاثين ألف ملفّ..
مثلاً !) لتلاحقهم أمريكا بتهمة
الإرهاب!/ وهؤلاء الحكام ، هم
أنفسهم ، شتّامو أمريكا ،
الصامدون في وجه مخططاتها ،
الممانعون لهيمنتها ! وقد سمّوا
أنفسهم لهذا : أصحابَ ـ أو أبطال
! ـ (جبهة الممانعة) !/.
وواضح هنا بالطبع ،
أن هذه النماذج المذكورة من
الحكام ، تبيع من حساب دولها
وشعوبها ، لتقبض لحسابها هي: (
مناصبَ..أموالاً..حِمايات أمنية
لها ولكراسيها..!)
ح-
بعض الحكام يتعاملون مع
أمريكا تعامل الندّ مع الندّ ،
يبيعون من حساب دولهم، ليقبضوا
لحساب دولهم ، بموازين دقيقة ،
لا حيفَ فيها ، ولا تفريط ، ولا
تساهل، ولا إهمال ، ولا مجاملة
أو مسايرة ..على مصالح الدول
التي يحكمونها..! كما يتعامل أيّ
تاجر وكيل ، حصيف ، حريص على
الأمانة التي أوكِل إليه أمرها،
أمام شعبه ، وأمام القوى التي
تتربّص به ، داخل بلاده ، من
وسائل إعلام ، وأحزاب، ومنظمات
مجتمع مدني .. ( هذا إذا لم يكن
لديه ضمير حيّ ، يخشى من تأنيبه
، ولا إيمان بإله يخشى أن يحاسبه
..!).
خ-
بعض الأحزاب المعارضة تقدّم
نفسها إلى الأمريكان ، على أنها
البديل الأفضل في بلادها ،
لأمريكا .. وأن الحكم القائم لا
يحقّق المصالح الأمريكية كما
ينبغي ، وأنها مستعدّة لخدمة
مصالح أمريكا كلها ، في بلادها
..! ( وهذا ما يمكن تسميته : الرهان
على النذالة ..! أي : أيّها
الأمريكان عيّنوني بدلاً من
الحكم القائم في بلادي، فأنا
أكثر منه خضوعاً لكم ، وأكثر
نذالة !).
د-
بعض الأحزاب تراهن على
معادلات القوى ، الدولية
والإقليمية والمحلية ،
وتشابكها، وحساب مصالح الفرقاء
، الكبار والصغار.. وتقدّم نفسها
على أنها البدائل الأصلح
لبلدانها وللمنطقة ، ولحفظ
مصالح الدول الكبرى .. بما لا
يناقض مصالح دولها وشعوبها.. ( أي
: تنطلق من حفظ مصالح دولها
وشعوبها أولاً ، وتأتي مصالح
الآخرين بالتبعية ..) وأن النظام
القائم بلغ من الفساد حداً
سيدمّر معه بلاده وشعبه، ويؤذي
المنطقة بأسرها ، ويضرّ بالتالي
، بمصالح الدول الكبرى ، التي لا
تتحقّق ولا تستمرّ إلاّ
بالاستقرار الفعلي ، للمنطقة
ودولها وشعوبها ، عندما تتحقّق
مصالح هذه الدول وهذه الشعوب ،
التي ملّت الطغيان والفساد ،
والفقر والتخلف والاستبداد!
(وواضح أن الرهان هنا ، هو
رهان على تحقيق مصالح الدول
التي ابتليت بحكم الطغاة
الفاسدين ، وأن مصالح الدول
الأخرى إنّما تتحقّق بتحقّق
مصالح الدول التي تسعى إلى
إنقاذ شعوبها من هؤلاء الطغاة ،
الذين إذا استمرّوا سيدمّرون
بلدانهم بفسادهم ، أو تتحرك
ضدّهم شعوبهم ، فتَحدث مجازر قد
تؤذي سائر الفرقاء أصحاب
المصالح ، في المنطقة وفي
العالم !) . وإذا كانت أمريكا ـ
شأنها شأن سائر الدول ـ لا تثق
بمجرد الوعود ، بل تنظر إلى
أصحابها وإمكاناتهم ، وتمعن
النظر في الواقع ومعادلاته
وتفاعلاته .. فقد تجد في هذا
الكلام واقعية ترجّح ، من
خلالها ، أن مصالحها الحاضرة ،
والمتوقعة مستقبلاً ، إنّما
تكمن هاهنا ..!
/ ونحسب هذا الرهان
، أو ما يدور في إطاره ، هو
الرهان الوحيد ، الذي يمكن أن
يطرحه سياسي عاقل شريف ، على
الساسة الأمريكان ، وغيرهم من
أصحاب القوى والنفوذ والمصالح،
في بلادنا المبتلاة بحكم
الطغيان والفساد !/.
وتبقى نقطة جديرة
بالتأمل والاهتمام ،هي : إذا
كانت أمريكا قد تلقّت دروساً
قاسية، من احتلالها لأفغانستان
والعراق .. وأنها مِن شِبه
المستحيل عليها عقلاً، أن تكرر
تجربة الاحتلال ، في المدى
المنظور ، في دولة أخرى لا تضمن
النجاح التامّ فيها بشكل يقيني
قاطع ..
وإذا كان الحكام الطغاة في
بلادنا عرفوا هذه الحقيقة ،
واطمأنّوا إلى أن مصيرهم لن
يكون كمصير حكام الدولتين
المذكورتين ، وفي الوقت ذاته
طفقوا يخيفون شعوبهم ، من أن أيّ
تغيير لحكمهم ، سيجرّ البلاد
إلى مصير مشابه لمصير الدولتين
المذكورتين ، لتخنع الشعوب
وترضى بحكمهم الأسود..! إذا كان
ذلك كذلك ، فإن على قوى المعارضة
السياسية الواعية، أن تكون أكثر
إدراكاً لهذه الحقيقة ، وأن
تبذل ما في وسعها ، للإفادة من
المناخ الدولي ، في سعيها
لتخليص شعبها ، من براثن
الطغيان والفساد ، في أقرب وقت
ممكن ..!
وواضح هنا ، فيما
نحسب ، أن الكلام
ـ إن لم يكن في سطوره ، ففيما
بين سطوره
ـ منصبّ على نظام الحكم السوري
الخانق المقيت ، وعلى القوى
السورية المخلصة الجادّة
المعارضة له..!
ولله درّ القائل :
هذا أوان الشَدّ.. فاشتدّي
زِيَمْ !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|