معوقات
التغيير في سورية (1):
السلبية
المسيطرة
محمود
عكل*
يتساءل الكثير من المتابعين
للشأن السوري عن تأخر التغيير
طيلة هذه السنوات، ويبدون
دهشتهم البالغة إزاء قبول النخب
والشارع بالأوضاع السياسية
والاقتصادية والاجتماعية
المتردية والتي تزداد سوءاً
يوماً عن يوم دون أن يكون هناك
حراك واضح باتجاه التغيير.
من المنطقي أن تكون دراسة
المعوقات أولى الخطوات نحو
التغيير ذاته بحيث يستطيع
الراغبون في حدوث التغيير أن
يتعاملوا مع هذه المعوقات
ويحولوها إلى عوامل إيجابية أو
على الأقل يتم تحييدها لتستطيع
العوامل الإيجابية التأثير في
الكتلة الشعبية (المتكلسة) عبر
سنوات طويلة من الجمود المفروض
عليها.
وإذا كانت المعوقات كثيرة
وواضحة، فلعل من المفيد أن
نضعها في إطار واحد وبمنهجية
منتظمة لإثارة النقاش حولها من
المهتمين بالشأن السوري،
وإمداد المعارضة – المتعثرة
حتى الآن – بوجهة نظر جديدة غير
متأثرة بفكر تنظيمي مسبق كونها
تأتي من طرف غير منتم إلى أي من
تنظيمات المعارضة أو الموالاة.
قد تتساوى المعوقات من ناحية
أهميتها أو تأثيرها على
التغيير، إلا أن بعضها يظهر
بشكل أكثر حدة من الأسباب
الأخرى في مراحل معينة،
كالمرحلة التي تعيشها عملية
التغيير الآن، حيث يجمد الجميع
في انتظار ما ينتهي إليه تقرير
براميرتز، وهل سيوجه الاتهام
المباشر للحكومة السورية أم لا؟
ويأملون أن تستدعي المحكمة
الدولية الموعودة بشار الأسد
وأعوانه لتوجيه الاتهام إليهم
في قضية اغتيال الحريري.
هذا الانتظار بحد ذاته يعد
واحداً من علامات أحد أهم
معوقات التغيير في سورية، وهو
السلبية المطلقة المسيطرة على
مختلف فئات الشعب السوري.
على الصعيد الشعبي
يعاني الشعب السوري عموماً،
والطبقة الوسطى والفقيرة بشكل
خاص، من الإحباط، ويتعامل مع
الكم الهائل من الفساد والمشاكل
الاجتماعية والاقتصادية التي
تحيط به بنوع من التعايش السلبي
الذي طبع الحياة السورية منذ
هزيمة 67 حتى الآن.
فمع انتشار الفساد في البلد،
وظهور طبقة من المتنفذين الذي
يملكون العلاقات مع أجهزة القمع
السلطوية مما يجعلهم في منأى عن
المحاسبة، أصبح الحديث عن
محاربة الفساد على المستوى
الشعبي ضرباً من الجنون، وكثير
من المواطنين يقولون بأسى: الكل
فاسدون، فلماذا تتعب نفسك؟
ولعل اللافت للنظر أن المغتربين
من السوريين الذين يعيشون في
دول محترمة ويدركون الفارق بين
دول ترعى شعبها ودولة مثل سورية
(ترتعي) شعبها، هؤلاء المغتربون
يتعاملون مع الحالة التعيسة
التي يعيشها المجتمع السوري
ببرود شديد، ويدافعون عن
سلبيتهم هذه بأن الرئيس الشاب
قد حسن الأمور كثيراً، وأصبحت
في البلد سيارات حديثة، وسمح
بإدخال الأطباق الفضائية
والإنترنت، ولم تعد تنقصها
السلع الأجنبية التي كانت من
المحرمات/المهربات في عهد
الرئيس الأب!
أما الأغنياء فمن كان في البداية
غير فاسد أصبح مستفيداً من
الفساد، وبالتالي شريكاً فيه
ولم يعد من الممكن أن يحاربه
وإلا اعتبر أنه يحارب نفسه،
وكثير من التجار العريقين الذين
ورثوا ثرواتهم وتجاراتهم ولم
يكونوها بالسرقة أصبحوا
يتعاملون مع رموز السلطة
ويشاركونهم في العوائد (لتسهيل)
بعض المعاملات.
على صعيد النخب
لم تكن النخب السورية أفضل حالاً
من الشعب، فرغم وعيها بما يجري،
ومعرفة أفرادها بمدى سوء الحالة
التي تنزلق إليها البلاد،
تعاملت هذه النخب مع ما يجري
بالسلبية الشعبية ذاتها، وإن
كانت ناتجة عن دوافع مختلفة إذ
تعود سلبية النخب بشكل رئيسي
إلى الخوف الذي سيطر على البلاد
ما يقارب الثلاثين عاماً في ظل
قانون طوارئ لا يكفل أي حقوق
للإنسان السوري.
وحتى نخب المعارضة الداخلية، بعد
أن أصبح هناك هامش بسيط من
الحرية سمح بقيام ربيع دمشق، لم
تستطع أن تتجاوز السلبية إلى
حدود التواصل مع الشعب، بل
اقتصر دورها على الحوار بين
المعارضة وبعضها، وبين
المعارضة وممثلين عن السلطة
بهدف (جس النبض) تجاه التحرك
الشعبي، وهو ما انتهى تماماً
بإغلاق منتدى الأتاسي كخاتمة
متوقعة لفترة ربيع دمشق.
أما المعارضة الخارجية فسلبيتها
نابعة عن بعدها عن كوادرها –
هذا إن افترضنا وجود كوادر لها
في البلاد – وعدم قدرتها على
تنظيم العلاقة مع مؤيديها داخل
سورية، مما جعلها تعيش على
إصدار البيانات والمشاريع التي
لا يقرؤها إلا من أعدوها،
وتوجيه الرسائل للشعب السوري –
السلبي أصلاً – للتحرك ضد
حكومته وفسادها، دون أن تقوم
هذه المعارضة بمبادرة جريئة –
كمبادرة الخميني مثلاً – تضع
النظام أمام تحدٍ حقيقي بدلاً
من إمتاع ضباطه الكبار بقراءة
الحكايات المفبركة عن الأحاديث
التي جرت في اجتماع مغلق بين
الرئيس وأمه في حملة
كاريكاتيرية تشنها مواقع
المعارضة السورية على الإنترنت
والتي أصبحت أعدادها أكثر من
الهم على القلب.
هذه القوى يجب أن تملك أكثر من
انتظار المحكمة الدولية وما
ستسفر عنه من استدعاءات مأمولة
لأركان النظام السوري، خصوصاً
أن نظام المحكمة الدولية الذي
يعين أعضاءها لمدة ثلاثة سنوات
قابلة للتجديد يفسح المجال أمام
النظام السوري للوصول إلى صفقة
تخرجه من الجريمة بتقديم المزيد
من التنازلات على حساب الكرامة
السورية التي استباحها طوال
السنوات الخمسين الماضية، وقد
بدأت ملامح هذه التنازلات في
الظهور بتصريح وزير الخارجية
السورية باستعداد نظامه
للمفاوضات مع إسرائيل بداية
العام القادم دون أن يذكر أي
شروط لبدء التفاوض.
التحرك الإيجابي لا يعني
الانقلاب العسكري، فالجميع
يدرك صعوبته في ظل فساد الضباط
الكبار كلهم، كما أنه لا يعني حث
الإدارة الأمريكية على التدخل
العسكري، فالاستقواء بأي جهة
غريبة مرفوض تماماً من فئات
الشعب السوري على اختلافها، لكن
قوى المعارضة تملك بالتأكيد أن
تكون أكثر إيجابية من التهليل
لتقارير براميرتز والاجتهاد في
تفسير عباراته بشكل يوحي بأن
النظام السوري متورط لا محالة
بالجريمة.
الحالة الراهنة للمعارضة
في الوقت الحالي، تعجز المعارضة
السورية المشتتة عن إقناع أي من
الحلفاء المحتملين بجديتها،
كما أنها لا تخيف حتى أصغر عريف
في المخابرات السورية، وتبدو
قواها المشتتة ومحاولاتها
المرتبكة مضحكة إلى حد البكاء.
وفيما تبدو جبهة الخلاص الوطني
الأكثر حضوراً حالياً بسبب
الكثرة العددية لأتباعها (خصوصاً
في المنفى)، تبقى مصداقية
الجبهة وقدرتها على القيام
بتحرك إيجابي منفرد مسألة فيها
شك في ظل إحجام عدد من الوطنيين
عن التعامل مع نائب الرئيس
السوري السابق عبد الحليم خدام
بسبب تاريخه المخجل في دعم
النظام الدكتاتوري والدفاع
عنه، إضافة إلى معاداة كثير من
القوى للإخوان المسلمين الذين
يشكلون الجناح الثاني للجبهة،
وفوق ذلك كله، تخوف القوى
الدولية الفاعلة من دعم هذه
المعارضة بسبب خوفها من الإخوان
الذين يملكون من الأعداء على
الصعيد الدولي أكثر بكثير من
الأصدقاء.
تملك قوى التحرر الوطني في سورية
أن تكون إيجابية، وأن تفعل
الكثير عبر التجمع في برلمان في
المنفى يضم كافة أطياف المعارضة
الديمقراطية دون استثناء،
ويتجاوز السلبيات التي مرت بها
التجارب الفردية كجبهة الخلاص
أو إعلان دمشق لجهة التفرد
باتخاذ القرار أو عدم وضوح
البرنامج العملي والزمني
للتغيير.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|