الحرية
والعبودية.. بين الجسد والفكر
(
زمرة الحكم السوري نموذجاً )
عبدالله
القحطاني
1- الجسد عبد في كل
الأحوال :
· عبد مسخّر لصاحبه
: يطعمه ما يشاء ، ويسقيه ما يشاء
، ويؤذيه كما يشاء ، ويحمّله من
الأعباء ما يشاء ، ويؤجّره
للعمل عند من يشاء..!
· عبد لمن يستعبده
مِن البشَر : يسخّره فيما يريد
من الأعمال ، الهينة والخطيرة،
والسامية والمتدنية ..!
2- الفكر بين الحرية
والعبودية: ( مع التنبيه إلى
النسبية في الحالتين)
· لديه حرية نسبية ،
في إطار إمكاناته ومواهبه ،
وملكاته الوراثية والمكتسبة..
· في إطار حريته
النسبية المتاحة له ، هو حرّ في
البحث بين الخيارات ، الفكرية
والعقدية والمذهبية والسياسية..!
وهو حرّ في اعتناق ما يراه
الأفضل له من بينها..! ويتحمّل
تَبعات هذا الاختيار.
· وهو حرّ ، في أن
يلغي حريته النسبية ، ويعبّد
نفسَه ـ أي الفكرـ لأفكار
الآخرين! (والفرق كبير جداً بين
الاقتناع بأفكار الآخرين ، أياً
كانوا ، وأياً كانت درجة
الاقتناع، وأياً كانت الأسباب..
وبين العبودية لأفكار الآخرين ،
أياً كانوا ، وأياً كانت درجة
العبودية ، وأياً كانت الأسباب /
الخوف .. الطمع.. الثقة الزائدة
..!/. ففي حالة الاقتناع ، يظلّ
محافظاً على شيء من إحساسه
بإنسانيته ، أيا كانت درجة هذا
الإحساس ! وفي حال العبودية
لأفكار الآخرين ، يفقد إنسانيته
بالكامل ، ويفقد إحساسه بها ،
ولا يبقى لديه إلاّ إحساسه
بحياة جسده ، وما يدور في
إطارها، من ضرورات وحاجات ومتَع..!
3- يحرص الحكام
الطغاة ، الذين يستعبدون أجساد
البشر .. يحرصون عادةً ، على
استعباد عقولهم ، عن طريق
الدعاية والإعلام ، والوسائل
المتاحة لديهم لعمليات غسل
الأدمغة ، بصورة مستمرّة طوال
الوقت ! (ما علمت لكم من إله غيري..)
( ما أريكم إلاّ ما أرى وما
أهديكم إلاّ سبيل الرشاد ) !
4- المجموعات
البشرية التي تحيط بالطغاة ،
تكون في العادة ، قد اختارت
لأنفسها الخيار الأسوأ
إنسانياً ، وهو العبودية
الفكرية للحاكم ..! فأفكارهم
أصداء لأفكاره ، مهما ملكَ
أحدهم من مؤهلات فكرية ، وملكات
عقلية ، وطاقات إبداعية ! فإذا
كذب الحاكم كذبة يمدح بها نفسه ،
أو يدافع بها
عن موقف من مواقفه ، أو سياسة من
سياساته .. طفق الفريق المحيط به
، من موظفين وأعوان ، ووزراء
ومستشارين ، يمجّدون كذبته،
ويزيّنونها ، ويصفّقون لها ،
ويشتقّون منها ـ لدعمها
وتأييدها ـ
أنواعاً من الأكاذيب
الملونة المزركشة ، قد لا تكون
خطرت في ذهن الكذاب الأصلي ، ولا
تخيلهاَ ..!
5- لو أخذنا سورية
نموذجاً ، فسيظهر لنا فيها ما
يلي :
· كذاب أصلي واحد ،
هو الغلام الحاكم الأوحد ،
الطاغية المتفلسف ، وحوله
مجموعة من الأصداء الصوتية ، كل
صوت يَصدر عنه ، تقوم هذه
الأصداء بنشره في وسائل إعلام
الدولة كلها ، ووسائل الإعلام
الأخرى (القابضة!) عبر الأصداء
المأجورة ..! وتضفي هذه الأصداء ،
على هذا الصوت (الرخيم!) ، ما
تقتضيه أصول العبودية ، من
توابل ونكهات ، وألحان وأنغام ..
حتى يظنّ السامع المغفّل ، أن
مزامير داود بُعثت حيّة ، في
أنحاء الشام ، وبات الناس
يسمعونها في قارّات الدنيا كلها
، تنقلها الريح ، وترددها
الجبال والشعاب ..! فلو نَسب
الطاغية إلى نفسه تلميحاً ،
شيئاً من الذكاء المميّز ـ وهو
يتظاهر بنوع من التواضع المزيف!
ـ لثارت الأصداء ، تصفه
بالعبقرية حيناً ، وتخلع عليه
بعض صفات النبوّة حيناً ! ثم
يتفنّن بعضها حيناً، فيخلع عليه
بعض صفات الألوهية..! ولو سأله
صحفي عن السلام ، فأجاب بأن
السلام هو خياره الاستراتيجي
الوحيد .. لتحولت حوقة الأصداء
إلى جوقة سلام كاملة ، لا تعزف
إلا لحناً واحداً هو لحن السلام
! ولتحولت سورية كلها ، وطناً
وشعباً ودولة ـ
تاريخياً ـ إلى مهد للسلام ،
من عهد آدم عليه السلام ..! ولو
سئل ( أيْ : الكذاب الأصلي ) عن
الصمود والتصدي ، والممانعة
والنضال ، والبطولة والرجولة
والثبات ، والعزّة الوطنية ،
والشموخ القومي ..! فحدّث عن
الجوقة ولا حرج ! فإن سورية
بأسرها ، تتحول إلى لحن صاخب
مجلجل ، يتردّد في أنغامه بيت
سليمان العيسى :
على أقدامِنا سقَط
المُحالُ
وأورقَت الرجولةُ
والرجالُ
وخلاصة القول ، في
موقف جوقة الأصداء العبيد هذه ،
من سيدها الكذاب الأصلي، أنه
حقّق في نفسه مضمونَ بيت أبي
تمّام :
إقدامُ عمرٍو في
سَماحةِ حاتمٍ
في حِلمِ أحنفَ في
ذَكاءِ إياسِ!
أمّا الجوقة نفسها
، فلن نتحدث عنها هنا ، عن
أسمائها ومناصبها ، ومؤهّلاتها
الحقيقية ..! إذ لن نستطيع
تعريفها بأفضل ممّا عرّفها به
سلوكها وأخلاقها ..! وحسبنا أن
نشير إلى منصبين من مناصبها ،
هما منصب وزير الإعلام ، ومنصب
وزيرة المغتربين ! فمن أراد أن
يعرف ما في سورية من ( عدالة ،
وحرية ، وحقوق إنسان ، ورفاه
اقتصادي ، وكرامة مواطن ، وقضاء
عادل نزيه ، واحترام لحرية
الرأي ، وخلوّ المعتقلات
والزنازن من سجناء الرأي ..)
فليسمع الصوت أولاً ، صوتَ
الكذاب الأصلي ، ثم ليسمع بعده
هذين الصديَين العبدين ، صدى
وزير الإعلام ، وصدى وزيرة
المغتربين ! وإذا كان إعلامياً
محترفاً ـ أو هاوياً ـ أو كان
مغترباً مغرباً عن وطنه قسراً ،
فليتناول قبل السماع ، كميةً
مناسبة من المهدئات ، كي يحفظ
أعصابه من الانهيار..! وليعزّ
نفسَه بقول المتنبي عن نفسه ،
وهو مجرد شاعر، لا حاكم طاغية :
ودَعْ
كلّ صوتٍ غيرَ صوتي ، فإنني
أنا الصائحُ المَحكيّ ..
والآخَر الصَدى!
دون أن ينسى بالطبع
، أن أصداء المتنبي كانوا شعراء
، يقلدون صوتاً شعرياً قوياً..
وحتى لو كان كاذباً ، وكانوا هم
مجموعة من الكذَبة ، فإن كذبهم
يظلّ في إطار الشعر، لا يَخرج
عنه ! أمّا أصداء الكذاب السوري
الأول الأصلي ، فهم وزراء
ومستشارون ، ورجال دولة ـ بحسب
الأصل ـ ! وهم يقلدون صوتاً
عاجزاً ، باهتاً بليداً ،
وترويجُهم لكذبه ، يزيّف وعيَ
الناس، ويعلم الأجيال الكذب ،
عبرَ ( القدوة الرائعة !) ويخرّب
البلاد ، ويسيء إلى سمعة الدولة
في العالم ..!
ويبقى سؤال ، لعله
الأكثر إحراجاً ، للكذاب الأصلي
وجوقةِ أصدائه ، هو :
هل هؤلاء العبيد
الكذَبة يطيلون ـ بترويجهم لكذب
الحاكم ـ عمرَ هذا الحاكم في
الحكم ، أم يقصّرونه !؟
وإلى أن يتلقّى
سؤالُنا هذا جوابَه .. وإلى أن
تَلقى الأصداءُ الكاذبة
مصيرَها الذي سبقها إليه
أمثالها ، سنردّد بيت المتنبي :
نامتْ نواطيرُ مصرٍ
عنْ ثَعالبِها
فقدْ بَشِمْنَ .. وما
تَفنَى العناقيدُ
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|