متى
تصبح سورية مثل المغرب؟
د.عمار
قربي*
في إطار نشاطات الاتحاد
الاوربي حول الشراكة الاوربية
المتوسطية لدول اوربة مع الجنوب
وبمراقبة الشبكة الاوربية
المتوسطية لحقوق الانسان
واشراف من الفيدرالية الدولية
لحقوق الانسان وتنظيم مباشر من
المنبر الاورومتوسطي عقد في
مراكش بالمغرب المنتدى
الاورومتوسطي لقائه الثاني من 4
حتى7 -11-2006، ودعي اليه اكثر من 350
شخص يمثلون المجتمع المدني في 38
دولة منها سورية، حيث تمت دعوة
حوالي 13 شخص يمثلون 13 منظمة من
منظمات المجتمع المدني في سورية
سواء كانت تلك المنظمات مرخصة
ام غير مرخصة.
ومنذ قرار المشاركة وحتى
العودة الى الوطن كان لابد من
تسجيل عدة ملاحظات باعتبارنا
حديثي العهد بهكذا مشاركات، اذ
كان الطريق طويلا وشاقا حتى
المغرب فاربعة اشخاص من
المدعوين السوريين كانوا
ممنوعين من السفر وانا منهم
وكان لابد لنا حتى نسافر من
اجراء مراجعات مارثونية الى
الفروع الامنية مرورا بادارة
الهجرة والجوازات وانتهاء بقسم
المحفوظات بمطار دمشق الدولي و
استطعنا بالنهاية الحصول على
اذن بالسفر لمرة واحدة رغم ان
منعنا من السفر غير صادر عن جهة
قضائية وانما صادر عن جهة امنية
وبالتالي فهو غير دستوري
باعتبار ان الدستور السوري ينص
صراحة على حق المواطن بالتنقل
بحرية داخل الاراضي السورية
وخارجها.
الحصول على الفيزا المغربية
كان سهلا على عكس التاشيرات
الاوربية، حتى ان السفير
المغربي استقبل بعضنا بنفسه
ودعانا على الشاي المغربي
الاخضر، واعفانا من ثمن
التأشيرة، وبعد ان اعطانا خريطة
المغرب من اجل السياحة ان اتسع
وقتنا جرى حديث صريح عن
التحولات الديمقراطية بالمملكة
المغربية مذ خرج المعارض عبد
الرحمن اليوسفي من السجن
واستلامه لرئاسة الوزارة هناك
اضافة الى اعتذار الملك الحالي
عن تصرفات والده،ناهيك عن فتح
كل الملفات الشائكة بما فيها
مسالة التعويضات للمفقودين
والمعتقلين السياسيين كخطوة
اخيرة تجاه المصالحة الوطنية
بالمغرب......وكان السفير المغربي
هادئا رزينا ومتوازنا في حديثه
مما جعلني اشرد بذهني الى
مقارنة ما حدث بالمغرب بما لم
يحدث في سورية وجعلني عاجزا عن
تفسير عدم حدوثه، مالذي يمنع
السلطات السورية من فتح هذه
الملفات ؟ واذا كان احتلال
الجولان سببا في فرض قانون
الطوارئ بسورية فإن احتلال سبتة
ومليلة المغربيتين من قبل
الاسبان كان سببا في تشكيل
وزارة خاصة بحقوق الانسان
بالمغرب في الوقت الذي ترفض فيه
السلطات السورية الترخيص لاي
منظمة حقوقية !!وتساءلت عما
سيكون عليه الوضع في سورية لو
كان لدينا مشكلة الصحراء
المغاربية ؟
ومما زاد في استغرابي عند
السفر ان الخطوط الجوية
المغربية ليست افضل من مثيلتها
السورية كما ان الاجراءات
الامنية في مطارات المغرب كانت
معقدة كما لو انك في سورية، اي
ان الانفتاح المغربي على الاخر
لم يخل بالطابع الامني لدول
العالم الثالث ولا اعتقد ان
احداً في سورية يريد اكثر من ذلك.
ومما زاد الامور احباطا ان
الرحلة الى المغرب كانت عن طريق
استانبول التي لم نر منها سوى
مطارها الذي كان كافيا ليسخر من
كتب التاريخ التي درسونا اياها
في مدارس " الثورة " حيث
علقت اغلب اسباب تخلفنا على
الاحتلال التركي لسورية لاربعة
قرون، حتى اصبحت اشك في ان هذا
الاحتلال هو الذي منع تركية من
التقدم !!
واذا عدنا الى ظروف نشأة كلا
الدولتين في العصر الحديث
وقارنا مخططات سايكس بيكو التي
قسمت المنطقة وجعلتها ترزح تحت
الاحتلال بمسميات مختلفة من
وصاية وانتداب وحماية..كانت
تركية تواجه احتلالا من خمسة
دول هددت وجودها اصلا.
نعود الى المغرب، وتحديدا الى
مراكش عاصمة المرابطين ودولة
يوسف بن تاشفين مكان
المؤتمر،وقد بدت من الطائرة
وكأنها مدينة انتاج سنيمائية،
اذ ان ابنيتها منخفصة العلو
وذات طابع عمراني واحد ناهيك عن
لونها الترابي الموحد الذي صبغ
جدران ابنيتها ونوافذها
وارصفتها واسوارها حتى انه طال
الصفيح في مراكش، هذا اللون
الذي تماهى مع لون الصحراء التي
تحيط بمراكش.
ورغم جمالية المدينة "الموحدة"
الا انني شعرت اني في مدينة
شيوعية ترجع الى العهد
الستاليني لاتملك فيها حق
اختيار لون نوافذ منزلك او سور
حديقتك، هذا النموذج جذب السياح
من مختلف اصقاع الارض جعل معه
عدد السياح اكثر من سكان
المدينة من المغاربة، ورغم ان
مراكش لاتعود في التاريخ لاكثر
من الف عام مقارنة ببعض المدن
السورية التي تعود لالاف السنين
الا ان البنية التحتية في تلك
المدينة الصغيرة من فنادق
ومطاعم وخدمات استطاعت جذب
الملايين بالوقت الذي عجزت فيه
سورية عن اكمال فندق ثان من فئة
خمس نجوم بمدينة مثل حلب تبلغ
اربع اضعاف مراكش و كانت عاصة
للثقافة الاسلامية هذا العام
ناهيك عن موقعها التاريخي
كعاصمة لطريق الحرير وبدلا من
ان تزين شوارعها البضائع
المختلفة اصبحت القمامة السمة
الرئيسية لشوارع عاصمة الشمال
السوري.
عندما تختلط بالناس بمراكش
تكتشف انهم ورغم بساطتهم وفقر
اغلبهم الا انهم مؤهلين للتعامل
مع الغريب وهم ودودون وخدومون
ولهفتهم عالية لمساعدتك كما
انهم كرماء ومؤدبين وان شكرت
احدهم اجابك بجملة -لا شكر على
واجب- حتى لو كان هذا الشخص من
الامن او من الشرطة المغربية،
ولكن لا بد ان يلفت انتباهك
وبشدة الثنائية في اللغة
المستعملة هناك والتناقض
الشديد بين ما هو مكتوب وبين ما
هو محكي، فاللغة المكتوبة في
الصحف وفي الاعلانات واللافتات
والكتب لغة عربية اصيلة ومنقحة
على اكمل اصولها حتى انك تستغرب
بعض العبارات من قبيل " مخدع
الهاتف " اي كوة الهاتف و "
محجز السيارات " في اشارة الى
كراج الحجز و" مديرية الفلاحة
" اي الزراعة و" العرصة "
اي العقار، وفي المطار تتعرف
على " بهو " اي صالة و "
فضاء " اي قسم، اما السهم الذي
يقودك الى " الاركاب " فهو
يعني الركاب في صالة المغادرة.....وكلمة
" جهوي " تعني فرعي او
اقليمي فمثلا فرع الامن السياسي
بريف دمشق يدعى بالمغرب الامن
السياسي الجهوي بريف دمشق.
ولكن..ورغم هذه اللغة العالية
المكتوبة الا ان عموم الشعب لا
يتكلمها ويتكلم لغة اغلب
مفرداتها فرنسية وعندما تتجرأ
وتسالهم عن ماهية هذه الكلمات
يتفاجؤون ويفاجؤونك بأنهم
يتكلمون العربية !! وحاولت ان
اتحدث اللغة العربية الفصحى عسى
وعل ان يفهمني احد ولكن هيهات،
حتى اني طلبت من احد سائقي
التاكسي ان يقلني الى السوق الا
انه لم يفهم طلبي الا بعد ان قلت
له " مارشيه "اي السوق
بالفرنسية، وعندما تحدثت مع
الناس عن هذه المشكلة وسالتهم
كيف تعتبرون انفسكم عربا وانتم
لا تتكلمون العربية فقالت لي
احدى السيدات البسيطات ليس
المهم ان نتكلم العربية وانما
المهم ان نفكر بالعربية وربما
هذا افضل من بعضكم الذي يتكلم
العربية ويفكر بالفرنسية او
بالامريكية..مما اضطرني الى
السكوت خشية ان اكون احد هؤلاء
وحينها تصدق اتهامات السلطة لنا
بالعمالة للغرب !! ومع ذلك رجعت
وانا لم اعرف كيف يفهم المغاربة
الاغاني اللبنانية المنتشرة في
اسواقهم وكيف يتابعون
المسلسلات السورية بشغف منقطع
النظير.
مع بداية وصولي للمغرب تعرضت
لوعكة صحية بسبب خط السفر
الطويل احتجت معه للذهاب الى
احدى الصيدليات ولكن كانت
الاسواق مقفلة لان العطلة
الرسمية في المغرب يوم الاحد
وعلمت ان الدوام يوم الجمعة لا
يمنع الناس من الذهاب الى
الصلاة لان القانون يمنحهم
الاذن بالذهاب الى صلاة الجمعة،
وعليه كان لا بد لي من الذهاب
الى احدى الصيدليات المناوبة او
كما يسمونها هناك صيدليات "
الحراسة "، وباعتباري حديث
العهد بمراكش فقد طلبت من ادارة
المنتدى المساعدة، ودهشت عندما
رافقني مدير مكتب منظمة العفو
الدولية بالمغرب " مكتب مرخص
" واحد المغاربة من اصحاب
السيارات المشاركين في المؤتمر
تاركين الجلسة الافتتاحية
ليجوبوا معي شوارع مراكش بحثا
عن صيدلية مناوبة، ولعل هذا ما
دعاني لمراقبة المسؤولين عن هذا
المؤتمر الضخم حيث وجدتهم على
راس عملهم بكل تواضع، فهم اول
الحاضرين واخر المغادرين، ورغم
شهرتهم العالمية ومسؤولياتهم
الكبيرة الا انهم نذروا انفسهم
لمساعدة الضيوف بدء من الصعود
بالباصات وانتهاء بايصالنا الى
المطار، كما ان الابتسامة لم
تفارق وجوههم البشوشة ابداً،
وتخيلت لو اني كنت مكان احدهم
لكنت تصدرت على المنصة دون
زحزحة ولحاولت ان اظهر في كل
الصور واهتممت باللقاءات مع
الفضائيات دون ان انسى ارتداء
خزانة ملابسي كلها....لقد تعلمت
درسا هاما من ادريس اليازمي
رئيس الفيدرالية العالمية ومن
كمال الجندوبي رئيس الشبكة
الاورومتوسطية ومن مراد علال
رئيس المنبر الاورومتوسطي ومن
عبد المقصود الراشدي رئيس
اللجنة التحضيرية للمؤتمر ومن
مختار الطريفي رئيس الرابطة
التونسية لحقوق الانسان
وغيرهم، تعلمت ان سيد القوم
خادمهم وان المنصب هو تكليف
وليس تشريف.
ولكن لماذا استطاعت المغرب ان
تنجح في تنظيم هذا المؤتمر ؟ هل
بسبب البنية التحتية الخدمية
والسياحية ؟
لا شك ان هذه البنية قد ساهمت في
انجاح هذا المؤتمر ولكن السبب
الرئيسي في النجاح هو وجود بنية
تحتية اخرى، الا وهي بنية
المجتمع المدني القوية في
المغرب، فمنظمات المجتمع
المدني على اختلاف مشاربها
وتنوعها مرخصة قانونيا وتمارس
عملها بكل حرية وتمتلك الصحف
ومواقع الانترنت " الغير
محجوبة " وتصدر المجلات
والكتب حتى تلك الناقدة للملك
واغلبها يوزع مجانا او يباع في
الاكشاك العادية، كيف لا ووزارة
حقوق الانسان في المغرب نفسها
تصدر اهم تلك الكتب وتجري
الدورات التدريبية من اجل تعلم
ثقافة حقوق الانسان ونشر تلك
الثقافة..الحضور الرسمي المغربي
لم يغب عن المؤتمر ولكن عندما
يطرح احد المتداخلين مثلا حق
الشعب الصحراوي في تقرير مصيره
وتلك قضية بالغة الحساسية في
المغرب يقوم احد مندوبي السلطة
في المغرب ليرد بالكلمة عن
الاستفتاء في الصحراء الغربية
وعن البحث لحل تلك القضية دون ان
يسجل اسم المتداخل ودون ان "
يشحطه " من القاعة، الكلمة
بالكلمة والحوار السبيل الوحيد
لحل اي خلاف.
ياترى لو كان هذا المؤتمر "
الغير حكومي" في سورية فهل
يستطيع ان يؤمن المجتمع المدني
ترجمة فورية لثلاث لغات؟ وهل
نمتلك احدى الشركات التي تؤمن
هذه الترجمة الفورية اللاسلكية
لاكثر من 350 شخص ؟ والاجابة لا
طبعا لان هذه الشركة ستصاب
بالبطالة وتفلس وسط منع اي ندوة
مصغرة عن حقوق الانسان ولو على
طاولة مستديرة.
وبالنسبة لمجريات المؤتمر
وما عدا الورقة التي قدمها د.
رضوان زيادة احد المشاركين
السوريين في احدى ورشات المؤتمر
خلا المنتدى من اي نشاط او حضور
سوري، وشعر بعضنا كم هو بعيد عما
وصل اليه العالم..بما فيه العالم
العربي، حتى ان الوفد الفلسطيني
الذي يعاني من الاحتلال
الاسرائيلي والمجازر الصهيونية
والمشاكل الداخلية والحصار
العالمي والعربي قد سيطر على كل
مداخلات الورش وطرح كل قضاياه
العادلة بكل قوة وجرأة وتنظيم
اجبرت الاوربيين على تبني
المطالب الفلسطينية وكانت
القضية الفلسطينية حاضرة في كل
الكلمات الرسمية التي تم
اعتمادها وتجلى التواجد في رفع
العلم الفلسطيني على المنصة
اثناء اختتام المؤتمر.
ان غياب المجتمع المدني
السوري او تغيبه في الداخل هو من
منع السوريين في طرح قضاياهم في
هذا المنبر المهم، وبدلا من ان
تحقق السلطات السورية نجاحا في
منع نشر الغسيل فشلت في تحويل
هذا المهرجان لجهة ضغط ضد
الضغوط على سورية او في سبيل
الحصول على تاييد عالمي
باسترجاع الجولان المحتل او
الحديث عن اسرانا في السجون
الاسرائيلية او حتى الحديث عن
الانتهاكات التي تطال الجالية
السورية في العراق على يد
الاحتلال الامريكي او عن هجرة
العراقيين الى سورية وتحمل
المجتمع الدولي لدوره في مساعدة
سورية باستيعاب تلك الهجرة...الخ
وخاصة وان ورشات المنبر كانت عن
السلام – التنمية –
الديمقراطية – الهجرة،
والقضايا السورية تتداخل
بالصميم مع كل هذه الورشات،
وكيف ننسق لطرح تلك القضايا
واغلبنا يتعارف لاول مرة في
مراكش.
ولمنع تلك الكوابيس كان لابد
لي من ان اتدثر بغطاء اثناء
عودتي على متن الخطوط التركية،
وفشلت كل اللغات الانكليزية
والفرنسية والالمانية وفشلت كل
اشارات الصم والبكم كي احصل على
هذا الغطاء..حتى عرفت ان الغطاء"
الحرام " بالتركية هو بطانية.
*رئيس المنظمة
الوطنية لحقوق الانسان في سورية
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|