جرائم
النظام السوري
تحبط
خطط الموالين له في لبنان
الطاهر
إبراهيم*
في كل مرة يسعى
فيها الموالون للنظام السوري في
لبنان لكي يحكموا قبضتهم على
القرار اللبناني من خلال العمل
بأجندات، معظمها ليس محل إجماع
أكثرية اللبنانيين، حتى إذا ما
شعروا أنهم أصبحوا قاب قوسين أو
أدنى من تحقيق أهدافهم –كما
يظنون- يفاجئهم النظام بقضية أو
جريمة لم تكن في حسبان الموالين
فيحبط ما سهروا الليالي يخططون
له. بل قد يضع أمامهم عقبات لم
تكن موجودة من قبل أصلا، ما
يضطرهم للتنصل مما فعله النظام،
ويعاودون التخطيط لأهدافهم من
جديد.
صحيح أن حرب تموز
– آب الأخيرة دمرت كثيرا من
البنية التحتية في لبنان وأدت
إلى تهجير معظم سكان المناطق في
الجنوب. إلا أن الصحيح أيضا أنها
أوقعت خسائر فادحة في صفوف
الجيش الإسرائيلي ، لم تكن لتقع
في صفوفه من قبل. بل ولم تكن في
حسبان جنرالاته عندما شنوا تلك
الحرب، ما جعل "حسن نصر الله"
يصف ذلك بأنه "نصر إلهي!".
أما وقد وضعت الحرب أوزارها فقد
حاول الرئيس السوري أن "يجيّر"
هذا "النصر الإلهي!"
لحسابه، فذهب يلقي التهم –التي
وصلت إلى حد الشتائم- جزافا بحق
زعماء عرب واصفا إياهم بأنهم
"أنصاف رجال"، ولطالما
دعمت حكومات هؤلاء الزعماء حكمه
وحكم الرئيس الراحل من قبل. وقد
حاول قياديون في حزب الله
التنصل من مقولات الرئيس السوري
هذه وأن ينأوا بحزبهم عن تلك
التهم التي أساءت إلى مااعتبروه
إنجازا لهم أمام الشارع العربي
الذي تحرك مؤيدا لبنان في وجه
الاستهداف الإسرائيلي.
وكما قلنا في أكثر
من مقال، فقد أراد "نصر الله"
أن يستثمر "نصره الإلهي!"
لبنانيا تعويضا له عن انحساره
شمالا بعد الحرب بعيدا عن ساحته
في الجنوب، وليشغل كوادر حزب
الله العسكرية – وقد فرغت
أيديها من مقاومة إسرائيل بسبب
وجود الجيش اللبناني و"اليونيفيل"
بينه وبين إسرائيل- حتى لا يتوجه
بعض الطامحين في الحزب إلى
مساءلة نصر الله عن الخطأ
الفادح الذي أوقع المقاومة
فيها، ما اضطرها لترك ساحة
الجنوب بسبب سوء تقديره لنوايا
جنرالات الجيش الإسرائيلي، وقد
اعترف بذلك شخصيا.
ولأن "المحكمة
الدولية" بدأت تطرق أبواب
لبنان بقوة، وتفتح أمام
المتورطين في اغتيال الرئيس
الشهيد "رفيق الحريري"
ورفاقه أبوب المعتقلات، وربما
منصات الإعدام -لاعتماد المحكمة
على القانون اللبناني- ،فقد دعا
"نصر الله" إلى توسيع
الحكومة اللبنانية على أن يكون
له ولحلفائه "الثلث المعطل"،
توطئة لإفشال تمرير المحكمة
لبنانيا، مما قد يؤدي إلى
حماية حليفه
السوري، -حسبما يأمل- وربما
لحماية المتورطين في الجريمة من
لبنانيين محسوبين على الحزب
أثناء عهد الوصاية السوري.
حتى إذا ما لاح
أمام عيني "نصر الله" قطف
ثمار جهوده باستقالة وزرائه
ووزراء حركة أمل، فزعم عندها أن
الحكومة اللبنانية أصبحت فاقدة
للشرعية الدستورية، حسبما
أعلنت أكثر من جهة لبنانية
معارضة، فوجئ الجميع باغتيال
وزير الصناعة اللبنانية الشاب
"بيار الجميل" الذي ينتمي
إلى تجمع 14 آذار، ما أدى ذلك إلى
قلب الطاولة على نصر الله وعلى
حلفائه، وأعاد خلط الأوراق من
جديد.
لم تقتصر إساءات
النظام السوري على مناوئي وجوده
في لبنان، بل طاولت بعض حلفائه
في لبنان. ومايزال اللبنانيون
يتذكرون كيف أرسل "رستم غزالي"
المفوض السامي السوري في لبنان،
من يغتال الوزير "الياس المر"
الذي دخل حكومة "فؤاد
السنيورة" محسوبا على حليف
للنظام السوري الأوثق الرئيس
"إميل لحود"، ما اضطر "المر"
أن يغير ولاءه وينضم إلى تجمع 14آذار.
ومع أن حسن نصر الله، يعرف أسلوب
النظام السوري في مقاربته
للأمور في لبنان، فقد امتعض من
جريمة اغتيال الوزير "بيار
جميل" لأنها أفسدت خططه في
لبنان، وربما كان يردد في سره:
"عدو عاقل خير من حليف جاهل".
استمرار
الاغتيالات في لبنان بعد خروج
الجيش السوري منه، ألقت الضوء
على قضية لم يكن المراقب
السياسي يجد لها تفسيرا. فقد دأب
النظام السوري إذا ما شعر أن أحد
"أزلامه" قد أضحى عبئا
عليه، بعد أن قام بجرائم لحساب
هذا النظام، ولم يعد بحاجة
إليه، أن يسارع إلى التخلص منه
خوفا من أن يكون دليلا عليه
وشاهدا على جرائمه، كما حصل مع
"غازي كنعان" وزير
الداخلية السابق، الذي كان حاكم
لبنان بلا منازع، على مدى عشرين
عاما. وعلى هذه الخلفية فقد توقع
كثيرون أن يتخلص النظام السوري
من "رستم غزالي"، الذي خلف
كنعان في لبنان، بعد أن أشارت
أصابع اتهام المحقق الدولي "ديتلف
ميليس" ومن بعده البلجيكي "سيرج
براميرتز". لكن تتابع جرائم
الاغتيالات بعد خروج الجيش
السوري من لبنان يوم 26 نيسان من
العام الماضي 2005، أثبتت أنه ما
يزال هناك حاجة لخدمات "غزالي"،
وأن وقت التخلص منه لم يحن بعد.
كلمة أخيرة، قد
يقول قائل ألايدرك النظام
السوري أن هذه الجريمة تراكم
سجله المثقل عند المحكمة
الدولية؟ ولعل النظام يجيب: "أنا
الغريقُ فما خوفي من البلل!".
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|