اغتيال
جديد على مذبح الحقيقة
اللبنانية
مسعود
عكو
بلد كتب عليه الحزن قبل الفرح، الأسى قبل
السعادة، تأن جراحاته من آلام
الحقيقة المرة التي يدفع
فاتورتها يوماً بعد يوم شهيد
أخر على مذبحها المضرج بدماء
المئات من الذين قدموا أنفسهم
قرابين للبنان جديد، لبنان قادر
على أن يصنع المعجزات في زمن
باتت كل آثام الكون تقع على
عاتقه المثقل بهموم حروب دفع
أغلى ما يملك في خضم صراعاتها
التي لم تتوقف حتى الأن، وتستمر
الروزنامة اللبنانية بنزع ورقة
تلو الأخرى لعل اليوم القادم
يكون أفضل من الذي مضى،
والحقيقة تومئ بعكس ذلك تماماً
فإلى متى سيدفع لبنان قرابين
جديدة؟
بيير أمين الجميل نجل رئيس الجمهورية
الأسبق شهيد أخر، وليس الأخير،
ورقة أخرى تسقط من الأرز الصامد
في وجه كل الاغتيالات، والآلام،
شهيد يغتال على مذبح الحقيقة
التي بات الكثيرون يهابون منها
التي ربما تخفي ورائها حقائق
بدلاً من واحدة، وخيط يودي إلى
خيوط كثيرة تكشف حقيقة
الاغتيالات السياسية التي
شهدها لبنان منذ الحرب لأهلية
في ثمانينيات القرن الماضي،
وإلى لحظة اغتيال الوزير بيير
جميل.
بدون شك هدف سياسي عظيم وراء هذا
الاغتيال، وستستفيد من هذه
الجريمة جهات كثيرة لها المصلحة
في عدم استقرار لبنان حكومة،
وشعباً وتحاول أن تودي بها إلى
حافة الهاوية، ويرى الكثير من
المراقبين أن هذا النقص قد يجعل
الحكومة اللبنانية ساقطة دستوريا ً
لأن استقالة، أو وفاة عدد من
الوزراء يبلغ الثلث زائد واحد يجعل الحكومة مستقيلة،
وساقطة دستورياً، وقبل
الاغتيال بفترة استقال وزراء
حزب الله، وأمل، ووزير تابع
للرئيس إميل لحود، وسبقهم استقالة حسن السبع
نتيجة لتقصير سياسي لكنهم لم يبلغوا الثلث
زائد واحد، وبالتالي كانت
الحكومة تستطيع الاستمرار،
وإقرار المحكمة الدولية،
والمشكلة أن الحكومة لا تستطيع
إدخال وزراء جدد للحكومة لأن هذا يتطلب توقيع
إميل لحود رئيس الجمهورية، وهو يرفض أي وزير سيوافق على
المحكمة الدولية
لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء
اللبناني الأسبق رفيق الحريري .
جهات لبنانية عدة وأهمها والد الشهيد
بيير الرئيس الأسبق أمين
الجميل، وسعد الحريري، ووليد
جنبلاط. سارعوا بتوجيه أصابع
الاتهام إلى النظام السوري دون
أن يبرزوا أية دلائل، أو قرائن
تثبت هذا الاتهام، أو تؤكد مدى
صحته معتمدين فقط على الظن
المرفوض قانونياً، ومنطقياً.
الأمر الذي قد يعقد العلاقات
بين البدين الجارين أكثر مما هو
مرتكب اليوم، ورغم أن سوريا
أدانت بشدة، وعلى الفور جريمة
اغتيال الوزير بيير الجميل، حيث
أكد مصدر إعلامي رسمي لوكالة
سانا "إن هذه الجريمة النكراء
تستهدف زعزعة الاستقرار،
والسلم الأهلي في لبنان مشدداً
على حرص سوريا على أمن لبنان،
واستقراره، ووحدة أبنائه،
والحفاظ على سلمه الأهلي"
نافياً بشكل تلقائي، ورسمي
الاتهامات اللبنانية.
بيير جميل وزير الصناعة اللبناني، وأحد
أركان قوى الرابع عشر من آذار
الذي اغتيل بإطلاق النار على
موكبه في محلة نيو جديدة، كان
يشغل منصباً مرموقاً في حزب
الكتائب اللبنانية جاء اغتياله
في ذروة أزمة حكومية تقاس بعدد
الوزراء الذين
هم على قيد الحياة ليوفروا
نصابا دستوريا يمكنهم من المضي
في إجراءات المحكمة الخاصة
ذات الطابع الدولي التي اقر
مجلس الأمن إنشاءها
لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، والنظر في
الجرائم الأخرى ذات الصلة بها
منذ محاولة اغتيال الوزير مروان
حمادة في الأول من تشرين الأول
2004، مروراً باغتيال الصحفي،
والنائب جبران تويني في 12 كانون الأول 2005.
وهاهو الوزير بيير الجميل يضاف
إلى لائحة الاغتيالات السياسية
التي يشهدها لبنان منذ عقود.
مهما كانت الدوافع لاغتيال الشهيد بيير
جميل، ومصالح القوى التي خططت،
ونفذت جريمة بشعة بكل المقاييس
الإجرامية. ليس هناك مستفيد سوى
أعداء لبنان أولئك الذين
يحاولون، ولا يكلون من المحاولة
لزعزعة استقراره الحكومي،
والشعبي. رغم أن الجهات
المستفيدة كثيرة في هذه المعمعة
السياسية لكن يبقى الخاسر
الأول، والوحيد هو لبنان، وعلى
كل اللبنانيين أن يقفوا يداً
واحدة ضد من يحاول أن يعيد لبنان
إلى حقبة الحرب الأهلية التي
باتت رائحتها تفوح من بعيد.
الأمر الذي سيقضي بالضرورة إلى
هلاك لبنان ودماره على رأس كل
اللبنانيين. إن اغتيال أي إنسان
لبناني لهو قربان جديد على مذبح
الحقيقة التي دفع لبنان كثيراً
في سبيلها، ولن يستفيد من هذه
الجرائم سوى أعداء لبنان،
واللبنانيين، ولن تداوي
جراحاتهم سوى وحدتهم، وتكاتفهم
ضد كل من تسول نفسه المساس
بوحدته الوطنية التي ستبقى أكبر
من كل الحسابات الأخرى، وستكون
بلسماً تداوي كل جراحاتهم التي
مل القدر من التئامها فتعيد في
الأذهان أهات، وآلام حان الوقت
لكي ينساها لبنان، واللبنانيين.
سيبقى لبنان صامداً قوياً في
وجه كل الأعاصير، والكوارث التي
تعصف به، وسيبقى الأرز صامداً
قوياً كما كان.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|