ماذا
حلم الرئيس ؟ و كيف فُسّر حلمه ؟
د.
هشام الشامي*
ما إن اطمأنت حرم
السيد الرئيس إلى دخول السيد
الرئيس في مرحلة النوم العميق ،
بعد صراع طويل مع القلق و
الأوهام و أحلام اليقظة و
الشرود الذهني و الأرق الشديد
الذي أصبح يلازم السيد الرئيس
كل ليلة منذ أشهر عديدة ، و
يمنعه من النوم الهنيء ، و يجعله
يكره أفول النهار و اقتحام
الليل بكوابيسه المخيفة لعالمه
و حياته ، و يخشى رؤية غرفة
النوم ، و يعاني من رهاب ( فوبيا )
سرير النوم ، حتى زفرت زفرة حارة
، و وضعت يديها الناعمتين على
مخدتها المنتفخة خلف رأسها ، و
أغمضت جفنيها الناعستين ، و
حاولت أن تخلد إلى النوم اللذيذ
، بعد كل هذا التعب و الجهد الذي
بذلته ، و هي تحاول إقناعه ، أن
يضع هموم الدنيا خلف ظهره ، و
يبعدها عن فكره ، و يحاول أن
ينام ليرتاح ، لأنها و أولادها و
عائلتها و البلد و الأمة و
البشرية و الإنسانية و التاريخ
و الحضارة و الكون كله بحاجة
إليه ، و بحاجة لصفاء ذهنه ، و
قوة تركيزه .
و قبل أن يسيطر
عليها سلطان النوم و تمخر في
عبابه طائعة مسلّمة ، و بينما!
كانت تراجع في ذهنها تلك
الساعات الثقيلة التي أصبحت
تلازمهما قبل النوم كل ليلة ،
وإذ بالسيد الرئيس يصرخ صرخة
شديدة اهتزت لها أركان القصر
الرئاسي الرحب ، و تصدع منها
الجبل الأشم الذي بني عليه ذلك
القصر العظيم ، و تزلزلت منها
أطراف العاصمة التي يطل عليها
القصر المشيد ، ثم رفع رأسه عن
مخدته بسرعة البرق ، و جلس في
فراشه ، و قد ثنى ركبتيه ، و عطف
صدره على فخذيه ، و أسند ذقنه
إلى ركبتيه ، و وضع كفيه على
وجهه، وهو يبكي و ينتحب كامرأة
مفجوعة أو طفل مكلوم.
رفعت رأسها خائفة
مذعورة ، و التفتت إليه و هي
تسأله : ما بك ، ماذا دهاك ؟. لكنه
لم يجب ، و استمر يجهش بالبكاء .
وضعت كفها فوق رأسه ، و هي تحاول
أن تخفف عنه و تقول : هوّن عليك ،
لا بد أنه كابوس ثقيل . هزّ برأسه
؛ و استمر يجهش بالبكاء ، و دخلت
عليهما أم الرئيس و أخته ، و هما
يتساءلان : ماذا جرى ؟، لماذا
يصرخ السيد الرئيس ؟ .
التفّت نسوة القصر
حول سيادته و هن يخففن عنه ، و
يهدئن من روعه ، و يسألنه أن يقص
عليهن هذا الحلم المزعج الذي قض
عليه مضجعه ، و أيقظه في أول
لحظات نومه .
و شيئاً فشيئاً بدأ
الرئ! يس يتمالك نفسه ، و خاصة
عندما ذكّرته أمه أنه رئيس ابن
رئيس ، و هذه الأ فعال الصبيانية
لا تليق بالرؤساء المؤلهين و
القادة الملهمين ، و واجهته
أخته قائلة : ليس جيداً أن يبكي
الرئيس الفريق القائد كالأطفال
كل ليلة ، أفرغ ما بصدرك ، و اشرح
لنا ما أصابك ، قصّ علينا هذا
الحلم المزعج علنا نستطيع
مساعدتك .
تمالك الرئيس نفسه
و استجمع قوته و بدأ يقص عليهن
حلمه المزعج ، و قد تسمرت عيناه
بجهة النافذة المقابلة التي تطل
على بيوتات العاصمة و شوارعها :
رأيت نفسي أسبح في
بحر لجي لا شاطئ له ، و كان يسبح
بقربي والدي الراحل ، ثم سلمني
فراشاً بحرياً أبيض اللون منتفخ
، يسبح فوق الماء ، و عليه آثار
دماء حمراء كثيرة ، بعضها متجلط
و بعضها ما زال ينزف ، استلمته
منه و أنا مندهش من تلك الدماء ،
و أتساءل في نفسي : من أين جاءت
تلك الدماء ، و عندما أردت أن
أسأله غطس تحت الماء ، ثم أتت
موجة شديدة حالت بيني و بينه ، و
لم أعد أراه ، أحسست بعده برهبة
فظيعة ، و فكرت أن أبدأ بتنظيف
الفراش البحري من الدماء
لأستقله و أسير به إلى بر الأمان
، لكن الدماء النازفة كانت
كثيرة ، و أحسست أنني أضعف من أن
أنظفها ،و أن هناك من يمنعني من
تنظيفها ، و بدأت أرى حولي بعض
الرؤساء العرب و غ! ير العرب ، و
هم يستندون لفرش بحرية مشابهة و
لكن بألوان مختلفة ، و عليها
دماء بنسب متفاوتة ، أذكر أنني
رأيت منهم الرئيس القذافي الذي
استبدل فراشه بإوزة بيضاء ضخمة
سلمها إياه الرئيس بوش ، فركبها
و ساقته إلى الشاطئ البعيد ، و
رأيت صدام حسين و قد تكالبت عليه
أسماك القرش و أسماك من مختلف
الأحجام و الأشكال و الألوان ، و
هي تنهشه و تغرز أسنانها في جسده
، و نحن ننظر إليه شامتين فرحين
، و ما زالت الأسماك تنهش لحمه ،
و هو يمسك بالفراش لا يريد أن
يتركه ، حاول كوفي عنان أن يعطيه
عجلة مطاطية صغيرة ، ليركبها
إلى الشاطئ ، لكنه رفض ، و ظل
متمسكاً بفراشه ، حتى نهشت
الأسماك لحمه ، و قضمت عظمه ، ثم
أتاه حوت ضخم التهم ما بقي منه
مع فراشه المدمى .
و ما إن انتهت
الأسماك المتوحشة من التهام
صدام حتى التفتت إلي و بدأت تسبح
نحوي ، و بدأ قلبي يخفق بقوة
خوفاً و رهباً ، و رأيت بعضاً من
السوريين الذين ينادون
بالإصلاح و التعددية و يدعون
إلى مؤتمر وطني شامل ، ممن
سجنتهم أو نفيتهم أنا و والدي من
قبلي ، يحاولون أن يساعدوني ، في
تنظيف و إصلاح الفراش لنركبه و
نسير به إلى الشاطئ ، لكنني رفضت
مساعدتهم مكابرة! و عنداً ،
فانفضوا من حولي ، و هم يرون
جيشاً من الأسماك المتوحشة تتجه
إلي و أنا ما أزال متمسكاً
بفراشي المدمى ، ثم رأيت خامنئي
يحاول مساعدتي ، و طلب مني أن
أستبدل فراشي بفراش آخر قدمه لي
و هو يقول : هذا أفضل ، و سيساعدك
على الهروب من تلك الأسماك
المتوحشة. و فعلاً تخليت عن
الفراش الذي سلمني أياه والدي
فتخاطفته أيدي السوريين الذين
انفضوا من حولي و تعاونوا على
تنظيفه و إصلاحه ثم ركبوه
جميعاً و ساروا به نحو بر الأمان
، أما أنا فأخذت الفراش الذي
أعطاني أياه خامنئي ، و حاولت أن
أركبه لأهرب به مما ينتظرني
لكنني لم أستطع ذلك ، و بدأت
الأسماك الجائعة تنهش قدميّ و
جسدي ، و بدأت الدماء تنفر مني
من كل ناحية ، و كدت أن أموت من
الرعب ، ثم جاء من بعيد حوت ضخم
أسود مخيف ، يحمل علماً أبيض
رسمت عليه صوره لم أتبين
ملامحها من شدة خوفي و هلعي ، و
عندما أقترب مني ذلك الحوت
الضخم رأيت صورة رفيق الحريري
على ذلك العلم ، و رأيت وجه
المحقق البلجيكي برايمتز
مطبوعة على جبين الحوت ، فازداد
خوفي ، و جفت عروقي ، و أصفر لوني
، و تخشبت مفاصلي ، و شعرت ببرد
شديد يسري في أنحائي ، و فغر
الحوت فمه الواسع الضخم
ليلتهمني مع فراشي ، و قبل أن
يطبق فكه علي ، صرخت من أعماقي و
استيقظت و ! قد جفت الدماء في
شراييني .
ما إن انتهى الرئيس
من سرده ؛ حتى صرخت زوجته الشابة
: يجب أن أحضر له أفضل الأطباء
النفسيين من لندن ، لا يمكن أن
يستمر على هذه الحال ، يجب أن
يشفى ، نحن و الأمة بحاجة له .
فردت أخته : و لماذا
الأطباء النفسيين ؟ و لماذا
الفضائح ؟ حتى يُقال عن الرئيس
أنه مجنون ، دائماً تتفلسفين
علينا و أنت لا تفقهين شيئاً ،
إنه بحاجة لمن يفسر له منامه .
أجابتها زوجته :
سأحضر له أفضل العرافين و أشهر
محضري الأرواح في لندن ...
قاطعتها أمه : لا
حاجة لنا بعرافينك ، فلدينا
أفضل منهم ، سأتصل بالشيخ حبش .
و وافقتها أخته
قائلة : و سأتصل أنا بالشيخ حسون
.
و صل الشيخان (
الطائران ) بلمح البصر ، و بعد أن
استمعا لحلم السيد الرئيس ، سأل
الرئيس الشيخ حبش قائلاً : ما
تأويلك يا حبش ؟
أجاب الشيخ حبش بعد
أن شد و رتب ربطة عنقه الحمراء
الفاقعة ؛ و هو يجوّد و يرتل
كلماته ترتيلاً : خيراً يا سيادة
الرئيس ، سينجيك الله من أعدائك
أجمعين ، و ستبرّأ من اغتيال
الحريري في آخر الأمر ، لأن الله
أيقظك في اللحظة الحاسمة و قبل
أن يلتهمك حوت برايمتز اللعين .
فقال الرئيس : !
أعطوا حبشنا هذا ألف دينار و ألف
درهم ، و قربوه رتبة في سلم
درجات العبي د . ثم التفت إلى
الشيخ حسون قائلاً : و أنت يا
حسون ما تأويلك .
أجابه حسون و بسمته
الصفراوية المعتادة المصطنعة
تملأ وجهه ؛ بعد أن رفع لفته
البيضاء الكبيرة عن رأسه ، و
أخرج منديلاً من جيب جلبابه
الفضي الطويل ، و مسح العرق عن
صلعته ، و أعاد لفته عليها و هو
يقول : ما شاء الله يا سيادة
الرئيس ، لقد اصطفاك الله و قربك
و جعلك مع الأنبياء المخلصين ، و
أصبحت كصاحب الحوت نبينا يونس ؛
ذا النون ؛ الذي نادى ربه بعد أن
التقمه الحوت و هو في بطنه ،
فاستجاب له ربه و نجاه من ظلمات
بطن الحوت و ظلمات البحر ، و
كذلك سينجيك الله من كل هم و غم ،
و يهلك أعداءك أجمعين ، و هذه
رؤية صالحة لا يراها إلا
الأنبياء و الأولياء و الصالحون
المقربون .
انشرح صدر الرئيس ،
و طفح وجه أبو البشر بالبشر ، و
صاح بمن حوله : أعطوا حسون هذا
ألف ألف دينار و ألف ألف درهم ، و
قربوه درجتين في سلم العبيد .
تطاولت ابتسامة
الشيخ حسون المصطنعة حتى وصلت
أطراف شفتيه إلى شحمتي أذنيه ، و
نظر إلى الشيخ حبش بطرف لحاظه
نظرة لؤم و خبث ، فتمتم الشيخ
حبش بضع كلمات في نفسه و قد قتله
الغيظ : أشهد أنك أكذب مني ، لقد
سبقتنا جميع! اً في الدجل و
النفاق ، علمناك على الشحاذة
فسبقتنا إليها ، موعدنا في جولة
قادمة أيها الحسون المأفون .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|