ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
تناقضات
المفهوم الأمريكي للعلاقات الأمريكية
العربية أ.د.
محمد اسحق الريفي أدركت الولايات
المتحدة الأمريكية أن استمرار
وتصاعد السخط الشعبي العربي
ومناهضته للحملة الأمريكية سوف
يؤدي إلى مخاطر كبيرة على
قدرتها على المضي قدما في تنفيذ
حملتها التي أعلن عنها بوش عقب
أحداث سبتمبر 2001م، فتزايد
المعارضة لعدوان الولايات
المتحدة على العراق وأفغانستان
وللسياسة الخارجية الأمريكية
الداعمة لـ (إسرائيل) على حساب
الشعب الفلسطيني وأرضه
ومقدساته؛ ينذر بسقوط الولايات
المتحدة في مستنقعات لا تقوى
على الخلاص منها كالمستنقع
العراقي، الأمر الذي يهدد طموح
ومصالح الولايات المتحدة في
إرساء إمبراطوريتها ابتداء من
منطقة الشرق الأوسط. وقد وصلت
المناهضة العربية الشعبية
الفكرية والإعلامية لممارسات
الولايات المتحدة إلى درجة غير
مسبوقة بسبب انتهاك الولايات
المتحدة لحقوق الإنسان
والمواثيق والقوانين الدولية
ومعاهدات جنيف، وخاصة ممارسات
الجيش الأمريكي في سجني أبو
غريب وجوانتانمو، بالإضافة إلى
الكثير من الممارسات ذات
الطبيعة المعادية للإسلام
وشعائره ومقدساته؛ مثل تدنيس
جنودها الهمجيين للمصحف الشريف
بقصد إهانة المسلمين والنيل من
الإسلام، واحتضان الولايات
المتحدة للمنحرفين الذين
يتهكمون ويستهزئون بالمقدسات
والقيم والتعاليم الإسلامية
الغراء. أدى ذلك كله إلى
اضطرار الولايات المتحدة إلى
إعادة حساباتها حول قدرتها على
الاستمرار في حملتها العدوانية
وتحقيق أهدافها ومصالحها،
وبدلاً من قيام الإدارة
الأمريكية برفع الظلم والعدوان
عن العرب والمسلمين؛ فإنها تضع
الخطط والبرامج المدعومة
بالدراسات الاستراتيجية لجعل
العرب والمسلين يقبلون بالأمر
الواقع وفتح صفحة جديدة في
العلاقات الأمريكية العربية
بهدف زيادة عوامل نجاح الولايات
المتحدة في إخضاع الأمة لرؤية
المحافظين الجدد وغيرهم من
المتطرفين الأمريكيين.
وقد اتسمت علاقات
الولايات المتحدة في علاقتها مع
العالم العربي بالتناقضات
الشديدة على المستويين الرسمي
والشعبي، تجلى ذلك في دعمها
اللا محدود لـ (إسرائيل)
وممارساتها الإجرامية بحق
الشعوب العربية، ودعمها لأنظمة
دكتاتورية أحلت شعوبها دار
البوار، واستخدامها للمساعدات
المالية لإنشاء مؤسسات مدنية
تخدم أهدافها وتروج
للديمقراطية الأمريكية، وكذلك
عملية شراء قلوب وعقول وضمائر
أفراد ومجموعات من العرب
والمسلين بهدف إسكاتهم أو
استخدامهم لمصلحتها. وقد استخلصت
إدارة بوش من دراسات قامت بها
مؤسسات بحثية متخصصة مثل
"مركز الدراسات الاستراتيجية
والدولية في واشنطن"1 أن
العلاقات الأمريكية العربية
تمر بانتكاسة كبيرة نتيجة
الموجة الغير مسبوقة من
المعارضة الشعبية لسياسة
الولايات المتحدة وممارستها،
وتخشى الولايات المتحدة أن يؤدي
ذلك إلى تعري صورتها وتكوين
فجوة كبيرة من انعدام الثقة
تتسع باستمرار، مما يعطل
برامجها وخططها في ترويض
واستهواء العرب والاستحواذ على
قلوبهم وعقولهم. لذلك تسعى واشنطن
–بحسب ما تدعي– إلى تحسين
صورتها! هذا التعبير الذي ينم عن
مكر وتناقضات عجيبة، فالولايات
المتحدة لا تسعى حقيقة إلى
تحسين صورتها ورفع ظلمها
وعدوانها وتخليها عن أطماعها
وإيقاف حملتها الصليبية وسحبها
لقواتها من العراق وأفغانستان
والكف عن تأييدها المطلق
لحليفتها (إسرائيل)، بل تسعى إلى
ترميم الستار الذي يخفي حقيقتها
العدوانية ووجهها القبيح، وذلك
عن طريق أيجاد زعامات وقيادات
وجماعات ومؤسسات في العالم
العربي تؤمن بأن الولايات
المتحدة نظيفة وتسعى إلى ما فيه
صلاح أمتنا في الدنيا والآخرة،
وتعمل بجد واجتهاد وإخلاص على
تنفيذ الإصلاح (أو الإفساد)
الأمريكي في التعليم والاقتصاد
والثقافة والدين، وتعمل على
تَقَبُل الوجود العسكري
الأمريكي في الشرق الأوسط
والتطبيع مع (إسرائيل). تبذل الإدارة
الأمريكية جهود مضنية لإقناع
الشعوب العربية التي اكتوت بنار
ظلمها وتأييدها المطلق
للاحتلال الإسرائيلي بأن
حملتها على أمتنا العربية
والإسلامية هو لصالح هذه الشعوب
العربية وأن ما تقوم به من دمار
وقتل واحتلال سيؤدي إلى إسعاد
هذه الشعوب وانتعاشها! وتخليصها
من استبداد الأنظمة الحاكمة
التي أوجدتها الولايات المتحدة
ومازالت ترعاها. وما يثير
اشمئزازنا –نحن العرب
والمسلمين– أن الولايات
المتحدة تفتخر بأنها جلبت
الانتخابات إلى بلادنا بعد أن
جلبت لها العار والدمار، وسلمت
زمام الأمور إلى عملائها
الحاقدين على الأمة، ففي حديث
لها في برنامج "من واشنطن"
على قناة الجزيرة عبرت السناتور
"ايلينا روس ليتينين"2
–وقد علت وجهها ابتسامة نفاق
أمريكية معهودة– عن فخرها
وامتنانها وتقديرها لحكومتها
ولجيشها الذي جلب الانتخابات
إلى أفغانستان لأول مرة منذ
آلاف السنين والذي رعى انتخابات
حرة ونزيهة –على حد تعبيرها–
في العراق أدت إلى وصول عملائها
الخونة إلى الحكم والسلطة في
العراق، وكذلك الانتخابات في
المغرب وتونس اللتين كرستا
الدكتاتورية في هذين البلدين
المنكوبين بأنظمة شمولية
بوليسية متسلطة. وقد لخصت
"ايلينا روس ليتينين"
الخطوات التي ستتخذها الإدارة
الأمريكية لـ (تحسين) صورتها في
العالم العربي بقولها: "ستكون
هناك إصلاحات اقتصادية تنعش
الاقتصاد وتعطي المزيد من
الحقوق للمرأة وسينال الجميع
ثمرة هذا الإصلاح"، ونحن نقول
أنه بالتأكيد سينال الجميع ثمرة
هذا الإصلاح –إن تم كما تريد
الولايات المتحدة لا سمح الله–
بمن فيهم (إسرائيل) والأمريكان
والبريطانيين وعملاؤهم، وستأخذ
الولايات المتحدة نصيب الأسد من
هذه الثمرة كما هو معهود عنها! ثم ذكرت خطوات
بناء علاقات أفضل مع العرب
فقالت: "على أي حال هناك خطوات
إيجابية لبناء صلة أفضل خاصة في
الشرق الأوسط فالجمهوريون
والديمقراطيون بالإضافة إلى
الرئيس بوش والوزيرة رايس
يأملون أن نتمكن من إنشاء
المنطقة التجارية الحرة حتى
نستطيع أن تكون هناك حكومات
مستقرة في الشرق الأوسط
وازدهارا وانتعاشا في الاقتصاد
في هذه الدول حتى نستطيع أن نضمن
أن يكون الجميع كلهم
منتعشين!!!". إذاً هناك محاولة
لإيجاد شركاء جدد وكوادر عربية
جديدة تتفهم الحملة الأمريكية
وتساعد في تحقيق أهدافها، وذلك
باستثمار الزعامات السياسية
والأكاديمية والثقافية عن طريق
زيادة التفاعل بيه الأمريكيين
والعرب بدرجة كبيرة: زيارات
متبادلة؛ مساعدات مالية
للمنظمات المدنية الأهلية؛ منح
للدراسات العليا والأبحاث؛
تمويل مؤسسات حقوقية نسوية
وصحفية؛ تخفيف قيود السفر على
الطلاب ورجال الأعمال؛ دعم
استثمار ومشاريع الطبقة الوسطى
.. الخ. وقد أعلنت وزارة
الخارجية من خلال موقعها على
الإنترنت3 عن المبادرة الرئاسية
الأمريكية بعنوان "مبادرة
الشراكة مع الشرق الأوسط" أن
الحكومة الأمريكية خصصت 297
مليون دولار لإنفاقها لعدة
سنوات على مؤسسات أمريكية
وعربية، وقطاعات العمل الخاصة،
والمنظمات المدنية الأهلية،
وعناصر المجتمع المدني،
والحكومات لزيادة التعاون بين
العرب والأمريكيين لدعم
الإصلاح الأمريكي في المنطقة،
الذي يشمل الاقتصاد والسياسة
والتعليم والنساء.
وقد ذكرت بعض التقارير4 أن
السفارة الأمريكية في القاهرة
كشفت عن تخصيص مليون دولار
لثلاث منظمات حقوقية مصرية. والأخطر من هذا
كله هو محاولة خداع العرب
بإيجاد حلول وهمية لمشكلتي
العراق وفلسطين؛ حلول كاذبة
تؤدي إلى قيام كيانات منقوصة
تُمَكِن الولايات المتحدة
وحليفتها (إسرائيل) من تنفيذ
مشروع بناء الشرق الأوسط الكبير
(إسرائيل الكبرى) بين النيل
والفرات، ولا تنوي الإدارة
الأمريكية تغيير أهداف حملتها
ولكن تريد أن تغير الأسلوب
بالانتقال من الصراع العسكري
إلى الصراع الناعم القائم على
الخداع وشراء الأفراد. كيف تحسن
الولايات المتحدة صورتها فيما
يتعلق بتدنيس القرآن الكريم
والاستهزاء بحرمته حتى بعد ما
تبين فعل ذلك عدة مرات من قبل
جنودها؟ كيف تبرر الإدارة
الأمريكية احتضانها ودعمها
للمنحرفين الذين يسيئون إلى
المعاني الإسلامية؟ وكيف تبرر
سكوتها ودعمها للمحاولات
الإسرائيلية لتدنيس القرآن
الكريم وهدم المسجد الأقصى
المبارك وتهويد مدينة القدس
وهدم منازل العرب القاطنين فيها
قبل حتى قيام دولة (إسرائيل)؟
وكيف تسكت على قيام حليفتها
ووليدتها (إسرائيل) ببناء
الجدار العنصري الذي تسبب في
أكبر جرائم عرفها التاريخ بحق
الشعب الفلسطيني؟ كيف تستطيع
الولايات المتحدة أن تقنع العرب
بأنها لا تريد الهيمنة على
بلادهم وها هي قد انتهت من التو
من إنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في
شمال الضفة الغربية؟ وما هي
أغراضها من إنشاء مثل هذه
القاعدة في بلد يحتله جيش يمتلك
أكبر ترسانة نووية وعسكرية في
الشرق الأوسط؟ كيف تحسن
الولايات المتحدة صورتها وهي
تقف حائلا بين الشعوب وبين حقها
في اختيار وانتخاب حكوماتها
وزعمائها ونوابها؟ كيف تحسن
الولايات المتحدة صورتها وهي
تعمل على استغلال الظروف الصعبة
التي تعيشها شعوبنا العربية
والإسلامية من فقر وبطالة وفساد
إداري واقتصادي بسبب الأنظمة
الحليفة لها لتشويه عقيدتها
ومسح إرادتها واستعمالها لخدمة
المصالح الأمريكي؟ على الشعوب
العربية أن تبدأ من هذه اللحظة
في العمل على نيل حريتها وعليها
أن تُكَوِّنَ جبهة عربية
إسلامية تقوم على الحد الأدنى
من عناصر الالتقاء بين مختلف
فئات الشعوب، فالانتفاضة حق،
والعصيان المدني ضروري، واتخاذ
خطوات عملية واجب. المراجع: 1-
تقرير مركز الدراسات
الاستراتيجية الدولية في
واشنطن http://www.csis.org 2-
برنامج من واشنطن بعنوان "
الموقف الأميركي من الإصلاح في
مصر"، الجزيرة نت. 3-
واشنطن "تستثمر" في زعامات
عربية جديدة، عرض وتحليل/ محمد
جمال عرفة، موقع اسلام اون لاين. 4-
Middle
East Partnership
من موقع وزارة الخارجية
الأمريكية http://mepi.state.gov/mepi المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |