فنّ
التوظيف السياسي..
لدى
الأسرة الحاكمة في سورية!
عبدالله
القحطاني
بَرعت الأسرة الحاكمة في سورية ،
في فنّ التوظيف السياسي ، منذ
استلام مؤسّسها للسلطة، في
بداية السبعينات ، من القرن
المنصرم ! فما تركت شيئاً يمكن
توظيفه ، لدعم سلطتها
واستئثارها بالحكم ، إلاّ
وظّفته :
أ ـ عهد حافظ أسد:
1-
وظّف حافظ أسد حزبَ البعث ،
لاستلام طائفته الحكم في سورية..
2-
ووظّف الطائفة ، لاستلام
أسرته الحكم ، والانفراد به ،
وهيمنة حافظ نفسِه ، على مقاليد
الأمور في البلاد ، بشكل فردي
دكتاتوري مطلق !
3-
ووظّف مجموعات من شراذم
الأحزاب الممزّقة ، لتغطية
الوجه الفردي الدكتاتوري،
وإضفاء صبغة ديموقراطية شكلية
على حكمه !
4-
ووظّف أفراداً من طوائف
الشعب الأخرى ، من سنّة ودروز
ونصارى وإسماعيلية، لإيهام
الناس بأن شعب سورية كله ، بسائر
فئاته ، يشارك في حكم البلاد !
5-
ووظّف مجموعات من التجّار
الكبار، وأغراهم بالمكتسبات
المالية المجزية ،وذلك
ليكسب ودّ الفعاليات
التجارية في البلاد !
6-
ووظف المنظمات الشعبية (
عمّالية.. فلاّحية.. طلاّبية )
وربطَها بأجهزته الأمنية،
وجعلها قطعاناً من المصفقين له
، الداعمين لحكمه وهيمنته
المطلقة على البلاد!
7-
ووظّف النقابات المهنية ـ
بعد حلّ النقابات المنتخبة
وتعيين نقابات بديلة ـ وجعلَها
مجموعات من الهتّافين
والمصفقين ، له ولعهده الميمون !
8-
ووظّف أفراداً من زعماء
القبائل ، وربطَهم بأجهزته
الأمنية ، لكسب ولاء قبائلهم !
9-
ووظّف مجموعات من المحسوبين
على علماء الدين ، وخطباء
المساجد ، لتسبّح بحمده على
المنابر، وتضفي على حكمه مسحةً
إسلاميةً ، لتخدع به جماهير
المسلمين من أبناء الأمة !
10-
ووظّف شعارات الصمود
والتصدّي والمقاومة ، ليخدع
أبناء سورية خاصّة، وأبناء
الأمة العربية عامّة ، بأنه بطل
الصمود وفارس التحرير! ولينسي
الناس أنه سلّم الجولان بلا حرب
، لدولة العدوّ الصهيوني ، في
المهزلة المأساة ، التي سمّيت
حرب حزيران ، حين كان وزيراً
للدفاع عام /1967 /!
11-
ووظّف المغفّلين الذين
صدّقوا شعاراته ، من مواطني
الدول العربية ، في جعلهم
أبواقاً له داخل دولهم ، من
سياسيين وإعلاميين وغيرهم ..!
12-
ووظّف الصدامات المسلّحة
التي جرت في عهده ، بين
ميليشياته وبين بعض الفصائل
الإسلامية ، ليثبت للغرب الخائف
من المدّ الإسلامي بأنه ـ أي
حافظ ـ أكفأ حليف لهذا الغرب في
مقاومة (المدّ الأصولي!).
ولابدّ من الاعتراف هنا ،
ببراعة الرجل ودهائه ، وحنكته
في التعامل مع الأحداث، ومع
الآخرين من أعداء وأصدقاء ، بما
يخدم مصلحته ، ويعزّز بقاءه في
كرسي الحكم . وبقاؤه في الكرسي
ثلاثين عاماً لم يكن مصادفة أو
عبثاً !
كما لابدّ من الاعتراف بأنه
سبق أستاذه (مكيافيللي) بمراحل
كثيرة ، بل ربّما وضَعه في خانة
الشياطين البلْه ، الذين
يعتقدون أن الأخلاق الحميدة
يمكن أن تكون نافعة ، في
المحافظة على كرسي الحكم وحماية
أمنه ! ذلك أن صاحب الأمير (
مكيافيللي) ، أوصى الحاكم في (أميره)
بممارسة الأخلاق الحميدة ،
وصناعة المنجزات التي تنفع
الشعب، وتجعله يلتفّ حول حاكمه (
هذا إذا ضمِن استقرار كرسيه ،
ولم يترك أحداً من أعدائه ، أو
خصومه ، أو أصحابه ، ينافسه عليه!).
أمّا حافظ ، فقد تعلّم من أستاذه
ممارسة كل رذيلة تحفظ له أمن
الكرسي ( بما في ذلك الخيانة
العظمى ، بتسليم منطقة واسعة من
بلاده إلى عدوّها دون حرب ، حين
كان وزيراً للدفاع ، ليحصل بذلك
على كرسي رئاسة الدولة!)..
وأبعَدَ الفضائل عن ميدان
ممارسته ، تاركاً لها الأقوال
والتصريحات ، والبيانات
والدعايات ، في وسائل الإعلام ،
وعلى ألسنة المنافقين من
الأعوان والأتباع !
ب ـ عهد بشار:
أمّا وريثه ، ابنه بشار ، فالأمر
لديه مختلف إلى حدّ بعيد..! فقد
قُدّم له الكرسي على طبق من ذهب
، دون أن يخوض إليه معارك طاحنة
في غابة الذئاب ، كما فعل أبوه
من قبل! وبالتالي ، لم يتمرّس
التمرّس الكافي في الصراعات
الذئبية ، قبل استلام الكرسي ،
كما تمرّس أبوه ! فضلاً عن أن
مؤهّلاته الشخصية
ـ الذئبية منها ، وغير
الذئبية ـ دون مؤهّلات أبيه
بكثير..! وقد كان أبوه مضطراً
لتسليمه الكرسي من بعده ، على
أثر مقتل أخيه ، الذي أعدّه الأب
لهذه المهمة فترة كافية ،
ولقّنه أخلاق الذئاب تلقيناً
كافياً..! فضلاً عن مؤهّلات
شخصية لديه ، وراثية ومكتسبة .
وبناء على هذا كله ، وجَد بشار
نفسَه، عاجزاً عن ممارسة أدنى
أعباء السلطة بكفاءة ونجاح .
وبدلاً من أن يضيف إلى إنجازات
أبيه ، في مجال تثبيت السلطة ،
إنجازات جديدة ، أضاع إنجازات
أبيه ، وجعل السلطة في مهبّ
الريح ، لا تمسكها إلا قوّة
الميليشيات ، وقوّة المخابرات،
وهي قوى عسكرية أمنية صرف ! وهي ،
مع ذلك ، تسير بقوّة الاستمرار،
انطلاقاً من الترتيب المحكم
الذي هيّأه له أبوه ! أمّا عناصر
القوّة الأخرى ، السياسية
والشعبية ، فقد بدأت بالتآكل ـ
بنِسب متفاوتة ـ بسبب عدم
اكتراث بشار بها ، أو بسبب عجزه
عن الاحتفاظ بها ، أوبسبب عدم
تقديره لفائدتها ، في تعزيز
حكمه والمحافظة عليه ! أمّا
عناصر القوّة على المستوى
الخارجي ، التي لا تسير في
العادة بقوة الاستمرار، أو قوّة
(الدفع الذاتي) ، فقد تآكلت إلى
حدّ كبير، بسبب قلّة الخبرة
والكفاءة عند الرئيس الوريث ،
وربّما بسبب الحماقة والطيش،
وربّما لأنه لم يَفتِـل في
نسجها خيطاً واحداً ! فهو لا
يعرف أسرارها من ناحية ، ولا
يكترث بانهيار ما ينهار منها ،
على المستوى الإقليمي والدولي ،
من ناحية أخرى ! وحسبنا أن نذكر
هنا ، بعض إنجازات بشار في مجال
التوظيف السياسي :
1-
توظيف العلاقات المذهبية مع
الشيعة :
*
شيعة لبنان : وهذه ورث العلاقة
معها عن أبيه ، وحرص على تقويتها
وتنشيطها، بالتعاون مع الحكم
الإيراني ، لأسباب إيرانية
تتعلق بطموح الإمبراطورية
الناشئة ، وحلمها القويّ
بالهيمنة على المنطقة العربية
كلها ،عن طريق التمدد المذهبي..ولأسباب
خاصّة بنظام بشار، الذي يحرص
على مناوأة إسرائيل من لبنان ،
بما لا يكلّفه مؤونة المغامرة
بحكمه ، فيما لو حرّك قوات
عسكرية على الجبهة السورية ضدّ
إسرائيل ! وقد أضيف إلى هذا
الهدف ، هدف جديد وخطير، هو
المحافظة على عنق بشار، وأعناق
معاونيه الكبار من أفراد أسرته
، المهدّدين بمحاكمة دولية ،
تدينهم بحريمة قتل الرئيس رفيق
الحريري ..! والشيعة في لبنان
أقوى ورقة ضاغطة في يده ، لعرقلة
المحكمة الدولية ، حتى لو
وظّفهم في تدمير لبنان وذبْح
أهله جميعاً ، بحرب أهلية طاحنة
، أو بحرب عبثية مع دولة اليهود!
*
شيعة إيران : أمّا هذه فشأنه
فيها مختلف كثيراً عن شأن أبيه
..! ففي حين كان أبوه يوظف
العلاقات المذهبية توظيفات
سياسية ، في علاقاته الثنائية
مع إيران ، وعلاقاته الإقليمية (
لاسيما مع دول الخليج العربي) ،
وعلاقاته الدولية أحياناً .. دون
أن يدع مجالاً للمذهبية
الإيرانية المركّزة المتحفّزة
للتمدّد الإقليمي ، بأن تتمدّد
في نسيج المجتمع السوري (هذا ما
كان يظهر منه للناس.. في أقل
تقدير!).. وكان يرى أن إيران
تحتاج إليه بقدر ما يحتاج إليها..!
في حين كان الأب كذلك ، كان بشار
يشعر، منذ بداية حكمه ، بالحاجة
الماسّة إلى إيران ، دون أن
يعتقد أن لديه ما تحتاجه إيران ،
سوى كون بلاده معبَراً للسلاح
الذي تزوّد به طهران حزب الله في
لبنان .. وفي هذا نفع مشترك ،
لطهران ودمشق ..! أمّا دور سورية
الإقليمي ، فقد وهبه بشار
لإيران ، دون أن يوظّف شيئاً منه
لحساب بلاده ..! هذا فضلاً عن
إباحة سورية ، أرضاً وشعباً ،
للنفوذ الإيراني ، ولاسيّما
التمدّد المذهبي الإيراني
الفجّ الغريب ! ممّا أثار انتباه
أبناء الشعب السوري ، وحيرتهم
وقلقهم ! دون أن يختلف العقلاء
منهم في تفسير ما يرون ، وهو أن
بشاراً الضعيف، العاجز عن حماية
بلاده خارجياً ، وجَد في إيران ،
بشعاراتها الضخمة ، سنَداً له ،
قد يمنحه نوعاً من الحماية ،
إزاء التهديدات الخارجية
والداخلية بإسقاط حكمه ، وإزاء
تهديدات إسرائيل باجتياح بلاده
..! غافلاً عن أن إيران لا يمكنها
الدفاع عن دولته ، على المستوى
الخارجي ، كما لا يمكنها
المحافظة على حكمه من السقوط ،
فيما لو تحرّك ضدّه شعبه ، وقرّر
إسقاطه ! لأن واقع الموافقات
والمفارقات الدولية ، لا يسمح
لها بهذا ولا ذاك ، حتى لو أصرّت
على أي منهما ، وليس من المحتمل
أن تصرّ ! لأن تمرّسها في حساب
العلاقات والقوى والمصالح
الدولية ، أكبر بكثير من تجربة
بشار الغضة ، وأحلامه الوردية ،
أحلام الأطفال المدللين ، الذين
تضعهم الأقدار في مواقع صناعة
القرارات لدول وشعوب وأوطان .
وصدق رسول الله /ص/ : (إذا وسِّد
الأمر إلى غير أهله فانتظر
الساعة !).
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|