إيران
.. بشّار .. حزب الله :
تحالفات
غريبة.. فهل هي بريئة ، أم مريبة!؟
ماجد
زاهد الشيباني
التحالفات بين الدول معروفة
مألوفة ، قديمة متجدّدة ، بصرف
النظر عن تفاوتها ، في القوة
والحجم والغنى والتأثير
والمكانة..!
والتحالفات بين الأحزاب
والقبائل ، داخل الدولة الواحدة
، قديمة معروفة كذلك ، وينسحب
عليها ما ينسحب على الدول ، من
حيث التفاوت في الأهمية والشأن!
والعلاقات بين الدول والأحزاب في
دول أخرى ، قديمة كذلك ، إلاّ أن
لها معاني وأشكالاً مختلفة عن
التحالفات التي تنشأ بين الدول
، وتلك التي تقام بين الأحزاب
داخل الدولة!
الشكل
الوحيد المعروف ، للعلاقة (التحالفية)
بين دولة ما ، وحزب ما في دولة
أخرى ، هو ما يسمّى (التحالفية
التبعية) ! // هذه العلاقة
التحالفية تختلف ، بالطبع ، عن
العلاقة القائمة على تقاطع
مصالح بين حزب ودولة غير دولته ،
ضمن ضوابط يضعها كل طرف لنفسه لا
يتجاوزها ، سياسيةً كانت هذه
الضوابط ، أم عقدية، أم وطنية ،
أم مصلحية .. وسواء أكانت
المصالح المتقاطعة كبيرة أم
صغيرة//.
والتبعية التحالفية ، أو
التحالفية التبعية ، لها أسباب
عدّة وأشكال ، ومنطلقات ودوافع
، منها :
* التبعية
التحالفية العَـقَدية (
الآيديولوجية) : ودافعها هو
ارتباط الدولة والحزب التابع
لها، برباط عقدي (آيديولوجي)
واحد . ولعلّ أبرز مثال على ذلك ،
ما كان يجري بين الاتحاد
السوفييتي السابق ، وبين
الأحزاب الشيوعية في الدول
الأخرى.. إذ كانت تلك الأحزاب
تتلقّى دعمها وتأييدها من
موسكو، كما تتلقّى الإرشاد
والتوجيه ، والقرارات
والأوامر، حول ما ينبغي فعله ،
من مواقف وسلوكات حزبية داخل
الدولة التي ينتمي إليها الحزب
.. وما ينبغي تجنّبه !
ومِثل هذا ، ما جرى ويجري ، بين
الدول المحكومة بفكر قومي شمولي
، وبين الأحزاب التي تنتمي معها
إلى هذا الفكر..! ولعل أبرز مثال
على ذلك ، هو العلاقة التي تربط
بين فروع حزب البعث ، في الأقطار
لتي لم يحكم فيها هذا الحزب ،
وبين الدولتين اللتين حكم فيهما
الحزب ، وهما سورية ، والعراق
قبل احتلاله من قبل الأمريكان.
ومثل هذا أيضاً ، ما يجري اليوم ،
بين إيران والأحزاب الشيعية في
العالم العربي والإسلامي (
ونقصد هنا ، الأحزاب الشيعية
التي تخضع للمرجعية الشيعية في
إيران.. ويمكن تحديدها ، بأنها
الأحزاب الشيعية الصفَوية ،
تمييزاً لها عن الأحزاب الشيعية
الأخرى ، التي تنتمي إلى
مرجعيات أخرى ، غير إيرانية
وغير صفَوية ، وترى انتماءها
الوطني يأتي ، في ترتيب
أولوياتها قبل انتمائها
المذهبي) !
* التبعية التحالفية السياسية
المصلحية: وهي تلك التي تربط
حزباً ما ، بدولة أخرى غير
دولته، بدافع المصلحة المشتركة
لكلا الطرفين :
ـ الحزب
يحصل على دعم مالي وسياسي داخل
دولته ، من الدولة التي يتبع لها..
ـ والدولة
المتبوعة تأمل أن يحقق لها
الحزب مصالح معيّنة في بلاده ،
إذا استلم السلطة فيها. ( وربّما
تحصل الدولة المتبوعة ، على شيء
من الدعاية ، لها ولسياساتها ،
وحضارتها ، وأهميّتها في العالم
.. وذلك بوساطة الحزب الذي تدعمه
قبل استلام السلطة في بلده ..
وربّما جرى بينهما نوع من تبادل
المعلومات الأمنية ، في الحدود
التي تفرضها علاقة التابع
بالمتبوع !).
وغنيّ عن البيان ، أن العلاقات
التي يحكمها الفكر الآيديولجي ،
أو الفكر القومي الشمولي ، أكثر
ضبطاً وصرامة ، من تلك الخاضعة
لسياسات مصلحية ، سواء أكان ذلك
قبل أن يستلم الحزب السلطة ، أو
بعد استلامه لها ، أو بعد فقدانه
لها ـ نتيحة لانتخاب حرّ، أو
انقلاب عسكري ، أو ثورة شعبية ..أو
نحو ذلك ! ـ .
وإذا
كان هذا عرضاً مختصراً ، لأوجه
العلاقة ( علاقة التحالفية
التبعية ) ، بين حزب ما، ودولة
غير دولته ، وهي الأوجه التي
عرفناها من قبل ، فإن ثمّة وجهاً
جديداً من هذه الأوجه ، لم نسمع
به من قبل ، وهو خاصّ بمنطقتنا
العربية ، وفي لبنان تحديداً في
هذه المرحلة ، وإن كان قابلاً
للتعميم ، حسب تطوّرات الظروف
والأحوال ، في الدول التي ليس
لها من يرعاها ، أو بمعنى أدقّ :
في الدول التي شغِل حكّامها
بالنظر إلى كراسيّهم تحديداً ،
بحثاً عن الأخطار التي قد تهدّد
هذه الكراسي ، في دائرةٍ قطرها
بحجم الكرسي ، لا تزيد عليه ! دون
النظر إلى ما هو مقبل عليه من
أخطار، على بعد أمتار قليلة ،
وهو واضح وضوح الشمس في ظهيرة
يوم صائف!
ولعلّ
هذا الوجه الجديد، من أوجه
التبعية التحالفية ، ابتكار
مزدوج عربي فارسي ، وهو (التبعية
التحالفية الشاذّه أو المنحرفة!)
.. وما سيأتي من الحديث ، سيوضح
لنا بإذن الله ، طبيعة هذا الوجه
من أوجه التبعية التحالفية ،
الفريدة النادرة ، غير المعروفة
في الفقه السياسي حديثاً ، ولا
في العادات والتقاليد والأعراف
السياسية قديماً أو حديثا..!
فحزب
الله اللبناني ، مدجّج بسلاح
ليس من دولته ، ولا سلطة لهذه
الدولة عليه ، من قريب ولا من
بعيد ..!
وهوـ أي الحزب ـ لا يتلقّى
الأوامر، ولا النواهي ، من
دولته ، إذا أراد شنّ حرب تحترق
الدولةُ كلّها بلهيبها..! بل ولا
يخبر أحداً من مسؤولي دولته ،
بما ينوي فعله، ولا يَرى أنه
ملزم بذلك ، حتى على المستوى
الأدبي ، فضلاً عن المستوى
السياسي، والعسكري ، والأمني ..!
الجهة الوحيدة ، التي يرى نفسَه
ملزَماً باستشارتها ، والتنسيق
معها ، في حربه وسلمه، هي الدولة
الحليفة ( وحليفُه هنا ليس دولة
واحدة .. بل هما دولتان: إيران
وسورية).
وإذا سئل السيد نصر الله ، عن
معنى هذه العلاقة بينه وبين
حليفيه ، دون الاكتراث بدولته ـ
وطناً وحكومة وشعباً ـ قال
ببساطة : نحن نشكّل حلفاً
مقاوماً ، للصهيونية
والاستعمار والإمبريالية ،
والخنوع والتبعية ..! نحن جبهة
صمود وممانعة ، والآخرون في
لبنان ، جبهة خنوع واستسلام
للصهيونية ، وللاستعمار، وعلى
رأسه أمريكا المتكبّرة ،
المتجبّرة ، المتغطرسة !
وإذا قيل له : هل أنت قائد الدولة
اللبنانية ، المفوّض من قِبل
مؤسّساتها الدستورية، بإشعال
الحروب وإنهائها ، وعقد
التحالفات مع الدول الأخرى !؟
أجاب
ببساطة ، وبلا تلعثم أو لجلجة :
إن مقاومة العدوّ ، لا تحتاج
تفويضاً من أحد في الدولة !
وإذا قيل له : هل لدولتك وشعبك
مصلحة بشنّ الحرب ، في هذا الوقت
بالذات ، وبهذه الكيفية بالذات !؟
قال : إن مقاومة العدوّ فيها
مصلحة دائمة ، لدولة لبنان ،
وشعب لبنان ، وللأمّة العربية
كلّها ، وللأمّة الإسلامية
جمعاء!
وإذا قيل له : وهل أنت وحدك ،
المخول بتقدير هذه المصالح ،
دون سائر شركائك في الوطن
والدولة ، من أعضاء حكومة ،
ونوّاب ، ومؤسّسات ، وأحزاب ،
وشخصيات سياسية وعلمية ودينية
وعسكرية وأمنية ..!؟
قال : إنني أنسّق مع (حلفائي
السوريين والإيرانيين !) الذين
أشترك معهم في مقاومة الصهيونية
والاستعمار، ولست ملزماً
باستشارة أحد غيرهم ، في لبنان
أو غيره !
وإذا قيل له : ولكن هذه الحرب التي
تشنّها ، تؤدّي إلى وقوع ضحايا
بين السكان، وإلى دمار في
مؤسسات الدولة ومنشآتها ،
وممتلكات الناس ، وإلى خسائر
هائلة في اقتصاد البلاد ..!
قال باسماً بثقة : وهل هناك حرب
بلا ضحايا بشرية وخسائر مادية !؟
وإذا قيل له : ولكن الناس لم
يفوّضوك بشنّ حرب يُقتلون فيها
، وتخرب بيوتهم وممتلكاتهم !
قال مستغرباً: وهل الدفاع عن
كرامة الأمّة ، وعزّتها
ونهضتها، يحتاج إلى تفويض!؟
وإذا قيل له : حتى على هذا
الافتراض .. إنك لا تستطيع
الانتصار على إسرائيل .
قال : إن مجرّد صمودي في وجه
إسرائيل ، دون أن تتمكّن من نزع
سلاحي وتدمير قوّتي ، هو نصر
إلهي عظيم !( ولعل الذين عاصروا
حرب حزيران عام /1967/ يذكرون
جيداً ما قالته القيادة السورية
آنئذ ، بعد أن سلّم حافظ أسد
وزير دفاعها، الجولانَ ، بلا
حرب ، لإسرائيل ؛ إذ قالت تلك
القيادة حينَها : لقد انتصرنا في
الحرب، لأن إسرائيل لم تستطع
إسقاط حكومة البعث ..! أمّا الأرض
فلا أهميّة لخسارتها..! وغنيّ عن
التذكير، أن حافظ أسد استلم
رئاسة الجمهورية ، بعد ذلك
بسنتين ونيف !).
وإذا
قيل له : إن الشجاعة في الحرب
وحدها ، لا تكفي لوصفِ الإنسان
بالبطولة والإخلاص ..! فلا بدّ من
مراعاة أمور أخرى ، كثيرة
وهامّة ، منها : الهدف من إشعال
الحرب ، وكيفيةُ إشعالها ،
والزمانُ والمكان اللذان تشنّ
فيهما الحرب ، والنتائجُ
المتوقعة من الحرب ـ سلباً أو
إيجاباً ـ وتأثيراتها على
الآخرين الذين يتسعّرون
بلهيبها ، وصفة الشخص المخوّل
بإشعالها شرعاً ـ بالشرعية
الدينية ، أو الشرعية الدستورية
الوطنية ـ وقدراتُ الدولة
ومؤسساتِها وشعبِها ، على تحمّل
أعباء الحرب..! فربّ حرب أشعلها
أحمق أو سفيه ، جرّت على أمته
وبلاده ، كوارث لا حصرَ لها..!
كما أن الشجاعة في الحرب ، ليست
حكراً على أمّة بعينها ، أو شعب
بعينه ، أو حزب بعينه ..! فتاريخ
العالم كله ـ بما فيه التاريخ
الإسلامي ـ مشحون ببطولات نادرة
تقرب من الخيال..! وهؤلاء هم
الفيتناميون ، الذين مرّغوا أنف
أمريكا بالتراب ، ما يزالون
مثلاً حياً ، تتذكّره الأجيال
التي شهدتْ بطولات الشعب
الفيتنامي المقاوم الصنديد ،
وهو شعب وثني..!
أمّا البطولات الإسلامية ،
القديمة المتجدّدة على مدار
التاريخ ، فحدّث عنها ولا حرج!
وهاهو ذا شعب فلسطين البطل ،
يصمد عشرات السنين ، صموداً
أسطورياً ، وسط اللهب والجوع ،
والحصار والسجون ، واليتم
والثكل ، وسلب الأراضي ، وتهديم
البيوت .. دون أن يتبجّح أحد من
قادته ، بأنه انتصر على إسرائيل
لمجرّد صموده في وسط هذه المآسي
، أو لمجرّد إيقاعه خسائرَ
بشرية ومادية في صفوف العدو !
إذا قيل
له هذا..
قال :
هذا كله تشكيك بشجاعتنا
وتضحياتنا ، وبالنصر الإلهي
العظيم ، الذي حقّقناه على
عدوّنا ..! وهو يصبّ في خدمة
المشروع الصهيوني الأمريكي ،
الرامي إلى إخضاع منطقتنا ،
والهيمنة عليها ، وبناء الشرق
الأوسط الجديد لمصلحة
الصهيونية والاستعمار!
ولا بدّ
من التأكيد هنا ، على أن ما
نقوله على لسان السيد نصر الله ،
ليس افتراضات نتخيّلها ونلقي
بها جزافاً ..! كلاّ إنه منهجه
ومنهج حزبه ، في التفكير
والسلوك واتّخاذ القرارات ..!
عرفناه منه وعنه ، عبرَ متابعات
طويلة ، لمواقفه وتصريحاته،
وتصرّفاته على أرض الواقع ،
وبياناته ومقابلاته في وسائل
الإعلام ، لاسيّما في قناته
الفضائية ( المنار) ! ومن أراد
التأكّد من هذا الكلام ،
فليتابع مدّة شهر واحد ، ما
تبثّه ( المنار) من برامج
وتحليلات ، ومقابلات وبيانات ،
ممّا يصدر عن السيد نصر الله
وقادة حزبه ، والمحسوبين على
خطّه ومنهجه ، من الساسة
اللبنانيين وغيرهم ..!
هذا هو النوع الجديد الفريد ، من
التحالفات والأحلاف ! وهو خاصّ
قابل (للتعميم!). فهل يعي ذوو
البصائر والأبصار، حقيقةَ ما
يجري في بلادهم ، قبل أن تحلّ
عليهم ، في ديارهم ، بركاتُ
التحالفات (البديعة) الماحقة !؟
أم أن منعرَج اللِوى ، مايزال
قائماً، وما تزال صيحات دريد بن
الصمّة تصمّ الآذان ، دون أن
تعيَها أذن واعية :
أمرتُهمُ أمريْ بمنعرَجِ اللِوى
فلمْ يَستبينوا
الرشدَ إلاّ ضُحى الغَدِ
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|