ولكن!
ما وراءك يا "معلم"؟!!
الطاهر
إبراهيم*
الزيارة التي قام بها وزير
خارجية سورية "وليد معلم"
إلى بغداد يوم 19 من شهر نوفمبر
الجاري كأول مسئول سوري يزورها
بعد الاحتلال الأمريكي في نيسان
عام 2003، تبقى ذات مدلولات
غامضة، لا للأهمية التي تشكلها
سورية على الساحة العراقية، فهي
هامشية إذا قيست بأهميتها
السياسية الطاغية في لبنان. ولا
لأنه قد كثر الحديث عن وجود صفقة
بين واشنطن ودمشق، وأن هناك
شيئا ما يهيأ من تحت الطاولة،
فالأمر برمته لا يعدو كونه إحدى
الرسائل التي دأب النظام السوري
على إرسالها ،منذ احتلال
العراق، لإعادة الدفء إلى
العلاقة بينهما، لعل وعسى أن
تساهم بإنهاء القطيعة وعودة
المياه إلى مجاريها. هذه
الزيارة ،على كل حال، أقل من
هامشية على مستوى دولتين
عربيتين متجاورتين، إلا إذا
أريد لها أن تكون جواز مرور نحو
واشنطن وهو ما نستبعده في الوقت
الحاضر، لماذا ؟
البعض يعتقد أن إبعاد "فاروق
الشرع" عن وزارة الخارجية
السورية سهّل –أمريكيا- هذه
الزيارة، بعد أن صرح أثناء
الغزو الأمريكي للعراق، ومن دون
إذن الرئيس بشار، على مايظهر
:"إن سورية تتمنى هزيمة الجيش
الأمريكي في العراق"، ما أثار
حفيظة بوش فحمّل "كولن باول"
وزير الخارجية ،أثناء
زيارته لدمشق، رسالة إلى النظام
السوري في أيار 2005 ،ملمحا
لاستبعاد الشرع عن الخارجية
السورية، وهو ما لم تستجب له
دمشق في حينه.
العلاقة بين جناحي حزب البعث في
سورية والعراق تَراكمَ عليها-على
مدى أربعة عقود- إرثٌ ثقيل من
العداء بين بغداد ودمشق. وإذا
كان قد طرأ تحسن طفيف بعد وفاة
الرئيس الراحل فقد أملته مصلحة
آنية -قبض ثمنها رموز في النظام
السوري- سهلت تدفق أنواع معينة
من الأسلحة الخفيفة عبر سورية
كان العراق بحاجة ماسة لها. وقد
كان من المفترض أن تعود
العلاقات الطبيعية بين البلدين
الجارين بعد زوال نظام "صدام
حسين". إلاأن امتلاء نفس
الرئيس الأمريكي "جورج بوش"
بالعداء لسورية بعد احتلال
العراق، بتحريض من المحافظين
الجدد، أحبط كل تفكير بتحسن
العلاقات بين دمشق وبغداد.
فمع أن كل مقومات عودة العلاقات
بين البلدين متوافرة، كون حكام
بغداد الجدد على علاقة طيبة مع
طهران، وهذه تربطها مع دمشق
علاقة استراتيجية من أيام حافظ
أسد. إلا أن هذه العلاقة بين
دمشق وطهران بدلا من أن تقرب
بينهما، فإنها أثارت حنق بوش
وأحبطت أي تحسن في العلاقات في
وقت كان "برايمر" حاكما
فعليا في بغداد. أما من تناوب
على الحكم أثناء وجوده أو بعد
ذلك فقد كانوا "ديكورا" لا
أكثر ولا أقل.
عندما جاءت حكومة "المالكي"
وجدت نفسها غارقة في وحل الوضع
الأمني، ولم يكن هناك أي أمل في
استئناف علاقة جدية بين بغداد
ودمشق، طالما أن هذه الأخيرة لا
تستطيع تقديم أي مساعدة لإنقاذ
الأولى من وضعها الأمني
المتدهور، وبغداد أمرها بيد
واشنطن.
كل محاولات الرئيس السوري لأن
يأخذ مكانة أبيه الأثيرة عند
واشنطن كلاعب له الأولوية في
الشأن الإقليمي فشلت فشلا
ذريعا، لأن المحافظين الجدد
بقوا مصرين على تغيير النظام
السوري كما صرح بذلك نائب وزير
الدفاع السابق "بول ولفووتز"
أكثر من مرة، زاعما أن التغيير
"في النظام" غير مطلوب، بعد
أن فشل العهد الجديد في دمشق أن
يغير نفسه كما هو مطلوب منه.
فإذن، لا بد من "تغيير النظام"
على حد تعبير "ولفووتز".
والحقيقة فقد كان الرئيس الراحل
أستاذا في فن الانحناء أمام
إملاءات واشنطن، وعنده من
الدهاء على أن يغلف ذلك بطبقة من
"السكرين" تجعل المذاق
المر ذا نكهة حلوة. كثير من
الذين عاصروه يؤكدون أنه لو كان
بقي حيا إلى ما بعد احتلال
العراق، لشطب من قاموسه "العنتريات"
التي يتغنى بها العهد الحالي ضد
واشنطن. بل ربما أرسل الجيش
السوري إلى شمال غرب العراق
ليقطع الإمدادات عن المقاومة
العراقية التي تقاتل المحتل
ولضيّق عليها مساحة الكر والفر
من ورائها. ولقد فعل أكثر من
هذا، يوم أرسل الجيش السوري في
عام 1991 إلى "حفر الباطن"
ليحارب الجيش العراقي تحت راية
أمريكا.
في سعيه لتصوير نفسه أنه مستهدفٌ
من الإرهاب كما هو الحال مع
أمريكا، دأب النظام السوري في
السنوات الثلاث السابقة، على
إرسال رسائل إلى واشنطن، زاعما
أنه مستهدف بأعمال إرهابية
كالهجوم في حي المزة غربي دمشق
بفعل خلية لما سمي "جند الشام"،
ثم في حلب ثم في معرة النعمان ثم
في إدلب، ثم في الهجوم على
السفارة الأمريكية في شهر
سبتمبر الماضي، وأخيرا وليس
آخرا الإعلان عن قتل زعيم
التوحيد والجهاد "عمر حمرة"،
على الحدود اللبنانية. هذه
الرسائل –العمليات- فشلت في أن
تجد من يقرأها، فضلا عن أن تجد
من يصدقها في واشنطن.
واستطرادا، فإن الرواية
السورية للحادثة الأخيرة
المزعومة، لا ترقى إلى أن
يصدقها المبتدئون في عالم
السياسة. فقد زعم التلفزيون
السوري أن "عمر حمرة" اشتبك
مع حرس الحدود في "جديدة يبوس"
على الحدود السورية اللبنانية.
وككل مرة لم يتم إلقاء القبض على
الجاني إلا مقتولا، مع تهافت
الرواية الرسمية في أن القتيل
عبر البوابة الرسمية للحدود
حاملا حزاما ناسفا. هذه الرسائل
التي تصور النظام بأنه في خندق
واحد ضد الإرهاب، لم تجد من
يقرأها، فضلا عن أن يصدقها أحد
في واشنطن.
ما نحن متأكدون منه أن النظام
السوري الحالي راغب في الذهاب
إلى آخر الشوط في ما يرضي واشنطن.
وعلى هذا الأساس فإن بعض
المراقبين يؤكدون أن زيارة "وليد
معلم" إلى بغداد تصب في هذا
السياق. ما لسنا متأكدين منه حتى
الآن ما إذا كانت الزيارة جاءت
في الوقت المناسب أم أن قدر
الوزير جعلها تأتي في الوقت
الضائع، حتى إذا ما سأله سائل ما
وراءك يا "معلم"؟ لم يكد
يحار جوابا!!!!
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|