الله
يفك أسره/
الله يفك أسرنا
محمد
علي العبد الله*
عبارة سمعتها
كثيرا في الآونة الأخيرة ، ولم
تكن غريبة عني إلى هذا الحد ،
فقد كنت أحد المخطئين في
إستخدامها ، لكن الفرق أنها
الآن توجه إلي ، فعند لقائي لأي
صديق يسألني عن أوضاع شقيقي عمر
: كيفو عمر ؟ إن شاء الله صحته
منيحة ؟ كيف معنوياته ؟ وبعد أن
يستمع إلى الجواب ، يعود
للمبادرة فيقول : الله يفك أسره
، فيردد جميع الحاضرين : آمين....
حتى أضحت هذه العبارة جزءا لا
يتجزأ من كل لقاءاتي مع
الأصدقاء ، أضحت مثل "الكليشة"
أو "الترويسة" أو جزءا لا
يتجزأ من المكان الذي قد نلتقي
فيه .
الجدير بالذكر أني كنت حاضرا
أمام محكمة أمن الدولة 26/11 علي
أستطيع أن ألمح شقيقي بين
العشرات المكبلين، الراجيلن من
تلك "الزيل" العسكرية
الكريهة ، فإذا بأحد الأشخاص
الحاضرين من عناصر المخابرات
يسألني : كيفو "الأستاذ"
عمر؟ إن شاء الله قدرتوا تزروه ؟
الله يفك أسره .
أتى الجواب سريعا، وكالعادة،
بعنف: أولا: أخي مو أستاذ، ثانيا:
ما حدا طلب منك تسأل عنه، ثالثا:
الله يفك أسرنا نحن، هدول
المساجين أحرار، ونحنا
السجناء، إن شاء الله مصدق حالك
إنك حر.... إنتهى الكلام،... وخيم
صمت قصير، تسحّب عنصر المخابرات
بعده يجر خيبته، معه دفتر
اليوميات(التقارير).
كلمات إنطلقت، شأنها شأن الكثير
من الكلام، دون تحضير ، دون
تفكير بصحتها، مدى تأثيرها،
وصحة قولها لعنصر مخابرات، جلّ
وظيفته إستنباط الكلام من
الحاضرين وتسجيله، لكنها
إنطلقت صادقة معبرة عما نشعره
ونعانيه.
في الحقيقة العبارة لم تستوقفني
إلا عندما صدرت من عنصر
المخابرات . عدت إلى البيت ،
تأملت مطولا فيما قال.... في الرد
الذي صدر عني، كيف يعرف عنصر
المخابرات معنى الأسر؟ وهو من
يمارسه على الآخرين؟ وكيف يعرف
طعم الحرية وهو من يصادرها، هل
أخطأت في إجابتي؟؟؟ هل عنصر
المخابرات حر..؟ لست متأكدا من
هذه، لكني متأكد أنه لن يُعتقل
أبدا، لأنه وببساطة هو من يعتقل
الناس.
عدت إلى الوراء.... إلى تلك الأيام....تذكرت
أيام عدرا...."من لم يتقيد
بسلاسل لن يعرف طعم الحرية"،
عبارات قرأتها وسمعتها في سجن
عدرا، وشمها المجرمون على
أيديهم وعلى أرجلهم، كتبوها على
الجدران، لكن، بالأمس القريب
أمام المحكمة، لم أستطع الشعور
بالحرية، رغم أني تقيدت بسلاسل
أكثر من مرة، شعرت أني السجين
المقيد...... ذلك الشعور الذي لم
يراودني يوما داخل الزنزانة في
صيدنايا أو عدرا،الشعور الذي لم
يراودني حتى وأنا مقيد بسلاسل...معصوب
العينين...... في السجن صامدين
أقوياء، لا نفكر بالسجن، كيف
بدأ، ومتى سينتهي.... بدأت
معركتنا وعلينا أن نخوضها،
وبشرف..... لا نفكر، هل ستكون
نهاية رحلتنا بين محاكم سورية
نهاية سعيدة... بائسة...لا أدري و
أحداً ما كان ليدري؟، وهل سيكتب
لعائلتنا لم الشمل مرة أخرى، لم
نفكر، غير آبهين بما ينتظرنا،
لأننا وببساطة على حق .
أتذكر...قلق دائم نقتله مرارا إلى
عدرا، أمي، التي
اعتادت زيارتنا وحرمت من زيارة
أخي، السؤال الأول دائما كان
منا : في شي أخبار عن عمر؟ الجواب
دائما: لا والله يا أمي، وتبدأ
بالكلام وتنقل قلقها لنا.
وبعد عبارات تطمين لا يمكن أن
تخدع أماً (شو بده يكون صارله
يعني،إيه مثله مثلنا، هاي نحنا
ما صارلنا شي، ما متنا بصيدنايا)،
بعد هذا العبارات نردد معا تلك
الكليشة المفرغة من المعنى: "الله
يفك أسره"، فيرد الجميع - بمن
فيهم الضابط المكلف بمراقبة
الزيارة وتسجيل عدد أنفاسنا على
جهازه الخلوي- يرد الجميع: آمين.
تذكرت.....تذكرت....الى الوراء أكثر.....أيام
صيدنايا....تلك الأسابيع السبعة....لم
تكن طويلة.....الحراس / العسكر،
عسكر على مين، (الله يرحمك يا
سمير قصير ، كما كانت مؤثرة
عباراتك)، بعض العسكر في
صيدنايا عاملوني استثناءاً
معاملة معقولة، إستغربت.....سألتهم،
وكان نفس الجواب عندهم تقريبا،
نحنا مساجين مثلك ، في وحدة حال
تقريبا (علمت فيما بعد أن
الأوامر صدرت بألا أضرب أو شتم
أو أهان مثل الباقين).....هؤلاء في
الخدمة الإجبارية، لا يغادرون
السجن إلا مرة كل أربعة أشهر
تقريبا، ينامون في
السجن،مثلنا، ويأكلون في
السجن،مثلنا، يسرقون من طعامنا
قطع اللحم القليلة أصلاً،
يستحمون في السجن، في حين
ُمنعنا من الإستحمام حتى بماء
بارد في المنفردة، المهم أنهم
شعروا أنهم مساجين تقريبا.
السجين والسجّان يتشاطران نفس
الشعور، لا بل إن السجين لا يشعر
بأنه سجين، يشعر بأنه حر....لو لم
أكن حراً لما اعتقلوني.....هكذا
فكرت......ربما خافوا من الأحرار
لأنهم قد يصيبون الآخرين
بالعدوى..... .
إذا كلامي صحيح،الله يفك أسرنا
نحن.... نعم كلامي صحيح، نحن
السجناء في هذا السجن الكبير ،
وآه ...ما أصعب الهروب من سجن لا
جدران له.
السجناء في المعتقلات أشخاص
رفضوا "الإعتقال الدائم" ،
ورفضوا أن يبقوا أسرى في هذا
السجن الكبير، رفعوا أصواتهم
بهذا الرفض....ثار القلق من
أصواتهم، فقد يسمعها الآخرون....وتُعديهم....
فكانت النتيجة أنهم اختطفوا من
حياتهم ... من عائلاتهم .....من
أصدقائهم ...... ومن أيام شبابهم.....
من مقاعد دراستهم ليدخلوا إلى السجن
الصغير.
أن تشعر أنك سجين داخل السجن أمر
مفهوم، وربما عادي، لكن أن
يرافقك هذا الشعور إلى خارج
السجن فهو المضحك المبكي،
والغير مفهوم ، ترى لماذا لا
نشعر بحريتنا، خارج السجن أو
داخله.......ترى الحرية في الداخل
أم في الخارج؟ ....مالي لا أراها
....لا أشعر بها..... هل السجن في
الخارج.....هل نحن مقيدون دون أن
ندري....في الداخل نستطيع رؤية
القيد.... نشعر بقساوته....ونشعر
بها في الخارج لكن دون أن نراه.
لماذا يشعر المواطن السوري في
بلده الذي يرفع حزبه الحاكم
الحرية كإحدى شعاراته أنه
أسير؟؟......لا أعلم ....وربما لا
يعلم أحد....
طوبى لكم أيها الأحرار داخل
السجون السورية ، والحرية للشعب
السوري داخل سجنه الكبير .
*أسير
سوري في السجن الكبير .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|