الأسد
والمعركة المصيرية
درويش
محمى*
القادم من الايام
يحمل الكثير من المفاجآت
والمستجدات على الساحة
اللبنانية, قد تكون سارة وهو
الاحتمال البعيد للاسف الشديد,
وقد تكون محبطة ومحزنة وهو
الاحتمال الاكثر رجوحا, بعد ان
نزل الجنوبيون من انصار حزب
الله الى الشارع, يدقون طبول
الحرب على لبنان هذه المرة بدل
دولة اسرائيل, التي بات من الصعب
الوصول اليها بعد انتشار القوات
الدولية عقب الحرب الاخيرة,
ورفض الاكثرية اللبنانية
والمجتمع الدولي وحرصه على عدم
تكرارها .
تتشابك المصالح
وتجتمع في وحدة مصير متجانسة
للاطراف الثلاث, الثورة
الاسلامية الفارسية والنظام
السوري وحزب الله, ايران
الاسلامية بملايينها الحلال من
الاموال وارشادات مرشدها
وصواريخها, والنظام السوري
بمخابراته وخبراته الطويلة في
تجنيد العملاء وشراء الذمم
وتصفية الخصوم والتطرف وطيش
وطراوة الشباب في صفوف قواده,
وحزب الله بجمهوره العريض من
الطائفة الشيعية, ورأس ماله
الوحيد, دولة لبنان البلد
الصغير, باعتبارها ساحة حرب وخط
نار متقدما شديد الاشتعال,
لبنان الذي اضحى تربة خصبة
لحروب الاخرين من قوى اقليمية
قوموية واسلاموية, وسوقا رخيصة
لتصفية الحسابات ودفع الفواتير,
بفضل سياسات حزب الله المغامرة
المتطرفة واللامسؤولة .
المعركة"السياسية"
الحالية التي يقودها حزب الله
وتشهدها شوارع بيروت العاصمة,
تعتبرمعركة استباقية سورية
صرفة هذه المرة, رغم وجود مصالح
ثانوية خاصة بكل من حزب الله
وايران, على عكس حرب 33 يوما
الاخيرة, والتي كانت حربا
ايرانية اكثر منها سورية, وفي كل
الاحوال لم تكن لا هذه ولا تلك
ابدا حربا لبنانية, معركة بيروت
الحالية "سورية" بامتياز,
والسبب يكمن في شبح المحكمة
الدولية الذي يلاحق النظام في
دمشق, وشهامة حزب الله وكرمه
المفرط"على حساب لبنان طبعا"
في انقاذ حليفه السوري على
الافلات من حكم القضاء وسيف
العدالة, باللجوء الى الانقلاب
على الشرعية اللبنانية صاحبة
الحق في اقامة تلك المحكمة,
ومحاولة اسقاط الشرعية
المتمثلة بقوى الاكثرية
النيابية وحكومة السيد فؤاد
السنيورة, والتي جاءت عقب
انتخابات برلمانية ديمقراطية
نزيهة, بشهادة حزب الله وامينه
العام نصرالله, وبهدف اعادة
لبنان الى ما كان عليه من وصاية
وتبعية, كحلقة ثالثة ذيلية
للحلف الثلاثي, وتحويل لبنان
الى ساحة صراع, يدور في فلك
سياسات المحور السوري الايراني
الخطيرة والمكلفة.
ليس خافيا على احد
مدى الازمة التي يعانيها النظام
السوري من جراء تبعات مقتل
الرئيس رفيق الحريري, وتاثير
هاجس المحكمة الدولية على
تصرفات وسياسات النظام السوري
العدائية, وبشكل خاص تجاه لبنان,
ومحاولاته الحثيثة اليائسة
للتخلص وبكل السبل في احباط
تشكيل المحكمة الدولية, وكون
لبنان وقوى 14 آذار وحكومة السيد
فؤاد السنيورة, هم وليس غيرهم,
يمثلون دورالمدعي في هذه القضية,
حاول النظام السوري وما يزال,
سواء بشكل مباشر ام عن طريق
اعوانه وحلفائه اللبنانيين,
القضاء على اصحاب الدعوة
ومحركيها, للتخلص من هاجس
المحكمة الدولية المزعج,
وللتذكير فقط ان المدعي عليه
الذي سيمثل امام تلك المحكمة
الدولية هو النظام السوري نفسه.
سعي القيادة
السورية الدؤوب في التخلص من
ساعة الحقيقة, لا يتحقق الا
بامرين, الاول والاسهل اسقاط
حكومة السيد فؤاد السنيورة
المصرة على المضي في استكمال
اجراءات المحكمة الدولية, ويتم
تحقيق ذلك من خلال سيطرة حزب
الله وحلفائه على الحكومة
والبرلمان اللبنانيين, والامر
الثاني والاصعب ولكن الاسرع
والاجدى ادخال لبنان في اتون
حرب اهلية قذرة, تشغل اهل لبنان
والعالم عن التفكير بالمحكمة
الدولية.
حرصا على الحقيقة
والمصداقية, وتجنبا للتجني
والتزاما بالموضوعية, ربما في
الامر كثير من الاجحاف والظلم,
الادعاء بان حزب الله يهدف
لاثارة الحرب الاهلية, ولكننا
نحن ابناء سورية, نقسم بالله
العلي العظيم, وبكل مصاحف الكون
وكتبه السماوية, وبكل المقدسات,
وبالانجيل والتوراة, ان الهدف
الرئيسي للنظام السوري, هوادخال
لبنان في نفق الحرب الاهلية,
التي لا سمح الله ان وقعت, ستفتك
بالاخضر واليابس هذه المرة, ولن
يخرج منها لبناني واحد الا وهو
خاسر, ماعدا النظام السوري"الشقيق"
حيث يتحقق حلمه ويوفي بوعده "بتكسير
لبنان", وفي الوقت نفسه يتجنب
رؤية وتبعات ولادة المحكمة
الدولية ولو الى حين, وربما
للابد.
منذ مقتل الرئيس
الحريري وخروج جحافل المخابرات
السورية المذل من لبنان, تعمد
النظام السوري عدم اقامة
العلاقات الدبلوماسية مع لبنان"
الشقيق", وحاول متعمدا ايضا,
التشويش والتشكيك بملكية مزارع
شبعا, بهدف الابقاء عليها كبؤرة
صراع بين لبنان واسرائيل, وكحجة
مبررة لحليفه حزب ا لله للابقاء
على سلاحه خارج الشرعية
اللبنانية, ومجمل سياسات النظام
السوري تجاه لبنان, وخاصة عملية
الاغتيال الاخيرة, التي طالت
الوزير الشاب الواعد الجميل
بيار جميل, لا تدعو للتفاؤل
وتنبئ بوقوع ما لا تحمد عقباه,
خلال الفترة القصيرة المقبلة,
اذا تجاهل اللبنانيون بكل
طوائفهم واتجاهاتهم ولو للحظة,
النوايا العدوانية الخبيثة
للنظام السوري .
ما يحدث في شوارع
بيروت اليوم, لا يتعدى كونه
معركة مصيرية حاسمة قد تكون
الاخيرة للنظام السوري, بعد ان
اخفقت المخابرات السورية رغم كل
محاولات الاغتيال التي شهدها
لبنان في اشعال نار الفتنة
الطائفية والحرب الاهلية
البغيضة, وفشلت فشلا ذريعا في
النيل من عزيمة واصرار قوى 14
آذار وتصميمهم في المضي قدما في
الكشف عن قتلة الرئيس الحريري
وتقديم الجناة للمحاكمة, لقد
نجح اللبنانيون بكل اطيافهم الى
اليوم من تجنب الوقوع في افخاخ
الحرب الاهلية التي يخطط لها
اشرار من خارج الحدود, فهل
سيتمكنون من الخروج سالمين من
المعركة الحالية وهي الاصعب
والادهى, الايام القليلة
القادمة وحدها تحمل الجواب
والحقيقة .
*
كاتب سوري
derwish.com.mehma@hotmail
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|