إلى
عمر العبد الله
محمد
حسين
sth@mail2arab.com
أتساءل أحياناً هل على السوري أن
يحترف الغياب - على حد تعبير
أنسي الحاج - هل عليه أن يتعلمه
ويتقنه ، ولكي يكون أباً جيداً
أن يعلمه لأولاده ....؟
الغياب تعبير شعري عن معنى نفسي
وفلسفي هو الغربة والغياب غربة
الذات عن مجالاتها المختلفة ..
لماذا خطر لك أن تغيب مجدداً لقد
كنا كلنا غائبين كما دوماً في
أجسادنا في كتبنا في ملابسنا
تعلمنا كيف نغيب عن ذواتنا
ونعيش في الهامش المتاح للتنفس
.. أسألك بالله عليك لماذا قررت
الغياب الفج الغبي ..؟
هل لأن كلا الغيابين سيان .. أم
لأن الغياب هناك أوضح وأكثر
فظاظة وقد أردت أن تعرف أخيراً -
بعد ملل - أين أنت ..؟
أم أنك هربت من سجنك الداخلي الذي
كان يبدو مهيباً ومفزعاً في كل
مرة كنت أحاول فيها أن أسألك عنه
أو أعرف شيئاً ما حوله ..؟
هل قررت الكف عن استبطان الغربة
وأردت التصريح بها أمام الناس
أم أتعبك نداء الخلاص الذي يسير
كل ليل من ساحة السجن ليدغدغ
أسماعك..؟
آه أيها الضخم البسيط ... لقد كنت
دائماً أعرف أن ضحكاتك المتكررة
التي لا تمس حتى قشرة قلبك لهي
وسيلة لإسكات ذاك النداء
الخلاصي المزعج الذي كان يشتد
صوته كلما تذكرت أباك...
كنا دائماً نقول معلقين على
انتقالاتك الدائمة من حزب إلى
آخر ومن جمعية إلى أخرى أنك
بحاجة إلى مكان أكثر وضوحاً
أكثر بديهية ... هل وجدته...؟
يعتقد إريك فروم عالم النفس
المعروف أن العصاب ينشأ أساساً
عن العلاقات الداخلية في
الإنسان بين الذات المجتمعية
القطيعية المحددة بالحدود
الجغرافية والنظم السياسية
والمفاهيم الفكرية والدينية
التي تشكل الوعي الجمعي تلك
الذات التي همها الأساسي الأمن
والاندماج وخوفها الأساسي هو
النبذ والنفي والاختلاف وبين
الذات الإنسانية التي تسعى
للعدالة والحرية المستقلين عن
انتماء فكري أو ديني أو مجتمعي
همّ هذه الذات الأساسي هو
التفرد وفهم الكينونة وخوفها
الأساسي هو خسارة الإنسان لذاته
وتفرده على مذبح القطيع الجمعي
اللامتمايز .
في دعواتك المتكررة إلى عمل
سياسي موجه نحو الناس والناس
فقط كان بعض الذين عرفوك
يتهمونك بالشعبوية ... أيّ عصاب
ذاك الذي يجعلوننا نكابده وأي
عبء ذاك الذي تحمله في قلبك ...
أريد أن أقترح عليك اقتراح ...
حاول مرة أخرى .. جرب أن تعيش
بيننا مرة واحدة وهذه المرة لا
تحاول أن تعرف الناس أفضل بل
دعنا نعرفك أكثر ... دعنا نلامس
آلامك وبكاءك ، اخرج واضحك هذه
المرة من قلبك ... اخرج حتى ولو من
أجل التجربة من أجل النزاهة
الفكرية ليكون سجنك المقبل أكثر
وضوحاً .
أدعوك لتأخذ مكاناً بيننا في هذا
الغياب المتجدد .. أدعوك إلى أن
تخرج من هذه الزنزانة أن تمنح
الجميع ونفسك فرصة جديدة وربما
أخيرة لابتكار تقنيات جديدة
لاحتراف الغياب لقد ابتكرت
بعضاً منها أعدك أن نتحدث بعمق
هذه المرة إذا خرجت وأرجوك لا
تضحك عليّ بالأبواب الموصدة
والأقفال الكبيرة والعشرات من
الحراس والبنادق الحديدية التي
بأيديهم وألا تتحجج بمرارة
الحياة " هنا " والنفايات
في الشوارع والصور والتماثيل
التي تملأ الساحات وشرطي السير
الذي يستهزئ بك ألف مرة قبل أن
يخالفك أو يتنزل عليك برحمته أو
كل الليالي التي لا تستطيع أن
تنامها متذكراً أصدقاءك داخل
السجن أو أخبار السرقة في بلدك
كل يوم أو حتى خلافات المعارضة
وانشقاقاتها اليومية أو دموع
أمك في كل مرة تذكرت أباك وأخاك
– يخيّل إلي أن مشكلة من
اعتقلوكم ليست معكم بل مع أمك –
لا تتحجج بأي شيء بل افتح الباب
واخرج .
عمر... معظم الأخبار تقول أن أحداً
لا يعرف مكانك .. لا فرق حيثما
كنت فهم لا يستطيعون أن يفعلوا
فيك شيئاً أو بالأحرى غير
قادرين على تحمل ذلك .. لكن ما
يشغلني هو بعد أن تخرج هل ستستمع
لي أم لا .
لكن هل تدري حتى استماعك لي ليس
مهماً ... المهم أن تفكر بذاتك
هذه المرة ثم اذهب إلى جهنم إن
أردت أوعد إلى هذا الزمن
المتراخي .
الغد ليس إلا اصطلاح زمني للأمل
الغد لك ..عمر .. الغد لك
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|