دروس
لبنانية للشعوب العربية
(انتفاضة
ملالية لانقاذ "الانتصار
الالهي"
والاعتصام
سيعلم الشعوب العربية اساليب
جديدة للتخلص من انظمتها
البالية)
بقلم
: نبيل عودة*
ليس بالصدفة ان "الانتفاضة"
التي يقودها الشيخ حسن نصرالله
في لبنان جاءت بعد اصرار
الحكومة اللبنانية على حقها
المشروع في مسائل اساسية عدة ،
على رأسها مسألتين ، الاولى حق
الدولة المطلق بكل ما يتعلق
بضبط السلاح واستعماله
، بما في ذلك اعلان الحرب او
السلام . والثانية الاصرار على
تشكيل المحكمة الدولية الخاصة
لمحاكمة جميع المسؤولين عن
الجريمة التي اودت بحياة رئيس
الحكومة الأسبق رفيق الحريري
وشخصيات لبنانية مرموقة اخرى .
وليس بالصدفة ايضا
، ان اشد المتحمسين "لانتفاضة"
حسن نصرالله ، هم الرئيس اميل
لحود وولي امره النظام السوري
المتورط حتى اذنيه ،وبدعم مادي
وسياسي مفتوح من ملالي ايران ...
ورؤيتي ان قتل الحريري وسمير
قصير وجبران تويني وجورج حاوي
وبيير جميل وغيرهم ومحاولات قتل
شخصيات اخرى ... لم تكن الا القشة
التي قصمت ظهر الجمل .. اي بوضوح
اكبر النظام السوري وعميله
اللبناني الاول الرئيس لحود (
صاحب السجل الاسود في السياسة
اللبنانية ) يجهدون لاخفاء
الموبقات التي لا بد ان تنكشف
ويحاسب عليها النظام السوري
ورجاله في بيروت . وقرار
المصادقة على المحكمة الدولية ،
هو امر بديهي في ظل عدم قدرة
الحكومة اللبنانية والقضاء
اللبناني على التعامل مع هذا
النوع من الجرائم
الدولية ، وعقاب مرتكبيها ...
في هذه المرحلة الحرجة من اعادة
البناء ، وفي ظل وجود مليشيات
تحرص على ارتباطات تتناقض
مع المصلحة
الوطنية اللبنانية
، وتشكل خطرا على مستقبل
لبنان ومصيره .
حسن نصرالله يستغل
"انتصاره الالهي" لتحقيق
مآربه .. بعد ان سحبت الحكومة
اللبنانية ، بدعم الامم المتحدة
..البساط المخملي في الجنوب من
تحت قدميه ، وباتت دولة الملالي
الاسلامية في
الجنوب ، وفرص امتدادها للشمال
، شبه
مستحيلة ، بوجود رئيس حكومة
اثبت حتى اليوم انه ابرز رجل
دولة على مستوى العالم العربي
كله وليس في لبنان فقط .
اعرف ان انتقاد حسن
نصراللة لا يقع على آذان عربية
صاغية وقادرة على التفكير
السليم والقويم .. ولكني لست ممن
يبحثون عن المديح والاستحسان ،
ولا استطع ان اكون مهرجا ، وانا
ارى الخطر يحيق بلبنان وبما
يمثله لبنان وشعبه تاريخيا في
الحضارة العربية وفي نموذجه
الدمقراطي .
نحن
شعب عاش هزائم مرة عبر العقود
الماضية .وحسن نصراللة برز
كزعيم عربي قادر على الحاق
الهزيمة بالعدو الرهيب للشعوب
العربية .. لا استهتر بصمود حزب
الله في المواجهة مع اسرائيل ،
وبالثمن الرهيب الذي لحق
بالمغامرة العسكرية العدوانية
لمجموعة "
بيرتس – اولمرت – حالوتس "
ولكن المبالغة في تصوير
نتائج الحرب ب "انتصار الهي"
، او "انتصار عسكري ".. هي من
ضمن العقلية الرومانتيكية التي
تعوم على شبر ماء ، وتعجز عن
رؤية الحقائق السياسية وموازين
القوى ،التي تحكم منطقتنا
وعالمنا . والأخطر انها تغطي على
العقلية الملالية المغامرة
التي تخطط لنظام آخر في لبنان ،
ساد في الجنوب حتى انهار بعد "
الانتصار الالهي " .
الانتصار
العسكري لا بد ان يقود الى نتائج
سياسية ، ونتائج في تغيير
استراتيجي في موازين القوى ..
وليس سرا ان النتائج السياسية
والترتيبات الامنية ، التي
اسفرت عنها الحرب لم تكن اطلاقا
لصالح حزب الله ، وموازين القوى
ستكون اطلاقا لصالح الذين هزمهم
"الهيا" حسن نصرالله
. رغم ان مقاتلي حزب الله
ابلوا بلاء رائعا في
المواجهة العسكرية .. ولكن
المسافه بين ادعاء الانتصار
وبين الحقائق السياسية على
الساحة الحربية ، وميل الموازين
الاستراتيجية ،عسكريا على
الاقل ... لاحد
جوانب الصراع
، هو المقرر في النهاية في
الترتيبات الامنية والسياسية
.. ويبقى الجانب الذي يملك
القوة العسكرية ، حتى لو لم تجد
تعبيرا عنها في مواجهة قتالية
محدودة ، صاحب الموقف المؤثر ،
شئنا ذلك ام ابينا.
لا شك لدي ان وجود
شخصية بمستوى رئيس الحكومة
اللبنانية فؤاد السنيورا ، هو
ما انقذ لبنان ، وهو ما جعل
امكانية حسم الحرب المطلق لصالح
اسرائيل غير قابلة للتنفيذ
.. وكان على حسن نصرالله ان
يعترف بهذا الدور الحاسم في
انقاذه وانقاذ لبنان من الدمار
الهمجي الكامل . وواضح ان حسم
الحرب يعني بوضوح تدمير لبنان
بشكل يعيده قرنا كاملا الى
الوراء وليس عشرين سنة فقط ..
ويجعل " الانتصار الالهي "
شكوى الهية اخرى في مسيرة
الهزائم العربية .. وربما اكثرها
بكاء !!
اذا كان من انتصار
في هذه الحرب التي تورط فيها
لبنان لصالح ملالي ايران وطاقم
النظام السوري المتورط حتى
اذنيه ، فهو العمل السياسي
المسؤول والمتقن الذي قام به
فؤاد السنيورا .. وتتمة هذا
الانتصار واضحة .. نزع سلاح
المليشيات ، ووضع السلاح كله
تحت اشراف الدولة ، وانهاء
التسيب والفوضى
والاطماع الايرانية
والسورية ، التي تقع حساباتها
بعيدا عن مصلحة أبناء لبنان ،
بما فيهم بالتأكيد اولئك الذين
واجهوا ببطولة نادرة الجيش
الاسرائيلي .
وتحويل لبنان الى دولة
مؤسسات ونظام دمقراطي ...
ومعاقبة المتطاولين على رجال
الدولة والمجتمع اللبناني ...
بالضبط هذا ما يحاول "المنتصرون
" والحالمون بالرئاسة
وقفه .
الجنرال ميشيل عون
اثبت انه نكرة وعقيم التفكير ،
وان ما يشغله ليس مصير لبنان ،
انما مصيره الشخصي ، وتحقيق
حلمه بالوصول الى كرسي الرئاسة
في لبنان ، وهل من حليف افضل من
حزب الله ، ومن كسب رضاء اعداء
الامس ، حكام دمشق
؟
مثل هذه الشخصية
المهزوزة لا تستحق حتى ان تقود
لجنة طلاب صف ابتدائي ، فكيف
يمكن الثقة بها ان تقود لبنان
عبر تناقضاته ومشاكله ؟ وهل
جاءت جريمة قتل الوزير ، واحد
قادة الاستقلال من النظام
السوري ، بيير
جميل .. لتسهيل
وصول الجنرال عون الى كرسي
الرئاسة ؟!
لا اعرف ما ستسفر
عنه "انتفاضة الملالي" .
ولكن لا بد من تسجيل امر ارى انه
الأكثر اهمية ، انزال
الجماهير الى الشارع بهذا
الاسلوب هو درس لكل الجماهير
العربية حول كيفية التخلص من
انظمتها البالية والمتحجرة ،
ويرتكب النظام السوري بالاساس
اكبر خطأ في تاريخه ، وهو خطأ
محمود .. لا بد ان يستوعبه الشعب
السوري ( والشعوب العربية
الاخرى ..) عن افضل الطرق لاسقاط
نظام التخلف
والبطش وبيع سوريا
بالمزاد العلني لملالي
ايران .. وقد يصدق فيهم المثل :
" جاء يكحلها فعماها " .ومع
ذلك لا استهتر بما يواجهه الشعب
اللبناني من مخاطر.
اتوقع ان تصمد
الحكومة اللبنانية
لانها على صواب ، ولانها
تعبر عن المستقبل الآمن للشعب
اللبناني .. وعن الطريق
لبناء عالم عربي جديد
دمقراطي . والاهم وجود رئيس
حكومة قادر
على رؤية المستقبل ويؤمن بقدرة
الشعب اللبناني على عبور هذا
الامتحان الأصعب في مسيرة
التحرر الحديثة .
المحكمة الدولية
قادمة لا محالة ، وانتفاضة
الملالي وزلم سوريا ستشتد ..
ولكن يجب ان لا ننسى ان المليون
الذين خرجوا في وداع بيير جميل
وفي وداع شهداء الاستقلال
اللبناني من الاحتلال السوري
لهم موقف آخر .. وهم ليسوا
اقل قوة سياسية
من المتآمرين على مصير
لبنان ، وليسوا اقل تصميما على
بناء لبنان الجديد ، الذي سيعيد
بناء وتطوير لبنان لصالح اؤلئك
ايضا المضللين ب " الانتصار
الالهي " . ولصالح اعطاء نموذج
يحتذى للجماهير العربية ، التي
طال اشتياقها للحرية والتقدم .
*قاص
، روائي ، ناقد وكاتب سياسي –
الناصرة
mostkbel@netvision.net.il
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|