يا
مسيحي سورية لا تخافوا على
مصيركم من الديمقراطية
الحلقة
الثانية
د.
منير محمد الغضبان*
ثامنا ً : ورغم أن الأستاذ سليمان
يوسف هو من المعارضة ، وشكل مع
بعض الفرقاء إعلان سورية الذي
ينص على :
- "اعتبار
التغيير حاجة وطنية بامتياز
وإنقاذية تنطلق من الداخل
السوري وتعبر عن آمال ومصالح
الشعب بكافة مكوناته وشرائحه
وانتماءاته المختلفة .
- اعتماد
الديمقراطية كنظام سياسي ونقيض
للطغيان والاسبتداد ، نطام يكرس
رأي الأغلبية من غير إلغاء لرأي
الأقلية من خلال عقد اجتماعي
يقر التعددية وتداول السلطة في
جميع مفاصل الدولة على قاعدة
نبذ العنف وعدم اللجوء إليه
واعتماد الوسائل السلمية
والديمقراطية عبر صناديق
الاقتراع ."
ورغم هذا التوقيع يعلن في مقاله :
(مسيحيو سورية والخوف على
المصير) تخوفه من الديمقراطية
والمستقبل المظلم لسورية إذ
يقول :
" وبغض النظر عن قراءة ورؤية كل
من السلطة والمعارضة للواقع
السياسي والسوري وعلى ضوء نتائج
الانتخابات الأخيرة في كل من
مصر وفلسطين والعراق وتركيا
التي حقق فيها الإسلاميون فوزاً
مهما، يرجح الكثير من المحللين
السياسيين صعود الإسلام
السياسي إلى الحكم في منطقة
الدول العربية الإسلامية في أول
انتخابات حرة ، هذا التأييد
الشعبي الذي تحظى به التيارات
الإسلامية يمكن أن يكون
احتجاجاً على سياسية الأنظمة
القائمة التي لم تنتج ولم تقدم
لشعوبها على مدى عقود طويلة غير
الاسبتداد والفساد والفقر ، ومن
جهة ثانية يعود
إلى نجاح هذه التيارات في
توظيف واستغلال الدين لأغراضها
وأهدافها السياسية عبر التقليل
الأيديولوجي والسياسي الذي
تمارسه على الرأي العام ...
وبالطبع لن تبقى سورية بمنأى عن
رياح التغيير الإسلامي التي تهب
على المنطقة مهما حاول النظام
إبعاد شبح الإخوان المسلمين
وغيرهم من التيارات الإسلامية
عن سورية خاصة بعد أن سد أبوابها
في وجه التغيير الديمقراطي
والتداول السلمي للسلطة أمام
القوى المدنية ، بلا ريب صعود
الأصولية الإسلامية يثير مخاوف
النظام كما يثير مخاوف القوى
الديمقراطية والليبرالية في
المعارضة ، النظام يخشى من
فقدان السلطة ، والمعارضة
الليبرالية تخشى انتقال سورية
من الاستبداد السياسي إلى
استبداد مزدوج ديني وسياسي معا
وتحويلها إلى دولة إسلامية ،
وهي مخاوف وهواجس مشروعة ومبررة
لأن المشروع النهائي للإسلام
السياسي هو إقامة ( الحكم و
الشرع الإسلامي ) مهما حاول
الادعاء غير ذلك و تطعيم خطابه
بتعابير الديمقراطية ومفاهيم
حقوق الإنسان "
تاسعاً : إذن ما هوالحل أيها الأخ
المسيحي؟
الديمقراطية تأتي باستبداد (ديني
سياسي) فهل
هي لم تعد حلاً لمشكلات سورية ؟
وهل يبقى النظام أرحم من حرية
الشعب لأنه يمثل استبداداً (سياسياً
فقط) حيث
هللت للنظام بتعيينه الأستاذة
الأديبة كولييت الخوري مستشارة
للرئيس السوري وقلت :
" بالطبع مثلي لا يجوز أن يقلل
من أهمية أن تعين مسيحية مستقلة
مستشارة لرئيس دولة مثل سورية
كذلك يجب أن لا نستكثر على
المسيحيين في وطنهم الأم كهذا
المنصب وهم الفئة الثانية من
حيث العدد والإمكانيات
والمؤهلات العلمية والسياسية
على الخريطة المذهبية والدينية
في سورية ..
بالطبع نتمنى للسيدة كولييت
النجاح والتوفيق في مهمتها
ونرفع لها ألف تحية وطنية على
صراحتها وإقرارها بأن
المسيحيين مهمشين سياسيا
ومبعدين عن مواقع القرار في
سورية"
الهذا الحد من السذاجة يا أستاذ
يوسف تصدق النظام بأنه أعاد
الحقوق إلى أصحابها حين عين
الأديبة كولييت الخوري في هذا
الموقع وقالت حسب تصريحها الذي
ذكرته " إن القرار فيه ما يبعث
على التطمين للمستقلين
والدمشقيين والمسيحيين الذين
يشعرون أنهم مهمشون ولا دور لهم
في موقع القرار"
لقد سبق يا أستاذ سليمان أن عين
الرئيس السوري (نجاح العطار)
الأديبة المسلمة السورية نائبا
لرئيس الجمهورية ، ولم يحرك ذلك
ساكنا عندنا بل زادنا استهزاء
وسخرية بهذا النظام الذي يضحك
على الأمة بهذه المواقع ، وتقوم
مخابراته بخنق كل نفس يتنفسه
الشعب ، وكنا ، نأمل من الأستاذة
الأديبة كولييت الخوري
أن تكون
بمنأى عن هذا القبول ولها من
وطنيتها وماضيها وأدبها ما
يغنيها عن هذا الموقع التزييني .
لكنك اعتبرت هذا الحدث من
الأهمية بحيث يغير رأيك في
النظام وتفضله على حرية الشعب
والديمقراطية التي وقعت على أحد
فصائلها مطالبا بالتغيير.
وترى أن هذا الوضع خير من الوضع
الديمقراطي المرعب القائم ، هذا
الوضع الذي يفسح الحرية
للإسلاميين ، ولا حل إلا بقاء
الحكم بالإعدام على كل من ينتمي
للإخوان المسلمين، واعتقال كل
دعاة الإسلام ، ومنعهم من
المشاركة بمصير بلدهم حتى يطمئن
المسيحيون عندئذ ، وإلغاء
أكثرية الأمة ورغبتها في
المشاركة في القرار ليبقى
للأقلية المصير المطمئن للبلد .
نحن لا نتقول عليك يا أستاذ
سليمان فهذا مقالك يعلن هذا
الرأي:
" بالإضافة إلى هذه المخاوف
السياسية العامة من وصول
الإسلاميين إلى السلطة في سورية
هناك مخاوف أقوى سياسية تسود
الشارع المسيحي ، الخوف من
فقدان الهامش المقبول للحريات
الدينية والشخصية التي نعمت بها
سورية طيلة الحقبة الماضية
وإمعان الإسلاميين في فرض
الثقافة والتقاليد الإسلامية
على غير المسلمين بذريعة ضرورة
احترام وخضوع الأقليات لرغبات
الأكثرية المسلمة مثلما تفرض
اليوم الأغلبية العربية
الحاكمة إرادتها وثقافتها على
الأقليات الغير العربية
كالآشورية والأكراد والأرمن
"
إذن يا أستاذ سليمان الديمقراطية
القادمة سوف تأتي بالغول
الإسلامي الذي سيلغي الهامش
المقبول للحريات الدينية
والشخصية التي نعمت بها سورية
طيلة العهود الماضية .
وها أنت تصبح عميلا للنظام
بامتياز وتردد مقولاته ،
فالنظام على كل سوآته يبعث على
الطمأنينة فقد عين ( كولييت
الخوري) مستشارة للرئيس ، وهو
محافظ على الهامش المقبول ، فهو
قدر النظام السوري ، أما
الديمقراطية التي ستأتي
بالتأكيد بالإسلاميين إلى
الحكم فسوف تلغي الوجود المسيحي
كله .
عاشراً: وماهو الحل إذن يا أستاذ
سليمان الآشوري الكردي المسيحي
كما عرفت بنفسك ؟؟؟
إن أعيد الأمر للشعب يقرر مصيره
في انتخابات حرة . ونجح
الإسلاميون . فالحل هو :
" هذه الأوضاع الخطيرة ستدفع
بالمسيحيين في سورية إلى المزيد
من الانكفاء والانطواء على
الذات والتفكير بالهجرة لمن
استطاع لها سبيلا بحثاً عن حياة
من غير قلق ."
أما الحل الثاني " كما قد تدفع
بالبعض إلى تأسيس أحزاب
وتنظيمات مسيحية تحسباً
لتطورات محتملة قد تشهدها سورية
وتكرار المشهد العراقي الأليم
فيما إذا تصاعدت الضغوط
الخارجية على سورية ونظامها
القائم "
حادي عشر : لقد أدمى قلب الأستاذ
سليمان ، واندفع إلى أن يستغيث
بالنظام السوري بالأدلة
القاطعة التي تؤكد ما سوف يفعله
الإسلاميون لو وصلوا إلى السلطة
.
أما الشاهد الأول:" حيث تفاقمت
ظاهرة اختطاف الفتيات والنساء
القبطيات وإجبارهن على الزواج
واعتناق الإسلام ، واسترخاص
الدم القبطي والهجوم على
الكنائس من قبل تنظيمات إسلامية
بقصد ترهيب الأقباط ودفعهم إلى
الهجرة في ظل سكون وتخاذل
الحكومة المصرية في حماية
مواطنيها "
وهو يعلم تمام العلم أن الحركة
الإسلامية ( الإخوان المسلمون)
جماعة محظورة ، تعاد كل يوم إلى
المعتقلات ويقتل فيها من يقتل ،
وبعد ذلك هم المسؤلون عن هذه
الظاهرة. واستعمال القوة والعنف
والتزوير للانتخابات حتى لا يصل
الإسلاميون إلى حرية الوجود لا
الحكم بالإسلام ، فهذا كله قد
عمي الأستاذ سليمان عنه.
الشاهد الثاني: "وفي العراق
استبيحت دماء المسيحيين
وأعراضهم وكنائسهم من قبل
منظمات إسلامية إرهابية تتهم
المسيحيين بالعمالة لأمريكا
والغرب ، تمارس سياسة التطهير
الديني ضدهم بهدف إفراغ العراق
والمنطقة من المسيحيين ، قبل
أيام أقدمت مجموعة إرهابية على
اختطاف كاهن مسيحي في نينوى
وقطعت رأسه وألقت جثته في
الشارع "
ويا لغيرة الدين ، فقد قتل كاهن
مسيحي ، ولم ير مقتل خمسمائة ألف
عراقي من القوات المحتلة
والمتطرفين من الشيعة والسنة
وأن دعاة الإسلام الحق يقتلون
أكثر بآلاف
المرات من قتل هذا الكاهن كل يوم
، وهم يشاركون في العملية
السياسية ويعملون على إنهاء
حالة الفوضى والعنف في البلاد .
الشاهد الثالث: " مقتل شابين
آشوريين وبطريقة وحشية وبغير
مبرر على أيدي متطرفين عرب في
مدينة الحسكة عام 2004"
ولعل الأستاذ سليمان لم يسمع
بأحداث حماة ومقتل ثلاثين ألفا
من أهلها وسجن مائة ألف وتشريد
مئات الألوف من الشعب السوري
والحكم بالإعدام على كل من
ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين
، ومع هذا كله فهو يريد مع
المسيحيين أن يهاجروا إذا سقط
النظام السوري ، فالقتل مصيرهم
، وإلغاء الهامش المقبول الذي
يعيشون فيه ، إنهاء لوجودهم
السياسي .
ولا ندري هل كان المسيحيون من
أجداد سليمان مخطئين يوم عاشوا
مع المسلمين خمسة عشر قرنا من
الزمان بكامل حريتهم الدينية
والسياسية ؟ وندعوه إلى أن يقرأ
تاريخ المسلمين والمسيحيين
خلال هذه القرون من المصادر
المسيحية المنصفة عند أعظم
مفكري المسيحيين السوريين ،
أدمون رباط، وفارس الخوري
وفكتور سحاب ، نكتفي بهذه
الإشارات الخاطفة منها :
- فارس
الخوري : " إن مبرر وجود فرنسة
في سورية هو حماية النصارى ،
وأنا نائب النصارى فارس الخوري
أطلب الحماية منكم أيها
المسلمون وأرفضها من فرنسا "
قالها في احتفال أقامه المسلمون
في الجامع الأموي ضد الاستعمار
الفرنسي ، وصاحبنا سليمان يدعو
اليوم المسيحيين للهجرة إلى
فرنسا وغيرها لتحميهم من بطش
المسلمين .
- فكتور
سحاب في كتابه ( من يحمي
المسيحيين العرب )1981م يجيب على
هذا السؤال " ومهما يكن فإن
التاريخ العربي في طوله وفي
مصادره الإسلامية والكنسية على
السواء لا يروي حادثة واحدة
يمكن تشبيهها من قريب أو بعيد
باضطهادات بيزنطة للمسلمين
البعاقبة أو باضطهاد محاكم
التفتيش الإسبانية للمسلمين أو
العرب أو المستعربين فضلا عن
اليهود . إذ تمتعت المذاهب
المسيحية العربية على اختلافها
بعد ظهور الإسلام بالحرية التي
كانت تقاتل من أجلها تحت حكم
بيزنطة منذ دخولها في ذمة
المسلمين " أي في إطار دولتهم"
ص 10
أفلم يطلب فارس الخوري السياسي
السوري المسيحي البارز حماية
المسلمين للنصارى العرب من
مرامي الدول الغربية ونوازعها ؟
" ص 11
- يقول
الدكتور أدمون رباط عن نظام أهل
الذمة في الإسلام بالحرف :
"من الممكن وبدون مبالغة القول
بأن الفكرة التي أدت إلى انتجاع
هذه السياسة الإنسانية (الليبرالية)
إذا جاز استعمال هذا التعبير
العصري إنما كان ابتكاراً
عبقرياً ، وذلك لأنه للمرة
الأولى في التاريخ انطلقت دولة
هي دينية في مبدئها ودينية في
سبب وجودها ودينية في هدفها ألا
وهو نشر الإسلام عن طريق الجهاد
بأشكاله المختلفة : من عسكرية
ومثلية وتبشيرية إلى الإقرار في
الوقت ذاته بأنه من حق الشعوب
الخاضعة لسلطانهم أن تحافظ على
معتقداتها وتقاليدها وتراث
حياتها وذلك في زمن كان يقضي
المبدأ السائد فيه بإكراه
الرعايا على اعتناق دين ملوكهم .
ولا شك أن المسلمين المخضرمين
الذين عاصرو الفتح الإسلامي هم
أكثر من لمس الأمر بوضوح إذ
انتقلوا فجأة من سلطان دولة
كانت تضطهدهم اضطهاداً وصفه بعض
المؤرخين العصريين في أوروبا
بأنه لا يشبه حتى بأعمال
البهائم (وهي الدولة البيزنطية)
إلى سلطان دولة حافظت لهم على
ديارهم وبيعهم بعد طول تعرضها
للهدم والمصادرة . كما خيرتهم
بين اعتناق الإسلام أو البقاء
على دينهم بشرط الدخول في ذمة
المسلمين أي بشرط الانضمام إلى
دولة الإسلام ورفض المقاتلة مع
أعدائها "
- الإسلام
الدين والإسلام الحضارة (فيكتور
سحاب ومكرم عبيد)
" كثيراً ما يختلط الإسلام
الدين بالإسلام الحضارة في
أذهان الناس ، وهذا الاختلاط
مصدر التباسات عميقة متعددة لدى
المسلمين والمسيحيين على
السواء ، ولعل مكرم عبيد الزعيم
السياسي القبطي المشهور كان يرى
بوضوح هذا الأمر حين قال في إحدى
خطبه ما معناه : أنا مسيحي في
ديني مسلم في وطني . ولعل
الاختلاط بين الإسلام الدين
والإسلام الحضارة عائد إلى أن
حضارة الإسلام نشأت على أكتاف
هذا الدين فأشعل حركتها بناره ،
وانطلقت في العالم بقوة اندفاعه
. لكن الحضارة الإسلامية في
الواقع أنشأت أحيانا ً مجتمعات
تنتمي إليه في كل شيء إلا الدين
، ولا شك في أن المسيحيين العرب
اليوم هم من أولئك الناس الذين
ينتمون إلى حضارة الإسلام دون
أن ينتموا إلى الإسلام دينا .
إذن يعترض البعض على تسمية هذه
الحضارة بالإسلام . وقد لا يختلف
الأمر كثيراً إذا سميناها
بالحضارة العربية مع بعض
الاعتراضات الثانوية
الأكاديمية . إلا أننا نستطيع
القول إذا كان ( توماس أرنولد )
يسميها تراث الإسلام أو كان (غوستاف
لوبون) يسميها حضارة العرب فإ ن
المسيحي العربي يحمل في وجدانه
هذ الرصيد الحضاري الذي يشترك
فيه مع المسلم منذ أن قامت
الدولة العربية الإسلامية حتى
الآن ، أفلا يطرب العربي
المسيحي مثل المسلم لبلاغة
اللغة العربية ، وقوة الشعر
العربي المسبوك بلغة القرآن ،
أفلا تهزه الموسيقى العربية
الغنائية المنحدرة من التجويد
القرآني ، أفلا تستهويه خطوط
العمارة الإسلامية . إذن فما
الذي يفرقه عن المسلم سوى تلك
المساحة الضئيلة التي يمثلها
الدين في حياتنا ونقصد بالدين
العقيدة الأخروية والصلاة
والصيام والفروض ولا أقصد
الاقتتال الطائفي الذي هو
اقتتال سياسي في حقيقته /15"
إذن فليطمئن الأستاذ سليمان
وليعد إلى رشده وليعلم أن
الإسلام دين الله ، أما التطرف
والإرهاب فخلل فكري عقائدي
ترفضه كل الأديان ونحن وإياه
يقلقنا الذي يقلقه.
والديمقراطية وصناديق الاقتراع
هي الحياة التي نسعى إليها كما
في إعلان سورية الذي وقع عليه
وإعلان دمشق وجبهة الخلاص
الوطني .
عد إلى رشدك يا أخي سليمان . وحذار
حذار أن تسقط في أوحال الطغيان
*باحث إسلامي سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|