ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
أين
أم الصبي؟ صبحي
غندور* في لبنان- كما في
العراق والأراضي الفلسطينية
المحتلّة- صراع على السلطة. هو
صراع سياسي حتماً مهما حاول
البعض تشويهه بأسيد طائفي
ومذهبي أو بألوان أيديولوجية
دينية مختلفة. هو صراع محلّي
أولاً تدعمه وتوظفه قوى خارجية.
وهو صراع ممزوج مع قضية
المقاومة ضدّ الاحتلال وبموقف
المحتلين من القوى المتصارعة،
وبمواقف هذه القوى من مسألة
الوصاية الأجنبية. فهو صراع
أيضاً على هوية الصراع الدائر
الآن في منطقة الشرق الأوسط. لكن في الحالات
الثلاث: اللبنانية والعراقية
والفلسطينية، هناك تهديد حقيقي
للوحدة الوطنية ومخاطر نشوب حرب
أهلية. طبعاً فإنَّ
تدهور الأوضاع السياسية
والأمنية في الشريط الممتد من
غزّة إلى بغداد مروراً ببيروت،
هو محصّلة لسياسة الإدارة
الأميركية التي مارست العدوان
والاحتلال في العراق، وتجاهلت
أو دعمت الاحتلال والعدوان
الإسرائيلي في فلسطين ولبنان
وفي الجولان، فكان من تداعيات
هذه السياسة الفاشلة والظالمة
ما نراه اليوم من مخاطر أمنية
وسياسية في منطقة المشرق العربي
وبلاد الرافدين. لكن ليس العامل
الأميركي السلبي هو الوحيد
المشترك بين أزمات العراق
وفلسطين ولبنان. ففي هذه
الأزمات جذور عميقة لسلبيات
داخلية تتحمّل مسؤوليتها
حكومات محلية وأطراف عربية
وإقليمية عديدة، بل إن هذه
الجذور السلبية الداخلية كانت
هي الحافز للتدخّل الأجنبي
ولإطالة الاحتلال. المشكلة أيضاً،
هي في أنّ من يحملون ألوية
التحرّر ومشاعل المقاومة ضدّ
الاحتلال، هم أيضاً يحملون
رايات فكرية وسياسية لها سمات
طائفية ومذهبية، فينجحون في
المواجهة العسكرية مع المحتل
لكنّهم يتعثّرون في مواجهة
الأهداف السياسية لقوى
الاحتلال، تلك القوى التي عملت
وتعمل على تمزيق الشعب الواحد
وتفريقه لتسهّل السيادة عليه
حتى لو تطلّب الأمر إشعالاً
لحروب أهلية. وحتى لا
يعتقدَنَّ أحدٌ أنّ في ذلك
ملامة للمقاومين على مقاومتهم،
فإنّ أساس الخلل الراهن في جسم
الأمَّة العربية هو في رأسها
الحاكم وفي عقول العديد من
المفكرين والسياسيين وعلماء
الدين الذين فشلوا عملياً في
الحفاظ على الظاهرة الصحية
بالتعدّد الطائفي والمذهبي
والإثني في مجتمعاتهم، حيث
أصبحت الأفكار والممارسات تصبّ
كلّها في أطر فئوية موجّهة
كالسهام ضدّ الآخر في ربوع
الوطن الواحد. فالتعدّدية كانت
قائمة في البلاد العربية خلال
الخمسينات والستينات، لكنّها
لم تكن حاجزاً بين الشعوب ولا
مانعاً دون خوض مشترك لمعارك
التحرّر والاستقلال الوطني، بل
كانت مفخرة معارك التحرّر آنذاك
أنّها تميّزت بطابع وطني عام
صبغ القائمين بها، فكانت فعلاً
مجسّدة لتسمية "حركة تحرّر
وطني". اليوم، نجد
حكومات عاهدت إسرائيل وأميركا
على "السلام"، حتى لو قامت
تل أبيب أو واشنطن بتدمير
واحتلال بلدان عربية أخرى،
وبمواصلة قتل وتجويع وتشريد
الفلسطينيين في الأراضي
المحتلة. اليوم، نتعايش مع
إعلام عربي وطروحات فكرية
وسياسية لا تخجل من توزيع العرب
على طوائف ومذاهب وأقليات بحيث
أصبحت الهوية الوطنية الواحدة
غايةً منشودة بعدما جرى التخلّي
المخزي عن الهوية العربية
المشتركة. هو انحطاط
وانقسام حاصل الآن بعدما
استباحت القوى الأجنبية (الدولية
والإقليمية)، وبعض الأطراف
العربية، استخدام السلاح
الطائفي والمذهبي والإثني في
حروبها وصراعاتها المتعدّدة
الأمكنة والأزمنة خلال العقود
الثلاثة الماضية. وقد ساهم في
ترسيخ هذا الواقع الانقسامي
الأهلي على المستوى الشعبي
العربي، هيمنة الحركات
السياسية ذات الشعارات
الدينية، وضعف الحركات
السياسية ذات الطابع الوطني أو
العربي التوحيدي. وهاهي الأمَّة
العربية الآن تعيش تحوّلات
سياسية خطيرة هي نتاج طبيعي
لتراكم ما حدث من تفاعلات
ومتغيّرات في الثلاثين سنة
الماضية، كان "الخارج" و"الداخل"
فيها مسؤوليْن عن عصارة
السلبيات التي تنخر الآن في جسد
الأمَّة. إن المنطقة
العربية تتآكل من الداخل بينما
هي تؤكل من الخارج. والعرب الآن
بلا قضية واحدة، وبلا قيادة
جامعة. فالشعب الذي لا تجمعه
قضية وطنية واحدة أو رؤية
مستقبلية مشتركة للأمة، يعيش
أسير صراعات الداخل التي تعزز
تدخل الخارج. وواقع الحال أن
معظم البلاد العربية فيها سلطات
تسمح بالتعبير ولا تسمح
بالتغيير، حيث للشعب حقه في
التعبير عن شكواه دون حقه
بازالة أسباب الشكوى! .. وطبعاً
هناك سلطات لا تسمح بالتعبير
إطلاقاً.. فكيف بالتغيير؟. في المقابل، هناك
قلة من الناس التي لا تشكو ولا
تتحرك.. مع كثرة من ناس تشكو بدون
حركة فاعلة ومؤثرة. في أحسن
الأحوال يتحرك البعض في الاتجاه
المعاكس للتغيير السليم
المنشود! فالمشكلة الآن،
هي في واقع الانقسام للإنسان
العربي وللأرض العربية معاً،
وما حولهما من ظروف أقليمية
ودولية. وفي ظل هذا الواقع تتخبط
الأفكار والتجارب والأوطان. قد يسير بعض بلدان
هذه الأمَّة نحو الأسوأ والأعظم
من الصراعات، وقد تتهدّد وحدة
أوطان وكيانات، وقد تستفيد
القوى الأجنبية الدولية
والإقليمية من تصدّع العرب
شعبياً، وتداعيات أوضاعهم
سياسياً وأمنياً، وإنعدام
تضامن حكوماتهم، لكنَّ ذلك
سيؤكّد من جديد مخاطر النهج
الذي تسير عليه هذه الأمَّة على
مستوى معظم حكوماتها وشعوبها و"حكمائها"
وحركاتها السياسية. إنَّ الكثير من
الحكومات العربية تعطي
الأولوية الآن لاستمرارية
الحاكم في الحكم، لا لاستمرارية
الوطن نفسه. والكثير من
المعارضات العربية تعطي
الأولوية الآن للتغيير في الحكم
لا في المجتمعات التي تتوارث
فيها الأجيال مفاهيم خاطئة عن
النفس وعن الآخر في ظلِّ غيابٍ
واضح لطروحات وطنية عروبية
ديمقراطية تجذب الشباب العربي
وتحوّل طاقاتهم إلى قوّةٍ تجمع
ولا تفرّق، تصون وحدة الأوطان
ولا تمزّقها. في التراث العربي
حكمة مشهورة عن الأم التي ارتضت
إعطاء ولدها لامرأة أخرى كي لا
يُقطع جسده نصفين .. مسكينة الآن
أوطان العرب، فهي يتيمة الأب
والأم معاً! *(مدير
"مركز الحوار العربي" في
واشنطن) E-mail: alhewar@alhewar.com المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |