نصر
الله يرفض أن يتسع لبنان لغيره
....
لا
سيما السنيورة
الطاهر
إبراهيم*
يصعب
على المراقب السياسي أن يقارب
ما يدور في خلد الأمين العام
لحزب الله الشيخ "حسن نصر
الله" ما لم يستحضر في ذاكرته
تاريخ هذا الرجل على الأقل منذ
أن تم تحرير الجنوب اللبناني في
أيار عام 2000 . فقد كان معروفا عن
"نصر الله" قبل التحرير
وحتى قبيل خروج الجيش السوري
أنه كان عازفا عن الحصول على
حقائب وزارية تناسب حجم الحزب
على الساحة اللبنانية. هذا
العزوف أكسبه بعض الاحترام عند
الآخرين.
البعض
كان يرجع ذلك إلى أنه قد فرّغ
نفسه للقتال في جنوب لبنان ضد
إسرائيل، وفيه ما قد يشغله عن
العمل الحكومي. كما أن في الوجود
السوري في لبنان ما يغنيه عن
حاجته لوجود وزراء له في
الحكومة يدافعوم عن وجهة نظره .
البعض الآخر كان يعتقد أن"نصر
الله" كان
يقايض عزوفه عن المناصب
الوزارية بسكوت الفرقاء
اللبنانيين الآخرين عن تفرده
بحيازة السلاح وسيطرته على
الجنوب اللبناني بعيدا عن
الحكومة.
المنحني
البياني لهذه المعادلات بدأ
بالتغير صعودا بعض الشيء منذ
التحرير عام 2000 وحتى خروج الجيش
السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 .
غير أنه، ومنذ أن اعتقل الضباط
الأربعة الكبار المتهمون في
قضية اغتيال الشهيد "رفيق
الحريري"، بدأ المنحني
البياني يصعد بشكل شبه شاقولي
كلما بدأ يتأكد اعتماد المحكمة
الدولية لبنانيا ودوليا. فقد
رأينا سلوك "نصر الله" يميل
إلى التشنج، ولهجته تشوبها حدة
لم تكن عنده من قبل، حتى إذا ما
دخل في حرب مع إسرائيل في تموز-
آب بدأنا نفتقد الاتزان الذي
كان يصبغ خطابات "نصر الله"
قبل الحرب لنسمع بعدها لهجة
جديدة وكلاما آخر غير معهود.
فالذين
تابعوا خطاب حسن نصر الله مساء
يوم الخميس في 7 كانون أو ل
"ديسمبر" خرجوا بنتيجة ما
كانت تخطر ببال. فمعظم
المراقبين السياسيين كانوا
يعتقدون أن أهم ماكان يشغل باله
هو تحصيل مكاسب سياسية على
مستوى المحاصصة الوزارية
واتخاذ القرار، أو في تحجيم ما
يريده فريق 14 آذار من المحكمة
الدولية، أو ربما الوصول إلى
التوافق على شخص في رئاسة
الجمهورية يخلف "إميل
لحود"، ويؤدي ما كان يؤديه
لهم.
ومع أن
كل ما أوردناه هام ومطلوب، لكن
الذي سمع الخطاب وقرأ ما بين
السطور، أدرك أن أي واحدة مما
ذكر، على وجاهتها جميعا له
ولحلفائه، لا تشكل المطلوب
"الملك" عند "نصر
الله". فما يريده كهدف رئيس
يتجاوز ذلك إلى ما نعتقد أنه أهم
عنده، ألا وهو تحطيم شخصية
"فؤاد السنيورة" وما عدا
ذلك -مما ذكر- فهو تفاصيل ....
لماذ؟
إن
خروج "نصر الله" عن مألوف
عادته في وزن كلمات خطاباته كما
كان حاله قبل حرب تموز-آب
المنصرمين إلى ما ورد في خطابه
الأخير من الألفاظ السوقية من
مثل "الحكومة الساقطة
شعبيا"، والاتهامات بالتخوين
من مثل اتهام حكومة الرئيس
السنيورة بأنها "حكومة تخضع
لقرار السفير الاميركي". كما
أنه اتهم "فؤاد السنيورة"
بأنه أعطى أوامره للجيش بمصادرة أسلحة كانت متجهة إلى المقاومة
في الجنوب خلال الحرب،
متسائلاً: "هل يقبل أي لبناني أو
عربي أن يحصل ذلك خلال
الحرب؟"، ما دعا قيادة الجيش
لنفي تلقيها أوامر بهذا الخصوص.
هذه الاتهامات وغيرها كثير ملأت
متن الخطاب وحواشيه.
وتكتمل
الصورة عندما نرى إصرار "نصر
الله" على إسقاط حكومة
السنيورة، مؤكدا أنه سيتم تشكيل
حكومة انتقالية تجري انتخابات
نيابية مبكرة، "لا يكون
رئيسها من الغالبية، بل شخصية سنية وطنية
شريفة نزيهة يعرف العالم كله
نزاهتها". وحسب مجرى سياق فإن
هذه الشخصية لن تكون "فؤاد
السنيورة" حصرا، لأنه من
الغالبية التي لا تتمتع، حسب ما
يزعم نصر الله، بتلك المواصفات
التي أشار إليها.
لا
يحتاج المراقب السياسي كثير
خبرة عند سماعه "نصر الله"
يعد هذه الصفات والمرادفات
ليتأكد بأن قلبه قد امتلأ غيظا
من المكانة التي تحصل عليها
"فؤاد السنيورة"، على
المستوى المحلي باعتراف فرقاء 14
آذار بجدارته لحمل المسئولية،
وعلى مستوى أهل السنة بشهادة
مفتي لبنان الشيخ "محمد رشيد
قباني" وشخصيات سنية مرموقة
مثل الشيخ "فيصل مولوي"
أمير الجماعة الإسلامية في
لبنان، وإقليميا بدعم حكومات
عربية لها وزنها وإن غمز نصر الله
من بعض تلك الحكومات. هذه
المكانة تعززت بالدعم الدولي
لها، ما ملأ قلب نصر الله حسدا
وغيرة، ما يعني أنه لم يعد
"السوبرمان" الوحيد في
لبنان، إن كان في لبنان من يتمتع
بهذا الوصف، وأن هناك من ينافسه
بقوة وبجدارة على مثل هذه
المكانة لبنانيا.
نعيد
هنا إلى الأذهان كيف سَخِرَ
"نصر الله" من عواطف
"السنيورة" عندما بكى هذا
الأخير في اجتماع وزراء خارجية
الدول العربية الذي انعقد في
بيروت وهو يشاهد القصف يدمر
المنشآت اللبنانية. وإن المراقب
ليعجب كيف يغيّر نصر الله نظرته
للسنيورة بين عشية وضحاها، وهو
الذي قبل أثناء الحرب بما
يتوافق عليه رئيس المجلس
النيابي "نبيه بري" ورئيس
الحكومة "فؤاد السنيورة"
أثناء مداولات مجلس الأمن حول
بنود القرار 1701 الذي صدر في
منتصف آب الماضي. ثم ها هو
يفاجئنا بعد ذلك عندما يتهم
السنيورة صراحة أو مداورة
بالخيانة وتلقي التعليمات من
السفير الأمريكي.
لعلي
أضيف هنا أمرا آخر لا يقل أهمية
عما سبق، مما يوغر صدر "حسن
نصر الله" أكثر على رئيس
الحكومة "فؤاد السنيورة".
فقد استطاع هذا الأخير أن يجمع
حوله قلوب غالبية أهل السنة في
لبنان -ومن دون أن ينحاز لهم- بعد
أن افتقدوا القيادة السنية
الجديرة ولعدة سنوات، في ظل
الوصاية التي فرضها حافظ أسد في
لبنان على مدى ربع قرن، كانوا
فيها الخاسر الأكبر بل الوحيد.
حتى إذا ما حاول الشهيد "رفيق
الحريري" رحمه الله أن ينصف
أهل السنة تم قتله غيلة وغدرا.
ما
ينبغي أن يدركه "حسن نصر
الله" أن صورة المقاتل الذي
يقف على الحدود مع إسرائيل قد
انحسرت لصالح صورة أخرى لاتختلف
كثيرا عن صور باقي الزعماء
اللبنانيين. وعليه أن يوطن نفسه
على أن يتعايش مع هذه الصورة.
وحتى حلفاؤه لا يقبلون منه أن
يطلب لنفسه إلا ما ينالونه هم من
لبنان وبالسوية.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|