تقرير
: بيكر – هاملتون ...والتدحرج
على الفوضى!.
د.نصر
حسن
في وقت حبس العالم
أنفاسه بانتظارنشر لجنة
الدراسات الأمريكية برئاسة (
بيكر – هاملتون )المكلفة بإعداد
رؤئ جديدة للمشروع الأمريكي في
العراق والشرق الأوسط , وعلى عكس
ماتوقع الكثيرون زاد نشر
التقرير ومحتواه المعلن حبس
الأنفاس وحيرةالناس وزيادة
الهلوسة والوسواس بين المعلقين
والمتعلقين على حبال أمريكا ,وقلق
دول المنطقة من فلتان القوى
الطائشة إقليميا ً لترسم ماتشاء
من شكل ولون الأقواس, وفرحة
منتظرين "هزيمة أمريكا "
ومشروعها الشرق أوسطي الجديد ,وحيرة
متفرجين ,وخيبة أمل متفائلين ,
وانتكاسة جديدة لقوى
الديموقراطية الفتية في
المنطقة , وإعادة الإعتبارلنظم
أوشكت على السقوط الحر.
من السابق لأوانه
الخوض في تفاصيل التقرير وهو
لازال حبرا ً على ورق , لأن أزمات
المنطقة وكوارثها تحتاج
مقاربات سياسية عملية وسريعة
على الأرض وبمشاركة القوى
الفعلية الإيجابية وليس
بانتظار تقوية أطراف سلبية على
أمل أن تلعب أدوار تخدم أجندة
إلى الآن غير واضحة وغيرناجحة ,و
للتذكيرإن وزير الخارجية
السابق جيمس بيكر هو الذي قاد
الحملة الدبلوماسية عشية الحرب
على العراق في عهد بوش الأب ,
وبتعبير آخر إن بعض من سياسة
أمريكا في العراق هو رؤى قديمة
له , رؤى اعتمدت سياسة العصا
الغليظة وبقايا جزرة ...بقايا
جزرة لأطراف عديدة موجودة على
ساحة الفعل السياسي وأخرى
موعودة بدور ما في اوركسترا هز
المنطقة ...بقايا جزرة لبعض
أنظمة المنطقة المعروف دورها في
إعاقة عملية التطور
الديموقراطي ,ولبعض الأطراف
التي اصطفت في الطابور الأمريكي
في الحرب على العراق .
لعل ماتعانية
المنطقة من فوضى واضطرابات
وحروب ظاهرة ومخفية داخلية
وإقليمية وصراع مصالح فقدت
معاييرالنزاهة وأسس السياسة
الحكيمة ,وفرض إرادات ومشاريع
سياسية فاشلة على المنطقة بناء
على مثل هذه التقاريروالدراسات
النظرية التي لاتعلم عن
ميكانيزمات الواقع السياسي في
المنطقة سوى رغبة ضبطها نظريا ً
وسوقها عمليا ًفي تنفيذ رؤى
ومشاريع لايعكسها واقع المنطقة
ولايتفاعل معها ولاتمثل موازين
القوى الفعلية على الأرض
ولاتمثل رغبة شعوبها , وهنا يكمن
التعثر والتردد والتدحرج من
أزمة إلى أخرى ومن فشل إلى آخر.
أمريكا دولة عظمى
وقد تكون الوحيدة في الظرف
الراهن القادرة على لعب الدور
التي تريد وفي المنطقة التي
تريد وبالشكل التي تريد , ومن
مصلحة العالم كله والشرق الأوسط
على وجه التحديد أن يكون هناك
قوة تنظم المصالح العالمية
ومصالح الشعوب بشكل إيجابي يفرز
الإستقراروالتوازن المفقودين
بشكل خطير الآن .
لانريد أن نطيل على
مبدأ خير الكلام ماقل ودل ,ولكن
من قراءة التقرير ومقارنته مع
الأحداث الفالتة من كل إطار
سياسي في الشرق الأوسط ,يبدو أن
التقرير لم يقل المرغوب ولم يدل
على المطلوب , ولم يحدد آلية
واضحة للخروج من المأزق
الأمريكي الذي أصبح بحكم الفوضى
مأزق الجميع في المنطقة أنظمة
وشعوب ,مأزق بدأ يأخذ ملامح
بركان إن انفجر وهذا ليس في
مصلحة أحد ,فسيصبح كل أطراف
المنطقة وشعوبها في خبر كان
المجهولة شعابها.
وإلى حين ترجمة
محتوى التقرير إلى سياسات
وبرامج ورفدها بالإهتمام
والإصرار على تنفيذها باتجاه
حلحلة الأمور والتأشير على
اتجاه المخرج الصحيح تبقى جميع
الأطراف المعنية في المنطقة
والقوى الإقليمية والدولية
المتشابكة معها في حالة المزيد
من حبس الأنفاس , حبس الأنفاس
الدائم وقراءة التقرير واللجوء
إلى التكهن والتحليل والتفسير
وكالمعتاد يأخذ كل طرف مايعجبه
فيه ونرجع مجددا ً إلى دائرة
النارالمتسعة بسرعة لتكوي
المزيد وتبقي المنطقة أسيرة
غياب المشروع السياسي
الإستراتيجي وغارقة في دوامة
الحصصية والصفقات ويصبح زمن
الخروج من المأزق أبعد من بعيد .
لكن الغريب أن
السياسة التي كانت في يوم مضى
علما ً , وعلم يعني قوانين
ومعايير وأدوات وبرامج تساهم في
نقل البشر من حالة إلى أخرى أكثر
تعبيرا ً عن مصلحة الإنسان
وبالتالي دفع التطور الإنساني
باتجاه العقلانية واحترام
إرادة الشعوب , وتأسيس علاقات
دولية أكثرعدلا ً تساعد على
تنمية عوامل الإستقرار وتدفع
باتجاه التكامل الإنساني ,نراها
اليوم تنحدر إلى لعبة شد
الأعصاب بشكل درامي مخيف , وربط
العقول بالجهل والتخلف
والإنقسام وتجاوز القيم
والمعايير العلمية والإنسانية
واستخدام أسوأ الأدوات وأكثرها
امتهانا ً لإرادة الشعوب وعسكرة
الثقافة والسياسة وخلخلة البنى
الإجتماعية
والثقافية وتوسيع بؤر
الصراع وتوليد أسباب جديدة
للفرقة والكراهية
والتمحورالسلبي , باختصار غياب
الإستراتيجية
الواضحة ,فماالذي يمكن أن
ننتظره في المستقبل القريب ؟!.
أغلب الظن أن
التقرير هو محاولة لذر الرماد
في عيون متعبة فقدت الرؤيا
أساسا ً , وبؤر النار والدم في
الشرق الأوسط تحتاج إلى مقاربات
سياسية عملية واضحة وتعامل مع
مفردات الواقع بشكل مباشر وسليم
,وليس إلى تجريب فرضيات نظرية
جديدة أملتها ظروف سائبة جديدة
أيضا ً ,أي
تحتاج إلى علاج سريع وليس إلى
مسكنات دولية أدمنت عليها نظم
المنطقة وأدمت وتدمي شعوبها
بشكل تراجيدي مرعب وأصبحت
مختبرا ً بشريا ً حيا ً لنظم
الإستبداد ومن يغطيها وللصفقات
ومن يبرمها وأوصلتها إلى فقدان
الكرامة الإنسانية التي تمثل
نقطة حرجة في تاريخ المنطقة
تنبئ بالكوارث القريبة
والبعيدة المدى على الجميع .
وأغلب الظن أيضا ً
أن التقرير لايعطي فرحة وإن
أوحى بها فهي لاتمثل نصرا ً
للمتفرجين أو العابثين في
أمورالمنطقة أو المنتظرين
هزيمة محتملة لهذا الطرف أو ذاك
,أوالمتسولين صفقة هنا ومساومة
هناك , فالهزيمة سوف يتبعها
هزائم بل كوارث في منطقة تكسرت
موازين قواها الداخلية
التقليدية وأفرزت موازين قوى
جديدة آنية متصارعة بشكل لاسابق
له في تاريخ المنطقة.
وكل الشك في أن
الأطراف المتقاتلة والتي أدمت
بعضها وابتعدت جميعها عن منتصف
الطريق وأصبحت إمكانية اللقاء
أقرب إلى المستحيل في المعطيات
الحالية على الأرض , من السابق
لأوانه القول : أن هذه الأطراف
المتناقضة قد يحل عقدها ويجمع
مصالحها تقرير أو تقريرين أو
حتى عشرة , فمن المشروع
الإسرائيلي المعروفة
استراتيجيته وشكل تنفيذه
وأبعاده, إلى إيران النووية
دوليا ً المذهبية إقليميا ً, إلى
فوضى النظام السوري في لبنان
وإلى دور الإثنين معا ً في
العراق وفلسطين ولبنان وسورية
من الشحن الأصولي المتطرف على
مستوى المنطقة وتكبير حاضنة
الإرهاب بحثا ً عن دور إقليمي
وهذا ماتعنيه الرغبة في فتح
الحوار مع سورية وإيران
منفصلتين أو مجتمعتين , إلى
الإيحاء للنظام السوري بالحوار
الذي يعني شطب الحصارالدولي
والمحكمة الدولية ,
إلى جعل الشرق الأوسط وفي
المقدمة السعودية رهينة في يد
إيران .
واهم من يحلم في
السباحة على شبر ماء التقرير,
وواهم أيضا ً من يظن أن أمريكا
ومعها المجتمع الدولي ( وهنا
نتكلم بمنطق موازين القوى
والمصالح وليس بمنطق المبادئ)
يمكن أن تقبل بهزيمة استراتيجية
في منطقة تفوح منها روائح النفط
والدم والبارود , وساذج من يعول
على الآخرين بحك جلده وحلحلة
عقده وإعطاؤه حبل النجاة باليد .
إنها لعبة الأمم ,و
لعبة السياسة ,و لعبة الحفاظ على
المصالح , في لعبة الزمن المتحرك
,وليس هناك في السياسة الدولية
علاقات أو محاور إقليمية أو قوى
محلية ثابتة , الثابت الوحيد في
لعبة الأمم هو الحفاظ على
المصالح...هل يجوز أن نقول : صح
النوم ياعرب؟!.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|