أخيرا
.... واشنطن تعترف بجرائم حكام
دمشق.
الطاهر
إبراهيم*
في خطوة تكاد تكون غير مسبوقة
لرئيس أمريكي، أعلن الرئيس جورج
بوش عن دعم حكومته "لرغبة
الشعب السوري في العيش في
الديمقراطية والتمتع بحقوق الإنسان وحرية التعبير"،
جاء ذلك في بيان صدر باسمه عن
البيت الأبيض بمناسبة أسبوع
حقوق الإنسان. وقد جاء في:البيان:
"إن السوريين يستحقون حكومة تكون شرعيتها مبنية على قبول الشعب
فيها، وليس على القوة الوحشية...
على النظام السوري أن يفرج فوراً عن جميع
السجناء السياسيين، بمن فيهم
عارف دليلة وميشال كيلو وأنور البني ومحمود عيسى وكمال
اللبواني".
ورغم محدوديتها فقد امتازت هذه
الخطوة عن مواقف أمريكية سابقة
لها كانت تندد بالنظام السوري
لأنه يدعم الإرهاب، ويسمح بعبور
حدوده لمجموعات "إرهابية"
تؤدي إلى زعزعة الأمن في العراق.
وقد أشار البيان هنا مباشرة إلى
حاجة الشعب السوري في العيش
الحر بديمقراطية والتمتع بحقوق
الإنسان، وأنه "يستحق حكومة
تكون شرعيتها مبنية على قبول
الشعب فيها، وليس على القوة
الوحشية...".
وإذا كنا نرحب هنا بهذه الخطوة
الصريحة والواضحة عندما قال بوش
"اشعر بقلق عميق من جراء
التقارير التي تتحدث عن أن بعض
السجناء السياسيين المرضى
محرومون العناية الصحية، بينما وضع آخرون في زنزنات مع
مجرمين عنيفين"، فإننا لن
نقول شكرا. فقد مرت على سورية
عقود كانت فيها ممارسات أجهزة
أمن النظام السوري مع معتقلي
الرأي تنحط عن الطريقة التي
يتعامل بها مع الأفاعي السامة
والحيوانات الشرسة، وماكان
يطرف لسادة البيت الأبيض جفن
ولا يرتفع لهم حاجب استنكارا
لما يحصل.
ففي ثمانينيات القرن الماضي قام
النظام السوري بممارسات
إجرامية بحق الشعب السوري،
فاعتقل عشرات الآلاف من
السوريين، وأعدم عشرات الآلاف
الآخرين، وهجّر منهم مئات
الآلاف، وقد تمّ ذلك كله
بمباركة كاملة من واشنطن وبسكوت
مريب، وكأن مايقترفه النظام في
سورية، إنما كان يحدث في كوكب
آخر غير الأرض.
ونحن إذ نعتبر هذه الخطوة جريئة
وواضحة، رغم محدوديتها، إذ
أشارت إلى معتقلين، لا يتجاوزون
أصابعَ اليد الواحدة،
لَنَتساءل: لمَ تأخرت هذه
الخطوة كل هذا الوقت الطويل وقد
مضى على اعتقال "عارف دليلة"
أكثر من خمس سنوات؟ فقد امتلأت
بيانات لجان حقوق الإنسان
بمناشدات للضمير العالمي
للتدخل لإنقاذ الدكتور "
دليلة" من جريمة القتل البطيء
الذي كان يمارسه بحقه النظام
السوري، فما حركت واشنطن ساكنا،
وكأن "دليلة" حصان مصاب
بمرض معدٍ، لا بأس بأن يعزل حتى
يوافيه الأجل.
وكيف تريدنا واشنطن أن نصدقها،
وهي لم تحزم أمرها على التخلي عن
النظام الإرهابي في دمشق، حتى
الآن. فما تزال زيارات النواب
والشيوخ الأمريكيين إلى دمشق لم
تنقطع، وكان آخرها
زيارة السناتور الأمريكي
الديمقراطي "بيل نيلسون".
واشنطن أقامت العالم ولم تقعده
عند ما اختطف فلسطينيون سفينة
"أخيل لورو" عام 1988 ووافى
الأجل عليها عجوزا أمريكيا
يهوديا، ومع ذلك فإن اشنطن هذه
لم تندد صراحة حتى الآن
بالقانون 49 لعام 1980 الذي أصدره
حافظ أسد، ويحكم بالإعدام على
مجرد الانتماء لجماعة الإخوان
المسلمين، وقد أعدم آلاف
المعتقلين في سجن تدمر بموجب
قانون "الذبح" ،إياه، في
ثمانينيات القرن العشرين.
ليست لدينا أية أوهام في أن تقف
واشنطن إلى جانب الشعب السوري
حتى ينال حريته التي سلبها منه
النظام الحاكم في دمشق بدعم من
واشنطن مدفوع الثمن من كرامة
الوطن. لكن إذا ما أرادت هذه
الإدارة أن تأخذ الدرس من
خيبتها في العراق، بعد أن
ورّطتها معارضة عراقية هزيلة في
مستنقعات العراق، فما عليها إلا
أن تتخلى عن أوهامها الشرق
أوسطية. ويبقى أن قراءتها
للأحداث بنظارات المحافظين
الجدد والقدامى سوف يجر عليها
فيتنام ثانية وربما ثالثة. ومع
أنه من المستبعد أن يفقه "جورج
بوش" الدرس جيدا ، فليس أمامه
إلا أن يكفر عن ذنوبه وذنوب
أسلافه في حق الشعوب على دعمهم
للأنظمة المستبدة.
إن واشنطن ،حتى الآن، لم تفقه
الدرس العراقي، وما تزال سادرة
في غيها، وهي لن ترفع الغطاء عن
النظام السوري حتى تجد بديلا
سورياً يخلفه بشروط أمريكية.
وما لم تقترب واشنطن أكثر في فهم
واقع شعوب المنطقة فإن لجانا
على شاكلة لجنة "هاملتون
بايكر"، لن تستطيع أن تجترح
لها المعجزات. فالشعوب التي
ترفض العيش تحت نير الأنظمة
المستبدة وتسعى لشطب تلك
الأنظمة بالطريق الديمقراطي
حتى لو أدى بها آخر الأمر إلى
العصيان المدني، فهي ترفض أيضا
الوصاية الأمريكية، ولن
تستبدلها بالأنظمة القمعية،
ليس لأنها لا تريد أن تكون
كالمستجير من الرمضاء بالنار
فحسب، بل لأنها ترفض أن تستقوي
على أوطانها بالأجنبي. ومن رأى
العبرة بالعراق فليعتبر.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|