سياسة
نووية جديدة في الشرق الاوسط
بقلم
: نبيل عودة*
اثار الاعتراف "
المفاجئ " لرئيس الوزراء
الاسرائيلي ايهود اولمرت حول
وجود قدرات نووية لدى اسرائيل ،
عاصفة سياسية داخل الكنيست
الاسرائيلي ، وموجة من
الانتقادات الحادة والمطالبة
باستقالته ، لانه كسر " سياسة
الغموض " حول قدرات اسرائيل
النووية ..
وكان اولمرت قد صرح
بان : " ايران
تهدد علنا بتدمير اسرائيل
بالاسلحة النووية .. وانها تسعى
للحصول على السلاح النووي اسوة
بدول اخرى مثل الولايات المتحدة
الامريكية وفرنسا واسرائيل
وروسيا".
مكتب رئيس الحكومة
فسر ان اولمرت لم يقصد في كلامه
ان اسرائيل دولة نووية انما
تحدث في كلمته عن :" الدول
التي تتصرف بمسؤولية ." ولم
يفسروا اذا كان يعني " بالدول
التي تتصرف بمسؤولية " الدول
القادرة على
"ضبط " استعمالها
للسلاح النووي . وهل كان يبرر
امتلاك اسرائيل للسلاح النووي
بكونها دولة " تتصرف بمسؤولية
، قادرة على ضبط استعمالها
للسلاح النووي ؟" ، بينما
ايران "غير قادرة على التصرف
بمثل تلك المسؤولية ؟"
اي ، باعادة اخرى
للصياغة ، هل امتلاك السلاح
النووي هو من حق الدول التي
تتصرف بمسؤولية ؟ ومن يقرر
القدرة على التصرف بمسؤولية ؟
لا جديد في "المخفي
– المعروف " بأن اسرائيل تملك
السلاح النووي منذ الستينات ..
وتقدر مصادر دولية متخصصة ان
عدد الرؤوس النووية التي تملكها
اسرائيل يتراوح بين 200 – 400 رأس
حربي ، والبعض يصل في حساباته
الى 600 وأكثر ...
الجديد هو الاعلان
الرسمي بهذا الوضوح . وجاء هذا
الاعلان بعد كلام واضح ولا يفسر
على وجهين ، اعلنه وزير الدفاع
الامريكي الجديد
بان اسرائيل دولة نووية.
هل هي حقا فلتة لسان
من ايهود اولمرت ، ام طلب امريكي
رسمي لاعلان واضح عن امتلاك
اسرائيل لهذا السلاح ؟
الرسالة النووية
وصلت للعنوان الذي وجهت اليه ،
والنفي هو " لعبة عيال "
تبعث على السخرية .
ليس من الصعب ايجاد
الدوافع التي تبرر هذا الاعلان
الرسمي .. مثلا رسالة امريكية
لايران بان امتلاكها للسلاح
النووي لن يخدم امنها لان
اسرائيل لوحدها قادرة على جعل
ايران صحراء قاحلة لمئات السنين
.وهي رسالة للدول العربية التي
بدأت " تفكر " ( صح النوم ) في
تطوير الطاقة النووية
للاستعمالات السلمية .. وواضح ان
الاستعمالات السلمية هي
المقدمة ايضا
لانتاج اليورانيوم المخصب ،
ويقود الى التفكير بالسلاح
النووي كرادع امني في ظل شرق
اوسط نووي مليء بالنزاعات
الطائفية والاثنية
.
لا ارى ان امتلاك
ايران للسلاح النووي هو ضمان
للأمن الايراني . وانا اميز بين
الاستعمالات السلمية للطاقة
النووية .. والوصول الى الرؤوس
الحربية . السلاح النووي
بأيدي الملالي هو خطر على
ايران نفسها وعلى المنطقة
العربية كلها ، وهو تدمير
للاقتصاد الايراني ، وزيادة
افقار للشعب الايراني ، ويعبر
عن سياسة مغامرة ، تضع نصب
عينيها تجديد المشروع الفارسي
، ونحن شهود على الخطوط
العريضة لهذا المشروع الذي
ينتظر قنبلته النووية لينطلق
بقوة واتساع . وعصبية الشيخ حسن
نصراللة ، بعد دخول الجيش
اللبناني الى "دولة حزب الله
في جنوب لبنان
" واعادة الجنوب اللبناني
الى الشرعية اللبنانية ،
يجب ان تفهم من منطلق ضرب
المشروع الايراني ( الفارسي )
ووقف امتداده الى لبنان ، ويمكن
ان نشهد قريبا افشال تبعية
سوريا للمخططات الايرانية ، عبر
تطورات مفاجئة في شكلها
، ولكنها متوقعة في مضمونها
... وربما حصر هذا المشروع
التاريخي القديم
ومنع امتداده وقبره في مهده
بما يحمله من رؤية قروسطية
للمجتمع والحياة
. وليس بالصدفة التحركات
الخليجية للبدء بمشاريع الطاقة
النووية .. وقد تكشف لنا الايام
ان السعودية تملك حقوقا لا يمكن
نفيها بالقوة النووية
الباكستانية .. وهي معلومات ليست
جديدة .. اشارت الى دور الاموال
السعودية في انتاج السلاح
النووي الباكستاني.
لا
بد من ربط "تقرير
بيكر – هاملتون" الذي خيب
توقعات الادارة الامريكية
البوشية وخيب آمال حكومة
اسرائيل مع المرحلة الجديدة
التي ننتقل اليها بسرعة البرق ،
احيانا دون ان نلاحظ ونفهم
خبايا ما يجري .
مثلا ،وضع نهاية
لسياسة "الغموض"
الاسرائيلية حول سلاحها النووي
،التي لم
تعد تخدم الغرض السياسي
الاسرائيلي ولا التفكير
السياسي للادارة البوشية في
واشنطن .. لذلك ما قاله وزير
الدفاع الامريكي الجديد
بان اسرائيل دولة نووية لم
يكن زلة لسان
وتصريح
اولمرت لم يكن كذلك
زلة لسان .. انما بدء مرحلة
جديدة في الشرق الاوسط ، تتجاوز
تقرير بيكر هاملتون وتعيد ترتيب
الاوراق بما يفرغ تقرير بيكر
هاملتون من توصياته.. خاصة ما
يتعلق بالانسحاب من الجولان ،
والقضية الفلسطينية
، وذلك من منطلق ان التعامل
مع دولة نووية له وزن مغاير من
التعامل مع دولة لا تملك السلاح
النووي .. اي لا يمكن ان نفرض على
دولة نووية ما يمكن فرضه على
دولة عير نووية . وبالتالي
اسرائيل دولة عسكرية عظمى ..
وهذا يترتب عليه تعامل مناسب ..
لا ادافع عن امتلاك
اسرائيل للسلاح النووي ، سياسة
حكومات اسرائيل التي رفضت حتى
اليوم التوقيع على المعاهدة
الدولية لمنع انتشار السلاح
النووي ، تقود منطقتنا اليوم
الى كارثة سباق تسلح لا يمكن
توقع آثارها السيئة على شعوب
منطقتنا ، وعلى تطور المجتمعات
في الشرق الاوسط .
شعوبنا كلها ، بما
في ذلك الشعب الاسرائيلي امام
مستقبل اسود .. لا حق اخلاقي
لدولة نووية بحجم اسرائيل ،
بمنع دولة اخرى اكبر منها
حجما واهمية استراتيجية دولية ،
من امتلاك نفس السلاح ، بحجة انه
يشكل خطرا عليها ( اي على
اسرائيل ) . الا يشكل السلاح
النووي الاسرائيلي خطرا على كل
الدول العربية ، "الصديقة"
والمعادية بنفس الوقت ؟. الا
يشكل السلاح النووي الاسرائيلي
خطرا على الشعب الايراني ايضا ؟
الا يشكل بنفس الوقت خطرا على
اسرائيل نفسها ؟ وخطرا على حوض
البحر الابيض المتوسط والدول
المحيطة به ؟
اليس من المنطق
العسكري البديهي ان تكون الدول
العربية قد امتلكت منذ عقود
السلاح النووي لاقامة توازن
استراتيجي مع
اسرائيل ؟
بالطبع لا اتوقع ان
يفرض العالم " المتحضر"
عقوبات على خرق اسرائيل
لاتفاقات منع انتشار الاسلحة
النووية .. وهو خرق يتسم بخطروة
غير عادية ، في جذورهذا الخرق
الشديد الخطورة الصراع الدموي
المرير بين الشعب الفلسطيني
والشعوب العربية من جهة وبين
اسرائيل من الجهة الاخرى .
سقوط الغموض عن
التسلح النووي الاسرائيلي يدفع
الشرق الاوسط والعالم الى مرحلة
سياسية تفتقد للتوازن والمنطق ،
مرحلة تختلط فيها المعايير ...
واذا كان من ارهاب في الشرق
الاوسط تعاني منه دول العالم
المختلفة ، فقد اضيف له اليوم
ارهاب نووي ، من الصعب ان يبقى
وقفا على دول وشعوب ( وربما
منظمات ) دون غيرها .. وهذا ما يجب
تداركه عبر خيار لا ثاني له ،
لابد من العمل على انجازة
الآن ... بعد ان سقط
"الغموض " عن السلاح
النووي الاسرائيلي ، لابد من
التوصل الى صيغة دولية لتجريد
الشرق الاوسط من الاسلحة
النووية والتعهد الواضح بعدم
انتاجها .. او ان الحل سباق تسلح
مجنون ، ستدفع كل دول وشعوب
العالم عامة ودول وشعوب حوض
المتوسط والخليج خاصة، ثمنه
الرهيب ، باقتصادها وأمنها
وبيئتها ومستقبلها . ولن استهجن
ان يواصل العالم التقدم ..
ويتحول الشرق الاوسط الى شعوب
بدائية تملك اسلحة الدمار
الشامل .. ولكنها لا تجد الطعام !!
مع شرق اوسط نووي لا
سلام ولا امن ولا استقرار في
العالم كله !!
*نبيل
عودة – كاتب واعلامي فلسطيني –
الناصرة
mostkbel@netvision.net.il
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|