أماني
في العام الجديد
نجدت
الأصفري / أمريكا
تتلألأ
البيوت والشوارع والحوانيت في
كل قرية ومدينة صغيرة أو كبيرة
في هذه البلاد ، تتسابق الشركات
لعرض البضائع الجديدة
والتنزيلات المغرية ، وتوجد لكل
الزبائن طرقا وأساليب يتجاوزون
بها مشاكلهم المادية ، منها على
سبيل المثال ، البيع بالتقسيط
لمدة سنة أو أكثر أو أقل بدون
فوائد ، ويشعر كل أنسان أنه سعيد
بما يجده حوله من مظاهر ترتسم
على وجوه العباد ، تخلق هذه
الروح ، آلة
أعلامية تهدر ليلا ونهارا
باستمرار حتى تدخل في عقول
وأذهان الناس ما يرفضونه في
البداية .
مع
أن كل شيء ارتفع سعره عن الأعوام
الماضية بسبب الحرب التي تخوضها
أمريكا واستنذفت من ميزانيتها
مئات المليارات من الدولارات ،
مع كل هذا فلا يزال الناس في
بحبوحة ، فلم ينقطعوا عن
استبدال سياراتهم القديمة
بجديدة واقعين تحت تأثير
الدعاية الرهيب.ولا يزال الناس
يبدلون فرش منازلهم ، وشراء ما
يستجد في السوق من معدات وأجهزة
إلكترونية تتغير باستمرار على
مدار الساعة ، غير عابئين
بالأسعار والميزانية متوفرة
كانت أو على حساب بطاقات
الإئتمان .
في
هذا الجو الذاخر بالأفراح
والبسمات ، كنت أتمنى لأهلي
وبلدي في سوريا الجريحة ،
الحرية أولا ، ثم الكرامة ، ثم
الصحة والرفاهية .
الحرية
أولا لشعوري أن الإنسان بدون
حرية هو مخلوق يقاد كالحيوان
دون هواياته أو رغباته ، كالشاة
التي تسعى بأطرافها الأربعة خلف
جزارها يقودها إلى مسلخ ينهي
حياتها دون تردد أو تلكؤ.
الحرية
هي الحياة للناس بدونها يتساوى
باطن الأرض وظاهرها ،ولعل
الحياة مشتقة من الحرية ، أو
بالعكس . فما حياة رجل لا يتحرك
أو يتوقف إلا بأوامر ولا يستخدم
أكبر هبة وهبه إياها الخالق
العظيم ، لهذا قال عظيم من عظماء
هذه الأمة : متى استعبدتم الناس
وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا .
تتبع
الحرية الكرامة فلا كرامة لمن
لا حرية له ، ما كرامة رجل لا يحق
له أن يعبر ويدافع عن فكره ورأيه
، ما كرامة من يصفعه رجل حقير من
أذناب السلطة أمام زوجته وأمه
وألاده بدون ذنب أو مبرر ؟ ما
كرامة من يلاقيه جنود الطاغية
ويشهرون عليه سلاحهم يهددونه
بإطلاق النار فتنطلق حناجر
أطفاله وزوجته خائفين مرعوبين
أن يخسروا معيلهم بلا سبب في
لحظة طيش وحمق من رجل يتلذذ بقتل
الناس وترويعهم ؟
أما
الصحة والعافية وعلاقتهما
الرئيسية بالناحية النفسية
للمرء ، جميع الأمراض المستعصية
التي يبتلى فيها الشعب السوري
اليوم هي من نتاج حالاتهم
النفسية المأزومة بين حرية
معدومة وكرامة مهدورة وقلق نفسي
يسببه الخوف الدائم من سطوة
رجالات المخابرات مطلقة
الصلاحيات على تصيد البشر بلا
سبب ولا يمكن سؤالهم والإستفسار
عن أسباب تصرفاتهم .السوريون
مضطهدين من الحكم الظالم ، لأن
الحاكم الذي ورث الأرض والشعب
عن أبيه ولم يدفع ثمنا لما ورثه
فلا يعرف قيمته ، يقامر به دون
خوف أو وجل دون
حساب أو عقاب.
آه
كم أتمنى أن أرى في بلدي بسمة
على كل وجه ، وصحة على كل جسد ،
ويتنقل كل حي في أرض الله
الواسعة دون خوف إلا من الذئب
والوحوش الضارية لا من أخيه في
الوطن وزميله في الحياة .
آه
كم
أتمنى أن يسعد أولادي وأحفادي
وجميع أهلي في وطني سوريا من
شمالها لجنوبها ، ومن شرقها
لغربها ،بقانون لا يفرق بين
الناس إلا بما فعلوا من خير
فيكافأهم ، أو سوء فيعاقبهم .
آه
كم أتمنى أن يكون الرجل المناسب
في المكان المناسب يطلق لأفكاره
العنان في ابتكار آراء نافعة
تدفع البلاد إلى مدارج حضارة
ورقي فقدناهم منذ أن ركب ظهورنا
أشرار البشر الذين يعتقدون أنهم
آلهتنا ونحن عبيدهم .
آه
كم أتمنى أن يصبح التعليم لدينا
وسيلة للتطور والتقدم ، لا
للحصول على وظيفة يغيبون فيها
الشموس ليقبضوا الفلوس ،
ويستولون على حقوق من هم أحسن
منهم وأقدر وأخلص .
آه
كم أتمنى أن أمشي بين خلائق
العالم كلها أرفع رأسي عاليا
بفخر أنني من أمة ليس لديها سجين
واحد بدون سبب .
آه
كم أتمنى أن ينتشر مفهوم
المحافظة على البيئة بين أهلى
في وطني فنشعر أننا شركاء مع
العالم في عالم هو ملك للجميع
وأمانة في أعناق البشرية نحافظ
عليها للأجيال القادمة .
آه
كم أتمنى أن تعود لأرضي في وطني
أسراب الغزلان ، ورفوف الطيور ،
وطوائف الحيوانات الأليفة ترتع
مكملة روعة الحياة تشاركنا أرضا
غنية وسماء كريمة ، وشمس دافئة
ساطعة.
آه
كم
أتمنى أن تزول البقع الجرداء من
الأرض ويحل مكانها خضرة ممتدة ،
وأشجار باسقة ، ومواسم جيدة
وافرة ، يتسابق العالم للحصول
عليها لجودتها
لاغش فيها ولا تدليس.
آه
كم
أتمنى أن يتسابق العالم لدعوة
العلماء من أهلي يستشيرونهم
ويستعينون بهم في حل أزمات
العالم المستعصية المختلفة .
آه
كم أتمنى أن ينسخ من حياتنا
السجن والكرباج والدولاب والتعذيب
والقتل والسحل ،
وتذويب الناس بالأسيد وتهديد
الآمنين في عيشهم وأعراضهم
وحياتهم ..وكافة المفردات
الظالمة التي يستنكرها الخلق في
عالم أنساني رفيع المقام .
آه
كم أتمنى أن لا يوجد في وطني
ظالم ومظلوم ، ولا حاقد ومحسود ،
ولا مستغل ومغلول ، ولا غني
متخوم ، وفقير جائع محروم يبحث
في الحاويات .
هذه
أمنياتي لشعبي في موسم أتمناه
للعالم أجمع على أن يبدأ بوطني
ثم ينتشر في الخلائق أجمعين .فهل
تقر عيني بذلك قبل أن أودعكم ...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|