ما
هي خلفية الانفتاح السوري على
العراق ؟
بقلم
: محمد خليفة*
الزيارة التي قام
بها وزير الخارجية السوري وليد
المعلم إلى العراق بتاريخ 20/11/2006
تفتح صفحة جديدة في العلاقات
بين البلدين ، كما أنها تدلّ على
عمق التغيرات التي تشهدها
المنطقة العربية . فهذه
الزيارة وإن بدت كأنها زيارة
تشاور واستعداد لاستئناف
العلاقات المقطوعة بين البلدين
منذ عام 1980 ، إلاّ أنها ما كانت
لتحدث لولا وجود الضوء الأمريكي
الأخضر . فقد
حاولت سوريا في السابق ، وبعد
احتلال الولايات المتحدة
للعراق ، أن تفتح خطوط اتصال مع
الحكومة العراقية الجديدة.
لكن كانت هناك معارضة
أمريكية لهذا التقرّب ، لأن
الولايات المتحدة كانت لا ترغب
أن تقترب سوريا من العراق ، وسعت
إلى إضعاف سوريا وعزلها على
المستويين العربي والدولي ،
اعتقاداً منها أن هذه الوسيلة
قد تؤدي إلى انهيار النظام فيها
. فأمرت
حلفاءها الأوروبيين بتجميد
مفاوضات الشراكة معها ، كما
أمرت الدول العربية الحليفة لها
بقطع حبل الودّ معها .
وذهبت إلى مجلس الأمن
فأصدرت القرار (1559) الذي يدعو
إلى خروج القوات السورية من
لبنان . وجاء
مقتل الحريري في فبراير 2005
ليشكّل ضغطاً أمريكياً إضافياً
على سوريا ، إذ سرعان ما اتهمت
الولايات المتحدة سوريا بهذه
الجريمة ، وسارعت إلى جعل قضية
الحريري قضية دولية بهدف إزعاج
النظام السوري ، وعيّنت محققاً
دولياً في هذه القضية هو
الألماني ديتلف ميلس الذي اتهم
سوريا والنظام اللبناني صراحة
بالوقوف وراء هذه الجريمة،
وانشق بعض رموز النظام السوري
وشكّلوا جبهة معارضة هدفها
تدمير النظام ، الذي كانوا فيه ،
بمساعدة الولايات المتحدة .
لكن سوريا رفضت الخضوع
للتهديد والتخويف ، وقررت
الالتفاف على هذا الحصار
الأمريكي من خلال تمتين
العلاقات مع روسيا والصين
وإيران ، وأصبحت سوريا في رعاية
هذه الدول الثلاث ، فقوي موقفها
ولم تعد خائفة من التهديد
الأمريكي . ووجدت
الولايات المتحدة أن سوريا
أصبحت قوية وأنه لا مجال بعد
الآن لعزلها ودفع النظام فيها
إلى الانهيار .
ولهذا قررت إشعال حرب ضدها
لتدميرها ، وأوعزت إلى حليفتها
إسرائيل بشن حرب على لبنان
للقضاء على حزب الله وتدمير
الدولة اللبنانية وإشاعة
الفوضى في لبنان ، ونقل هذه
الفوضى بعد ذلك إلى سوريا
وتدميرها . فحدث
عدوان يوليو/تموز 2006 على لبنان ،
لكن المقاومة اللبنانية فاجأت
إسرائيل والولايات المتحدة
والعالم أجمع بصمودها الأسطوري
، فاضطرت إسرائيل إلى إيقاف
العدوان من دون تحقيق أية نتيجة
. وشكّلت
هذه الهزيمة الإسرائيلية ضربة
مؤلمة للمشروع الأمريكي في
المنطقة العربية ، ووصل صدى هذه
الهزيمة إلى الداخل الأمريكي ،
خاصة أنها ترافقت مع الفشل
الأمريكي المستمر في العراق .
فتعالت الأصوات في الولايات
المتحدة تطالب بالانسحاب من هذا
البلد ، وقام الكونجرس الأمريكي
بتشكيل لجنة برئاسة وزير
الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس
بيكر لبحث سبل إنهاء الملف
العراقي، وخرج بيكر برؤية تقول
، إنه لا يمكن تحقيق الأمن
والاستقرار في العراق من دون
تعاون دول الجوار وخاصة سوريا
وإيران اللتين لهما علاقات
واسعة في الداخل العراقي .
وتحرّكت الدبلوماسية
الأمريكية السريّة عبر
بريطانيا نحو سوريا ، فقام
مستشار رئيس الوزراء البريطاني
توني بلير بزيارة إليها للتباحث
في الموضوع العراقي .
كما أرسلت الولايات المتحدة
مبعوثين سريين إلى إيران للهدف
ذاته . وسرعان
ما ظهرت نتائج هذا التحرك
الأمريكي ، فقام وزير الخارجية
السوري بزيارة إلى العراق .
وفي الوقت نفسه دعا الرئيس
الإيراني محمود أحمد نجاد
الرئيسين السوري بشّار الأسد
والعراقي جلال طالبان للاجتماع
معه في طهران حول الموضوع
العراقي . لكن
ترى ما هو الثمن الذي ستدفعه
الولايات المتحدة لكل من سوريا
وإيران حتى قبلا التعاون معها
في إيجاد مخرج مشرِّف لها من
المستنقع العراقي ؟.
الواقع أن لكل من سوريا
وإيران مصالهما المختلفة ،
وبالتالي لا يمكن أن يكون الثمن
الذي ستقبضه هاتان الدولتان
واحداً ، بل كل منهما ستقبض
ثمناً مختلفاً .
فبالنسبة إلى سوريا ، لا بدّ
للولايات المتحدة من الموافقة
على رفع الضغوط عنها والسماح
لها بالعودة إلى الساحة
اللبنانية من دون إرسال جيشها
إلى هناك ، أي أن يكون لها الحقّ
في الإشراف على المشهد السياسي
اللبناني . كما
أنها ستسمح لحلفائها الأوربيين
بإتمام اتفاقية الشراكة معها .
كما أنها سترفع يدها عن
المعارضة السورية وتهمّش موضوع
المحكمة الدولية باغتيال
الحريري . وأما
بالنسبة إلى إيران ، فإن
الولايات المتحدة ستغضّ الطرف
عن امتلاك إيران للتقنية
النووية ، وتعترف لها بمصالحها
في منطقة الخليج والشرق الأوسط .
ولا شك أن نتائج هذه
الاتفاقيات السريّة من هذا
النوع بين الولايات المتحدة وكل
من سوريا وإيران ستظهر نتائجها
في العراق .
وعندها ، ستعمل هاتان
الدولتان بكل جهدهما لبناء عراق
جديد ، وتملك كل منهما الوسائل
الكافية للتأثير على المشهد
العراقي سواء من خلال التحالفات
التي تجمع كل منهما مع الأطراف
المؤثرة في العراق ، أو من خلال
الاشتراك في الحملات الأمنية مع
الجيش العراقي للقضاء على ظواهر
الخروج عن النظام ، وبالتالي
تخفيف العنف حتى إنهائه بشكل
كامل . وقد
تكون مهمة سوريا وإيران صعبة ،
لكنها في الموازين الدولية
الراهنة قد تكون الحلّ السحري
لكل مشاكل العراق .
*كاتب
من الإمارات
medkhalifa@maktoob.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|