ارحموا
شعبنا وكفاكم تحايلا عليه
د.
محمد اسحق الريفي
أوكلت
اللجنة الرباعية مهمة مراودة
الشعب الفلسطيني عن إرادته
وحقوقه وتطويعه لشروطها
الجائرة برئيس السلطة الوطنية
الفلسطينية السيد محمود عباس،
فمنذ تشكيل الحكومة الفلسطينية
العاشرة، تركزت جهود السلطة على
محاولات التحايل على الشعب
الفلسطيني والالتفاف على
خياره، مع إهمال كامل لمطالبه
الحقيقية وتجاهل لها.
ورغم
التصريحات العديدة التي يدلي
بها السيد عباس في كل مناسبة
ويؤكد فيها على احترام إرادة
الشعب الفلسطيني والحرص على
مصالحه العليا والعمل على فك
الحصار الظالم عنه، فإن حقيقة
مواقف عباس وممارسات سلطته لا
تتجاوز عملية توظيف الحصار
الظالم الذي يفرضه المجتمع
الدولي على شعبنا وابتزازه
واستغلال معاناته من أجل ثنيه
عن خياره الذي عبر عنه من خلال
نتائج الانتخابات التشريعية
الماضية.
لقد
أصبح شعبنا الفلسطيني ألعوبة
بيد السيد عباس وسلطته، فبينما
أصر عباس على إجراء الانتخابات
التشريعية في موعدها وأقر
تشكيلة الحكومة الفلسطينية
الحالية، حاول منذ اللحظة
الأولى عرقلة عملها وانتزاع
صلاحياتها وفرض شروطه عليها.
إن
تبرير عباس إصراره على استسلام
شعبنا لشروط اللجنة الرباعية
بسعيه لفك الحصار لا معنى له
وغير مقبول، وشعبنا يدرك أن
السلطة تساهم في إحكام هذا
الحصار وتعمل على زيادة الضغوط
على شعبنا، فكسر الحصار لا يتم
إلا باحترام إرادة شعبنا
والتمسك بثوابته وحقوقه ورفض
منح كيان الاحتلال شرعية لا
يستحقها وتعزيز صمود شعبنا.
وفي
ظل الأزمة الحالية التي سببها
إصرار عباس على تشكيل حكومة
فلسطينية بمواصفات غربية تحظى
بموجبها بموافقة كيان الاحتلال
على برامجها ومواقفها
ووسائلها، فإن السلطة لا تزال
تحاول التحايل على الشعب
وابتزازه، رغم صمود شعبنا
وإصراره على خياره وصمود حكومته
في وجه كل محاولات إفشالها
وإسقاطها وتمسكها بمواقفها
المشرفة...
فبينما
يصرح عباس على أنه يريد من شعبنا
أن يقول كلمته، نجد أنه في حقيقة
الأمر يريد إلغاء كلمة الشعب
ويحاول تجاوزها، وبينما يعلن
عباس أنه سيذهب إلى الشعب لحل
الأزمة الحالية، نجد أنه يدير
ظهره لخيار الشعب ويعمق انقسامه
وفرقته.
وبينما
يعلن عباس أنه يتخذ من الشعب
الفلسطيني مرجعية له على قاعدة
أن "الشعب هو مصدر السلطات
التشريعية"، نجد أن السيد
عباس يعتمد اللجنة الرباعية
مرجعية عليا وحيدة له ولمواقفه
ومواقف سلطته، ولذلك فهو يجهد
نفسه في البحث عن أي وسيلة
لتجاوز خيار الشعب والاستجابة
للشروط التي وضعها كيان
الاحتلال والولايات المتحدة
الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
وبدلاً
من احترام أرادة الشعب وخياره
في نوع الحكومة التي يريدها،
نجد أن السيد عباس يصر على أن
تخضع الحكومة الفلسطينية من حيث
تشكيلتها وبرامجها ومواقفها
لمواصفات يستحيل تحقيقها، فهو
يشترط في الحكومة الفلسطينية أن
"تحظى بتأييد ودعم
الفلسطينيين والعرب والمنطقة
والعالم"، كما قال في المؤتمر
الصحفي المشترك الذي عقده مع
توني بلير هذا الأسبوع في مقر
رئاسته بمدينة رام الله.
ولكن
يا سيادة الرئيس أين توجد هذه
الحكومة التي تحظى بموافقة
العالم وتأييده ودعمه؟!!! ولماذا
تصر على تشكيل حكومة تحظى
بموافقة العالم وتأييده ودعمه
وتدير ظهرك لرأي الشعب في تلك
الحكومة وموقفه منها؟!!! وهل
حكومة الكفاءات أو المستقلين
التي تحاول إيجادها وتصم آذاننا
بضرورة خضوعها لإملاءات
الرباعية تمثل إرادة الشعب
الفلسطيني؟!!!
لا
شك أن كل هذه المحاولات التي
تبذلها السلطة لانتزاع المواقف
من الحكومة الفلسطينية العاشرة
تأتي في سياق الالتفاف على خيار
الشعب وإرادته الحقيقية.
وما يثير الاستغراب أن
الذين يعملون على عرقلة الحكومة
وإفشالها ويعيقون إنجازاتها،
يتخذون من عدم إنجاز هذه
الحكومة لبرامجها في الإصلاح
والتغيير ذريعة لإسقاطها...
ومن
المعلوم أن الحكومات التسع
السابقة والتي اشتهرت بالفساد
والفشل الذريع على كل المستويات
لم تلق أي معارضة حقيقية من
السلطة، وحزبها، التي تسعى الآن
إلى إسقاط الحكومة التي تقودها
حماس، وقد اعترف بهذا الفشل
الذريع السيد عباس عندما قال:
"الحكومات السابقة في عهد
المرحوم الرئيس ياسر عرفات
لم يتح لها الفرصة لتفكر في
تطوير البلد وتطوير التجارة
وتطوير الاقتصاد"، وبرره بما
وصفه بالحروب، رغم هدوء الأوضاع
في المنطقة على مدار السنوات
الخمس الأولى من مسيرة التسوية
في إطار اتفاقية أوسلو.
وتأتي
في سياق الالتفاف على خيار
شعبنا وإرادته محاولة استغلال
عواطف الشعب الفلسطيني تجاه
الأسرى الفلسطينيين والمكانة
العظيمة التي يحظون بها في قلوب
أبنائه، فاحترام الأسرى
والشعور بمعاناتهم والحرص على
حريتهم يتطلب من السلطة تكثيف
جهودها وتعديل مواقفها
وممارساتها لتحرير الأسرى
بدلاً من الزعم بأن "شعبنا قد
فقد مئات الشهداء وآلاف الجرحى
من أجل الجندي الصهيوني الأسير
جلعاد شليط"، فما جاءت كل هذه
التضحيات إلا من أجل هؤلاء
الأسرى البواسل الذين يشكلون
جزءاً غالياً وعزيزاً من شعبنا
وليس من أجل الأسير الصهيوني!!!
إن
احترام الشعب الفلسطيني يستوجب
على السلطة احترام فلسطينيي
الشتات وتكثيف جهودها في
التأكيد على حق عودتهم إلى
مدنهم وقراهم بدلاً من التفريط
بحقهم وتجاهل قضيتهم وإهمالها
ونعتهم بأنهم "يعيشون في غرف
مترفة ولم يغبروا أحذيتهم
بالتراب الفلسطيني"، كما قال عباس في خطابه.
وكذلك
فإن احترام الشعب الفلسطيني لا
يكون بمطالبة السيد عباس شعبنا
بضبط النفس وتحمل المسؤولية في
الوقت الذي تقوم الأجهزة
الأمنية الخاضعة لرئيس السلطة
عباس بإشعال الحرب الأهلية ونشر
الذعر والفوضى والتخريب وتحويل
حياة المواطنين إلى كابوس وجحيم
لا تطاق.
إن
احترام الشعب الفلسطيني والحرص
على مصالحه يفرض على السلطة ألا
تجره إلى المساومة على حقوقه
وإنهاء مقاومته والاعتراف
بشرعية كيان الاحتلال، والسعي
بدلاً من ذلك إلى الحصول على
ضمانات حقيقية للاعتراف بحقوق
الشعب الفلسطيني المشروعة
والعمل على استردادها.
إن
كل ما يستند إليه عباس في دعوته
الحكومة الفلسطينية للاستجابة
لشروط الرباعية وما يسمى
بالشرعية الدولية ليس سوى وعود
سرابية تهدف إلى خداع شعبنا
وتضليله وإنهاء قضيته العادلة،
وربما يزداد الأمر سوءاً ليتحول
هذا التجاذب السياسي التي تشهده
الساحة الفلسطينية إلى حرب
أهلية تحقق ما يسعى إليه أعداء
شعبنا.
لكل
ما سبق فأنه لا بد من وقف
التحايل على الشعب الفلسطيني
وابتزازه... ولا مبرر لإقامة أي
انتخابات نتائجها مرهونة
بموافقة المجتمع الدولي
واللجنة الرباعية...!! فكيف ستصبح
انتخابات إذا كانت نتائجها
محددة؟!! كما أنه لا داعي
للانتخابات وقد عبر شعبنا
مراراً وتكرراً عن رفضه
للانصياع إلى إملاءات المجتمع
الدولي الظالم؟!!
الأولى
بالسلطة الوطنية الفلسطينية أن
تعزز صمود شعبنا في وجه ذلك
الحصار الظالم وتعمل على تشكل
جبهة داخلية متينة لفك الحصار
وإسقاطه بدلاً من الاستمرار في
مراودة شعبنا واستغلال معاناته
من أجل أعدائه.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|