"الرطل
بدو رطلين" ...
والتغيير
يبدأ في دمشق
الطاهر
إبراهيم*
من دون الانتقاص من مساعي
الأمين العام للجامعة العربية
الأستاذ "عمرو موسى"
ومرافقه مندوب الرئيس السوداني
"عمر البشير"، فإن الذي كبح
جماح "حسن نصر الله " هو
تأكدُه بأن أهل السنة في لبنان،
ما عادوا أولئك المستضعفين كما
كانوا في ظل زعامات سنية لا
تتمتع بأية مصداقية لأنهم رضوا
بأن يدوروا في فلك الرئيس
السوري الراحل "حافظ أسد"،
وفي دائرة الرئيس بشار أسد من
بعده. أما التهدئة التي لمسناها
في لبنان مؤخرا، فلم تكن بسبب
حلول فترة الأعياد الإسلامية
والمسيحية -على ما تشكله من حضور
هام لدى كافة مكونات الشعب
اللبناني- بل لأن "نصر الله"
أحس أن أهل السنة في لبنان
أصبحوا يشكلون رقما صعبا على
الساحة اللبنانية، وأنهم لم
يعودوا كما كانوا في فترة
الوصاية التي فرضها النظام
السوري على الرؤساء الثلاثة،
الجمهورية والنواب والحكومة،
حتى غدا الواحد منهم بصلاحيات
محافظ في إحدى المحافظات
السورية.
من سمع خطاب "حسن نصر الله"
عندما قرر النزول إلى الشارع،
أو وهو يخاطب الحشود الغفيرة في
ساحة الشهداء وساحة "رياض
الصلح"، وهو يهدد الحكومة
اللبنانية، ويتهمها بأنها
حكومة "فيلتمان" السفير
الأمريكي في بيروت، وأنها ما لم
تقبل بشروطه الحالية، فإنه
سيسقط هذه الحكومة، وسيأتي
برئيس حكومة وطني نزيه ونظيف و...،
ما يعني أن رئيس الحكومة الحالي
"فؤاد السنيورة" -حسب مفهوم
المخالفة- لا يتمتع بهذه
الصفات، نقول إن من سمع
الخطابين شعر بأن "نصر الله"
ذاهب بلبنان إلى المجهول.
وإذا كانت وساطة الرئيس عمر
البشير ومساعي عمرو موسى كان
لهما دور فعال لتقريب وجهات نظر
الفرقاء اللبنانيين، فلا يصح أن
نقول أنها هي التي نزعت فتيل
الحرب الأهلية
. بل الصحيح أن هذه الوساطة
ما كان لها أن تجد آذانا صاغية
عند "نصر الله" الذي يعيش
نشوة النصر الكاذب عبر تدمير
معظم البنى التحتية والفوقية في
لبنان، لولا أن رأى "بيضة
القبان" التي "فرملت"
غلوائه وجعلته يعيد حساباته وهو
يستمع إلى إعلان مفتي لبنان
الشيخ "محمد رشيد قباني"
بعد خروجه من صلاة الجمعة في
جامع "علي بن أبي طالب" وهو
يقول بأعلى صوته: "إن إسقاط
حكومة فؤاد السنيورة في الشارع
خطٌ أحمر... خط أحمر...خط
أحمر...". وقد شعر
المراقبون أن تهديد المفتي "قباني"
قد قلب الموازين وحول المعركة
من كسر للعضم بين الفرقاء في
لبنان إلى "عض أصابع" تؤلم
ولكنها لا تؤدي إلى قطع الإصبع
،ينجح فيها من كان أشدَّ صبرا
وأكثرَ تحملا.
توافدُ الوفود السنية
والتفافها حول "السنيورة"
وإعلان الشيخ "قباني" عن
خطوط حمر على الساحة اللبنانية،
ورفض الجماعة الإسلامية أن
يستعمل الشارع لفرض حلول سياسية
لتنفيذ "أجندات" غير
لبنانية، كل ذلك جعل رجل الشارع
السني يردد المثل الشعبي: "الرطل
بدو رطلين"، والمثقف يخاطب
نصر الله قائلا: "إن كنت ريحاً
فقد لاقيت إعصارا".
غير أننا نعتقد أن انحناء
"نصر الله" أمام العاصفة
السنية في لبنان هو إلى أجل.
وأنه لابد أنه يجري مشاورات،
ليس مع حلفائه اللبنانيين من
رؤساء وزارة سنة سابقين ومع
الجنرال "عون"، فهؤلاء
حلفاء ديكور، بل مع حلفائه حكام
دمشق الذي أعماهم الغضب وملأ
قلوبهم الغيظ، فما عادوا يبصرون
أمامهم، وأنهم ينهضون من فشل
ليقعوا في آخر، ما أدى إلى أن
يتألب عليهم كل الذين تضرروا من
أفعالهم الحمقاء في لبنان وفي
سورية.
قد يتناسى نصر الله أن
واشنطن إنما كانت تغمض عينيها
عنه، وتركته يلعب ضمن ساحته
المفضلة، الجنوب اللبناني،
لغاية في نفسها، واستدرجته
بمساعدة تل أبيب، حتى إذا ما وقع
في خطأه القاتل بأسر الجنديين
الإسرائيليين، شنت عليه
إسرائيل حربا أرغمته في النهاية
أن ينسحب شمالا بعيدا عن
إسرائيل، فحاول أن يعوض خسارته
للجنوب اللبناني بالتصعيد
الأخير على الساحة اللبنانية.
ولكن يبقى أن نصر الله يمكن أن
يتلافى هزيمة أخرى إذا ما قنع
بما يناسب حجمه في "الكوكتيل"
اللبناني.
أما حليفه النظام السوري،
فبالرغم من تنسيقه مع حزب الله،
إلا أنه لايملك ،مثل حزب الله،
مقومات البقاء كنظام يمكنه أن
يتعايش بها إقليميا ودوليا، بعد
أن كثرت أخطاؤه القاتلة، ابتداء
من التمديد للرئيس اللبناني "إميل
لحود"، مرورا بتآمره على
اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية
الأسبق الشهيد "رفيق الحريري"
ثم خروجه المذل من لبنان في
نيسان 2005، وقبل ذلك وبعده
بتحالفه مع إيران ضد المصالح
العربية، ما جعل الجميع ينتظرون
بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي
يقال فيه عنه "النظام البائد".
أكثر الذين يعايشون الأزمة
المستعصية في لبنان يعتقدون أن
الرئيس السوري بشار يساهم في
تحريض المعارضة اللبنانية ضد
الحكومة اللبنانية، خصوصا وأن
خناق المحكمة الدولية بدأ
يستفحل ويضيق حتى بدأ يتلمس
آثار الحبال حول عنقه وأعناق
الذين شاركوا بالتخطيط لاغتيال
الرئيس "الحريري"، وبدأت
الكلمات ترتجف على ألسنة رموز
حكام دمشق مرددة "أنا الغريق
فما خوفي من البلل". ولذا فإن
من يعرف "البير وغطاه" يدرك
أن التغيير إذا لم يبدأ في دمشق
قبل بيروت، فإنه لا تغيير.
الحكمة تقتضي أن لا يعيش
الشباب السوري يحلم بيوم
التغيير، بل عليه أن يعمل من
أجله، وأن يستغل أخطاء حكام
دمشق القاتلة التي تزداد يوما
بعد يوم فينطلق المخلصون في
أحياء المدن السورية وفي القرى،
للاتصال بأهل الرأي والمشورة،
ولا بأس أن يتم استمزاج آراء
ضباط الجيش وضباط الشرطة
المتضررين من بقاء النظام
الحاكم، -وهم كل العاملين في
الجيش والشرطة- وأن يتم الاتصال
بكل الضباط الذين يعتقدون أن
سورية تستحق نظاما آخر غير
النظام الحالي الذي لا يهتم إلا
بمصالح رموزه الضيقة.
وحتى ينجح أي تحرك ينبغي أن
يشمل كل السوريين من أبناء
الطوائف: السنة والعلويين
والإسماعيليين والمسيحيين وكل
الطوائف التي لها مصلحة
بالتغيير،. عندها سنجد أن معظم
العسكريين ،ضباطا وضباطَ صف،
وأفرادا، وقد انضموا في حركة
احتجاجية شاملة حتى يُستأصل كل
رموز الاستبداد والفساد ويلقى
بهم في سلة مهملات التاريخ.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|