حزب
الله ...يريد العنب أم الناطور؟
بلال
داود*
بتعاطف
شعبي عارم ، وتأييد حكومي قد
يندر مثيله خارج المنظومة
اللبنانية ، حقق حزب الله نصره
الإلهي ، حتى
بلغ الأمر ، أنْ
خلع الأستاذ نبيه بري ( توأم
السيد نصر الله ) على هذه
الحكومة لقبَ ( حكومة المقاومة )
، فكان من الطبيعي أنْ يتقدم
الحزب بالشكر والعرفان ، لكل
الشعب اللبناني والعربي
والإسلامي ، لمؤازرته ودعمه ،
وإلى ( حكومة المقاومة ) على وجه
الخصوص ، تلك التي أهدته النصر
كاملا ، بعدما أهداها خراب
لبنان .
ولكن
الذي حصل عكس ذلك تماماً ، إذ
راح يطالب بجني ثمار نصره
الإلهي ، بزيادة عدد حقائبه
الوزارية ،
بما يتناسب مع زيادة
التعاطف الشعبي الذي اكتسبه ،
مغلفاً مطالبه بثوب المعارضة
، متزيناً
ببضع أسماء
من جماعة الجنرال عون ، الذي
يُسوِّق نفسه كمشروع رئيس
جمهورية في المستقبل ، وبعض
الشخصيات السنية التي تركت
منظماتها بعد عقود من الالتزام
بها ، لأنها فقدت الأضواء
البراقة ، بعدما انسحب الكرسي
من تحتها ، شأنهم في ذلك شأن
القادة التاريخيين الذين يطول
جلوسهم بمفردهم على الكرسي .
قد
يبتلع المتابع للشأن اللبناني
والعربي والإسلامي ، هذا المنطق
إلى هذه الدرجة ، بما عرف عنه من
تسامح وبساطة وتحليل الأمور
بعاطفة جياشة ، وخصوصاً عندما
يُقحمُ اسمُ الإله في الأمور،
أو يتعلق الأمر بالعدو
الإسرائيلي ، أو المشروع
الأمريكي ،
فكيف به وقد مُزجت
عنده كل هذه العوامل في آن
واحد !!.
وقد
يذهب أبعد من هذا ، فيقبل أن
يطالب حزب الله بثلث الحكومة ،
تحت دعوى العدالة الديموقراطية
، و إن كان الشيعة في لبنان أقل
من الثلث ، ليضمن أن لا تنفرد
الحكومة بقرارات حساسة من دونه
، كقرار بنزع سلاحه مثلا .
ولكن
بعد أن شدَّ
العرب عضد عمرو موسى بلفيف من
إخوانه الحكماء ، على رأسهم
السيد مصطفى عثمان إسماعيل ،
مستشار الرئيس السوداني ،
أفلحوا بإقناع
الحكومة بالاقتراح ( 19-10-1)
وخلاصته أن
يكون للأكثرية
19 وزيراً ، وللمعارضة 10 وزراء ،
ويكون الوزير الثلاثون محايداً
لا يحق له التصويت ، وبهذا
تفقد الحكومة ثلثي الأصوات ،
ولن تقوى على اتخاذ أي قرار
مصيري إلا بموافقة المعارضة ،
كذلك الأمر فإن المعارضة لو
انسحبت بكامل وزرائها
كما فعلت أكثر من مرة سابقاً
، فإنّ انسحابها لا يسقط
الحكومة .
بعد مقدم
موسى وإخوانه ، وما فعلوه ،
لم يعد بإمكان المتابع أن
يفهم مطلب حزب الله
بالثلث زائداً
واحد ، على أنه الثلث الضامن
، ولا حتى الثلث المعطل ، بل
يفهم أنه يريد إسقاط الحكومة
تحديداً .
إسقاط
الحكومة قد يكون له معان كثرية ،
منها تغيير الأكثرية إلى أقلية
، والأقلية إلى أكثرية ، ومنها
تقوية مركز رئيس الجمهورية ،
ومنها تعيين وزارة أكثر تقربا
من سوريا وإيران ، وغيرها من
المعاني ، ولكن
المعنى الرئيسي الذي يطفو على
السطح ، هو عرقلة إنشاء المحكمة
الدولية ، التي ستحاكم
المشبوهين والمتهمين باغتيال
الرئيس الحريري وباقي الجرائم
المشابهة .
مطلب
الجنرال عون من هذا واضح ومحدد ،
فهو يريد الحصول على رضى النظام
السوري ، بعدما كان أول
المتحمسين لاتهامه بجريمة
اغتيال الحريري ، قبل أن يعود من
فرنسا ، كما يبحث عن أصوات
المعارضة خارج السرب المسيحي
الذي يفضل ترشيح غيره ، خصوصا أن
إسقاط الحكومة الحالية سيعزز
موقع المعارضة ، وقد تأتي
بحكومة مؤقتة ، مهمتها إعداد
قانون انتخابي جديد ، تتغير فيه
الموازين لصالحها ، فيضمن
الجنرال أن يكون المرشح الأوفر
حظا ، إن لم يكن الوحيد .
أما
حزب الله ، الذي أنشأه
النظام السوري ، بقرار مباشر من
الرئيس الراحل حافظ أسد
، فينظر إليه حتى اليوم ،
باعتباره يقوم برد
الجميل
إلى النظام السوري ،
ومحاولة إعادة الهيبة
والاحترام له داخل لبنان ،
عن طريق عرقلة المحكمة
الدولية ، حيث تتجه معظم أصابع
الاتهام إلى النظام السوري ،
بكل أو معظم الاغتيالات
السياسية في لبنان ،
خصوصا أن هذه الاتهامات
ليست الأولى من نوعها ، فقد سبق
أن اتُهم النظام السوري باغتيال
عدد من أفراد المعارضة
السورية في الخارج ، كألمانيا
وفرنسا وإسبانيا ، كما اتهم
بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء
الأردني الأسبق السيد مضر بدران.
لكن
إذا ما استمر حزب الله
بسلوكه الحالي ، فإنه
ينسج حول نفسه شرنقة
الاتهامات ، بضلوعه المباشر
بالجرائم المشار إليها في لبنان
، أو باشتراكه مع النظام السوري
، أو بتقديم الدعم المعلوماتي ،
أو ..أو.
وحزب
الله ، المدعوم ماليا وعقديا
وعسكريا من
إيران ، ينظر إليه حتى اليوم ،
باعتباره ينسق
معها لإفشال
المشروع الأمريكي في
المنطقة ، ( بغض النظر عن
التعاون الأمريكي الإيراني في
العراق و أفغانستان) .
ولكنه
إذا استمر بسلوكه الحالي ،
بزيادة التحالف الاستراتيجي مع
إيران بالإضافة إلى النظام
السوري ، فإنه
سيؤكد للناس أنه طرف فاعل ، في
تنفيذ مخطط
الهلال الشيعي ، الذي
تقوده إيران .
حتى
اليوم ينظر إلى حزب الله ، أنه
جزء من النسيج الوطني اللبناني
، قدم الكثير من أجل استقلال
لبنان وتحرير أرضه من العدو
الإسرائيلي .
لكنه
إذا استمر في سلوكه الحالي ،
فإنه يكاد يقول ، أن الانتصارات
السابقة التي حققها على جبهة
العدو الإسرائيلي ، لم تكن إلا
انتصارات مصنوعة ، في حلقة
من مخطط كبير ، لتلميعه
وتسليط الأضواء عليه وكسب مشاعر
الناس وقلوبهم وعواطفهم ، قبل
إشعال فتيل الحروب الطائفية ،
باسم الإله أو باسم نائبه على
الأرض.
أخيراً
... إذا كان
مطلب حزب الله هو العنب ، فقد
قُدم له العنبُ على طبق من فضة
، وإن
كان المطلوب هو الناطور ، فلا بد
أنه يعلم أن هناك مُلاكاً
للبستان لن يرضوا بالاعتداء
على الناطور أو طرده ، وإن غابت
عنه لهجة بلاد
الشام ،
فالناطور
هو حارس البستان ، وليس
المالك .
*كاتب
سوري- كندا
Arcan48@yahoo.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|