النجدة
أيها السوريون ...
حكام
دمشق اختطفوا سورية ..!
الطاهر
إبراهيم*
عندما يتصدى الكاتب للحديث
حول ما ينفع وطنه ويرفع من شأنه،
فيتصدى لفساد الحكام كحجر
الأساس فيما ينفع ويرفع من شأن
الوطن، فهو لا يؤدي واجبه فحسب
بل ويمارس حقه لأنه مواطن أصيل
في وطنه. وعليه فإن كل الذين
يكتبون منددين باستبداد وقمع
حكام دمشق فإنهم لا يشنون
عدوانا على حق هؤلاء الحكام في
أن يكون لهم حصانة في مواجهة
المنتقدين، فقد أسقط حكام دمشق
أي حصانة لهم بعد أن تسللوا كما
يفعل اللصوص، ووثبوا على السلطة
واستولوا على الحكم وحرموا
الشعب السوري من حقه في أن يشارك
في حكم وطنه سورية من خلال
صناديق الاقتراع.
ومن هذا المنطلق فلا أرى أي
مسوّغ لعتب من يعتب على مقالات
لي حرضْتُ فيها الشعب السوري
على أن يجمع قواه، فيتصل
المواطن بجاره والموظف بزميله
والضابط بمرؤوسيه ، ويتفاهم
الطلاب في مدارسهم وجامعاتهم،
على القيام بتحركات احتجاجية
سلمية بعيدا عن تخريب المنشآت
وتحطيم الممتلكات ،فهي حق مقدس
لا يجوز العدوان عليها، ومن دون
أي اعتداء على أي مواطن وإن كان
في موقع حكومي أو حزبي بارز،
فهدفهم هو إرغام الذين اغتصبوا
حق الشعب السوري على الرحيل،
فإن تم ذلك سلما فبه ونعمت. أما
إذا حاول حكام دمشق المقاومة
ودفعوا بأجهزة المخابرات
للاعتداء على المحتجين، لكبح
احتجاجاتهم أو لإرهابهم، فيدفع
المحتجون عن أنفسهم بالقدر الذي
يبعد العدوان عنهم. فإن تمادى
حكام دمشق بالعدوان، فقد قال
الله تعالى: (أذن للذين يقاتلون
بأنهم ظلموا، وإن الله على
نصرهم لقدير)، ودفع الظلم بما
يكافئه حق مشروع.
لكن كيف يباشر السوريون
حقهم في استعادة حقوقهم، وحكام
دمشق يعتقلون كل من يحرك لسانه
بقول وقلمه بكلمة، وهؤلاء
"عارف دليلة" و "ميشال
كيلو" ورفاقهما يقبعون في
سجون الظلمة الذين أرادوا تكميم
الأفواه وكسر الأقلام، لأن
آذانهم لا تسمع إلا من يسبح
بحمدهم، ولا تبصر عيونهم
إلا المقالات التي يسطرها
المنافقون؟
فكما أن من حق الإنسان الذي
مُنِعَ عنه قوتُهِ الذي يحفظ
عليه حياته أن يقف في وجه من منع
هذا القوت، لأن به قوام حياته
التي لا تستمر إلا به، وأن من
حقه أن يقاتل عن حياته من يحاول
أن يعتدي عليها أيضا، فإن من حقه
أن يقف في وجه الذي سلبه حريته
في أن يكون سيد نفسه فوق أرض
وطنه، وأن يأخذ على يديه بكل
الوسائل المشروعة. وهذا ما
يفعله الإنسان السوي الذي يتصدى
لمن يحاول أن يعتدي على حياته
وحريته وما يملك
من مال ومتاع، وإلا فإنه
يصبح منقوص الأهلية الإنسانية.
ولقد امتدت أيدي حكام دمشق
فانتقصت من المواطن السوري كل
هذه المقومات، وسلبته بعضها
كليا، فتعين الوقوف في وجوه
هؤلاء الحكام لردعهم والأخذ على
أيديهم، لأن حياة الإنسان
وحريته وماله ثلاثية مقدسة، يجب
التصدي لكل من يعتدي عليها.
ولأن حكام دمشق لا يردعهم عن
غيّهم رادع من أخلاق أو وطنية،
فسيصدرون الأوامر لأجهزة الأمن
أن تتصدى للزحوف الشعبية. ولأن
رجال الأمن سوريون يسعون وراء
لقمة عيشهم، فعلى من يتصدى
لحكام دمشق مدافعا عن حياته
وأمنه وحريته، وقبل ذلك حرية
سورية واستقلالها، أن يتجنب
إيذاء عناصر أجهزة الأمن هؤلاء
ما استطاع إلى ذلك سبيلا،
فيشعرهم ،بما لا يدع مجالا
للشك، أن الهدف ليس عندهم، بل
عند الطواغيت المستبدين، وأن
تحركه ضد حكام دمشق تحركٌ وطني
مبرر، بعد أن حرم حكامَ دمشق
انسلاخُهم عن الشعب السوري
أن يكون لهم ما للحكام الوطنيين
من حصانة، لماذا؟
أولا: استولى حكام دمشق على
الحكم وسورية ضمن حدودها التي
فرضتها معاهدة "سايكس
بيكو" عام 1917 ، ففرطوا –خيانة
أو تقصيراً- بجزء عزيز على
السوريين وهو "هضبة
الجولان" التي وصفها
الاستراتيجيون الغربيون أنها
أمنع من "خط ماجينو"
الشهير. وقد خسرتها سورية في
هزيمة حزيران عام 1967، وكان في
حينه اللواء حافظ أسد وزيرا
للدفاع فكوفئ على ذلك وصار
حاكما أوحدا لسورية على مدى
ثلاثة عقود، ووطّئ من بعده
الحكم لورثته، وتحول الحكم إلى
حكم وراثي وانتخب الرئيس بشار
بعد تعديل الدستور. ولأن حكام
دمشق ما كانوا أمناء على حدود
سورية، فيجب العمل على إعادة
الأمور إلى نصابها، ومعاقبة
الذين فرطوا في حدود سورية
بجريمة الخيانة العظمى.
ثانيا: حكام دمشق اعتدوا على
الدستور عند ما عدلوه بدون
مبررات موجبة. إلاإذا اعتبروا
أنه لا يوجد في حزب البعث إلا
بشار أسد يصلح أن يكون رئيسا
للجمهورية، فعندها يتأكد
الإطاحة بنظام الحكم بعد أن فقد
أهليته أن يكون "قائدا للدولة
والمجتمع" حسب ماتنص عليه
المادة (8) من الدستور. وإذا كان
ناشطو المجتمع المدني حوكموا
لاعتدائهم المزعوم على
الدستور، فعقوبة حكام دمشق
أوكد، لأنهم اعتدوا –حقيقة- على
الدستور.
ثالثا: "عمر بن الخطاب
رضي" الله عنه عاقب ابن
"عمرو بن العاص" بعد أن ضرب
قبطيا سبقت فرسُه فرسَ بن
"عمرو"، وقال "عمر"
قولته المشهورة: "متى
استعبدتم الناس يا عمرو وقد
ولدتهم أمهاتهم أحرارا. فحكام
دمشق لم يسلطوا عناصر أجهزة
الأمن لجلد المواطنين السوريين
فحسب، بل أهدروا دماء السوريين،
سواء كان بإعدام المئات في
ساحات المدن الرئيسية مثل حلب
وجسر الشغور وغيرهما. أوحصد
أرواح أكثر من ألف معتقل في سجن
"تدمر" في ليلة 26-27 حزيران
1980 بإطلاق الرصاص
عليهم من قبل سرايا دفاع
رفعت أسد والمعتقلون نيام. أو ما
كان في مدينة حماة بداية عام 1982،
حيث قتلت سرايا دفاع "رفعت
أسد" ووحدات "علي حيدر"
ومخابرات "علي دوبا" ما بين
عشرين ألفا إلى أربعين ألفا من
أهالي حماة ،مسلمين ومسيحيين.
رابعا: وكما امتلأت معتقلات
حكام دمشق بعشرات الآلاف من
المواطنين، أعدم أكثرهم في سجن
تدمر، ومن أطلق سراحه خرج وجسمه
منهك بالأمراض المستعصية، فقد
هاجر في أصقاع الأرض مئات
الآلاف من السوريين هربا
بأرواحهم من أحكام الإعدام التي
نص عليها
قانون "الذبح" رقم 49 لعام
1980 الذي أصدره حافظ أسد لإعدام
كل منتمٍ للإخوان المسلمين، وما
عرف التاريخ مثيلا له ولا حتى
محاكم التفتيش التي أنشئت في
اسبانيا لقتل مسلمي الأندلس بعد
سقوط آخر معقل فيها عام 1492 .
خامسا: كان أقسى ما فعله
حكام دمشق، أنهم أهدروا آدمية
الإنسان السوري بعد أن جردوه من
حقه في أن يحكم نفسه بنفسه من
خلال صناديق الاقتراع. وزيف
حكام دمشق الحقائق، فكل من دعا
إلى التعددية ومبدأ تداول
السلطة اتهموه بالخيانة
والعمالة لأمريكا، وما كانت
العمالة لأمريكا إلا إحدى
طباعهم التي ضمنوا فيها سكوت
واشنطن المخزي عن جرائمهم بحق
الشعب السوري. فهذا "وليد
معلم" وزير خارجية النظام
السوري يصرح لصحيفة "واشنطن
بوست": بأن "سورية مستعدة
للتعاون مع أمريكا بما يخدم
مصالحها". أما القيادة
السورية فلم تترك وسيطا أوروبيا
إلا طلبت منه التوسط لدى
إسرائيل لفتح باب التفاوض معها،
ولو لم تكن الجولان
شرطا لبدء المفاوضات.
سادسا: ليس لدى المواطن
السوري أية أوهام في أن حكام
دمشق يمكن أن يعملوا لصالح
سورية ،شعبا ووطنا، فلم تترك
مصالحهم الضيقة مكانا لأية
مصالح غيرها تخدم الشعب السوري،
بعدأن تُرك العنان للمقربين
لنهب ماتصل إليه أيديهم من
أموال.
ففي عهد الرئيس الراحل كانت
عائدات البترول تحول إلى
الحسابات السرية في سويسرا، كما
تم إفقار الشعب فغصت به الشوارع
المؤدية إلى قنصليات دول الخليج
بحثا عن "فيزا" عمل تنقذ
الشاب المحبط من واقعه البائس
بعد أن صرف والده "مافوقه وما
تحته "ليؤمن له مصاريف دراسته
الجامعية، فلما تخرج وجد فرصة
العمل في وطنه أبعد من الثريا.
ولم يكن الحال في العهد
الجديد بأحسن حالا من العهد
الراحل. فعلى سبيل المثال
لاالحصر ، فقد تم تلزيم استغلال
شركتي "الخليوي" إلى
"رامي مخلوف" ابن خال
الرئيس، وعند ما طالب النائب
"رياض سيف" من رئيس المجلس
النيابي إدراج شركتي الخليوي
أمام النواب للتحقيق بملابسات
عقدي الخليوي ألقي في السجن
وحكم عليه بالسجن خمس سنوات
"نامها على جنب واحد" كما
يقول نزلاء السجون.
لقد تفشت البطالة في صفوف
الشباب ما جعلهم يهربون إلى
التدخين، وربما إلى المخدرات
لنسيان واقعهم البائس. وقد ذكرت
آخر إحصائية أذاعتها قناة
"الجزيرة" القطرية أن
سورية سجلت أكبر نسبة في
المدخنين في العالم، إذ بلغ
عددهم أكثر من خمسة ملايين من
بين سكان سورية البالغ عددهم 18
مليونا. ومع كل ما قدمنا ينبري
البعض للدفاع عن حكام دمشق،
وكأنهم ما سمعوا ولا رأوا. وقد
صدق الله العظيم: "فإنها لا
تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب
التي في الصدور"..!
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|