ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
الحكومة
"الأقوى" في الحلقة الأضعف! صبحي
غندور* رغم اعتزازي
بوطنيتي اللبنانية، فإنّ حجم
الاهتمام الدولي والعربي بما
يحدث من تطوّرات سياسية في
لبنان، جعلني أتساءل عن أبعاد
هذا الاهتمام بأزمة سياسية
داخلية في بلدٍ صغير لا توجد على
أرضه ثروة نفطية! فخلال الأسابيع
الماضية ظهرت جملة مواقف
وتحرّكات أميركية وأوروبية
وعربية اختصّت بالأوضاع في
لبنان، وكأنَّ أزمته السياسية
هي الأبرز والأخطر في المنطقة،
بل إنَّ مجلس الأمن تدارس الوضع
في لبنان وأصدر بياناً رئاسياً
يؤكّد على دعم حكومة السنيورة!!
وهناك اتصالات شبه يومية
وزيارات تحصل لعواصم دول كبرى
من أجل معالجة الأزمة السياسية
الداخلية اللبنانية!! فلماذا يحدث كل
هذا الاهتمام الدولي والعربي
بالملف الداخلي اللبناني في حين
أنّ هناك أزمتين كبيرتين
تتفاعلان في المنطقة، وهما لا
تجدان هذا المستوى نفسه من
الاهتمام رغم وصولهما إلى درجة
العنف المسلّح وإلى سقوط ضحايا
بريئة كما يحدث يومياً في
العراق، وبأشكال مختلفة من
الصراع المسلّح في الأراضي
الفلسطينية. لو كان سبب
الاهتمام الدولي والعربي في
الأزمة السياسية اللبنانية هو
التخوّف من احتمالات تحوّل
الأزمة إلى صراع طائفي ومذهبي،
فإنّ ذلك حاصل عملياً في العراق.
ولو كان السبب هو السعي لعدم
تطوّر الصراع السياسي اللبناني
الداخلي إلى تأزّم جديد في
الصراع العربي/الإسرائيلي،
فإنّ ذلك التأزّم قائم يومياً
في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إذن، ما هو تفسير
هذا الاهتمام "الزائد" في
لبنان، و"الناقص" تجاه
العراق وفلسطين؟! ولماذا تخصّ
واشنطن الحكومة اللبنانية بهذه
الرعاية والعناية الفائقة
بينما لا تفعل ذلك تجاه حكومات
أخرى حتى ما جاورها منها في
القارة الأميركية؟! فالسؤال عن
"اهتمام" واشنطن تحديداً
هو الأصل في الاهتمامات الدولية
والعربية الأخرى، إذ أنَّ
"رغبة" الإدارة الأميركية
بوجود "اهتمامات" أخرى هو
الذي يسمح للآخرين بالتحرّك
تجاه الأزمة اللبنانية، ولو لم
تكن هناك رغبة أميركية بذلك،
لما حصل هذا الاهتمام الزائد
"والمتزايد" من عواصم أخرى
دولية وعربية. لقد كان لبنان في
العقود السابقة هو "الحلقة
الأضعف" في سلسلة صراعات
المنطقة، وكانت من خلاله وعلى
أرضه، تحصل صراعات الآخرين
وحروبهم، فما الذي تبدّل حتى
أصبحت الحكومة اللبنانية هي
"الأقوى" في المنطقة والتي
لا يجوز التعرّض لها أو نقدها أو
المطالبة الشعبية اللبنانية
بتغييرها أو تعديلها؟! للاجتهاد في
تفسير هذا "الورم
الاهتمامي" غير الطبيعي في
الحكومة اللبنانية، من المهم
المقارنة بين الأزمات الثلاث
القائمة الآن في المشرق العربي:
في العراق وفلسطين ولبنان.
فالإدارة الأميركية كانت تشير
إلى هذه البلدان الثلاثة
وكأنّها نماذج للديمقراطية
التي تدعو لها في المنطقة،
خاصّة في الحقبة الزمنية التي
جرت فيها انتخابات رئاسة السلطة
الفلسطينية المدعومة أميركياً،
والانتخابات النيابية في لبنان
التي أفرزت أكثرية نيابية
محتضَنة أميركياً، والانتخابات
العراقية التي كان حدوثها بحدِّ
ذاته هو المطلوب أميركياً رغم
أنَّ النتائج لم تكن مرضية
بالكامل للإدارة الأميركية. وكان من تداعيات
"الديمقراطية الفلسطينية"
فيما بعد، أنّ الانتخابات
التشريعية أدّت إلى حصول
"حركة حماس" على غالبية
نيابية أتاحت لها السيطرة على
حكومة السلطة الفلسطينية. أمّا تداعيات
"الديمقراطية العراقية"
فقد أوصلت للحكم من هم على غير
حال توافق كامل أو انسجام دائم
مع رغبات الإدارة الأميركية، بل
إنّ عددا لا بأس به من أعضاء
الحكومة العراقية أو المجلس
التشريعي هم أصدقاء لطهران، خصم
واشنطن الأوّل في هذه المرحلة. أمّا إفرازات
"الديمقراطية اللبنانية"
فما زالت صامدة حتى الآن رغم أنّ
أكثر من نصف الشعب اللبناني خرج
مطالباً بسقوط الحكومة أو
تعديلها لتصبح فعلاً حكومة وحدة
وطنية. والسبب الأبرز
لصمود "الإفرازات"
اللبنانية هو أنّ واشنطن ضغطت
وتضغط عربياً ودولياً من أجل
ذلك، بينما مارست واشنطن حالة
معاكسة تجاه الوضعين العراقي
والفلسطيني. ففي تقدير الإدارة
الأميركية أنّ أي تسهيل عربي
ودولي لحكومة "حماس" في
فلسطين، وللحكومة العراقية
الحالية، يعني تسهيلاً للدور
الإيراني في المنطقة ولحلفاء
سياسيين لحكومة طهران، كما هو
ابتعاد عن النهج السياسي
الأميركي المرسوم لبلدان
المنطقة. أيضاً فإنّ
الحالة السياسية العراقية
مرتبطة بمشكلة الاحتلال
الأميركي ومسؤولياته عن
التداعيات السلبية، تماماً كما
هو الأمر في الحالة السياسية
الفلسطينية حيث أساس المشاكل
كلها هو الاحتلال الإسرائيلي
وممارساته العدوانية
المستمرّة. فمجلس الأمن
يجتمع مراراً لدراسة الأوضاع
اللبنانية ويصدر البيانات
الرئاسية لدعم حكومة السنيورة،
لكن هذا المجلس لم يلتئم
لمعالجة الأوضاع المتدهورة في
العراق أو فلسطين ولم يصدر
بيانات تطالب القوات الأميركية
أو الإسرائيلية بالخروج من
العراق، وبحلّ الميليشيات
المسلّحة فيه، كما فعل مجلس
الأمن في القرار 1559 حينما طالب
بسحب القوات السورية من لبنان
وبنزع سلاح "الميليشيات"
التي كان المقصود بها في هذا
القرار هو سلاح المقاومة
اللبنانية. بيانات كثيرة
صدرت من واشنطن وأعضاء في مجلس
الأمن تدعو إلى وقف التدخّل
"الخارجي" في لبنان،
وتحدّد هذا "التدخّل"
بسوريا وإيران، بينما لم يصدر
عن واشنطن ومجلس الأمن أي دعوة
لوقف الاحتلال (وليس فقط
التدخّل) في العراق وفلسطين. فالمعركة
الأميركية في لبنان هي مسألة
صراع ضدَّ نهج المقاومة وللحفاظ
على حكومة معادية لدمشق، ويحق
في هذه المعركة لواشنطن وباريس
ومجلس الأمن التدخّل في تفاصيل
الأوضاع الداخلية اللبنانية،
بينما لا يحقّ لدمشق أو طهران
التدخّل في الشؤون اللبنانية أو
العراقية أو الفلسطينية. وما
تمنعه واشنطن عن "البعض"
العربي والإقليمي، "تمنحه"
لبعضٍ آخر عربي وإقليمي أيضاً. إنّ الإدارة
الأميركية تدعم الآن أي تحرّك
عربي يؤجّج الصراع العربي
الإيراني لكي ينعكس ذلك ضعفاً
على الطرفين معاً. تماماً كما
كان الحال خلال عقد الثمانينات
حينما دعمت واشنطن وإسرائيل
الحرب العراقية الإيرانية التي
استنزفت إيران والعراق وثروات
مالية باهظة من دول الخليج
العربي، والتي رافقتها تغذية
كبيرة لطروحات الصراعات
العرقية والمذهبية، وتهميش
واسع للصراع العربي/الإسرائيلي
ولما قامت به إسرائيل من غزو
شامل للبنان ولأوّل عاصمة عربية
(صيف العام 1982)، ومن استهداف
لوحدة لبنان بإشعال حرب الجبل
فيه، وارتكاب مجازر وحشية ضدَّ
الفلسطينيين واللبنانيين. هذا لا يعني طبعاً
أنَّ إيران بريئة من المسؤولية
في بعض الأزمات العربية
القائمة، أو أنّ سياستها هي
"ملائكية" تجاه سياسة
"شيطانية" أميركية، بل إنّ
ما يحدث هو تعبير عن مستوى
الانحدار العربي، والانقسام
العربي، والارتهان العربي،
بحيث تحوّلت بلدان المنطقة إلى
"ساحات" لصراعات إقليمية
ودولية، وتهمّشت فيها الصراعات
الحقيقية ضدَّ الاحتلال وضدّ
التخلّف والفساد والاستئثار
والفقر، لتبرز فيها صراعات
وهمية انقسامية بين أبناء الوطن
الواحد والدين الواحد والأمَّة
الواحدة. مفارقة أخرى من
المهمّ التوقّف عندها، في هذه
الوقفة مع المسألة
"الديمقراطية" الأميركية
في الشرق الأوسط. فالإدارة
الأميركية التي تدعم
"الديمقراطيات" المتكاملة
مع الاحتلال، وترفض
"الديمقراطيات" القائمة
على نهج مقاومة الاحتلال، هي
الإدارة نفسها التي تُجمع كل
الأطراف العربية (وأطراف دولية
وأميركية أيضاً) على تأكيد قوة
تأثير النفوذ الإسرائيلي فيها،
وفي المشاريع التي وضعها
"المحافظون الجدد" لمستقبل
الشرق الأوسط. فهل يعقل أن نصدّق
أنَّ إسرائيل تدعم "الرؤى"
الأمريكية والأوروبية لبناء
مجتمعات ديمقراطية في الشرق
الأوسط؟ وهل هناك أصلاً مصلحة
إسرائيلية في قيام دول
ديمقراطية مستقرّة إلى جوارها،
دول تقوم على التعدّدية
الطائفية والمذهبية
والسياسية؟! هل لإسرائيل مصلحة
في قيام أوضاع سياسية منافسة
لها تنهي مقولتها في الغرب عن
كونها "الواحة
الديمقراطية" الوحيدة في
"صحراء الشرق الأوسط"،
والتي يحقّ لها حتى امتلاك
السلاح النووي لأنّها "دولة
ديمقراطية" على علاقة جيدة مع
الغرب؟ّ هل لإسرائيل
مصلحة في إعادة لبنان كنموذج
ديمقراطي للتعايش بين الأديان،
لطرحه كحل لمشكلة الاحتلال
الإسرائيلي لفلسطين، كما فعل
ذلك الرئيس اللبناني السابق
سليمان فرنجية حينما خاطب الأمم
المتحدة عام 1974 (بعد انتصار حرب
أكتوبر 73) داعياً لجعل إسرائيل
"دولة فلسطينية ديمقراطية"
كالنموذج اللبناني؟ ثمّ ما الذي فعلته
إسرائيل بعد ذلك في دورها
بالحرب اللبنانية التي استهدفت
"النموذج" اللبناني
و"البديل" الفلسطيني الذي
اعترفت به الأمم المتحدة في
التاريخ نفسه؟! فلماذا نصدّق
الإدارة الأميركية الآن،
ونكذّب إسرائيل وأنفسنا معاً؟! *(مدير
"مركز الحوار العربي" في
واشنطن) E-mail:
alhewar@alhewar.com المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |