نبيه
بري اختطف مجلس النواب..!
ونصر
الله اختطف لبنان كلَّه.
الطاهر
إبراهيم*
المواطن في الوطن العربي،
مشرقِه ومغربِه، يفرح كلما شعر
أن هناك بلدا عربيا بدأ شعبه
يخطو خطوات، ولو صغيرة، على
طريق الديموقراطية. ويتضايق
ويشعر بالإحباط إذا ما أحس أن
هناك انحسارا
في مساحة الحرية في بلد عربي آخر.
فهو يعلم أن الأنظمة التي أدمنت
الاستبداد تتضايق وترفض أن
يرتفع في بلد مجاور شأنٌ
للديموقراطية، فهي ،بحسب فهمها
للسياسة، تعدي ومالم يتم معالجة
هذا المرض فسوف يتسع ويتفاقم،
وعندها قد يخرج عن طوره وينتشر
إلى بلدان مجاورة، فيتسع الخرق
على الراقع.
ولذلك عندما فوجئ حكام دمشق
بأنهم قد أرغموا على الخروج من
لبنان، الذي كان كإحدى
المحافظات السورية، وجدوا
أنفسهم أمام أمر واقع لم يكن في
حسبانهم، وعليهم أن يتصدوا
بحركة استباقية لما يمكن أن
يترتب مستقبلا على خلو الساحة
اللبنانية منهم خوفا من مجيء
حكومة تعمل على توسيع هامش
البعد عن دمشق، سيما وأن رموز
النظام السوري يدركون أن الشعب
اللبناني –كما الشعب السوري-
متعطش لمزيد من الانعتاق
والتحرر من التسلط الذي كان
سائدا إبان عهد الوصاية السوري.
وفي طريقهم للوصول إلى
هدفهم في زعزعة الحكم في لبنان،
بدأ حكام دمشق القصف ضد العهد
الجديد، وتم توجيه اتهامات
وشتائم ضد شخصيات لبنانية
بمناسبة وبغير مناسبة مثلما فعل
الرئيس "بشار أسد" عندما
قال عن الرئيس "فؤاد السنيورة":
إنه عبد مأمور لعبد مأمور أي
للنائب "سعد الحريري". ولأن
الفريق اللبناني الذي عمل على
تحجيم النفوذ السوري من على
الخارطة السياسية في لبنان
كانوا يعلمون أنه سينالهم أذى
كثير في مشوارهم مع حكام دمشق
فقد أبدوا من التماسك ما لم يكن
متوقعا، فلجأ حكام دمشق إلى
رصيدهم الاحتياطي، نصر
الله ونبيه بري، أما ما عداهما
من الحلفاء فقد كان تكملة عدد.
بعيد اغتيال الشهيد "رفيق
الحريري" كان موقف حلفاء دمشق
في لبنان ضعيفا. فقد توجهت
الاتهامات فورا إلى القيادات
الأمنية اللبنانية، وكان هؤلاء
على علاقة وثيقة وحميمة مع حزب
الله الذي وجد نفسه في موقع
الدفاع. فقد سمعنا "نصر الله"
يرفض ،لكن بليونة، أن
يتم اعتقال تلك القيادات،
مبررا ذلك أنه لم يثبت عليهم
الاشتراك في الاغتيال وإن
عائلاتهم ستكون في موقف محرج.
وكل ذلك كان قبل أن تعين الأمم
المتحدة لجنة تقصي حقائق ثم
لجنة تحقيق دولية بقيادة
الألماني "ديتلف ميليس".
ولذا رأينا "نصر الله"
يبادر إلى المشاركة في حكومة
السنيورة، ولو كشريك صغير، حتى
يكون قريبا من أي مستجدات أثناء
متابعة
التحقيق، حتى يدافع عن
حليفه السوري الذي ما كان يشك في
تورطه في اغتيال الحريري، بعد
مواقف الرئيس بشار المتشنجة من
الفقيد قبل التمديد للرئيس لحود.
على أن هذا لم يكن السبب
الوحيد وراء دخول "نصر الله"
في حكومة السنيورة وائتلافه مع
قوى 14 آذار. فقد كان همه
الأساس هو امتصاص أي تحريك
لقضية نزع سلاح الحزب ومن ثم
إبعاده عن الجنوب اللبناني بعد
صدور القرار /1559/ الذي أشار إلى
نزع سلاح المليشيات في لبنان،
ما أدى بقوى 14 آذار –رغبة منها
في زيادة اللحمة الداخلية-
لاعتبار ذلك شأنا لبنانيا
داخليا، رغم الضغوط الأمريكية
على الحكومة اللبنانية.
غير أن كل شيء تغير بعد
الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه
"نصر الله" بعد أسره
الجنديين الإسرائيليين. فقد
وجدتها إسرائيل فرصة سانحة كانت
تبحث عنها، فقامت بهجومها
المدمر على لبنان تخلف عنه
نتائج كارثية على المستوى
اللبناني. كما أرغم حزب الله –رغم
أدائه الرائع في مقاومة الجيش
الإسرائيلي- على الانسحاب
شمالا، بعيدا عن خطوط التماس مع
إسرائيل، مع مايشكل ذلك لنصر
الله من فقده لورقته الأهم وهي
اضطلاعه بمقاتلة إسرائيل ،
الأمر الذي كان يؤمن له ستارا
يختبئ وراءه للاحتفاظ بقوته
العسكرية، كرصيد يستخدمه في
لبنان –وقت الحاجة- لتحقيق
أهداف محلية وإقليمية، ما يمكن
معه تفسير مايحصل الآن على
الساحة اللبنانية، بأن "نصر
الله" يتلاعب بمصير لبنان على
إيقاع خطبه النارية يرفع من
وتيرتها حينا ويخفضه أحيانا
أخرى، لغاية في نفسه لا يعيها
أنصاره.
واستطرادا، فما زلنا قريبي
العهد بحرب تموز وآب، يجعلنا
نتذكر امتنان "نصر الله"
لأداء الحكومة اللبنانية بتركه
معالجة الأمور لها وللرئيس بري،
حيث استطاع رئيسها "السنيورة"
بما له من سمعة معروفة على
المستوى الدولي، مامكنه من
إلغاء معظم البنود المسيئة في
مسودة القرار الأممي 1701 قبل
صدوره، تم ذلك كله جنبا إلى جنب
بالتشاور مع رئيس المجلس
النيابي "نبيه بري"، حيث
كان يوضع في
صورة ما يحدث أولا بأول. بل
لعلنا ما زلنا نتذكر المقابلة
التي أجراها "غسان بن جدو"
مراسل قناة الجزيرة مع الرئيس
"بري" كرر فيها عدة مرات
الشروط التي يمكن أن يقبلها "نصر
الله" لتسليم الجنديين
الإسرائيليين، ولم تكن هذه
الشروط التي كررها لتزيد عما
ورد في القرار
/1701/ .
ولذلك عجب اللبنانيون
للمفاجآت التي أطلقها نصر الله
بصورة دراماتيكية بعد وقف إطلاق
النار في 14 آب "أغسطس"
الماضي، سواء لاتهامه "السنيورة"
وحكومته بالتآمر على حزب الله
أثناء الحرب، ووصفها بأنها
حكومة السفير الأمريكي "فيلتمان"،
ومطالبته بحكومة الثلث
المعطل،
ثم بإجراء انتخابات نيابية
جديدة. سنحاول فيما يلي تلمس
الجواب على سؤال المواطن
اللبناني: إلى أين يريد نصر الله
أن يأخذ لبنان؟
إذا كان لا يختلف معظم
المراقبين على أن إفشال اعتماد
المحكمة الدولية هو محور أساس
يدور حوله جل اعتراضات "نصر
الله" على حكومة السنيورة
لحماية حليفه السوري، وربما
إبعاد شرر المحكمة أن يصل إلى
عباءات أعضاء في حزب الله، فمما
لا شك فيه أن هناك أمورا في "أجندة"
نصر الله هي أبعد من المحكمة.
وربما يكون أهم بند فيها تأمين
استمرار محور يمتد من بيروت
مرورا بدمشق وبغداد وصولا إلى
طهران على خلفية مذهبية، سيما
وأن هناك حركة "تشييع" قوية
تمولها طهران، تنمو في سورية
بدعم من حكام دمشق قائمة على قدم
وساق لتقوية المشاركة السورية
بفاعلية في هذا المحور.
يجب أن ننوه هنا أن الوقوف
في وجه النفوذ الأمريكي في
لبنان على خلفية أيديولوجية لا
يشكل أولوية في اهتمامات "نصر
الله" في وقوفه ضد قوى 14آذار،
وإن رفع الشعار عاليا
في وجه واشنطن. فحليفه
السوري كان وما يزال يسعى إلى
إعادة علاقته مع واشنطن إلى
سابق عهدها في عهد الرئيس
الراحل "حافظ أسد"، وما
يزال الرئيس بشار يودع عضوا في
مجلس الكونغرس الأمريكي
ليستقبل آخر. وها هو "وليد
معلم" يصرح، قبل أيام، لصحيفة
"واشنطن بوست": "إن دمشق
مستعدة للتعاون بما يخدم مصلحة
أمريكا".
إذا استطاع "نصر الله"
أن يأخذ أنصاره إلى حيث يريد هو،
وليس إلى حيث تكون مصلحة لبنان،
فإنه إنما يشحن نفوس شارع
لبناني ضد شارع لبناني آخر،
ويقوم بعملية اختطاف للبنان،
يساعده في ذلك قيام "نبيه بري"
بخطف المجلس النيابي حيث رفض
استئناف هذا المجلس جلساته
للنظر في الوضع اللبناني
المتدهور ليكون حَكَمَا
ومرجعية في لبنان، بعد أن شكك
الفرقاء اللبنانيون بباقي
المرجعيات.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|