لقد
صارت حركات العسكر، تابعة
لحركات الشعوب..
في
كنس أنظمة الاستبداد!؟
ماجد
زاهد الشيباني
• كانت
الجيوش ، تتحرك لتغيير أنظمة
الحكم ، لمصالح قادة الجيوش
غالباً ، ولمصالح الشعوب نادراً
. وكان هذا في السنوات العشرين ،
التي تلت تحرّر الدول المتخلفة
، من الاستعمار.
• وكانت
حركات الجيوش ، تتمّ بمساعدة
وتوجيه ، من بعض الدول الكبرى،
ذوات المصالح والنفوذ في العالم
الثالث ، ومِن أبرزها : أمريكا ،
والاتّحاد السوفييتي سابقاً ،
وفرنسا..(والحديث هنا ، هو عن
عالمنا العربي تحديداً).
• انهارَ
الاتّحاد السوفييتي ، وضعفَ
نفوذ فرنسا في العالم الثالث ،
وصارت الهيمنة الأمريكية شبه
عامّة ، في دول العالم الثالث
بأسره ، إلاّ ما كان من بقايا
نفوذ ، هنا وهناك ، لروسيا
وفرنسا وبريطانيا ، وهي بقايا
لا يعوَّل عليها في تغيير أنظمة
الحكم ، بسبب قوّة النفوذ
الأمريكي، من ناحية ، وبسبب
ارتباط هذه الدول ذاتها ،
بمصالح كثيرة مع أمريكا.. من
ناحية ثانية.
• الضبّاط
الانقلابيون المتأخّرون ،
الذين وثَبوا على كراسي الحكم
في أواخر الستينات من القرن
المنصرم ، أفادوا كثيراً من
تجارب الحركات الانقلابية التي
سبقتهم ، والتي كانت تتلوها
حركات انقلابية من داخلها ،
تقضي عليها، ثم تتلو هذه حركات
من داخلها ، تقضي عليها ، وهكذا !
لذا حسم الانقلابيون
المتأخّرون أمورهم ، وأحكموا
خططهم ، للبقاء في كراسي الحكم
طوال أعمارهم.. ويعبّر عن هذا ،
هتاف جوقات التصفيق السورية: (
إلى الأبدْ إلى الأبدْ .. يا حافظ
الأسد !) . وأهمّ نقطتين أحكمَ
هؤلاء أمورهم فيهما ، هما :
1- الارتباط
التامّ بأوامر أمريكا ، صاحبة
الهيمنة والنفوذ في دول العالم
الثالث. (مع ملاحظة أن أكثر
الحكام الانقلابيين شتماً
لأمريكا، وتحدياً لها ـ لاسيّما
في بلادنا العربية ـ هم أكثرهم
ارتباطاً بها ، وخضوعاً لها !).
2- الاعتماد
على الجيوش الخاصّة ، المقتطَعة
من أجسام الجيوش الوطنية
العامّة . وهذه الجيوش الخاصة ،
هي التي تدعى الميليشيات ! وكل
زمرة انقلابية تسمّيها الاسم
الذي يناسب ظروفها وطبيعةَ
بلادها وشعبها . ففي سورية مثلاً
: كتيبة حماية الثورة ـ
سرايا الدفاع ـ سرايا
الصراع ـ الوحدات الخاصّة ـ
الحرس الجمهوري .. ! وقد كانت هذه
الميليشيات ، منذ بدايات
تأسيسها ، وبرغم التطورات التي
توالت عليها ، تتشكّل من عناصر
خالصة الولاء للزمرة الحاكمة ،
سواء أكان الولاء قبلياً ، أم
طائفياً، أم إقليمياً (
مَناطقياً)!
• وما
تزال هاتان النقطتان ، أهمّ
دعامتين لأنظمة الحكم
الانقلابية ، التي حكمت بلادها
منذ أواخر الستّينات حتى اليوم .
وحين يوصف نظام حكم من هذه
الأنظمة بأنه قويّ ، إنّما يشار
إلى هاتين النقطتين تحديداً !
فالنظام الذي لا يستند إلى قوة
عسكرية مضمونة الولاء ، يظلّ
عرضة للسقوط! والنظام الذي لا
تدعمه أمريكا ، يظلّ عرضة
للسقوط كذلك. ومعلوم أن القوّة
الداخلية ، تولّد قوى داخلية
أخرى ، تدعمها ، وتعمل لحسابها.
وأبرزُ هذه القوى الداخلية ، هي
أجهزة الاستخبارات المتنوّعة .
كما أن القوّة الخارجية (قوّة
الدعم الأمريكي) تولّد قوى
خارجية كذلك ، منها توظيف
أمريكا لنفوذها ، لدى الدول
الحليفة لها ، لدعم الزمرة
العسكرية الانقلابية، بالمال ،
والتعاون الأمني والسياسي
والاقتصادي .. ونحو ذلك!( ولعلّ
هذا ما يفسّر تصريحات بعض
الزعماء العرب ، في العام /2006/
المنصرم، بأن
سقوط النظام السوري، يزعزع
الاستقرار الإقليمي!).
• الجيوش
الوطنية ، لم تعد قادرة على
تغيير أنظمة الحكم ، بعد أن
نخَرتْها الزمر الحاكمة ،
وسَحبتْ أفضل ما فيها من عناصر
شديدة الولاء والإخلاص للحكم ،
وسلّحتها بأحدث الأسلحة ، التي
تستورَد لحساب الجيوش الوطنية ـ
بحسب الأصل ..! ـ حتى لقد صارت هذه
الجيوش الوطنية، ركاماً ضخماً
من البشر غير الفاعلين ـ ضباطاً
وصفّ ضباط وجنوداً ـ ، وركاماً
ضخماً من الأسلحة القديمة ، غير
القادرة على مجابهة الأنواع
الحديثة المتطوّرة ، من دبّابات
ومدافع وصواريخ وطائرات ! بل صار
كثير من الجنود ، في الجيوش
الوطنية ، يفرَز لخدمة الضباط
في الميليشيات الخاصّة ، أو
لخدمة (المدعومين!) من ضباط
الجيش نفسه ، في البيوت
والمزارع الخاصّة ، والمنشآت
الاقتصادية الخاصّة!
• ما
تزال في الجيوش الوطنية كرامات
جريحة ، ومشاعر وطنية متوهّجة،
وأحلام غامضة في التغيير، لا
تجد وسائل مجدية ممكنة ،
لترجمتها إلى واقع على الأرض .
• الشعوب
، الآن ، هي صاحبة الأهلية
والمبادَرة في التغيير. وإذا
تحركت بقوّة ، وإصرارعلى
التغيير، تبعتْها حركة الجيوش ،
ووضَعت الميليشيات أمام خيارات
صعبة ، بين المجابهة الواسعة
الخطيرة ، مع الشعب المصمّم
بملايينه ، مدعوماً بعسكر مسالم
له ، حامٍ لمظاهراته واعتصاماته
.. وبين التسليم بالأمر الواقع ،
والتخلّي عن دعم النظام الحاكم
المستبدّ . وفي كل من الحالتين
مفتاح للتغيير، يناسب الحالة
التي هو فيها ..!
• فإذا
وجِدت عناصر وطنية ، مخلصة
عاقلة ، من ضباط الميليشيات ،
وقادتها الفاعلين .. غلّبت
مصلحةَ الوطن والشعب ، على
مصلحة الفئة الحاكمة .. إذا
وجِدت هذه العناصر، كان التغيير
أسلم وأسرع ، وأفضل للوطن
والشعب ، وربما للفئة الحاكمة
نفسها ؛ إذ اشتراك عناصر مِن
عسكرِ حمايتِها ، في عملية
التغيير، يشكّل صِمام أمان لها،
من تداعيات التحرك الشعبي
الهادر، الناقم على فسادها
وتسلّطها!
• التجارب
الحيّة ، للشعوب التي حكَمها
الاستبداد ، عقوداً من الزمن ،
في أوروبا وآسيا ، ماثلة للعيان
، وتتكرر بين آونة وأخرى !
والأمثلة على ذلك كثيرة : إيران
.. رومانيا .. جورجيا .. أوكرانيا..
• لا
سبيل للشعوب الحيّة ، المحبّة
للحريّة ، إلاّ أن تنهض بأنفسها
، لانتزاع حرياتها ! فانتظار
الضبّاط المغامرين ليصنعوا
التغيير، أصبح اليوم عَبثاً ،
وإضاعة للوقت ، ورهاناً على
أوهام ! والحكام المستبدّون
يفرحون بهذه الرهانات العبثية ،
لأنهم يعرفون جيداً ، ماذا
فعلوا بالجيوش الوطنية ، وماذا
وضعوا من صِمامات أمان لاتّقاء
تحركها ضدّهم ..! ( وغنيّ عن
البيان أيضاً ، أن انتظار
التغيير من أمريكا ، عبث أحمق
مدمّر، لأن طريقة أمريكا في
التغيير، باتت معروفة للجميع ،
عبر نماذجها الحيّة ، في
أفغانستان والعراق !) ..
وهذا كله يلقي أعباء ضخمة ،
على أكتاف الأشخاص ، الذين
وضعتهم أقدارهم ، في مواقع
القيادة والريادة لشعوبهم ، من
علماء صادقين ، وساسة معارضين
مخلصين ، ونقابيين فاعلين ..!
لتنظيم حركة الجماهير، وحشدها
في معركة تحريرها من نير
الاستبداد والطغيان! (أمّا
النداءات العبثية ، التي تنطلق
من هنا وهناك ، تحرّض الجماهير
على التحرك ، دون ربط كل كتلة
منها ، بعناصر فاعلة (مفاتيح)
مِن بينها، تجمعها ، وتنسّق
حركتها ، وتوجّهها نحو هدف
مدروس ، وتَجعل منها رافعاتٍ
للعمل الشعبي الجماهيري
الفعّال .. أمّا هذه النداءات ،
فلا تعدو كونَها ضرباً من الجهد
الضائع ، الذي لا يدلّ إلا على
العجز، أو السذاجة، أو الأمرَين
معا!).
• وليس
سراً ، أن ما نقوله في هذه
السطور، ليس بسرّ ! بل هو ثقافة
عامّة، يعرفها الحكّام والشعوب
، والمعارضات بأنواعها ، وأصغر
ضابط في أيّ جيش تحكمه طغمة
فاسدة مستبدّة ..! لأن اللعب هنا
، يجري على المكشوف، بخلاف لعب
الضباط المغامرين، وتحركاتهم
الانقلابية السرية، في الأيام
الخوالي !
• وإذا
كان ما يمارَس على الشعوب ، من
إذلال مزمِن ، وقهر مستديم ، تحت
حكم الأنظمة المستبدة .. إنّما
هو قتل بشع ، لها ولأوطانها..!
فما عليها إلاّ أن تتمثل بقول
المتنبي :
وإذا لم يكـنْ مِن الموتِ بدّ
فَمن العَجزِ أن تَموت
جَـبانا!
غيرَ أنَ الفَتى يُلاقي المَنايا
كالِحاتٍ .. ولا يلاقي
الهَوانا !
وإلاّ فإن إدمانَ الموت ، خوفاً
من الموت ، سيَجمع عليها
المَوتَين معاً ؛ موتَ الأحياء
، ثم موتَ الأموات ! دون أن
يغبطها أحد في موت ذلّها ، أو
يبكي عليها أحد في موتِ فَنائها
:
ذلَّ مَن يَغبط الذليلَ بعيشٍ
ربَّ عَيشٍ أخفّ مِنه
الحِمام!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|