عن
دواعي الضعف والقوة لدى كل أمة
محمد
غسان كيالي بن أحمد
الأمة الإسلامية
المنتشرة أناسا ومساحة على
امتداد المشرق والمغرب والشمال
والجنوب ، أمدها ولا يزال ذلك
الانتماء بأواصر ترابط جاذبة
فذة تفتقد حيازتها سائر الأمم
على وجه الأرض ، يأتي في مقدمة
ذلك تلك المشتركات الثقافية
الفاعلة الشأن في مقدمتها
تمسكهم بكتاب واحد مما لو عنى
بشأنها المخلصون من أبنائها ،
كما يختزن سائر أبناؤها عواطفا
جياشة تلقائية مشتركة إسلامية
وتاريخية واجتماعية أثبتت غلبة
تقدمها على غيرها رغم اختلاف
اللغات والأمصار، تلك عوامل
مقومات على نحو تظل تجعل
أبناءها آهلون لتلبية النداء
والاندفاع في شتى السبل ورفد كل
شأن عام النفع للأمة بالأموال
والأنفس والجهود ما يفضي إلى
فعل المعجزات في المنظور البشري
، ذلك ناهيك عن دور وأهمية
تفاصيل مواقعها الجغرافية
وثرواتها الوطنية وعمق مقومات
وجودها التاريخي وسبق مثل
النهوض السريع ورساخة التراث
والمثل المتداولة بثباتها على
مدى قرون في وجه سائر الغزوات
والمحن والأزمات...
وبديهي أن يجد إزاء
ذلك في عصرنا هذا تداول السؤال
المعلوم المقترن بتبادل التهم
لدى مكوناتها من شتى الطوائف
والاتجاهات الفكرية أو قل
المذهبية حول من يتحمل
المسؤولية الأكبر لمىل الأمة
إلى ذلك الضعف والتخلف الحالين
ومن ثم شهود المرء المتأمل ذلك
التراجع أو الاندحار للأمة في
عصرنا هذا.
أهمية الشأن الذي
نحن بصدد دراسته يملي على
العاقل جمع النفس للنظر فيه على
جديته وأولويته ، خصوصا كونه لا
يحتمل أدنى درجات التأجيل أو
التسويف أوالتباطئ والتأخير بل
العكوف الفوري بالانكباب عليه
والسهر بصدده بالكلية وإصرار
تقصد الوقوف على أسباب الخروج
منه بمقدمات وأولويات واجبة
الاعتناء المباشر في تأبطها
وتقديمها على غيرها روما
للإنقاذ. وما لم يعني عقلاء
الأمة بذلك ( على نحوه الوافي
ومتابعته إلى مفضياته ) فهم
متهمون مهما تذرعوا بالتضييق
والاضطهاد والإبعاد وغيرها من
أسباب، ذلك أنهم يوقنون بما
حملوه من رسالة اقتضاء تلمس
والحرص على تطوير وتصعيد أسباب
ووسائل النهوض والمغالبة
والاستمرار، وأن بداهة فهمهم
لها تجلي مسبقا أن مواجهيهم لا
يفترون منكبين في إعداد العدد
الموافية لكل مواجهة ويبذلون في
سبيل ذلك كل طاقاتهم و
إمكاناتهم ولا يفترون في
استغلال الأوقات واستحداث
الوسائل للاستحواذ على بلادهم
والسيطرة وبسط النفوذ على شؤون
أمتهم ، وتأبط أسباب دس فتن
التفريق والتحارب بين قلوبهم
وصفوفهم، وفي سياق ذلك فإن لكل
مجتهد نصيب ، وأن ليس للإنسان
إلا ما سعى ، وفي ذلك فليتسابق
المتسابقون وليتنافس
المتنافسون وليتزودوا إلى ما هم
مقبلين عليه في عاجلهم وآجلهم
قبل حلول الآجال وفوات الأوان
والمثول بين يدي السؤال ، ولات
حين مناص ...
إنها مهام واجبة
إذا ، لا يصلح لها إلا تمتع
عقلاءها الخلص المتجردون من
أبنائها ممن لا يحول دون
مقاصدهم حائل يتعذرون حياله أو
تكئة يبررون بها قصورهم ،
أرقياء فوق الذوات وأذنابها ،
وسع الصدور فوق اختلاف وجهات
النظر ومملياتها ، عمق سيعوا
بعد أفق النظر في أحوال أمتهم ،
لا يفوتهم مكانة الأولويات
وتقديمها ، وتأخير أو العمل على
تذويب التفاصيل ولم شعثها
وتوحيدها في الكليات الجوامع ،
موقنون أن علماء السوء وحداث
الأسنان والأفهام المحرمون
لاستعمال الصور والهاتف
والتلفاز واتهام مستعمليها
بالابتداع أو الخروج على
الإسلام ليسوا إلا جهلة أو
سفهاء مغفلين يملي الواجب على
كل عاقل الإصرار الحازم على
إزاحته وإبعاده والحجر عليه إن
لزم ، ومن ثم الحرص المستميت في
تلك السبيل... ذلك وسواه على صعيد
الداخل.
أما همهم ( أحرار
عقلاء الأمة ) على صعيد الخارج ،
فقد يحدوه الحذر من فآت سفهاء
القوم وما يرتجلونه من مواقف
مربكة ومعوقة مفتتة مخلخلة
للصوفوف والصدع بوجوب الحجر
عليهم إن تعذر علاجهم
واحتواءهم، وفي سياق ذلك توجب
عليهم في تفاصيل ذلك إمعان
النظر في شؤون ومواقف كل على حدة
من تلك الفآت والطوائف، تبعا
لمعيار ذلك النور الذي سنه له
نبيهم الخاتم ( صلى الله عليه
وآله وصحبه الأطهار وسلم ) ،
عالمون موقنون آناء ذلك أنهم في
المواجهات المصيرية مخيرون
شرعا وعقلا بالكيل لكل صنف
مختلف من أعدائهم بذات أو مثيل
أو القياس على ذلك الكيل الذي
سنه لهم نبيهم الخاتم :
- فهناك غيرهم من
الأقوام ممن يقتضي الأمر حزم
الأمر على مقاتلتهم..
- إلا أن ذلك لا يتم
بل لا يصح أن يتم إلا بذات
أساليب المواجهات التي لم يفتر
نبيهم الخاتم الحرص على
اهتبالها أو السفر إليها والحرص
أما على :
- تأليف قلوب
أبنائها تجاه المسلمين
وقضاياهم على الأقل.
- وإلا فليكن ذلك
أما بالتحالف معهم على أطر
إنسانية عامة..
- وأما بمصالحتهم..
- وإما بموادعتهم..
- وإما بالحرص على
تحييدهم..
ذلك أن شأن عداء
الناس لبعضهم مثله ألوان الطيف
ليست لونا واحدا كما يزعم
المغفلين البدو أو الأعراب
المتحاملين على العلم المصابين
بعمى الألوان في هذا الميدان
الناعقين بقولهم الممجوج الذي
يفضح جهلهم وتهافتهم وافتآتهم
على شريعة الدين وممليات العلم :
الكفر ملة واحدة!
ولنستعرض هنا على
نحو هادئ على اختصار شديد مثلا
لتأملات العقلاء :
إن نظرة متأنية في
حال وواقع الأمة بطوائفها يلقي
على نحو تلقائي في روع المرء ،
أن أمته تلك ، التي تزعم
مكوناتها الانتماء ووجوب
الاجتماع على كتاب واحد ،
الإسلامية عامة ، والعربية منها
خصوصا ، كانت وستظل محط أنظار
الدول والأحلاف الإقليمية
المحيطة بها عامة ، والغربية
منها خصوصا ، على أنه شأن مفهوم
، لا يختلف عليه عاقلان .
وأن المواجهات
المصيرية تلك يستحيل خوضها
بقلوب متنافرة وصفوف متخلخلة..
وأنه على الرغم من
مبرورية أسباب الخلاف في الرؤى
والاجتهادات فإن من شذ عن ذلك
الإطار العام الجامع للمسلمين
يعتبر ضالا مضللا يقتضي شرعا
وعقلا تمييزه وعزله..
وقد عرف في تاريخ
الأمم البشرية المقروء أنها
إزاء التهديدات والاعتداآت
الخارجية ، مألوف لديها شأن
تداعي وتجاوب واجتماع عقلاء
مكوناتها على اختلاف وجهات
أنظارهم واجتهاداتهم بغية
العكوف على السبل الموافثة
الممكنة لصد تلك الاعتداآت وصرف
وردع المعتدين . فعقلاء كل أمة
هم الأكفأ والأوفى للوقوف على
الأطر الجامعة لخلافات أبنائها
وتوحيد توجهاتهم وحزم طاقاتهم
في توجه واحد لدفع الأخطار
المحدقة بإمتهم ، فما هو يا ترى
شأن عقلاء أمتنا الإسلامية
عموما والعرب منهم خصوصا إزاء
يقينهم أن أمتهم في المقدمة من
حيث محط أنظار الأمم والطامعين
والأعداء من شتى الأصناف الفذة
والمتراكبة والمتحالفة ؟!
لسنا هنا معنيون
بصدد ، تحصل الحاصل ، أو تبيين
المعلوم ، ووصف الماء بالماء ،
ولكننا بصدد لفت أنظار أحرار
عقلاء أمتنا إلى ما نعتقد أنه قد
غلب تيههم أو غفلتهم عن مقام
أولويته وتقديمه، وتنبيهها لما
يقتضي الدندنة به في ذلكم
السياق ( حرصا وحذرا ألا تفوتهم
في مواجهة كثرة التهديدات
وازدحام الواجبات وتراكم
المهام ذات الأولوية ) وإزالة
شبهته ونفض الغبار عنه وإلقاء
أضواء العقل ونور الرسالة عليه
في حالات احتلاك الليالي
واختلاط الخطب وتهافت
المتعالمين على نحو يعيق
الأحرار إكمال إجلاءه ، وإعطائه
الحق المقتضى في سلم الأولويات
لديهم ، وللحيلولة دون نجاح
علماء السلاطين ومفتي السوء
للتعمية عنه وصرف الأنظار دونه
بفعل وكز أولياء نعمهم الذي ما
طفقوا يحركونهم كالألعاب أو قل
كالغربان الناعقة في ميادين
المواجهات المختلفة التي
خاضتها ولا تزال أمتنا في سائر
بلادها وفي مختلف الميادين
العلمية والثقافية والإعلامية
والاجتماعية والسياسية.
نقول ذلك ، ذلك أن
ألسنة المعطيات المتوارثة
ومنها الجارية
ووجوه وأحوال الواقع المعاش
والحقائق التي طفقت لم تعد
مستورة ( إذ لم يعد الأعداء
يعيرون أدنى اهتمام دون التصريح
بها ناهيك عن التلميح ) كل ذلك
يشير على نحو صارخ بما سبقت
الإشارة إليه.
ومما يقتضي التنبيه
إليه إزاء قعود عقلاءهم الأحرار
على موائد حوارلدراسة الشؤون
العامة ذات الأولوية، اقتضاء أن
تكون لدى كل أحد منهم ، اختزان
مسبق لمفاهيم وأسباب ممليات
تقديم الأولو يات، وتأبطها على
نحو حازم تنطق بها أحوالهم
ومواقفهم وتنفعل بها جوارحهم،
إزاء بعضهم ، وإزاء مكونات
الأمة تجعلهم حريصين على جعلها
تصب لحماية وخدمة تلك الأولويات
والحيلولة دون صرف الأوقات
والطاقات في ما ليس من
الأولويات ( ناهيك عن سفاسف
الأمور ) فهم عقلاء ، بل نخبتهم،
أو هكذا ينبغي أن يكون لدى كل
أمة أناس على ذلكم المستوى.
أما سوى ذلك ، فيما
إذا تمكن من السطو على زمام قياد
الأمة سفهاؤها واغتصاب عرصاتها
والعض على مقاليد أمورها والعبث
في تصريف شؤونها، ولا يحصل ذلك
إلا في حالات غلبة جبن العقلاء،
أو فشلهم على نحو ما دون إزاحتهم
عن ساحات الفعل تلك ناهيك عن
استئصالهم، وهي مفضيات لا
تحصل إلا في حقب يسود غلبة ضحالة
حصائل العلوم والثقافات
المعارف العامة، والقصور
الغالب عن الإلمام بالكليات
الجوامع، وسعة الأفق وعمق
النظر، وهي كذلك مفضيات لا تحصل
بدورها إلا في ظلال حكم مثل تلك
الأنظمة التي سبقت الإشارة
إليها، إذ اقترنت على مر
التاريخ ولاتزال مع أجواء يسود
فيها ويعم ويتدنى فيها مستوى
المتصدين لتوجيه شؤون التربية
والتعليم ويعم فيها ضحالة الفهم
، نتيجة عكوف ذلك الحاكم
المستبد على تقريب وتقديم
وتسويد الموالين، ووطء معيار
الأخذ بالأكفأ. أما أُولئك
الموالين فهم موالون للحاكم
تبعا لمعايير مصالحهم وخضوعهم
المطلق وتقديمهم لأغراضهم
والوصول إلى مقاصدهم الفردية
النفع وحسب، وبذلك يضحي شأن
المصالح العامة بينهم مدعاة
للسخرية والتندر وتبادل قص
الطرف في شؤون التنافس والتباهي
في ميادين النهب والجمع وحيازة
المكاسب ومن ثم تبادل كؤوس
الشراب لسلو الأوقات وتبادل
القهقهات وتوافق الإيماآت
وحسب، إذ ليس لديهم ثم ما
يعطونه، وهم فاقديه بالأصل.
كل ذلك لا يحصل إلا
مقابل إزاحة وإبعاد العقلاء، أو
قل فشل العقلاء في فرض أنفسهم،
ومن ثم استهانة العامة بشأنهم،
ناهيك عن تقديمهم.
فإذا ما حصل ذلك ،
أو بعضه ، فإن الخطب المحدق
بالأمة، يكون أوشك وقوعاً ،
والخطر أعظم شأنا، وأوسع وأعمق
وأشد تأثيرا، وأفدح هولا، إذ
يحال بذلك المريض دون الطبيب،
ويطغى على القوم قادة علال
العقول، وسفهاء الأحلام، همهم
جمع الثروات واغتنام تربص نهبها
بشتى السبل ومن ثم صرفها في
الفساد والإفساد، وترك الأمة
عرضة دأبا لسائر أسباب الضعف
والفقر، وغياب الإنجازات،
وحلول الهزائم المتوالية في كل
مواجهة على سائر الصعد،
والاستسلام إزاء كل تهديد داخلي
أو خارجي مهما كان ذليلا واهنا...
وهنا يبرز تساؤل
بديهي تالي على كل لسان ، حول من
يتحمل مسؤوليات ذلك الإنطاط
والاندحار، وتشرئب حينئذ أصابع
الإتهام من وفي كل اتجاه، ذلك أن
القوم ( في غياب العقلاء ) ألسنة
أحوالهم تدندن ناطقة : نفسي نفسي
، لا يتقنون النظر أبعد من ذلك ...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|