صلاح
بدر الدين : أراد أنْ يعرِبَه..
فأعجَمَهْ!
ماجد
زاهد الشيباني
تذكّرت وأنا أقرأ مقالة الأستاذ
صلاح بدر الدين ( مشايخ الشوارع)
.. تذكرت أبياتاً من الرجَز لأحد
الشعراء ، عن صعوبة الشعر، يقول
فيها:
الشِعر صَعب ، وطويلٌ سُلّمهْ
إذا ارتقى فيه الذي لا يَعلمُهْ
زلّتْ به إلى الحَضيض قَدمُهْ
يريد أنْ يُعربَه .. فيـعْجِمُهْ
وإني لأحسب الأستاذ صلاح بدر
الدين ، قد حقّق في نفسه معنى
البيت الأخير، من أبيات الرجز
هذه ، في حديثه عن الإسلام
السياسي ، الذي ينتمي معه ـ فيما
أحسب ـ إلى جبهة سياسية واحدة ،
معارضة لزمرة الحكم في سورية ،
هي: (جبهة الخلاص الوطني )! إلاّ
إذا كان قد انسحب منها حديثاً ،
دون أن نعلم بذلك.
ولقد
قرأت شيئاً ممّا كتبه بعض
إخواننا الكرام ، الذين ناقشوا
الأستاذ صلاح ، في مقالته حول (
مشايخ شوارعِه !) فوجدتهم قد
أنصفوه ، كلّ من الزاوية التي
تناول منها أفكاره !
وحسبي
أن أشير إلى مقالتَي الأخوين
الكريمين ، الأستاذ إبراهيم
الكردي العفريني، و الدكتور
خالد الأحمد ، وأعترف أني لم
أقرأ سواهما في الردّ على (مشايخ
شوارع!) الأستاذ بدر الدين ..! كما
أعترف أني لم أكن راغباً ،
بدايةً ، في الردّ على الأستاذ
صلاح ، لاقتناعي بما أوردته
آنفاً ، وهو أن الرجل أراد أن
يعرب الكلام ، في الحديث عن
الإسلام السياسي ، فأعجمه !
وخلاصة الأمر بين الإعراب
والإعجام هي:
• أن
الرجل ناقم على الإسلام نفسه ،
بدايةً ـ وهذا ما تُظهره (عصوره
الوسطى!) التي ثَقِف الدندنةَ
حولَها ، من أعاجمَ غير مسلمين ،
يناصبون الإسلامَ وأهله
العداءَ حتى العظم ـ ! ( ولقد
ناقش الدكتور خالد الأحمد
هذه النقطة ، جزاه الله
خيراً ، وبيّن ما فيها من
المفارقة ، بين نظرة أمّة
الإسلام إلى تاريخها ، ونظرة
الشاردين من أبناء هذه الأمّة ،
إلى هذا التاريخ ! وكيف يتبنّون
بشأنه نظرة أعدائهم ، لمجرّد
النكاية بالإسلام الذي ينفرون
منه ، والذي صنع هذه الأمّة
بدايةً ، ووحّد بين أجناسها
وأعراقها، حتى صار سلمان
الفارسي مِن آل بيت النبوّة !
وصار صلاح الدين الكردي نجماً
مضيئاً ، من نجوم الأمّة
العربية والإسلامية ، على مرّ
العصور!).
• نسي
الرجل ، فيما يبدو، أو تناسى ،
أنه ينتمي ـ شاء أم أبى ـ إلى
أمّة الإسلام ، /حتى لو أعلن
جهاراً نهاراً ، أنه ملحد ،لا
يؤمن بربّ ،أو بنبيّ، أو بدين/ !
وأن الإسلام هو هويّة الأمّة
بسائر مكوّناتها ، وأن الأكراد
مكوّن بارز من مكوّناتها ، وأن
صلاح الدين الأيوبي ، في نظر
الفرنجة الذين حاربهم وانتصر
عليهم ، هو رجل مسلم ! ولعلّ
أكثريّة الفرنجة ، التي حاربته
بسيوفها ، أو بأقلام كتّابها
ومؤرّخيها ، لا تعرف أنه كردي ،
بل لا تعلم له جنسيّة أصلاً ،
سوى جنسيّة الإسلام ! (وربّما
كان من التوقّعات المستطرفة ،
غير السارّة للأستاذ صلاح بدر
الدين ، أن دولة /كردستان العظمى!/
التي يحلم بها بعض إخواننا
الكرد ، لو قامت فلن تكون إلاّ
دولة مسلمة ! لأن شعب الكرد مسلم
، بأكثريته الساحقة.وحتى لو
أرادها الأستاذ صلاح وأمثاله ،
أن تكون دولة عرقية شوفينية ،
فلابدّ لها من روح تعيش بها /عقيدة/،
وليس للكرد عقيدة سوى الإسلام !
وحتّى لو فرِض عليها حكم ماركسي
لينيني ، فترة من الزمن ، بشكل
دكتاتوري شمولي ، فإن هذا الحكم
لا يلبث أن ينهار ، لخروجه عن
سياق التاريخ الإنساني ،
ويَنتخب الكرد حكماً
ديموقراطياً تتمثّل فيه عقيدة
الأكثرية ، وهي الإسلام . وحتّى
لو لم تشكّل هذه الأكثرية حكومة
إسلامية ، فإن القوى الإسلامية
فيها ستكون ذات حضور بارز ، بحكم
طبائع الأشياء ، كما هو الحال
اليوم ، في أيّة دولة عربية أو
إسلامية ، تجري فيها انتخابات
حرّة نزيهة..! وستبقى مرجعية هذه
الدولة الأساسية ،هي الدين
الإسلامي، دين الأكثرية من
أبناء الشعب الكردي، وسينظر
الفرنجة المعاصرون، الذين
درسوا التاريخ جيّداً، إلى هذه
الدولة، نظرة خوف وقلق وتوجّس
،لأن طعم الهزيمة التي ألحقها
بهم صلاح الدين،
ما يزال غصّة في حلوقهم حتى
اليوم! وكل ذلك بعلم الله ،
ومشيئته ، وتقديره ! وهذه حسبة
اجتماعية وسياسية بسيطة ، لا
تحتاج إلى كثير من التأمل
والتفكير..!)
• نسي
الأستاذ صلاح ، فيما يبدو ، أو
تناسى ، أنه منتمٍ إلى جبهة
الخلاص الوطني السورية ، التي
يُعدّ (الإسلاميون السياسيون)
عمودَها الفقري!(إلاّ إذا تصور
أن حديثه عن الإسلام السياسي ،
بسائر شرائحه ، التي سمّاها،
والتي لم يسمّها بل أشار إليها
إشارات تدلّ عليها بشكل واضح ..
أن حديثه هذا ، لا صلة له ألبتّة
، بجماعة الإخوان المسملمين ،
التي يتحالف معها في جبهة
الخلاص الوطني ! وأن شتائمه إنما
انصبّت على رؤوس الإسلاميين
الآخرين ، من إخوانها وأبناء
عمومتها ، الحاملين لمبادئها
وأهدافها ..! ومنهم مَن سمّاهم
بالاسم ، ومنهم مَن تحدّث عنهم
بالضمائر البارزة المتّصلة !
أمّا هي ، حليفته ، فقد تَرك
اسمها ضميراً مستتراً، لا
يستطيع تمييزه إلاّ مَن كان
حظّه من الحماقة والغباء ليس
كبيراً جداً ..! ونحسبه ، في هذه
الحال ، قد حقّق أروعَ تَجلٍّ
مِن تجلّيات الإعجام للمعرَب،
الذي يعرفه تلاميذ الصف الأول
الابتدائي ، ووضَع عقله
الإنساني، لا عقله السياسي فحسب
، في موضع التهمة ، دون أن يكتفي
بوضع قلبه ، المشحون حقداً على
الإسلام وأهله ، تحت ضوء الشمس
!).
• نسي
الأستاذ صلاح ، أو تناسى ، أن
الفساد كثير في سورية ،
ولاسيّما الفساد الفكري ! وأن
المعارضة تعزو سبب الفساد ،
بأنواعه ، إلى السلطة الحاكمة
الظالمة المستبدّة ، وهي
الأَولى بأن يَنسب إليها صفة (الظلامية!)
لأنها هي حقاً كذلك ! فقد أفسدت
كل شيء في بلادنا : السياسة ،
والفكر، والاقتصاد ، والثقافة ،
والاجتماع .. وأن ما تتوق إليه
المعارضة ، وتبحث عنه ، هو
الصلاح ـ لا الفساد ـ ولاسيما
الصلاح الفكري ! لأنه أساس
الصلاح في القول والعمل . أمّا
الفساد ، فلا يعجز عنه أحد ،
لأنه هبوط، والهبوط سهل ،
والتنافس فيه هو هبوط عجيب
مركّب ، لا يحَصّل قصبَ السبْق
فيه إلا الهابطون المميّزون !
أمّا التنافس في الصعود والسموّ
والارتقاء ، فهو الصعب الشاقّ ،
ولا ينجح فيه إلا أناس مميّزون
كذلك ، من طراز خاصّ ! وأصعبه هو
السموّ الفكري ، الذي هو أصل
السموّ ومنطلَقه الأساسي !
• نسي
الأستاذ صلاح ، أو تناسى ، أن
مِن بدَهيّات التحالفات
والمعاهدات والمواثيق ،
لاسيّما التي تجمع بين أطرافها
الرغبةُ بالصلاح والإصلاح ..
أنها تتطلّب حداً أدنى ،من
الخلق القويم ،إذا انحدرتْ
دونَه فَسدتْ وأفسدَتْ!
وأن من أوليّات الخلق
القويم ، ألاّ يَطعن الحليفُ
حليفَه ، في ظَهره ، أو في صدره ،
وهما يخوضان معركة واحدة ، ضدّ
عدوّ مشترك شرِس ، لاسيّما إذا
وقَع الطعنُ على المرتكز
الأساسي ، الذي تقوم عليه عملية
المعارضة بدايةً ، وهو الخلق
الصالح المصلح ، الذي يتصدّى
لإزالة كابوس الخلق الفاسد
المفسد ، عن صدور شعبنا الصابر.
فإذا كان الإسلام السياسي
ظلامياً ، فمِن العبَث التحالف
معه ، ضدّ قوى (علمانية مستنيرة!)
تمسك بزمام السلطة ، والبلاد
والعباد ، في سورية ..! مع أن
طريقه إلى هذه العلمانية
المستنيرة ـ عدوّة الظلامية ـ
مفتوح على مصراعيه ..!
• نسي
الأستاذ صلاح ، أو تناسى ، أن
الخلط الفكري ـ الذي أشار
الدكتور خالد الأحمد إلى وجوده
في /مشايخ شوارع/ الأستاذ صلاح ـ
أن هذا الخلط سهل جداً ، كالفساد
الفكري الذي أشرنا إليه آنفاً ،
وأنه لا يحتاج إلاّ إلى غلام
غبيّ لم يبلغ الحلم ، أو إلى كهل
أحمق ، أو إلى شاب مختلّ العقل ..!
حتى يأتي فيه بالأعاجيب التي
تذهل ألباب الحكماء! وأن أيّ
بليدٍ يملك حظاً كافياً من
السفاهة ، يستطيع ببساطة عجيبة
، أن يضع سائر العلمانيين في
سلّة واحدة ، هي سلّة الجهل ، أو
سلّة الفسق ، أو سلّة الكفر
والضلال والإلحاد ..! وذلك إذا
رأى خمسة ، من العلمانيين ، أو
عشرة.. يتّصفون بهذه الصفات ! دون
أن يكلّف نفسَه عناءَ التمييز،
بين علماني عاقل وآخر أحمق،
وبين علماني معتدل وأخر متطرّف
، وبين علماني سفيه وآخر مهذّب..!(
وذلك كما فعل الأستاذ صلاح ، حين
وضع النقائض المحسوبة على
الإسلام السياسي ، كلها ، في
سلّة واحدة ، دون أن يَميز البرّ
من الفاجر فيها ، والعاقل من
الأحمق ، والمهذّب من السفيه ،
والمعتدل الحصيف من المتطرّف
المغلوب بحرارة الرأس !).
• نسي
الأستاذ صلاح ، أو تناسى ، وهو
العضو البارز في جبهة الخلاص
الوطني ، والممثل لكتلة كبيرة
فيها ـ بحسب الأصل المفترَض ـ
وكلّ كلمة يقولها تحسب له أو
عليه ، وتفسَّر بطرائق مختلفة ...
نسي أن يَسأل نفسه هذه الأسئلة
البدَهية البسيطة الضرورية ،
التي يطرحها كل سياسي عاقل على
نفسه ، حينما يكتب في السياسة ،
أو يصرّح ، أو يجري مقابلات
سياسية في وسائل الإعلام
المختلفة ..! والأسئلة هي: لحساب
مَن أقول كلامي هذا !؟ ولمصلحة
من !؟ ومَن المستفيد منه !؟ وكيف
يمكن أن يفسّره بعض الناس !؟
وكيف يمكن أن يوظّفه بعض الناس
الآخرين !؟ وما فائدتي ، وفائدة
كتلتي التي أمثّلها في المعارضة
، والجبهةِ التي أتحالف معها..
من كلامي هذا كله .. ومِن كل فقرة
فيه على حدة !؟
• وختاماً
: نسي الأعضاء المؤسّسون في جبهة
الخلاص الوطني ، أن يَشترطوا
وجود حدّ أدنى ، من الاتّزان
الشخصي والسياسي ، لدى كل عضو
ينضمّ إلى هذه الجبهة ، حتى تكسب
لدى أبناء الشعب السوري شيئاً
من الثقة والصِدقية والاحترام
..! حتى إذا وازَن الشعب بينها
وبين الطغمة الحاكمة ، وجَد
فرقاً يستحق أن يَبذل في سبيله
الجهد ، للتخلّص من نظام القمع
الحالي، والركون إلى قوى
المعارضة ، التي تطرح نفسها
بديلاً عنه!
أتمنّى للأستاذ صلاح بدر الدين ،
ولنفسي ، ولجبهة الخلاص الوطني،
ولسائر المحسوبين على المعارضة
السورية .. الهدى والرشاد ،
والاستقامة والصلاح ، وأن لا
تكون أخطاؤنا الناجمة عن ضعفنا
البشري ـ وليس فينا من لا يخطيء
ـ من النوع المؤذي جداً ، لنا
ولمن حولنا، وألاّ تكون من
الأنواع التي يمكن أن يستخدمها
أعداؤنا ضدّنا ، وأن تكون من
الطراز الذي يسهل التراجع عنه ،
والاعتذار عنه ، وتلافي سلبياته
..! عسى أن يكون لنا في ذلك عون من
الله ، في إنقاذ بلادنا من كابوس
الظلم والاستبداد ، والفساد
والإفساد .. إنه هو العزيز
الحكيم .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|