صدام
يترجل وهو ينطق بالشهادتين
الطاهر
إبراهيم*
لا يمكن لأي كاتب أوحتى أي
مواطن يعني بمفردات الاهتمامات
التي يعيشها وطننا العربي وما
تشمل من إخفاقات، إلا أن يتأثر
بأي حدث مهما كان ثانويا، فكيف
إذا كان الحدث في حجم إعدام
الرئيس العراقي صدام حسين في
صبيحة يوم عيد الأضحى. لم أضف
،قصدا، كلمة السابق أو الأسبق،
لأن كل من جاء بعد صدام رئيسا،
إنما جاء تحت مظلة الاحتلال.
واستطرادا فقد يقفز أحدهم
ليقول: وهل جاء صدام إلى الرئاسة
بطريق ديموقراطي؟ وهذا يعيدنا
إلى المربع الأول: وهو أن أكثر
الحكام العرب لم يأتوا بطريق
ديمقراطي، وبالتالي فصدام هو من
هذا الأكثر، وهذا ليس موضوعنا
على كل حال.
معظم من ندد بالإعدام، بهذا
التوقيت وبهذه الوسيلة وتحت
راية أمريكا، لا يعتقد أن صدام
أعدم لأنه لم يكن عادلا أو
ديمقراطيا، -كما يزعم بوش- أولأن
العراقيين بمختلف أعراقهم
ومذاهبهم عاشوا أسوأ أيامهم في
عهده، بل لأنه رفض أن يدفع الثمن
الذي فرضته واشنطن ودفعه بعضٌ
من الحكام العرب لأمريكا
وإسرائيل، ليبقوا في مناصبهم،
وربما لو أنه فعل لكان ما يزال
حتى الآن زعيما أوحدا، ولأنه لم
يفعل فقد أعدمته أمريكا. بل إن
واشنطن قد غضت الطرف عن حكام
آخرين، فعلوا وقتلوا أكثر مما
فعل وقتل، لأنهم دفعوا الثمن.
وقضية أخرى: فلا يمكن لعربي
أو مسلم إلا أن يتعاطف مع صدام،
بالغا ما بلغت جرائمه، ضد
أمريكا التي احتلت العراق، ثم
اعتقلته واستبدلت به حفنة من
العملاء، جاءت بهم إلى الحكم
على ظهر دبابة، وقديما قيل: "يدك
منك ولو كانت شلاء".
استنكارنا لإعدام صدام، ضمن
الملابسات التي أشرنا إليها، لا
يعني بالضرورة التجاوز عن
أخطائه التي لم تكن مبررة في
كثير من الأحيان مثل اجتياحه
الكويت. أما حربه ضد إيران
،فإننا نلفت النظر إلى ناحية
هامة تتعلق بسلوك إيران تجاه
جيرانها العرب والمسلمين. فإذا
كانت طهران قد ساعدت واشنطن في
احتلالها العراق انتقاما من
حروب صدام ضدها، فما الذي فعلته
"طالبان" لها حتى تساعد
طهران "بوش" في احتلاله
أفغانستان؟
لقد كان واضحا أنه كان هناك
حرص عند زعماء الميليشيات
الشيعية للوصول بصدام إلى
المشهد الأخير الذي رآه العالم
لحظة تنفيذ حكم الإعدام فيه. بل
لقد بات في حكم المؤكد أن إعدام
صدام ضمن ملابساته كان نتيجة
لصفقة تمت بين بوش والمالكي،
ترك فيها للمالكي وَمَنْ
خَلْفَه تحديدُ وقت وكيفية
الإعدام، وكان المقابل هو
الإصرار على البقاء الأمريكي في
العراق، كما صرح بذلك عبد
العزيز الحكيم أثناء زيارته
واشنطن.
الأمريكيون هم من أسر صدام
ومن أمر بمحاكمته. وهم من كان
يأتي به إلى قاعة المحكمة ثم
يعودون به. وهم من سلموه لحظة
إعدامه إلى جنود "موفق
الربيعي" لعدة دقائق، كانت
كافية لإعدامه شنقا. بعد ذلك
استعادوا جثمانه لتقله طائرة
هليوكبتر أمريكية فجر الأحد 31
كانون أول إلى مسقط رأسه في "العويجة".
وحسب ما أفاد به نائب محافظ صلاح
الدين فإن تسليم جثمان صدام إلى
عشيرة البوناصر التي ينتمي
إليها، احتاج إلى موافقة بوش
شخصيا ، وقد تم ذلك بموجب محضر
رسمي وقعه مع الأمريكيين زعيم
العشيرة.
أما المالكي كما هو موفق
الربيعي وكما هم قضاة المحكمة
والملثمون الذين وضعوا حبال
المشنقة حول عنق صدام وكما هم من
قالوا له: إلى جهنم عندما سقط
ميتا، فليسوا هم من أعدمه على
الحقيقة، بل كانوا أدوات عند
بوش، لا أكثر ولا أقل.
ما تناساه بوش وعملاؤه في
بغداد أن صدام حسين مات في ساعته
التي قدرها له الله يوم قدر آجال
بني آدم. لكن ما لا يدركونه أنهم
قدموا له فرصة تاريخية عندما
تركوه ليموت بأيدي أعدائه ميتة
الأبطال لا كما يموت الجبناء،
وليكون شهيدا عند كثيرين ممن
استنكر إعدامه. فقد أسره
الأمريكان أعداء العراق. كما أن
"بريمر" هو من فصّل قانون
المحكمة على قياس صدام الذي
حوكم بموجبه. وإلا فما معنى أن
يوقع المالكي على حكم الإعدام
ثم لا يحتاج إلى تصديق الرئيس
"جلال طالباني"؟.. فأمريكا
حكمت وأمريكا أعدمت!.
نضيف هنا: أن من اعتبر "صدام
حسين" شهيدا، فلأن من أعدمه
حقيقة هم الأمريكيون. ولا يعفيه
هذا –كما لا يعفي أي شهيد آخر-
من حقوق العباد التي في عنقه،
إلا أن يتحمل ذلك عنه رب
العالمين، بعد أن شهد له
بالوحدانية ولرسوله محمد صلى
الله عليه وسلم بالرسالة، عند
تنفيذ حكم الأمريكيين به، فقد
سمعناه ينطق بالشهادتين، كما
سمعه العالم كله.
كم كان واضحا خوف
الأمريكيين وخوف حكام العراق من
صدام، حتى وحبل المشنقة يلف حول
عنقه. وكم كان من حضر التنفيذ
ووضعوا حبال المشنقة في عنقه
بعيدين عن روح الإسلام عندما لم
يتركوه يكمل شهادته الثانية
لمحمد صلى الله عليه وسلم
بالرسالة.
إن إصرار بوش على إعدام صدام
حسين، واحتياج دفنه في بلدته
"العويجة" إلى موافقة منه
شخصيا، ليؤكد مقولة من قال: إذا
كانوا قد هزموه يوم كان حيا،
فإنه قد هزمهم وهو يتقدم إلى حبل
المشنقة رابط الجأش والجنان،
وأنهم كانوا يخافونه حيا وميتا...
رحم الله الرئيس العراقي
صدام حسين، وغفر له ما كان منه،
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|