بازار
المَساخِر العجيبة:
"
مَساخر : وطنية .. قومية.. إسلامية
.. دولية "
عبد
الله القحطاني
لسنا متأكّدين
حقّا من أنّ أصحاب هذه المساخر،
يَطرحونها على سبيل الجدّ ،أم
على سبيل السخرية !على أننا
سنأخذها حسبَ ظاهرها الذي نراه
، ونصنّفها في خانَة المساخر..
ولنبدأ
بالمسخرة الأولى:
أ- المسخرة الوطنيّة :
تردّد
الزمَرالحاكمة في بلادنا ،
بالحديد والنار ، المتربّعة على
صدور العباد ، منذ عقود ، تخنق
أنفاسَهم ، وتنهَب أموالهم
وثرواتِ بلادهم .. تردّد هذه
الزمر صباحَ مساءَ ، بكلّ
أبواقها الإعلاميّة ، موجّهة
كلامها إلى شعوبها المبتلاة
بحكمها :
" الوحدة
الوطنيّة..حافظوا على الوحدة
الوطنيّة .. تجنّبوا ما يُسيء
إلى الوحدة الوطنيّة..إنّ
المساسَ بهيبةِ الحكم والسلطة ،
يسيء إلى الوحدة الوطنيّة ..
إنّ المقالات
والبيانات والتصريحات ، التي
تشير إلى بعض أخطاء السلطة
الحاكمة ، تَدقّ أسافينَ في
جدار الوحدة الوطنيّة ..
إنّ الأحزاب
والتنظيمات ، التي تدعو إلى
الحريّة والديموقراطيّة ،
والتداول السِلميّ للسلطة،
تعرّض الوحدة الوطنيّة للخطر ..!
ولابدّ من قمعِها بحَزم وصَرامة
،حفاظاً على الوحدة الوطنيّة
"!
وباختصار شديد :
إنّ الوحدة
الوطنيّة لا تتحقّق في بلادنا
وتنمو وتزدهر ، إلاّ إذا ظلّت
الزمرة الحاكمة المتسلطة على
رقاب العباد ، متربّعة على
كراسيّ الحكم إلى الأبد ..! فإذا
قلنا لهذه الزمرة : " انزلي عن
أكتافنا قليلاً، لنرتاح من
فسادك وإفسادك .." نكون بهذا
قد أخللنا بواجب المحافظة على
الوحدة الوطنيّة ، وكان كلامنا
هذا عنصرَ هَدم وتخريب للوحدة
الوطنيّة !
ب- المسخرة
القوميّة :
إذا أشار كاتب
ما، أو متحدّث ما، في صحيفة أو
إذاعة أو قناة تلفزيونيّة ، في
بلاده أو خارجها ..إلى خطأ ما، في
سياسة إحدى الحكومات العربيّة ،
قيل له: إنك تسيء إلى الوحدة
القوميّة ، لأنك تنال من سياسة
دولة عربيّة شقيقة ..!
وهذا يعني في
المحصّلة ، وبالضرورة ،أنّ ثمّة
عِصمة لكلّ حاكم ، تمتدّ إلى
خارج بلاده، ولكل حكومة عربيّة
تمتد إلى خارج بلادها . وتشمل
هذه العصمة ، كلّ مسؤول في هذه
الدولة المعصومة ، مهما كان
موقعه ، ومهما كان سلوكه ..!
وواضح هنا ، أن
هذه العصمة للحكومات ،إنّما هي
عصمة متبادلة ، متّفق عليها في
القمم العربيّة ، أو في مؤتمرات
الوزراء العرب
– وزراء الداخليّة ..وزراء
الإعلام ..! ـ كلّ حكومة تَردع
مواطنيها،عن التعرض لسياسات
الدول العربيّة الأخرى ، حرصاً
على الرباط القوميّ ، وعلى
المشاعر القوميّة ، وعلى الوحدة
القوميّة – التي ماتزال
حلماًًًً ، وستظلّ حلماً، حتى
يهيّء لها الله رجالاً يؤمنون
بها حقّاً ، ويضحّون في سبيلها
بكراسيّ حكمهم ، وبأرواحهم إذا
اقتضى الأمر _.
وواضح أيضاً،
أنّ حِرص كلّ حاكم على صيانة
عصمتِه الخاصّة ، يدفعه إلى
المحافظة على صيانة عِصمة
الحكّام الآخرين – أي: المعاملة
بالمثل -!
وهكذا تظلّ
الحكومات، معصومةً داخلَ
بلادها، من خلال قمعِ الألسنة
والأقلام،ومعصومة
خارجَ بلادها ،
من خلال ( المعاملة بالمثل ) !
وتظلّ الشعوب – وفي طليعتها
الكتّاب والمثـقّفون –
محرومةً، حتّى من إبداء رأيها
في سياسة هذا الحاكم أو ذاك ،
لأنّ هذا يسيء إلى ( الإخاء)
القومي ..!
وهذا ، بالطبع ،
في حال العلاقات الطيّبة بين
الدول المعنيّة ..
أمّا في أوقات
الخصومات ، بين دولتين أو أكثر ..فكلّ
حديث مباح ، ولا عِصمة لعدوّ أو
خصم ..! فلتَنهش الأقلام
والألسنة ، مِن سمعة الحكومة (العدوّة)
ما شاءت ، وذلك أيضاً على مبدأ
" المعاملة بالمثل" ! ولسان
حال كلّ حاكم منهم ، يردّد بيتَ
عمرو بن كلثوم التغلبيّ:
ألا لا يَجهلنْ
أحد علينا فنَجهلَ فوقَ جهلِ
الجاهلينا !
ولتذهب
القوميّة ، وما يلوذ بها ،
ويتفرّع عنها، وما يَمتّ إليها
بسبَب أو نَسب (من وحدة، أو إخاء
، أو ارتباط ، أو انتماء ، أو
ولاء )، إلى جهنّم ، وبئس
المصير، إذا كانت هذه الألفاظ
والمصطلحات ، ومثيلاتها (من
مفردات اللغو الفارغ !) ستؤدّي
إلى زعزعة كرسيّ الحاكم ، أو
تَمسّ هيبته
الجليلة ، ومقامه الرفيع !
ج- مسخرة العلاقات بين الأطراف
الإسلاميّة ، والمحسوبةِ على
الإسلام :
" الوحدة الإسلاميّة
..لا تَخدشوا الوحدة الإسلاميّة
.. لا تمزّقوا الصفّ الإسلاميّ ..
لا تفرقوا شملَ الأمّة
الإسلاميّة .. لا تقولوا كلاماً
يفرق الصفّ الإسلاميّ .." !
هذا – وغيره
كثير – ممّا تردّده بعض حناجر
المسلمين ، وبعض حناجر
المحسوبين على الإسلام ..
إنّه كلام حقّ
بلا شكّ .. لكن ، هل يراد به الحقّ
وحده !؟
إنّ نظرة متأنية
فاحصة ، إلى قائلي هذا الكلام ،
تكشف حقائق كثيرة مؤلمة :
1- بعض قائلي هذا الكلام تحكمهم النيّات
الطيبة ، ولا شيء وراء ذلك ..
فهم صادقون مخلصون ،
حريصون حقّاً على تماسك الأمّة
الإسلاميّة ، وعلى وحدة صفّ
المسلمين ، إن لم يكن على
المستوى السياسي ، فعلى مستوى
المبدأ والشعار ..
لذا ، فهم
ينفرون من كلّ كلمة جارحة ،
توجًّه من فريق إسلاميّ ، أو
محسوب على الإسلام ، إلى فريق
آخر ..
2- بعض قائلي هذا الكلام ، تجاّر حقيقيون ،
يتاجرون بشعارات الوحدة
الإسلاميّة ، ليحفَظوا لأنفسهم
، أو لطوائفهم ، مواقعَ معيّنة ،
تتيح لهم التسلّط على الفرقاء
الآخرين . فتماسك الصف الإسلامي
، إذا حصل، إنّما يحصل تحتَ
سلطتهم وسيادتهم
، ويعزّز هيمنتَهم على الآخرين
، الذين يتماسكون من حولهم ..!
وأيّ احتجاجٍ على
تسلّطهم ، أو تنبيهٍ إلى هذا
التسلط ، إنّما يعَدّ ، من وجهة
نظرهم ، إساءة إلى الوحدة
الإسلاميّة ..!
وإذا قيل لبعض
هؤلاء : ياقوم ، اتّقوا الله في
إخوانكم في الدين ،أو الملّة ،
أو القِبلة ، أو الاسم ، وأعطوا
مواطنيكم – أبناءَ ملّتِكم –
بعض حقوقهم الوطنيّة ، ولا
تعاملوهم معاملة العبيد ، أو
المواطنين من الدرجة الثالثة أو
الرابعة ..
أو قيل لهم :
ياقوم ، أعيدوا المناطق التي
سلبتموها من جيرانكم – إخوانكم
في الملّة -..
أو قيل لهم :
ياعباد الله ، اتّقوا الله ، ولا
تتمدّدوا- جغرافيّاً..أو
مذهبيّاً.. أو أمنيّاً.. أو
بشريّاً- على حساب جيرانِكم
وجيرانِ جيرانكم ، لأنّ تمدّدكم
هذا يسيء إلى الأخوّة
الإسلاميّة ، وإلى مبدأ الوحدة
الإسلاميّة الذي تنادون به ..
إذا قيل لهؤلاء
، هذا الكلام ، أو ذاك ،أو ذلك ،
تمعّرت وجوههم ، واحمرّت أنوفهم
، وكشّروا عن أنيابهم ، وبادروا
، بفظاظة عجيبة ، إلى سلقِ
القائل ، بألسنة حِداد ، وإلى
رَشّة بكؤوس ، بل بأباريقَ ، من
الشتائم الجارحة ، والألفاظ
النابية ، والصفات السيئة ..!
وأقلّها أن يقال له :
إنّك إنسان
فتاّن ، تَسعى إلى إثارة الفتن
والقلاقل بين أبناء الصفّ
الإسلاميّ الواحد ..وإنّك تسعى
إلى نبش أمور تعكّر صفو
العلاقات بين المسلمين ..وإنّك
تحاول هدمَ المساعي الرامية إلى
توحيد الصف الإسلامي بين أقطار
المسلمين ..! وإنّ مأواك جهنّم ,
وبئسَ المصير..!
د- المسخرة
الدوليّة : الدول تشبه الأفراد ،
في بعض الجوانب ، ومن ذلك :
معاملتها للآخرين حسب مصالحها ..
حسب قربهم منها وبعدهم عنها ،
سياسيّاً أو اقتصاديّاً ، أو
عقَديّاً، أو ثقافيّاً..
وهذا حقّ طبيعيّ
ومفهوم ..
وتضع لنفسها
مكاييلَ ، وموازيينَ ، ومقاييسَ
، متنوّعة الأشكال والأحجام ،
تكيل ، أو تزن ، أو تقيس بها ،
كلّ حالة ، بما يناسبها ..
فهذا تزن له
بميزان الذهب ، وذاك بميزان
البِقالة ، وذلك بالقبّان
الأرضي ..!
وهذا ، كذلك ،
حقّ طبيعيّ ، ومفهوم ..
وكلّما كبر شأن
الدولة ، أو قوّتها، أو نفوذها ،
أو تأثيرها في العالم .. كانت
مكاييلها ، وموازينها ،
ومقاييسها ، أكثر تنوّعاً ،
وأشدّ تبايناً..
وأيّة محاولة
لنزع هذا الحق ، من أيدي الدول ،
أو إلغائِه من التعامل الدولي ،
إنّما تدلّ على حماقة عجيبة ، أو
جهل شديد ، بقوانين الحياة
البشريّة ذاتها . .
فإذا كان الله
خالقُ الخَلق ، وربّ العباد ،
لمْ يسوّ بين عباده المؤمنين
والكافرين ، ولابين الصالحين
والفاسدين ، ولا بين القريبين
منه والبعيدين عنه ..وأنكرَ في
كتابه الكريم ، فكرةَ المساواة
بين المسلمين والمجرمين ، فقال
:" أ فنجعل المسلمين
كالمجرمين .مالكم كيف تحكمون
". ووردت في كتابه الكريم آيات
أخرى كثيرة ، تدلّ على المفاضلة
بين الخلق ، بحسب فضلهم ، وعملهم
..
فكيف يطلَب من
مخلوق بشريّ " فردٍ عاديّ ..أو
حاكم دولة " أن يعامِل أعداءه
أو خصومه ، كما يعامل أصدقاءه
وحلفاءه ، كما لو كان قاضياً
عادلاً ، يجلس على منصّة قضاء ،
للحكم بين المتخاصمين !؟
إن
هذا مخالف لطبائع الأشياء ،
ولسنن الحياة البشريّة ..!
لكنّ الشذوذ
المستهجَن ، يكمن في أمور أخرى ،
منها:
1- أن تكون ثمّة مبادىء دوليّة عامّة ،
تدّعي الدول ، جميعاً ،
الالتزامَ بها..
(منها المحافظة
على السلام والعدل الدوليّين) ..
ثم يخرقها الكبار – جهاراً
نهاراً – ويعتدون على الآخرين
بذرائع واهية ..
وإذا هبّ أحد
الضعاف المعتدَى عليهم ، للدفاع
عن حقّه ، ثارت في وجهه زوابع
وأعاصير ، وتهَم خطيرة شتّى ،
مِن أبرزها : تهديده للسلام
العالمي ..وخرقه للمواثيق
الدوليّة .. والعنف ..والإرهاب ..
ثمّ تنحاز
المنظمات الدوليّة ، مع
الأقوياء المعتدين ، لتشنّع على
الضعاف المعتدَى
عليهم ، وتحمّلهم مسؤوليّة
الجرائم والآثام ،التي يجب أن
يحملها الأقوياء المعتدون!
مع أنّ هذه
المنظّمات ، منبثقة عن هيئة
دوليّة عامّة ، اسمها منظّمة (
الأمم المتّحدة) !
- بصرفِ النظر عن
اسم هذه المنظمة ، وعن دلالة "
الأمم المتّحدة " ، وكيف
اتّحد ت ، ومتى ، ومَن وحّدها ،
ولماذا ، ومظاهرِ التوحدّ أو
الاتّحاد ، الباديةِ في
علاقاتها ، فيما بينها ..!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|