ما
وراء التحالف الدولي لمكافحة
الإرهاب
أ.د.
محمد اسحق الريفي
بادر اتحاد العلماء
المسلمين و العديد من الهيئات
والمنظمات الإسلامية العربية
والغربية إلى إدانة سلسلة
التفجيرات التي وقعت في لندن
وفي شرم الشيخ أملا في تبرئة
المسلمين من تهمة الإرهاب، وهذه
خطوة جيدة نحو تكوين إجماع ورأي
عام عربي وإسلامي في قضية شائكة
ومصيرية، ولكن هذه الخطوة قليلة
الأهمية وتفتقر إلى الرؤية
البعيدة المتكاملة للمؤامرة
التي تحيكها الولايات المتحدة و(إسرائيل)
وبريطانيا تحت شعار "التحالف
الدولي لمكافحة الإرهاب".
وإذا كان من المهم
معرفة الجهة التي تقف وراء تلك
التفجيرات، فإن من الأهم بكثير
أن ندرك النتائج والآثار
العميقة لتلك التفجيرات على
المسلمين في العالم العربي وفي
الغرب، ومن خلال ذلك يمكن الحكم
على كل من يقوم بمثل تلك
التفجيرات التي تستهدف مدنيين
عرب وغربيين –فيما يبدو– بدون
أسباب واضحة وأهداف إنسانية،
ومن أهم تلك النتائج هو تكوين
نواة لتحالف دولي لمكافحة
الإرهاب يتيح الفرصة لأعداء
أمتنا باستخدام العنف والإرهاب
لترويض الشعوب العربية
والإسلامية لخدمة الامبريالية
الأمريكية والمشروع الصهيوني.
لا شك أن أجهزة
استخبارات أجنبية من المرجح أن
تكون متورطة في تلك التفجيرات
والعمليات، خاصة أن اسم تنظيم
القاعدة قد أصبح مطية لهذه
الأجهزة يستخدمونها لتحقيق
أهدافهم الشريرة، وإن الشباب
المحبط نتيجة العدوان
الإسرائيلي والأمريكي أصبح
لديه استعداد وميل أكثر إلى
استخدام العنف للانتقام من
الدول التي استباحت حرمات
الإنسان في فلسطين والعراق
وأفغانستان.
لذلك لا يمكن أن نستبعد وقوع
هؤلاء الشباب في شرك المخابرات
الإسرائيلية والأمريكية –وربما
العربية– للقيام بمثل هذه
الأعمال، وهناك سوابق
للمخابرات الإسرائيلية في
القيام بمثل هذه الحوادث في
فلسطين وفي الدول العربية.
لماذا تم تحذير
السائحين اليهود الذين يبلغ
عددهم نحو عشرة آلاف سائح في
شمال سيناء من وقوع هجوم إرهابي
وشيك؟ ولماذا عاد ثلاثة آلاف
يهودي فقط إلى فلسطين المحتلة
وبقي الآخرون في أماكنهم؟ أليس
هذا دليلا على معرفة المخابرات
الإسرائيلية لوقت ومكان وقوع
الهجوم بدقة؟ لماذا لم يصب أي
سائح يهودي في تلك التفجيرات؟
ومن الذي طمأن ألف سائح يهودي
ليعودوا إلى منطقة شرم الشيخ
بعد التفجيرات؟ أليس في ذلك
إشارة أيضا إلى علم المخابرات
الإسرائيلية بانتهاء العمليات
الإرهابية في تلك الفترة؟
من الواضح أن مثل
هذه العمليات والتفجيرات تعطي
مبررا لقيام تحالف يضم الأنظمة
العربية الحاكمة و(إسرائيل)
والولايات المتحدة الأمريكية
وبريطانيا لمحاصرة الحركات
الإسلامية الجهادية وكل من يقف
في وجه الولايات المتحدة في
حملتها التي أعلن عنها رئيسها
في أعقاب تفجيرات 2001م التي برهن
الكثير على أن الأجهزة الأمنية
الأمريكية قد علمت بوقوعها
ولكنها غضت الطرف عنها.
إن الولايات
المتحدة تريد أن تتخذ من هذه
العمليات والتفجيرات ذريعة
لزيادة تدخلها في شؤون الدول
والشعوب العربية وتبرير القيام
بعمليات ملاحقة ومطاردة وخطف
لناشطين إسلاميين بحجة مقاومة
الإرهاب، وقد بدأت الولايات
المتحدة بالفعل القيام بهذا،
فقد تم اختطاف بعض الإسلاميين
من منازلهم ومن المطارات
الدولية في أوروبا، ومن المؤكد
أن تمتد هذه العمليات لتشمل
قيادات إسلامية في المنطقة
العربية، وبهذا الصدد تجري
تدريبات على القيام بمثل هذه
العمليات في القواعد الأمريكية
في الجزائر وفي الضفة الغربية
الفلسطينية المحتلة.
و(إسرائيل) التي
هي سبب كل إرهاب في العالم
ومازالت تقوم بكل أنواع الإرهاب
ضد الشعب الفلسطيني والشعوب
العربية تظهر نفسها للعالم على
أنها المنقذ له من الإرهاب
وكأنها تحرص على أمن الشعوب
العربية والغربية، وهي تدعي أن
أجهزتها الأمنية –التي ترعى
الإرهاب الدولي–
تمتلك القدرة على مكافحة
الإرهاب، فهي كما يقول أحد
أفراد أجهزة الأمن الإسرائيلية
"هارفارد الإرهاب".
لذلك فهي تعرض مساعدتها
للدول العربية في مجال مكافحة
الإرهاب، وتقوم بتدريب الشرطة
البريطانية وتعلمهم التصويب
على رأس المشتبه به – وليس أي
مكان آخر– لئلا
ينفجر الحزام الناسف الذي قد
يكون بحوزته.
ويقوم أفراد
الموساد – بصفتهم خبراء في
الإرهاب– بزيارات
عمل في الولايات المتحدة
الأمريكية لإلقاء المحاضرات
والدروس وعقد الورشات والدورات
التدريبية ورعاية المؤتمرات
التي تتعلق بمكافحة الإرهاب،
وبهذا تؤكد (إسرائيل) للعالم على
دورها كشرطي في منطقة الشرق
الأوسط وحارس أمين للمصالح
الغربية والأمريكية.
وهذا سيمكنها من ملاحقة
قادة الفصائل الفلسطينية
المقاومة في الدول العربية باسم
مكافحة الإرهاب، وسيعطيها فرصة
سانحة لمنع التمويل الذي تقدمه
الشعوب العربية لدعم
الفلسطينيين ومقاومتهم ضد
الاحتلال، وسوف تستغل التحالف
الدولي لمكافحة الإرهاب في نزع
السلاح من المقاومة الفلسطينية.
إن تعاون الأنظمة
العربية مع (إسرائيل) والولايات
المتحدة في إطار مكافحة الإرهاب
سيساعد أعداء الأمة في الحصول
على معلومات عن الحركات
الإسلامية والناشطين
الإسلاميين في الدول العربية
والإسلامية، وسيساعدهم على
التأثير على الحركات الإسلامية
الجهادية والحد من قدرتها على
التسلح واستخدام القوة في
الدفاع عن العالم العربي
والإسلامي وتخليصه من الاحتلال
والاستعمار، وسيؤدي إلى ابتزاز
الدول العربية ماليا باسم
مكافحة الإرهاب الذي تعاني منه
على وجه الخصوص شبه الجزيرة
العربية، وسيؤدي إلى استقطاب
دول عربية وإسلامية محايدة
لتنحاز إلى الجهود الأمريكية
للتخلص من الإسلام السياسي
الجهادي المقاوم الذي يعترض
جهودها للهيمنة على المنطقة
العربية وتكوين إمبراطورية
أمريكية.
أما في الغرب،
فسيؤدي هذا التعاون الأمني إلى
الضغط على الجاليات الإسلامية
للتخلي عن الالتزام بتعاليم
الإسلام التي تحفظهم من الذوبان
في المجتمعات الغربية وذلك في
محاولة الغرب المتكررة للحد من
انتشار الإسلام في الغرب، ولجعل
العواصم الغربية مسرحا لعمليات
اعتقال الناشطين الإسلاميين
وتسليمهم للولايات المتحدة
الأمريكية ثم توزيعهم بعد
التحقيق على بلادهم الأصلية
لاعتقالهم في معتقلات مخصصة
لمكافحة الإرهاب.
وحسب تصريح
المسئول السابق لجهاز الموساد
والمستشار الأمن القومي لشارون
"افرايم هاليفي" فإنه قد تم
وضع الخطط للتواجد العسكري
الأمريكي في الشرق الأوسط
لعشرات السنين، ويؤيد ذلك
تصريحات لصانعي السياسة
الأمريكية الذين يرون أن تواجد
قوات أمريكية جنبا إلى جنب مع
القوات الإسرائيلية على الحدود
سوف يحمي (إسرائيل) في حالة عدم
قدرة السلطة الفلسطينية على
السيطرة على الأوضاع في الأراضي
الفلسطينية المحررة، كما ورد في
موقع (globalresearch.ca).
لذلك فإن من
الأهداف الغير معلنة لقيام
تحالف دولي لمكافحة الإرهاب هو
إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في
الشرق الأوسط تعمل على ضمان
التواجد العسكري والأمني
الأمريكي هناك لفترة طويلة،
تماما مثلما حدث بعد انتهاء
الحرب العالمية الثانية إذا
بقيت القواعد العسكرية
الأمريكية في أوروبا أكثر من
ستين عاما، وبذلك تكون الولايات
المتحدة قد نجحت في تحقيق
مجموعة من أهدافها في آن واحد في
طريق إعادة تشكيل منطقة الشرق
الأوسط.
و(إسرائيل) التي
برعت في صناعة الإرهاب سوف تكون
بارعة أيضا في استغلاله
لمصلحتها أمنيا وتجاريا
ودعائيا، فمكافحة الإرهاب هو
مدخل جيد وسهل للتطبيع مع
الأنظمة العربية وإشراك أجهزة
الاستخبارات العربية وبعض
أجهزة الجيش والشرطة لحماية أمن
(إسرائيل) بمال عربي وبقوات
عربية، وهو أيضا وسيلة فعالة
للحصول على الأموال العربية في
مقابل التكنولوجيا التي سوف
تقدمها (إسرائيل) للعالم
العربي، وهذا ما يحصل الآن
بالفعل في العراق حيث تقوم أكثر
من 60 شركة إسرائيلية بتزويد
الجيش الأمريكي بكل ما يلزمه من
أجهزة واستشارات أمنية ومكعبات
وألواح إسمنتية لإقامة نقاط
التفتيش ولحماية مقرات جيش
الاحتلال وعملائه في العراق.
إن كل هذا يوجب
على الشعوب العربية وخاصة
المثقفين المخلصين والدعاة
والعلماء المسلمين تكثيف
الجهود للخروج من دائرة العجز
والانطلاق نحو تفعيل طاقات
الأمة نحو نهضة حقيقية، وليس
كافيا أن يندد اتحاد علماء
المسلمين والمؤسسات الإسلامية
في الغرب بالعمليات الإرهابية،
ولا يكفي التصريح بأن الإسلام
يحرم الإرهاب المتمثل في
الاعتداء على المدنيين، ولكن
يجب المسارعة إلى بيان حكم
الإسلام بخصوص كل الأحداث التي
تمس العالم الإسلامي والعربي في
صميمه وتحدد مصيره، إن العلماء
بتخليهم عن تشكيل إجماع إسلامي
وقيادة دينية للأمة هو الذي
أوجد فجوة وشجع على ظهور مثل تلك
الأعمال والتفجيرات هنا وهناك.
المفروض أن يقوم
اتحاد العلماء بدور يتناسب مع
التحديات التي تواجه الأمة
العربية والإسلامية من خلال
التواصل مع الشعوب عن طريق
الإرشاد والتوجيه في كل القضايا
السياسية والدينية، يجب وصف
الحالة التي يعيشها العالم
العربي والإسلامي بدقة من حيث
الأنظمة الحاكمة وشرعيتها
وولآتها وقراراتها مع تحديد
كيفية التعامل مع هذه الأنظمة
العربية.
وبعد أيام قليلة
سوف يجتمع القادة العرب في شرم
الشيخ مرة أخرى للإعلان عن
انضمامهم إلى التحالف الدولي
لمكافحة الإرهاب، ولمحاولة
إنقاذ الولايات المتحدة من
ورطتها في العراق، ولإضفاء
الشرعية على الحكومة العميلة في
العراق التي باتت معزولة عن
العالم بفعل المقاومة العراقية
الجبارة، ولبحث ضمانات حماية (إسرائيل)
بعد انسحابها من غزة واستثمار
ذلك الانسحاب للتطبيع معها،
ولقمع أي معارضة لأنظمتهم بحجة
مكافحة الإرهاب.
فعلى اتحاد
العلماء المسلمين أن يدعو
المسلمين للقيام بواجبهم
الشرعي تجاه ما يجري في فلسطين
وتجاه الاحتلال الأمريكي
البريطاني للعراق والتحالف
الذي يشمل استراليا وإيطاليا
وبولندا واليابان وغيرهم من دول
معادية للأمة العربية
والإسلامية.
لماذا يتجرأ العلماء
المسلمون على الفتوى بحرمة
الاعتداء على الأماكن السياحية
ولا يتجرؤون على الفتوى بشأن
السماح لعشرات الآلاف من اليهود
بالدخول إلى سيناء ومناطق عربية
أخرى؟! وهناك عشرات الأسئلة في
هذا السياق.
أما بالنسبة
لمسلمي الغرب والجاليات
الإسلامية هناك فعليهم أن
يقدموا رسالة إسلامية واضحة
للغرب، وعليهم أن يظهروا متحدين
في أهدافهم ورسالتهم، أليس من
العيب أن يصل عدد الهيئات
والمنظمات الإسلامية في الغرب
إلى المئات؟
أليس عيبا أن يبني مسلمو
الغرب مساجدهم على أساس مذهبي
وقومي وعرقي؟
على مسلمي الغرب
أن يرفضوا الاستجابة لدعوات
بلير بانخراطهم في الأجهزة
الأمنية لملاحقة بعضهم البعض
والتجسس على المسلمين، وعليهم
أن يدينوا التحاق العرب
والمسلمين بالجيش الأمريكي
والذهاب إلى العراق وأفغانستان
والكويت للعمل مع في خدمة
الاحتلال بنفس درجة إدانتهم
للعمليات الإرهابية.
وبدلا من ذلك على
مسلمي الغرب التركيز على
المشكلات العالمية المتعلقة
بانتشار الأوبئة والأمراض،
وتفشي الفقر والمجاعة في
أفريقيا، وانتهاك حقوق الإنسان
والحريات العامة، ومشاكل
التسلح والألغام، واستغلال
الأغنياء للفقراء، والمشاكل
البيئية، وعليهم أن يتخذوا
خطوات عملية للمساهمة في حل تلك
المشاكل وبيان موقف الإسلام
منها، وعليهم أيضا ربط المشاكل
التي تعانيها الشعوب العربية
والإسلامية بالمبادئ الإنسانية
التي يدعو لها الغرب ويتشدق بها
قادتهم وكشف زيف الدعاوي
الغربية وخاصة الأمريكية التي
يتسترون خلفها لتحقيق
إمبريالية الشر الأمريكية.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|