نحن
على عتبات عهد جديد
د.
محمد الغزي
alguzzy@maktoob.com
في
ظل النكسة التي منيت بها قوات
الاحتلال الأمريكي والبريطاني
في العراق، وكذلك الهزائم
المتتالية لجيش الاحتلال
الصهيوني في فلسطين، حددت
مجموعة تتكون من 250 من العلماء
والأكاديميين والمفكرين
والاقتصاديين والسياسيين
اليهود والصهاينة في مؤتمر لهم
بعنوان "مستقبلنا 2020"
المشاكل التي تواجه (إسرائيل)
وخطوات عملية لتذليل المصاعب
أمام المشروع الصهيوني، وقد خرج
المؤتمر –الذي عقد قبل عدة أشهر
هذا العام– بوثيقة تحتوي على
خمسة عشر بندا، و ترتكز تلك
الوثيقة على ثلاث محاور:
التطبيع؛ الاقتصاد؛ السياسة.
وما
يلفت الانتباه أن الحلول
العسكرية قد غابت عن هذه
الوثيقة، وهذا يدل بما لا يقبل
الشك أن الحل العسكري لم يعد
خيارا استراتيجيا، وهذا ليس
غريبا فالمشروع الصهيوني مازال
يراوح في مكانه، فـ (إسرائيل) لم
تتقدم خطوة واحدة نحو الحصول
على الشرعية الدولية وإقامة
علاقات طبيعية مع الشعوب
العربية، ولم تستطع تحويل العرب
إلى أدوات لخدمة المصالح
الصهيونية والأمريكية
المشتركة، ومازالت المشكلة
الديموغرافية تؤرق هذا الكيان
الذي سوف يتحول فيه اليهود إلى
أقلية معزولة عربيا وفلسطينيا
تعيش وسط أغلبية فلسطينية.
نحن
نعلم جيدا أن (إسرائيل) لا تؤمن
بحدود ولا يمكن أن تعيش في جو من
السلام العادل دون اعتداء على
حقوق الآخرين، فقادة الصهاينة
يدركون أن مشروعهم الاستعماري
–الإحلالي التوسعي– لن ينجح في
ظل المشكلة الديموغرافية حيث
يتزايد عدد الفلسطينيين في
الضفة والقطاع والمناطق
المحتلة عام 1948 والدول المحيطة
بفلسطين، وحتى تطبيق قرارات
الأمم المتحدة التي لا تعيد إلا
جزءا يسيرا من الحقوق والوطن
للفلسطينيين سوف يؤدي إلى وقف
نمو المشروع الصهيوني،
وبالتالي موته تماما، ولهذا فإن
(إسرائيل) ترفض الحل السياسي
المبني على الشرعية الدولية.
والمحور
السياسي المذكور في تلك الوثيقة
يتجنب الحل السياسي الذي يؤدي
إلى قيام دولة فلسطينية كاملة
السيادة على أي جزء من فلسطين
المحتلة، وهو ليس أكثر من
مناورة
صهيونية–أوروبية–أمريكية
لتجاوز قرارات الأمم المتحدة
وإنهاء المشكلة الفلسطينية،
وقد لجأ المحور
الصهيوني–الأوروبي–الأمريكي
إلى هذه المناورة السياسية
نتيجة استنتاجهم من خلال مقاومة
الشعب الفلسطيني للاحتلال أنه
لا يمكن حسم الأمور لصالح
(إسرائيل) عسكريا، لذلك نشهد
اليوم هذا الانسحاب من أجزاء من
قطاع غزة، وهو يمثل تقهقر
للمشروع الصهيوني مهما صغر حجم
هذا الانسحاب.
وتتضمن
الوثيقة أفكارا صهيونية لإيجاد
وسط مساعد لتغلغل (إسرائيل) في
الوطن العربي؛ وهو التطبيع الذي
يجعل من العدو المحتل صديقا
حميما يسرح ويمرح في كل بقاع
الوطن العربي، ولهذا كان النص
على اقتراح جسور تربط تل أبيب
بالعواصم العربية المحيطة،
وستصبح الإسماعيلية مرتعا
لرجال الأعمال الصهاينة، حيث من
المفترض أن لا يحتاج الصهاينة
للصول إلى الإسماعيلية أكثر من
نصف ساعة فقط انطلاقا من النقب
المحتل.
وكذلك
استخدام السلاح الاقتصادي في
نهب خيرات الأمة العربية،
وتكبيلها بمعاهدات اقتصادية
وتجارية لا تخدم إلا الصهاينة
وكبار رجال الأعمال والسياسيين
الذين يرون أنفسهم وشركاتهم
ورؤوس أموالهم فوق كل
الاعتبارات القومية والوطنية
والدينية، أما الشعوب العربية
فسوف تجد نفسها تبني في هذا
الكيان الغاصب مقابل أجور تحل
المشاكل الفردية على المدى
القريب وترهق الدول العربية على
المدى المتوسط والبعيد.
وتتضمن
الوثيقة توصية بقمع الأفكار
التي تنادي بالتصدي للمشروع
الصهيوني الصليبي، وخاصة تلك
التي تستند إلى الإسلام بشكل
أساسي، وفي هذا الصدد سوف يتم
تنفيذ برامج ممولة من الولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي
للحد من انتشار ما يسمونه
"الأصولية الإسلامية" في
البلاد العربية، وسوف تغرق
الولايات المتحدة الجمعيات
الغير حكومية ومنظمات المجتمع
المدني التي تؤمن بنمط الحياة
الغربية بملايين الدولارات،
وذلك بهدف "إدارة الصراع".
وتوصي
الوثيقة بإقامة وتنشيط
"الشركات المتعددة
الجنسيات" لتكون غطاء لرجال
الأعمال الصهاينة والأمريكيين،
وتبعا لذلك سوف يصبح مصير
الملايين من العاطلين عن العمل
في العالم العربي مرتبطا بهذه
الشركات. ونلاحظ
من طبيعة المشاريع الاقتصادية
التي تقترحها الوثيقة أنها تعمل
بطريقة غير مباشرة على حل مشكلة
المياه لدى (إسرائيل)
واستحواذها على مياه الشعوب
العربية، وسوف تساعد هذه
المشاريع على نجاح محاولات
(إسرائيل) المستميتة منذ عشرات
السنين في الحصول على حصة من
مياه النيل، التي طالما رفضته
مصر بسبب ما سوف يؤدي إليه ذلك
من أضرار على مصر.
وتذكر
الوثيقة خطوات للنفاذ إلى
القارة الأفريقية بعد التطبيع
مع الدول العربية لخدمة المشروع
الصهيوني وتحقيق الأحلام
الصهيونية باستغلال مصادر
وثروات القارة الأفريقية وخاصة
اليورانيوم والمياه.
أما ما توصي الوثيقة
بإهدائه إلى الوطن العربي فهو
النفايات النووية والكيماوية
السامة التي سوف تدفن في بطنه
ليكون مزبلة لليهود والصهاينة.
للأسف
الأنظمة العربية هي أول وأهم من
يخرج (إسرائيل) من عزلتها ويعطي
لها الشرعية الدولية، وقد
لاحظنا خلال سنوات انتفاضة
الأقصى أن بعض هذه الأنظمة لعبت
دورا وسيطا بين (إسرائيل)
والفلسطينيين بدلا من تقديم
الدعم للفلسطينيين والانحياز
إلى مطالبهم العادلة.
وينطبق ذلك أيضا على فئة
واسعة من المثقفين والمفكرين
والسياسيين ورجال الأعمال
العرب والفلسطينيين الذين
يسهرون على خدمة المصالح
الأمريكية والصهيونية، ورئيس
جامعة القدس المفصول هو مثال
على ذلك.
في
ظل هذه الوثيقة نستطيع أن
نستنتج أننا على عتبة عهد جديد
من الصراع مع الصهاينة
والإمبراطورية الأمريكية، حيث
عجزت (إسرائيل) والولايات
المتحدة الأمريكية عن استخدام
الحلول العسكرية ولجأت إلى
استخدام وسائل جديدة سياسية
واقتصادية ودبلوماسية، فإن
كانت الأمة العربية والإسلامية
عاجزة عن التصدي للاحتلال
عسكريا، فأمام الشعوب العربية
والإسلامية فرصا كبيرة لمقارعة
الصهاينة بوسائل قد تكون متوفرة
لديها، و"رحم الله من أراهم
من نفسه قوة".
نحن
العرب والمسلمون قادرون على
القيام بالكثير من البرامج التي
تؤدي إلى تعطيل بنود الوثيقة،
وبالتالي إبطال المحاولات
الصهيونية للخروج من العزلة
الدولية والخروج من الحصار
الشعبي العربي الذي يجعل
(إسرائيل) جزيرة في وسط بحر من
الألغام، ولنا في المقاومة
الفلسطينية والمقاومة العراقية
أروع مثل، وأول ما نحتاج إليه
أولا هو الاعتصام بحبل الله
جميعا حتى لا نفشل ويذهب ريحنا،
ثم يأتي بعد ذلك برامج نذكر
منها:
1. الدعم اللا محدود
لمقاومة الشعب الفلسطيني ضد
الاحتلال والمشروع الصهيوني
الغربي وتعرية كل محاولات سلب
الشعب الفلسطيني حقه في أن
يدافع بكل أنواع القوة عن نفسه
وأرضه وحقوقه.
2. التركيز إعلاميا على
وحشية وهمجية الكيان الصهيوني
المتمثلة في احتلال فلسطين
وانتهاك حقوق العرب
والفلسطينيين.
3. التركيز على الخروق
الإسرائيلية للقانون الدولي
ومعاهدات جنيف فيما يتعلق
بالأسرى وعمليات التحقيق معهم
وتعذيبهم، والجدار العنصري،
ودفن السموم والنفايات النووية
في الأراضي الفلسطينية،
بالإضافة إلى مصادرة الأراضي
والمحاولات المتكررة والمستمرة
لهدم المسجد الأقصى المبارك
ومنع المصلين المسلمين من
الوصول إليه لأداء الشعائر
الإسلامية.
4. إظهار معاناة
الفلسطينيين في الأرض التي
احتلها اليهود والصهاينة في عام
1948م الناتجة عن سياسة التمييز
العنصري التي يتبعها الكيان
الصهيوني والمتمثلة بتقييد
حرية التنقل والسفر، وحرمان
الفلسطينيين من البناء
والترميم لبيوتهم في بلدانهم
الأصلية، وقمع الفعاليات
الجماهيرية في المناسبات
الوطنية، وطرد البدو
الفلسطينيين من أراضيهم وسيطرة
المستوطنين اليهود على بيوتهم
وأراضيهم الزراعية كما يحدث في
النقب ورهط ومناطق أخرى في
الضفة العربية.
5. إبراز المعاناة
والظروف القاسية التي يعيشها
الفلسطينيون الذين هجروا من
أراضيهم، والتأكيد على إصرار
المهجَّرين الفلسطينيين على
العودة إلى ديارهم التي أخرجهم
الصهاينة منها، وحقهم الشرعي في
ذلك.
6. أعلام المجتمع
الدولي بالمذابح التي قامت بها
العصابات الصهيونية والتي كانت
نتيجتها هجرة الفلسطينيين من
قراهم ومدنهم تحت إرهاب السلاح
والبطش الصهيوني.
7. تعرية وفضح وسائل
الصهاينة في نشر الفساد
والرذيلة في أوساط الشباب، بنشر
المخدرات وبالإسقاط وغير ذلك من
الوسائل الشيطانية.
8. توعية الشعوب
العربية وتبصيرهم بالشر الذي
ينتظرهم من وراء التطبيع مع
الكيان الصهيوني، وإرشادهم إلى
ما يمكن أن يفعلوه على المستوى
الفردي والمجتمعي الاقتصادي
والسياسي والإعلامي، والدعوة
إلى تبني منظمات المجتمع المدني
–إن وجدت– برامج مقاومة
التطبيع مع اليهود.
9. الحرص على أن يظهر
الشعب الفلسطيني متوحدا حول هدف
إقامة الدولة المستقلة كاملة
السيادة، فالتنازع الفلسطيني
سوف يؤدي إنجاح المشروع
الصهيوني.
10. العمل
على الاستفزاز المستمر
والمتصاعد للكيان الصهيوني حتى
يضطر إلى الكشف عن ممارساته
الهمجية للعالم، وبهذا تسقط
الصورة الوردية التي رسمها
الصهاينة لكيانهم بأنه
"الدولة الديمقراطية
الوحيدة" في الشرق الأوسط.
11. إفساد
الهدوء والاستقرار في الكيان
الصهيوني حتى يدرك المستثمرون
الأجانب مدى الخطر الذي يحيق
برؤوس أموالهم، وحتى يدرك
المهاجرون المستوطنون أن
حياتهم وتجارتهم لن تكون آمنة
فيضطروا إلى الهجرة العكسية.
12. ويجب
أن لا نقع في فخ تحويل القضية
الفلسطينية إلى قضية رفع
المعاناة عن الشعب الفلسطيني
بدل أن تكون قضية شعب فقد وطنه
وتعرض للقتل والاعتقال
والتشريد.
أما
بالنسبة للوسائل، فلن تعدم
العقول العربية وسائل التصدي
للمشروع الصهيوني وجعل عام 2020م
هو عام موت المشروع الغربي
الصهيوني وتخليص الكون من شرور
هذا الكيان الشرير، وقد علمتنا
انتفاضة الأقصى وجهاد الشعب
العراقي أنه "ما عجز بدنٌ على
ما قويت عليه النية".
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|