إخفاقات
نظام حزب البعث في سورية...
والتغيير
المرتقب
الطاهر
إبراهيم*
استولى حزب البعث على السلطة في
آذار عام 1963، وفي حقيبته كمٌ
هائل من الشعارات التي حاول أن
يبيعها على السوريين. وفي
المرحلة الأولى من حكم حزب
البعث وحتى عام 1970 انشغل قادة
حزب البعث في خلافاتهم
وانقلاباتهم العسكرية، وتركوا
لوزراء الإعلام ،من خلال
الإذاعة والتلفزيون، تسويق
بضاعة –شعارات- الحزب الكاسدة،
فلم تجد من يشتري هذه البضاعة
بعد أن رأوا النتائج في خلاف
القيادات البعثية.
وكانت النتيجة أن عدد أعضاء حزب
البعث عند انقلاب اللواء حافظ
الأسد على رفيق دربه اللواء
صلاح جديد، لم يجاوز سبعة آلاف
عضو "عامل"، في طول سورية
وعرضها ( أخذ الرقم من احصاءات
حزبية). وهذا يفسر ،في ناحية
منه، انصراف الشعب السوري عن
هذا الحزب، الذي شهد في فترة
سبعة أعوام ثلاث انقلابات ناجحة
وأكثر منها فاشلة.
كانت سياسة الرئيس حافظ الأسد
تختلف عن سابقيه من وجوه عدة.فقد
تم تأميم كل النقابات المهنية
والاتحادات العمالية والفلاحين
والطلاب. واعتبر تاليا أن أعضاء
هذه الاتحادات
والنقابات أعضاءً عاملين في
الحزب،وهذا ما يفسر ادعاء الحزب
أن عدد أعضائه بلغ أكثر من
مليونين من الأعضاء، عند انعقاد
المؤتمر القطري الأخير.
ورغم هذا العدد الضخم،لو صح، فإن
حزب البعث أخفق في تنفيذ أي من
شعاراته التي دعا إليها. بل إنه
سجل فشلا ذريعا في مجالات حيوية
هامة، منها أن سورية أصبحت
منقوصة الأرض، حيث استولت
إسرائيل على هضبة الجولان في
الهزيمة التي جرها حزب البعث
على البلاد في حزيران من عام 1967 .
ولأن الإخفاقات أكثر من أن تعد
نكتفي بهذا المثل الصارخ دليلا
على ما جره حزب البعث من إخفاقات
على سورية.
في مقال لي سابق نشره مركز الشرق
تحت عنوان "على نظام حزب
البعث أن يرحل... لم يعد هناك من
حلٍ آخر"، قارنت الحوائط
الخرسانية التي تبنيها إسرائيل
في أراضي الضفة الغربية،
بالحواجز التي غرسها حزب البعث
في نفوس السوريين، وأن هذه (الحوائط
التي أقامها نظام حزب البعث
تسببت في تشوهات وشروخ حيث
غرسها النظام في بنية الشعب
السوري ،لأنها كانت حواجز
دستورية وقانونية وأمنية
وثقافية.)،وأن هذه الحوائط (كانت
أشد وأقسى في بنية المجتمع
السوري من جدار الفصل
الإسرائيلي، لماذا؟... لأن
إسرائيل عدو محارب في التصنيف
البشري،بينما أعضاء حزب البعث
جزء من الشعب السوري، وعدوان
الجزء على الكل: "أشد
مضاضة على النفس من وقع الحسام
المهند").
ولذلك ،وفي ظل هكذا واقع، يعيشه
الشعب السوري، فلا عجب أن نشهد
تضافر المعطيات التي تؤشر إلى
قرب إمكانية التغيير في سورية،
بعد أن أصبحت إرهاصات هذا
التغيير من الوضوح، بحيث يُعتقد
أن حدوث التغيير أصبح مسألة وقت
لا أكثر.
ورغم اشتداد القبضة الأمنية
مؤخرا تجاه كل من يعمل أو يتكلم
أو يروج من داخل سورية إلى فكرة
التغيير، فإن هذا لم يمنع
السوريين أن يكون حديثهم في
خلواتهم عن التغيير ومتى سيكون؟.
كما أن السوري ،الذي نكدت أجهزة
أمن النظام عليه عيشه، ما ينفكّ
يستشرف آفاق هذا التغيير.
ومع أن المعارضة السورية في داخل
سورية،وتلك التي تقيم في الخارج
لا تملك –منفردة- في الوقت
الحاضر أي فرصة لإحداث
التغيير،ولاتدعي ذلك،ولكن لا
ينبغي إهمال دور هذه المعارضة
في أي مسعى يستهدف التغيير.غير
أن هناك من يعتقد أن هناك
سيناريوهات قد تطرح حلولا
لإحداث التغيير المنشود. فما هي
إذن هذه الحلول الممكنة؟
سنتكلم
في هذا المقال أولاً عن الحل
الأمريكي، ثم عن الحل
الانقلابي، على أن نتكلم في
مقال لاحق –إن كان هناك فسحة من
الوقت- عن الحل الشعبي وآلياته.
الحل الأمريكي: لعل أول ما يتبادر
إلى الذهن هو اعتقاد البعض أن
واشنطن في طريقها إلى فرض تغيير
في سورية –وليس بالضرورة عن
طريق شن الحرب- على غرار ما حصل
في العراق أو قريبا منه. ومع أن
أكثر السوريين لا يسعون إلى حل
كهذا، فإن شرائح كثيرة من الشعب
السوري تعتقد أن هذا الحل غير
مستبعد، بعد التهديدات الصريحة
والمبطنة التي تصدر عن هذا
المسئول الأمريكي أو ذاك.
صحيح أن المعارضة السورية
الخارجية والداخلية على السواء
صرحت أكثر من مرة أنها ترفض
الاستقواء على الوطن بالأجنبي.
ولكن الصحيح أيضا أن واشنطن إذا
عملت على تقويض النظام البعثي،
فإن هذا سيحدث لا لوطنية
النظام، كما يدعي، بل لأسباب
أخرى غير ما يزعمه النظام
السوري.
فإذا نفذت أمريكا تهديدها وعملت
على زعزعة النظام السوري، خصوصا
وأنه يعتقد أن هذا الأمر قد يكون
برفع الحماية الأمريكية عن
النظام، فإنه لا أحد سوف يذرف
الدموع بعد أن رزح هذا الشعب
أكثر من أربعة عقود تحت نير
الحكم البعثي، الذي قام بإلغاء
الحياة السياسية وبالتالي دفع
الناس إلى اليأس والصمت والشعور
بأنه لم يعد الشأن العام
يعنيهم، وإنما يعني الفئة
الحاكمة فقط، وهي الوحيدة التي
تعطي لنفسها الحق في أن تعمل أي
شيء بعد أن دمجت واحتكرت كل
السلطات.
ولا بد هنا من كلمة تقال حول
الأسباب التي قد تجعل الشعب
السوري يقبل على مضض بهذا الحل
بعد أن كانت أمريكا من ألد أعداء
السوريين لأنها تدعم إسرائيل.
ولعل السبب المبرر عندهم أن
أمريكا دعمت النظام السوري في
وجه مناوئيه، خصوصا في العقود
الثلاثة الأخيرة من القرن
العشرين.فإذا اقتضت الأجندة
الجديدة لإدارة "بوش" أن
تعمل على تغيير النظام -وهي أصلا
لا تتبرع به لسواد عيون
السوريين- وكان هذا التغيير فيه
مصلحة ولو مرحلية للشعب
السوري،فلم لا يقبل به السوريون
؟.
ولعل ما دفع بهذا الحل إلى
الواجهة بقوة هو انهيار الحكم
البعثي في العراق على أيدي
أمريكا، ما جعل هذه الشرائح
تفلسف لك هذا الحل الأمريكي،
بأنه ليس أسوأ من الأجهزة
الأمنية البعثية التي كانت تجلد
الظهور وتصادر البيوت وتعتقل
على الشبهة.وهناك فئة من هؤلاء
متنورة أكثر من غيرها تقول: إن
الخلاص من الحكم البعثي قضية
مرحلية، وبعدها إذا أرادت
أمريكا البقاء فهناك الحل
العراقي. وهم يشيرون بذلك إلى
المقاومة العراقية التي أقضت
مضاجع جنود الاحتلال، وشعار
السوريين في ذلك "المهم أن
نخلص من حكم حزب البعث وبعدها
لكل حادث حديث".
ونلفت النظر هنا إلى أن النظام
السوري كان يحاول ركوب موجة
الوطنية كل ما اشتدت ضده
التهديدات الأمريكية، بأن نهجه
الوطني ودفاعه عن القضية
الفلسطينية في مواجهة ما تقوم
به إسرائيل من عدوان،هو الذي
يجر عليه هذه التهديدات. ولقد
تبين بطلان هذا الزعم بعد إقرار
النظام السوري بالتنسيق الأمني
الجاري مع أمريكا على الحدود
العراقية.
الحل الانقلابي:مع أن النظام
السوري يبدو وكأنه أحكم أمره،
فوضع في المراكز الحساسة في
قيادة الفرق والألوية ضباطا
موثوقين ومن لون معين، كما قام
بعد المؤتمر القطري الأخير
باستدعاء قيادات أمنية من لون
معين، عمل أكثرهم مع الرئيس
حافظ الأسد، فإنه لا أحد يزعم أن
قيام انقلاب عسكري في سورية هو
أمر مستبعد.
وفي هذا السياق فإن بعض النخب من
معارضين وكتّاب تعتقد أن أنجع
سبيل لتغيير أنظمة الحكم
القمعية التي جاءت إلى الحكم
بانقلاب هو انقلاب عسكري آخر،
ينهي حكم تلك الأنظمة القمعية.
ولكن لا بد من تذكير الذين
يهربون من الحل الأمريكي إلى
هذا الحل، بأنهم سوف يمرون على
الحل الأمريكي ولكن بصور أخرى.
فكل الانقلابات التي نجحت في
الوصول إلى حكم سورية ،ابتداءً
من انقلاب "حسني الزعيم"
وحتى استلام الرئيس حافظ الأسد
الحكم في عام 1970، فإن السفارة
الأمريكية في دمشق لم تكن بعيدة
عن تلك الانقلابات بشكل أو بآخر.
فكل من جاء إلى السلطة بانقلاب،
إما أنه استفاد من المال
الأمريكي لشراء ذمم بعض الضباط،
أوأنه استفاد من معلومات قدمتها
له تلك السفارة. أما الانقلابات
الفاشلة، فقد قدمت السفارة تلك
المعلومات إلى من كان في
السلطة، حيث لم يكن من صالح
أمريكا ذهابه ومجيء أولئك.
وعلى هذه الخلفية يعتقد أنصار
الحل الانقلابي أن الفرصة الآن
أصبحت مواتية، لأن أمريكا لم
تعد مهتمة بتقديم الدعم للنظام
الحالي، وقد أعلنت على لسان
أكثر من مسئول تبرمها منه، بل
وقد تكون مستعدة لتقديم الدعم
لمناوئي هذا النظام.
غير أن غالبية المعارضين ونخب
المجتمع المدني، وهم الأكثرية
الساحقة على الساحة السورية،
يعتقدون أن هذا الحل مرفوض،
وسيئاته أكثر بكثير من حسناته،
لأنك قد تعرف الانقلابيين قبل
الانقلاب، ولكنك قطعا لا تعرف
كيف يكونون بعد نجاح الانقلاب.
بل إن هذا النوع من التغيير قد
يدخلنا في دوامة الانقلابات من
جديد، لأن من كان ناقما صار
حاكما، ومن كان مرؤوسا صار
رئيسا يصعب عليه ترك الكرسي.
كثيرون يعولون على الحل الشعبي
،وأنا واحد منهم، وهو موضوع
مقال قادم.
*كاتب
سوري معارض يعيش في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|