دفاعاً
عن الإخوان المسلمين
بقلم:
د. باسم عبد الله عالِم
الأخوان المسلمون
مؤسسة دعوية نشأت في مطلع القرن
الماضي على يد شيخ جليل وسليل
عائلة علم, هو الإمام الشهيد/
حسن البنا (رحمه الله تعالى). ولا
تعتبر مبادئ الأخوان المسلمين
مبادئ مبتكرة, إنها مبادئ ذات
جذور ضاربة في أعماق التشريع
وفقه الدعوة. والإمام الشهيد
حسن البنا (رحمه الله) كان
مختلفاً عن غيره من علماء جيله,
وذلك باتخاذه لقرار حاسم
وتاريخي أصبح فيما بعد أحد
الأمثلة الساطعة على قدرة الفرد
وطاقته الكامنة في التغيير عند
إيمانه بفكر وهدف. والقليل على
مد العصور الإسلامية استحق أن
يشار إليه بصفته مجدداً لهذا
الدين. ولست أشك في أن الإمام
الشهيد حسن البنا أحد أولئك
النفر القليل الذين اجتباهم
واصطفاهم ربهم لهذه المهام
التاريخية من أمثال هؤلاء السيد/
عبد القادر الجيلاني وعبد الله
بن المبارك والعز بن عبد السلام
وبن تيميه والسلطان نور الدين
زنكي وغيرهم ممن لا يسع المجال
لذكرهم.
أما صفة التجديد
وحالته فهي الفيصل بين علماء
العصر ودعاته من جهة والقادة
الذين استطاعوا أن يؤسسوا نهضة
عملية فعلية مبنية على أسس،
مترجمين لسان الحال إلى واقع
عملي ومنهج علمي مصاحب له، فقد
سبق الإمام الشهيد حسن البنا
جهابذة تتلمذ على أيديهم واستقى
من فكرهم كالإمام محمد عبده
والإمام محمد رشيد رضا (رحمهما
الله) ولكن الخطوة النوعية التي
خطاها الإمام حسن البنا كانت
ترجمة لهذا الفكر وإزاحة التراب
عنه صانعاً منه مثالاً حياً
يعيش بين الناس يتفاعل معهم
ويتفاعلون معه.
وقد يكون الحديث
عن حركة الإخوان المسلمين سبة
في عالمنا اليوم المشوش والمليء
بالمغرضين الذين يحاولون
جاهدين تشويه التاريخ دعماً
لأفكارهم ومرادهم وما انطوت
عليه نفوسهم من بغض لكل ما خالف
هواهم. ولكن الحقيقة التي يجب أن
نقف عليها هي أن حركة الأخوان
المسلمين منذ نشؤها حتى يومنا
هذا كانت ولا
تزال محوراً للأحداث وهدفاً
رئيساً لكل القوى المناوئة
والمناهضة لانبعاث نهضة وحضارة
على أسس من الدين والإيمان.
والحقيقة أيضاً, أن حركة
الأخوان المسلمين عبر تاريخها
المديد وما أصابها من عثرات وما
تعرضت له من مكايد تعتبر حركة
منضبطة تنظيمياً ومتجذرة
منهجياً ومتسقة سياسياً.
وبالرغم مما قد يعتري أي منهج
إسلامي من قصور أو أخطاء, تظل
هذه الحركة بعطائها وأفكارها
الأعظم أثراً والأقل أخطاء بين
أقرانها المعاصرين . وما يثير
الانتباه اليوم هو المحاولات
الدائمة لتتبع كل استشكال
اجتماعي أو سياسي أو فكري
ومحاولة ربطه بصورة مباشرة أو
غير مباشرة بفكر الأخوان
المسلمين ومنهجهم. وإذا ما صدرت
هذه الاتهامات من تيارات مناوئة
للمشروع الإسلامي من جهة ومبررة
لكل جرائم المشروع العلماني
الدكتاتوري الاستبدادي من جهة
أخرى, فإن ذلك يعني أن ثمة أمر
أعظم أبعاداً وأبعد أهدافاً من
النقد الموضوعي أو الاختلاف
الفكري بين منهجين متعايشين
وهذا ما دفعني لاعادة النظر في
المسألة الأخوانية (إن جاز
التعبير). واحتراماً مني لعقلية
القارئ الكريم وذهنه وقطعاً
للتأويل والتخمين فإنه لامناص
من أن أقر بأنني منذ نشأتي
الأولى ساقتني الأقدار للتعرف
على الفكر والمنهج الأخواني وقد
آمنت به فكراً ومنهاجاً بعد
دراسة لكتبه وأفكاره إضافة الى
منطلقات الحركة وتاريخها.
إن أول الاتهامات
الموجهة لحركة الأخوان
المسلمين هي أنها كانت المحضن
الذي انبثق عنه ومنه التطرف
الديني الذي اتخذ أشكالاً عدة
كالمواجهة القتالية عملياً
والتكفير والهجرة فكرياً.
ولتفنيد هذا الاتهام يجب على
المرء أن يكون موضوعياً لا
انطباعياً أو انفعالياً فكما أن
المسلم ليس بالضرورة أن يكون
مرآة لمنهج الإسلام، فكذلك
الإنسان ليس بالضرورة أن يكون
ممثلاً لفكر أو حركة بمجرد
التأثر بها في مرحلة من مراحل
حياته. وبالرغم مما تقدم فإن
جميع من رفعوا السلاح ضد بني
دينهم وبني جلدتهم أو كفّروا
مجتمعاتهم قد توصلوا الى هذه
الأفكار بعد انفصالهم
ومناوئتهم وانتقادهم اللاذع
لحركة الأخوان المسلمين التي
كانت ولا تزال ترفض هذه
المنهجية، وليس أدل على ذلك
الكتاب العلم الذي ألفه المرشد
الثاني المستشار حسن الهضيبي (رحمه
الله ) والمعنون (دعاة لا قضاة).
وبالمقارنة فإن ثمة حركات
فكرية، بل وأحزاب سياسية معترف
بها قد انبثقت عنها وتفرعت منها
حركات متطرفة وأكثر راديكالية
سواء كانت يمينية أو يسارية,
ليبرالية أو محافظة ولم يتهم
أحد الأصل بتبني الفرع أو الفرع
باستقائه من الأصل ومثال على
ذلك الحركات التي انفصلت عن
حركة فتح والأحزاب اليمينية
المتطرفة في أوروبا وجيش
التحرير الأيرلندي الذي رفض
جزءاً منه إلقاء السلاح فكوّن
منظمة أخرى أسموها الجيش
الأيرلندي الحقيقي. كل ذلك لم
يمنع الحكومات والمجتمعات من
التعامل الموضوعي مع هذه
الحركات والتفريق بينها على أسس
منطقية دون أخذ أحدهم بجريرة
الآخر, كما يستهوينا في عالمنا
العربي.
وصاحب الفكر
مسؤول عن فكره لا تحورات
وانحرافات غيره. وإن كنّا لا بد
فاعلين وباحثين عن أسباب هذا
الانحراف الفكري (إن جاز
التعبير) فإنني أدعو القارئ
الكريم إلى البحث في حقب
تاريخية تسلطت فيها العلمانية
المستبدة وتعاملت مع هؤلاء
الشباب بوحشية قل مثيلها في
التاريخ الحديث، خلفت فيهم
قناعة بأن هذه الوحشية والهمجية
لا يمكن أن تجابه بغير القوة
الرادعة ولا يمكن أن تصدر إلا عن
أقوام تجردوا من كل دين وخلق.
ولكن إعلامنا اليوم يحلو له أن
يتهم الأخوان بكل نقيصة ويلحق
بهم كل جريرة.
أما ما يشاع عن أن
الأخوان المسلمين لا يطبقون
مبادئ الديمقراطية داخل حركتهم
مما يعني عدم إيمانهم بهذه
المبادئ وإبطانهم نية التخلي
عنها والعمل بغير مقتضاها إذا
ما قدر لهم التمكين. فإن الإجابة
على هذا الاتهام يحتاج إلى فكر
سياسي مدرك للفرق بين الحزب
والدولة. فالأحزاب بطبيعتها غير
ملزمة يستطيع المرء أن يتنقل
بعضويته بين حزب وآخر، كما أنها
بطبيعتها أحزاباً تحمل فكراً
ومنهاجاً وقواعد سلوكية ينضوي
تحتها من يرغب فيها وذلك بخلاف
الحكومة أو الدولة التي تحكمها
أطر نظامية وقواعد سلوكية تنصاع
لها جميع الأحزاب. وكما أن هناك
فرق بين حقوق الإنسان وتصرفاته
داخل حرمه وبين حقوقه وتصرفاته
بين أفراد مجتمعه فإن هناك فرق
بين أفكار الحزب وتنظيماته
الداخلية من جهة وعلاقته مع
منظومة الحكم من جهة أخرى. وليس
أدل على وجود ذلك الأحزاب
اليمينية المتطرفة والتي
تتعامل مع منظومة الحكم من
منطلقات العقد الاجتماعي الذي
توافق عليه المجتمع. ومع ذلك
فإنه من الطبيعي داخل كل حركة أو
كل حزب أن تكون هناك تكتلات
داخلية ومنابر مختلفة تتنافس
على قيادة الحزب وتوجهاته. وفي
خضم هذه المنافسة يتم إقصاء
أشخاص وصعود أشخاص في حركة
تفاعلية دائمة, ولا يتصور أن
يقصى إنسان من داخل حزب وفكره هو
الفكر الغالب والمسيطر على هذا
الحزب.
والإتهام الثالث
لا ينفك عن أحد رموز حركة
الأخوان المسلمين, ألا وهو
الشهيد سيد قطب (رحمه الله) في
محاولات دائبة لتشويه حقيقة
أمره وأفكاره وصورته لدى الشباب
الباحث عن مختلف الأفكار. إن
الشهيد سيد قطب رحمه الله من
خلال كتابه (معالم في الطريق)
وكتبه الأخرى
على وجه العموم قد قفز قفزة
نوعية مجدداً مفهوم المجتمعات
المسلمة القادرة على الإنعتاق
من ربقة الهيمنة الغربية. أما
مفهوم الكفر والتكفير فهو مفهوم
أصيل في الشريعة الإسلامية وليس
ثمة مثلبة أن يكون هناك تنظير
فكري يحاول أن يعدد مواصفات
المجتمع المسلم مقابل مواصفات
المجتمع الكافر. وسواء أخفق
الشهيد سيد قطب أو أصاب في بحثه.
فإن من حقه أن يؤمن بأفكاره ومن
حق الآخرين أن يطلعوا عليها
ويناقشوها. ولعل وجود كتابين
ككتاب (المعالم) من جهة وكتاب (دعاة
لا قضاة) من جهة أخرى يعطي
القارئ لمحة عن مدى الحرية
الفكرية المسموح بها والممارسة
عملياً داخل إطار حركة جامعة
كحركة الإخوان محل الإتهام.
وأخيراً لا آخراً
فإن رجالات الحركة ومنظريها,
اتهموا من قبل الكثيرين بأنهم
سبب التدمير الذي طرأ على
المناهج التعليمية في بلادنا.
ولكن الحقيقة هي أن ما أسسه
المستشارون التعليميون من
مناهج دينية في هذه البلاد كان
لها أعظم الأثر في التكوين
المعرفي والديني لأفراد
المجتمع.ولا شك أن هذه المناهج
احتاجت إلى التطوير والتحديث
على مر الأجيال وهو ما لم يحدث،
كما أنها تعرضت للكثير من
التحريف والتبديل الذي أدى إلى
تضييق المفاهيم ورفض الآخر, إلا
أنها وبالرغم من كل ذلك تعد أفضل
المناهج الموجودة للتكوين
الثقافي الديني حتى يومنا هذا
بالرغم من الحاجة الماسة
للتنقيح تخلية وتحلية.
وختاماً، فإنه لا
بد أن نشيد بانضباط هذه الحركة
بالرغم مما أصابها وما عانته من
اضطهاد وتنكيل، أما التوجه
السياسي الحالي الذي يُرى فيه
الأخوان المسلمون منفتحون على
العالم فهو توجه محمود بالرغم
من اتهام الآخرون لهم بالتحالف
مع القوى الغربية. فالغرب أكثر
وعياً وإدراكاً لحقيقة الأخوان
المسلمين وللإختلاف المنهجي
الجذري بين مراد الطرفين. ولكن
جلوس المرء إلى أعدائه للحوار
والتفاوض لا يعني التخلي عن
منهاجه ومبادئه وإلا لما استقام
حال واتفق متضادان واستحالت
جميع الحلول لا تحكم إلا بالسيف
والنار كما يحدث في عالمنا
العربي.
والله من وراء
القصد
*محامِ
ومستشار قانوني
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|