قراءة
في
الطبيعة الإنقلابية لحزب البعث
لقمان
عبد المجيد
تعد
وصية الزعيم الوطني اللبناني
الكبير كمال جنبلاط إحدى أهم
وأخطر الوثائق التي كتبت عن
الحرب اللبنانية في مراحلها
الأولى, إذ كشفت بجرأة نادرة
المستور في كواليس الحرب
الأهلية اللبنانية, أو حرب
الآخرين في لبنان كما رآه بعض
الساسة و المحللين , وفي وصيته –
الصرخة تناول جنبلاط بالتفصيل
حقيقة الدور السياسي الخفي
لاستخبارات نظام البعث السوري
والياته , وما كان يحيكه في
الخفاء للنيل من استقرار لبنان
وسلامته والانعكاسات الخطيرة
لذلك الدور على مفهوم
الديمقراطية والرأي الآخر لا في
لبنان وحده وهو يمر بأحلك ظروفه
فحسب , بل في عموم الشرق الأوسط .
بداية
كتب نص وصيته باللغة الإفرنسية
وعنونها ب ( في سبيل لبنان )
لتترجم فيما بعد إلى العربية
تحت عنوان ( هذه وصيتي ) لخص فيها
عصارة تجربته السياسية
ونشاطاته الدبلوماسية المكثفة
في سعيه الدؤوب لإنهاء الحرب
وإطفاء جحيمه الذي امتدت ألسنته
إلى جميع الأفرقاء والأطراف
المتقاتلة بدون استثناء في أتون
الحرب المستعرة, ليصل إلى حقيقة
ساطعة هي أصل البلاء واللهيب
الذي اندلع في لبنان بعد
الشرارة الأولى في نيسان من عام
1975, ألا وهي سياسة نظام البعث
وألاعيبه التي لم تتوقف رغم كل
الأهوال والدمار الذي حل بالبلد
إستقى كمال جنبلاط الحقائق من
الوقائع , ولتوثيقها ذكرها
بالإرقام والتواريخ والرتب ,
ابتداء من تمويل النظام السوري
الخفي لبعض قطاعات الجيش
اللبناني التابعة لتنظيمات
موالية له , إلى قلب الطاولة
كثيرا من المرات على الأطراف
اللبنانية المتقاتلة كلما
اجتمعت لعقد مصالحة تخالف
سياسته , ويقف جنبلاط مطولا عند
دور استخبارات النظام العفلقي
وأفعاله وممارساته , فيشير إلى
عدده الهائل الذي يربو على
70,000عنصرا واصفا إياه بالمرعب,
ويتطرق في فصل من وصايته إلى
النهب المنظم وجرائم السرقة
المرتكبة من قبل ضباط الجيش
ورجال الاستخبارات , فمن سرقة
أصص نباتات الزينة والسيراميك
إلى سرقة التحف الفنية والقطع
الأعجمية ولوحات لكبار
الفنانين العالميين وجداريات
وستائر ثمينة .........الخ وبتجربته
يستنتج جنبلاط الروح
الانقلابية والانتقامية لعقيدة
البعث تلك الطبيعة التي كانت
وراء استلام الحزب للسلطة في
العراق وسوريا , وفيما بعد
احتلال الكويت ولبنان . شد د
مؤسس ( نظرية البعث ) وفيلسوفها
إستاذ التاريخ ميشيل عفلق في
دراساته وإطروحاته الفكرية
والسياسية على الطبيعة
التامرية والانقلابية
والانتقامية للحزب كضرورة
نضالية لا بد منها في كفاح الحزب
لتحقيق ثالوثه التقليدي في
الوحدة, والحرية, والاشتراكية,
واستطاع عفلق أن يجسد تلك
الأفكار الاستبدادية ذات
النكهة الميكيافيللية ( الغاية
تبرر الوسيلة ) في صورة بند
دستوري قائم في النظام الأساسي
العام لحزب البعث , إذ ضمن ذلك
دستور الحزب الذي ينص في مادته
السادسة على أن ( حزب البعث
انقلابي يؤمن بأن أهدافه
الرئيسة في بعث القومية العربية
و بناء الاشتراكية لا يمكن أن
يتم إلا عن طريق الانقلاب
والنضال ......) الملاحظ في هذه
المادة المرجعية لفكر البعث
وممارساته عدم الفصل بين
الإنقلاب والنضال في سعيه
للوصول إلى السلطة , والثابت إنه
لا انقلاب دون غد ر أو خيانة أو
إقصاء , وغالبا ما يرافقه مجازر ,
وإعدامات جماعية , وسجل البعث
كحزب انقلابي حافل بالشواهد
والأمثلة منها على سبيل المثال
لا الحصر ( إنقلاب البعث الخاطف
في 17 تموز 1969 على الرئيس العراقي
عبدالرحمن عارف , وقبله
المشاركة بإنقلاب 8 شباط 1963 على
الرئيس عبدالكريم قاسم , رافقها
حملات تعذيب للأكراد
والشيوعيين , وإعدام جماعي
لعائلات شيوعية بأكملها , ثم
الإنقلاب الصامت لصدام حسين ضد
رئيسه أحمد حسن بكر وتنحي هذا
الأخير عن السلطة ......., ثم في
سورية نجد إقدام رئيس الجناح
العسكري للبعث السوري بسحب
السجاد من تحت أقدام الجناح
المدني للحزب ورمي الحرس القديم
ومؤسسي الحزب أمثال ميشيل عفلق
و صلاح الدين بيطار وغيرهم في
غياهب السجون , كما نجد أثناء
إنعقاد مؤتمر القيادة القومية
للحزب في دمشق في تشرين الثاني
1970 كيف أصدر المؤتمر قرارات
تهدف إلى تجريد كل من حافظ الأسد
و صديقه طلاس من رتبهما وما لهما
من صلاحيات ومناصب في الجيش
والحكومة , لكن سرعان ما حاصر
حافظ الأسد قاعة المؤتمر
بالمدرعات والمدافع لينهي
المؤتمر لصالحه , ويعتقل صلاح
جديد , ومعه الرئيس نورالدين
الأتاسي , وغيرهما , ويزجهم في
السجون ...., بعد تجربة مريرة
لميشيل عفلق مع رفاقه من العسكر
, وبعد أن وجد نفسه أحد ضحايا
فكره وإطروحاته , وهو المؤسس ,
والمنظر , والإستاذ , صرح من
منفاه البعيد : ( ....كلهم ضباط
وعسكر , قطاع طرق يتسلقون السلطة
على ظهر البعث ثم يضربون الحزب
....) ونسأل عفلق هل من إنقلاب دون
ضباط وعسكر ؟ وكيف تسلل قطاع
الطرق إلى حزبه ؟ ولماذا تسلقوا
السلطة على ظهر البعث تحديدا لا
غيره من الأحزاب ؟ ؟؟؟ في طريقه
لتحقيق الثالوث التقليدي (
الوحدة , والحرية , والاشتراكية )
أرتكب البعث مجازر في العراق ,
وسوريا , والكويت , ولبنان , منها
( دزة , زيوه , داكان , حماه , حلب ,
تدمر , حلبجة , تل الزعتر , ...........
)كما إرتكب جرائم الإبادة
والتهجير المنظم , كالأنفال ,
وتهجير ما يزيد على 300,000كردي من
موطنهم الأصلي من كردستان إلى
جنوب العراق ( الأكراد الفيليين
) , كما مارس نظام البعث الإنقلاب
على طريقته الخاصة كالإنقلاب
على القوانين والدساتير (
كتعديل الدستور السوري لصالح سن
الرئيس ) , أو التمديد ( كالتمديد
للرئيس اللبناني إلياس الهراوي
والرئيس الحالي إميل لحود)
وماذا بعد ؟ العفالقة ينهزمون
هذه المرة في لبنان , ويجرون مع
إستخباراتهم أذيال الخيبة
والهوان , وإن تركوا خلفهم
مرتزقة للعمل في الخفاء كخفافيش
الظلام , وبعض المؤسسات التي
نصبتها بين اللبنانيين ,
للإنفجار المؤجل . تؤكد بعض
المصادر وصول دفعات من الجيش
العفلقي المهزوم إلى المناطق
الكردية المرشحة أكثر من غيرها
لمؤشرات بوصلة الإنهزام للعسكر
السوري الذي يأبى العودة إلى
ثكناته بالرغم من كل ما جرى ,
طالما أن ساحات الوطن مفتوحة
أمامه , وجبهات الشعب أسهل من
غيرها , من جولان ولبنان , جبهات
كجبهة الحقوق والحريات العامة ,
جبهة الديمقراطية والمساواة ,
جبهة الحقوق المشروعة للشعب
الكردي في سوريا ...........
إن
المظهر العسكري بكل مقوماته
المرعبة , من مدرعات , ومدافع
رشاشة , وطائرات حربية , أمرغريب
عن ثقافة المنطقة , المسالمة
والهادئة , لكنه سيعمل مغ الوجود
الإستخباراتي المكثف على تكريس
ثقافة الخوف والترويع والقمع في
تلك المناطق الامنة , البعيدة عن
العنف والدم منذ الإستقلال عن
فرنسا وحتى 12 اذار 2004, حيث
الإنفجار المدبر على خلفية ما
كان يجري في العراق من تطورات
وجدها النظام البعثي مأساوية
للمصير الذي بات ينتظره . وأخيرا
لا يسعنا أن نقول للضباط ورجال
الإستخبارات العفالقة سوى
لاغنائم للغزاة , فبيوتات
الأكراد الطينية جدرانها خالية
من لوحات لمشاهير الرسامين , أو
جداريات , أو سجاجيد عجمية كالتي
أشار إليها الزعيم الوطني كمال
جنبلاط في وصيته (في سـبيل
لبنـان ).
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|