نيل
الأوطار ...
في
حديث " شبيجل " مع بشار
د
: عثمان قدري مكانسي*
نقلت السفير في 29- 08 – 2005 ترجمة
النص الكامل للحديث الذي أجرته
مجلة " دير شبيجل " مع
الرئيس السوري بشار بن حافظ ..
فكان لنا وقفة مع بعض الأسئلة
التي طرحتها ، وأجوبته التي
تستحق الوقوف عليها تصويباً
وتنقيحاً .. فالمعصومون
الأنبياء فقط . أما الآخرون
فيقبل منهم ، ويُرد عليهم .وليس
من كبير إلا صاحب الحق المدافع
عنه ، وليس من صغير إلا المجافي
للحق النائي عنه .
-
حين سئل عن عدم شعور الغرب
بوجود الديموقراطية في سورية
كرر الأسطوانة اللمملة : بأن
الحالة بين سورية وإسرائيل هي
حالة اللا سلم واللا حرب ، وعلى
هذا فلا ديموقراطية في سورية
حتى يُحل لاأمر بين
الإسرائيليين والسوريين .
والعجيب أن إسرائيل تحاربنا
بديموقراطيتها فاليهود يعبرون
عما في نفوسهم تجاه حكوماتهم
وأعدائهم بحرية ، بينما يقمع
السوريون وتكمم أفواههم ، بحجة
أن واقع اللا حرب واللا سلم
يستدعي ذلك ! وهل رأيتم شعباً
يساق مثل القطيع قادراً على
مجابهة العدوّ ، وهل سمعتم بأمة
تعيش حياة العبيد تستطيع مقاومة
الأعداء؟! ألم يكن جواب عنترة
لأبيه حين أمره أن يحرب الغازين
" العبد لا يكر "
فقال له : " كرّ وأنت حر
"! كيف تكون الديموقراطية
سلاح اليهود في حربهم لنا ،
ويكون القمع والاستعباد سلاح
النظام السوري في حربه الهلامية
لهم !
هذا مع العلم أن النظام ليس من
أوّلياته ولا عاشرياته مقاومة
إسرائيل بل إنه يستجدي رضاها ،
وهذا شارون يعلن أنه لن يهدي
النظام السوري فرصة أمام العالم
الغربي يتحرك فيها ، ولن يدخل
معه في عملية صلح في هذه الآونة .
ويقول بشار " وبالمناسبة فقد
باشرنا قبل سنوات خطوات باتجاه
التطوير أدت إلى أمور غير
متوقعة ..." فما هذه الأمور غير
المتوقعة ؟! إن بشارأ يعلن في
لقائه بالعسكريين أنه لن يقدم
للشعب أي هامش من الحرية لأن ذلك
سيؤدي إلى مفسدة!!! فهل كانت
الحرية مفسدة ؟ إلا أنه رأى في
ربيع دمشق والمنتديات والحركة
الإسلامية المتوقدة سقوطه
وسقوط نظامه الذي لا يعيش إلا في
القهر والظلام ؟
ويقول كذلك " لكن المهم أننا
في سوريا نقود حواراً في هذا
المجال " ولعل إغلاق
المنتديات واعتقال ناشطي دعاة
الحقوق في سورية ، وإغلاق
صحيفتي الدومر والمضحك المبكي
وغيرهما والإصرار على قانون
الطوارئ وقانون العار 49 القاضي
بإعدام الإخوان المسلمين ومن
يؤيدهم من دواعي الحوار الذي
يقودة مستر بشار .
- وحين
يصر على الإنعاش الاقتصادي قبل
التطوير السياسي تسأله المجلة :
هل يعيق أحد المسارين المسار
الآخر ؟ فيكون جوابه " إن أكثر
المواطنين السوريين الذين
قابلتهم يرغبون الخلاص من الفقر
قبل وضع الدستور الديموقراطي
بالإضافة إلى ذلك هناك موجة
الإرهاب التي تعطل أي تطوير
ديموقراطي . .. يجب علينا التحرك
بسرعة وقدر المستطاع قبل تلقي
ضربات معاكسة "
نسأله ببساطة :
َمنْ
هؤلاء الذين يودون أن يعيشوا
مثل الأنعام يأكلون ويشربون دون
أن ينعموا بحريتهم ؟ وكيف التقى
بهم وهو في برجه العاجي لا يلتقي
إلا بمن يريد وقت ما يريد بال
صفة التي يريد ؟!
وكيف
ترضى - إذا كنت حراً - أن تسوس أمة
ترضى بالدنيّة لاهمّ لها إلا
ملء البطون ؟ لقد هجا الحطيئة
الزبرقان بن بدر في قصيدة منها
هذا البيت المشهور :
دع المكارم ، لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم
الكاسي
فثارت ثائرته وشكاه إلى أمير
المؤمنين . ليس همه الأكل
والتبوّل والنكاح . إنما هذه من
متطلبات المخلوقات كلها ، أما
الإنسان فيريد الحرية والعزة
التي سلبتموها شعبكم المقهور .
والأعجب
من ذلك أنه يطلق مقولته العرجاء
" إن من يقدم الحرية على
الاستقرار يلحق ضرراً بالنمو
والرخاء " وهل يكون الاستقرار
إلا بالحرية ومن ثم يأتي النمو
الرخاء ؟ .
وكيف يتخلص الإنسان المقهور من
الظلمة الذين اغتصبوا حقه دون
أن ينعم بالحرية والديموقراطية
التي حرمتموه منها . إنكم
تحرمونه نعمة الحرية وتبعدونها
عنه كي لا يضيع منكم ما سلبتموه
من شعبنا المصابر .بالظلم
والإرهاب وأجهزتكم الأمنية .
ويقول سيادته " هناك موجة
الإرهاب التي تعطل أي تطوير
ديموقراطي " فلنقرأ الجملة
بشكل معكوس لتكون الجملة بعد
إصلاحها هكذا " هناك موجة
الديموقراطية التي تعطل أي عمل
إرهابي " !!! ألم يكن أولى
برئيس الجمهورية أن يكون صادقاً
يقول الحقيقة ؟ ... إن الخليفة
عمر رضي الله عنه لم يقطع أيدي
السارقين في عام الرمادة لأنهم
حين سرقوا كان جائعين ، أما حين
تكون الأمة في أمان رغد فله أن
يسائلها .
- ويظن السيد بشار أن تحسين
المستوى المعيشي للمواطنين –
مرة أخرى – أهم من كرامتهم ، وأن
الجائع لا يرد سوى الطعام
والشراب ثم سوف يبحث عن
إنسانيته .. فلسفة لم ينطق بها
سقراط زمانه ولا كندي ّ وقته .ولا
فارابيّ عصره . ألم يسأل نفسه
لم لا يفعل الأمور كلها
لأنها متلازمة متشابكة ؟ .. ثم
نسأله مرة أخرى : لقد مر على حكمك
أكثر من خمس سنوات ، فماذا فعلت
في هذا المضمار سوى أن ارتفعت
الأسعار وازداد الغلاء ، وصارت
الحياة عسيرة كما دلت
الإحصائيات الأخير أن أكثر من
ثلث الشعب يعيش تحت خط الفقر.
ويقول سيادته :" يجب علينا
التحرك بسرعة قدر المستطاع قبل
تلقي ضربات معاكسة " إلى أين
سيتحرك ؟! ومن الذين سيضربونه
ضربات معاكسة ؟! فإن تحرك إلى
الإمعان في الفساد فلا يلومنّ
إلا نفسه . وإن تحرك إلى نصرة
المظلومين والدفاع عنهم فسيكون
الجميع معه ! فإلى أين سيتحرك؟!
وعليه إن كان شريفاً أن يسعى إلى
شعبه يرفع عنهم ظلم السنين ،
وليتقرب إليه فالشعب هو السند
الحقيقي لحكامه إن كان همهم
سعادته لا أن يتحرك بذل ونذالة
إلى إسرائيل يستجدي رضاها ،
ويتملقها ومن وراءها !!فإلى أين
سيتحرك ؟!
-والعجيب أن السيد الرئيس لا
يخجل أن يقول " أنتم تتحدثون
إلى معارضين في بلادنا ، ولو
أردنا سجنهم لما استوعبتهم
السجون " !!!
وهنا أسأله مرة أخرى :
إذا كان معارضوكم كثيرين تغص
بهم السجون فقد أثبتم على
أنفسكم أنكم قتلتم عشرات الآلاف
منهم كما اعترف بذلك وزير دفاعك
الهمام مصطفى طلاس !
وكثرة المعارضة تدل على موقفكم
الهش ، وظلمكم الذي فاق
الأساطير .
وكثرة المعارضة دليل على أنك لم
تقابل إلا المنافقين ممن يحنون
رؤوسهم لكم ويمرغون وجوههم على
أعتابكم بذل وصغار ، وهؤلاء لا
يمثلون الأمة .
- وحين
يُسأل عن المعارضة الحقيقية يقر
بأنه ونظامه علمانيان ، ولن
يسمح لأحزاب دينية أو إثنية
عرقية أن يكون لها دور .
ويقر بأن الدين له تأثير كبير
على الأمة ن،فهو سيمنع التجمعات
الدينية والأحزاب
العرقية وهنا نسأله
أليس حزبكم هذا
" البعث العربي الاشتراكي
" ينادي بالعروبة ؟ فلم
تحرمون على الأكراد مثلاً أن
يشعروا أنهم أكراد ؟ الستم
علمانيين لا دينيين ؟ فلماذا
تحاربون من يرى أن الإسلام هو
المرجعية في نظامه الحيويّ ؟.
لقد أساءت الحكومة الجزائرية
فهم الإسلاميين عام 1991 فظل
البلاء فيها إلى يومنا هذا . فلا
تكونوا مثلها . ثم إنكم تقصون
الشعب وتمنعونه أن يختار ما
يراه مناسباً له ، فهل ترضون أن
يعاملكم الآخرون بالأسلوب
نفسه؟ ولماذا لا تحتكمون إلى
صناديق الاقتراع إن كنتم واثقين
بأنفسكم ؟
- وحين
سئل عن نظام الأحزاب في سورية
قال " من أجل الحوار
الاجتماعي احتجنا إلى خمس سنوات
.. ونحن الآن في المرحلة التالية
مرحلة الحوار حول الأحزاب " .
جواب عجيب غريب يضحك من شدة
الأسى " وشر البلية ما يضحك
" .إن الأحزاب في الأمم
الراقية لا تدخل المعترك
السياسي إلا حينما يكون لها
برنامج عمل تطرحه على الناخبين
لتنال رضاهم فتفوز بالحكم لتبقى
فيه سنوات لا تتعدى الأربع أو
الخمس ، فإذا نجحت جددت لها
الأمة ، وإن خسرت صارت في زوايا
النسيان .
فكيف وصل البعث إلى السلطة؟!
وصل على متن دبابة لا برنامج
ولا منهاج حقيقيين سوى ادعاءات
جوفاء ثبت زيفها وبطلانها . هذا
أولاً .. أما ثانياً فقد ظل
سيادته رئيساً خمس سنوات
بكاملها من أجل الحوار
الاجتماعي .. أرأيتم كيف يستخف
بعقول الشعب ؟! وفي السنوات
الخمس القادمة سينضج مرحلة
الحوار حول الأحزاب .. ما شاء
الله .. عمل دؤوب وجهد شاق . وربما
في السنوات العشر بعدها – لا
سمح الله - سيأتي حافظ بن بشار
ليكمل الحوارات وينضج الأفكار !!
- وأخيراً
وليس آخراً لن نرجو من نظام
استلب الحكم واغتصبه إصلاحاً .
وهل تجد من الفاسد سوى الفساد ،
والظالم غير الظلم ؟!
*
عضو رابطة أدباء الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|