ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
كيف
كان الاستبداد أحد
أسباب انحطاط المسلمين نبيل
هلال* طال
العهـد على الشخصية العـربية
والإسلامية وهى تعيش فى ظل
الحكم الإسـتبدادى فأصابها
المسخ، وفاقـم هـذا التحول ذلـك
الموروث الدينى الفرعونى
والفارسى، والتفسـيرات
الخاطئـة للديـن، والتراث
المملوكى، وطول الامتثال
للمسـتبد "وأولى الأمر"0
ففى مصر الفرعونية كان الملوك
يمارسون أقسى أنواع الحكم
الثيوقراطى، وبعـد عصر
الفراعنة عاش المصريون فى ظـل
الحكم الرومانى، مرورا بعصـر
البطالمة الـذى امتـد نحـو
ثلاثـة قرون، وكان فيه
الإمبراطور الرومانى ممثـلا
للإلـه، أى اسـتمرت العلاقة بين
الحاكم والمحكومين علاقـة إلـه
وعبيـد0 وبعـد نهايـة الحكم
البيزنطى والفارسى للمنطقة
العربيـة، تعرض المسـلم فى مصر
والشـام والحجاز والعـراق
للإسـتبداد الأموى والعبـاسى
والفاطمى0000والمملوكى، ثم الحكم
العثمانى الـذى كان فيـه
الخليفة ظل اللـه فى الأرض0 كمـا
حملت منطقـة فارس إرث الحكم
الفارسى الـذى كان ينظر فيـه
أيضـا إلى الحاكم على أنه إلـه،
ثم تعرضت بعـد ذلـك لاسـتبداد
خلفـاء المسلمين0 وترسخت قابلية
الاسـتبداد فى الشخصية
العربية، وبلغ ذلك ذروته عنـدما
امتثل المسلمون فى مصر والشام
لحكم العبيـد والإماء، ويعـد
هذا الأمر سـابقة انفردت بهـا
شعوب هذه البلاد وهى أن يقبل
"الأحرار" حكم
"الأرقـاء"0وكان العبيد
والأرقاء فى أمريكا يضطلعون
بالأعمال الشاقة فى المزارع
والمصانع ولم تسـند إليهم أي
أعمال إدارية، ناهيك من أن
يتولوا حكم البلاد، ذلك هو ما
حدث فى بلادنا، حكمنا الأرقاء
وأورثونا تراثهم، تراث العبيـد
الـذى حملنا على قبـول جميع
صنوف الاسـتبداد طوال تاريخنـا0
وكان أول من اسـتقل بحكم مصر هـو
"الرقيق" أحمـد بن طولون،
الذى انشـق على الخليفـة
العباسى واسـتقل بحكم مصر فى
سـنة 868 ميلادية0وحقيقة الأمر أن
الخلفـاء العباسيين سـبق لهم أن
عينوا عبيـدا من الترك كولاة
على مصر قبـل أحمـد بن طولون،
منهم: الوالى على بن يحيى
الأرمنى سـنة 841 ميلادية، ويزيد
بن عبد الله التركى سنة 856
ميلادية، وأزجور التركى سـنة 868
ميلادية0 فحكم العبيـد فى مصـر
يعـود لأبعـد من سـنة 868 م
واسـتمر على نحـو أو آخـر حتى
وقت ليس ببعيـد، وقد بلغ عـدد
المماليك الذين اشـتراهم أحمـد
بن طولون، والملـك المنصـور،
والأشـرف خليـل، والسلطان
الناصر محمـد، ما يزيد على
مائـة وعشرين ألف مملوك0وكان
المماليك فى المجتمع المصرى
يمثلون القـوة والسلطة،
ومارسوا قهر المصريين، ونهبهم،
والحقوا بهم أشـد صنوف
الاسـتبداد قسوة، مما
أفرز-بالضرورة-"خوف"
المصريين من السـلطة وكل ما
يتعلق بالسلطان والعسـكر
والحاكم، وكان المماليك فى
البـدء عسـكر الوالى، وجند
السلطان، ثم اصبحوا فيمـا بعـد
السلاطين والحكام أنفسـهم،
وترسخ وجودهم فى نسـيج المجتمع
المصـرى، وأصـبح تراثهم - تراث
العبيـد – أحـد المكونـات
الأسـاسية، إلى جانب مكونـات
أخرى، فى الضمير المصرى0 ولم يكن
غريبا عنـدئذ أن تصاب هـذه
الشخصية بالسلبية السياسـية
المزمنة، بعد أن اعتادت أن
يسـوسها الغير، وبعد أن تعرضت
لمعاول القهر والإسـتبداد،
بدءا من حكم الفراعنة والرومان
وخلفـاء المسلمين-باسـتثناء
الخلافة الراشـدة-وانتهـاء"
بسـلاطين المماليك والحكم
العثمانى0 كذلك فإن "الجزيرة
العربيـة عرفت قبـل الإسلام
ضروبا من الطغيان والإسـتبداد
لا تقـل عـن ضروبه المشهورة
التى عرفت فى الشـعوب الأخرى،
وأن قبائل من العرب الحاضرة
والبادية قـد سـادها ملوك
يعتزون بالأمـر والنهى بيـن
رعاياهم بغير وازع ولا معترض،
ويقيسـون عزتهم بمبـلغ
اقتـدارهم على إذلال غيرهم
واستطالتهم على من يدعى العـزة
سـواهم ، وعرب الباديـة يرون
العجز عن الظلم نقيصة، ففى
شـعرهم: قبيلته
لا يغدرون بذمة
ولا يظلمون الناس حبة خردل وتكشف
الأقوال المأثورة التى
يتـداولونها عن تمجيد قيمة
الظلم والقهـر، وقـد "قيـل فى
أسباب المثل القائل (لا حر بوادى
عوف) أنه يقهـر من حل بواديه،
فكـان من فيـه كالعبد له
لطاعتهم إياه 0وربما كان ثمة
تأثير لمنطق القـوة الذى كان
يمثـل علامة بارزة فى المجتمع
العربى البدوى، ويدرك العربى أن
من طبائع الأمور وجود قوى
وضعيف، ظالم ومظلوم، مستبد
ومستسلم0 فبيئة القبائل العربية
كانت تشهد إغارات السلب والنهب
والقتل والسبى، ويفخر العربى فى
البـادية بأنـه ظالم ومسـتبد،
فالاسـتبداد عنـده قيمة
اجتماعية رفيعة يمجدها ويتغنى
بها شـعراؤه0 *كاتب
مصري --------- **
من كتاب الاستبداد ودوره في
انحطاط المسلمين لنبيل هلال,
والكتاب متاح كملف مضغوط لمن
يريده من السادة القراء http://nabil-hilal-2.blogspot.com المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |