نريدهم
حكّاما بشراً ..
فهل يصرّون على أن يكونوا
سفّاحينَ .. أو.. آلهةً ..أو
شياطين .. !؟
عبد
الله القحطاني
أ ـ يَزعم ولاة الأمور في
بلادنا ، أنّهم حكّام .. بل حكّام
بَشَر ..! ونُسارع إلى تَصديقهم ،
لأننا نحبّ أن نُصدقَهم ، بل
نُصدقُهم حتّى قبلَ أن يَزعموا
، وذلك بمجرّد استلامهِم للسلطة
على ظَهر دبّابة..!
وعذرنا في هذا التصديق واضح،
وهو أننا، إذا لم نصدّق أنهم
حكّام، فسنجد أنفسنا مضطرّين
إلى افتراض البدائل الأخرى ،
وهي مخيفة كلّها وبالمقاييس
كلّها ـ حين نتذكّر أننا بصدد
الحديث عن وطن ودولة ـ! إذ ، ما
مَعنى أن تَـقتحم مجموعة مسلّحة
بيتاً ـ
مثلاً ـ أو مدينةً أو دولةً،
بقوّة السلاح، وتَـفرضَ على
الناس رفعَ الأيدي ، والاستسلام
التامّ ، ووضعَ كلّ ما لديهم تحت
تصرف المجموعة المسلّحة
المقتحِمة..!؟
ما
معنى هذا..!؟ وكيف يفسّرفي أعراف
البشر،على امتداد الزمان
والمكان :(لصوص..قطّاع طرق ..مجرمون
.. سفّاحون ..)! هذه هي الأسماء
البديلة المفترَضة ، لهذه
المجموعة، إذا لم تسَمّ نفسَها
حكّاما، وإذا لم نصَدق أنّها (حكّام)!
نريد، وبكلّ الصدق والجديّة ،
أن نصدّق أنهم حكّام ، هرَباً من
البدائل الأخرى المخيفة .. لكن ..
ما الذي يقدمه لنا الواقع ؟
لننسَ الآن ما يقدمّه الواقع ،
ولننظرْ إلى الأمر من زاوية
أخرى..!
قد يقال : إذا كنتم تريدونهم
حكّاماً ، وتصدّقون أنهم حكّام
– لأنكم تحبّون هذا التصديق
حباً اضطرارياً هرباً من
البدائل البشعة – ، فلمَ
تعارضونهم ، وتنتقدون
ممارساتهم ، وتتحدّثون عن
فسادهم وتسلّطهم ، وتطالبونهم
بالإصلاح والتغيير والتطوير ..!
والأصل في الحاكم ـ
الذي تقرّون له بأنه حاكم –
ألاّ يَسمع منكم إلاّ كلمات :
" سمعنا .. وأطعنا " !
والجواب بكل بساطة هو: إنّ
افتراضَ كونِهم حكّاماً ،
يستدعي بالضرورة ، أن يقال لهم : (
أخطأتم هنا ، وأصَبتم هنا ) ..
لأنّهم يدركون بالضرورة ، أنّهم
بشر ، وأنهم يخطئون ويصيبون ،
وأنّهم يَحكمون دولة فيها بشر ،
لا قطيع من الغنم أو البقر ..
وأنّ النصح والتسديد ، وتعرية
الأخطاء ، مِن أهمّ واجبات
المحكوم تجاه الحاكم .. وأنّ
إصغاء الحاكم إلى آراء مَحكوميه
، مِن أهمّ واجباته تجاهَهم ..
وهذا كله ، مختلف عن الموقف تجاه
السفاحين واللصوص ، والشياطين ..
والآلهة ..!
وإذا كان الحاكم لا يزعم أنه هو
الإله الذي يقال له: "
سَمِعنا وأطَعنا
غفرانَكَ ربّنا وإليك
المصير " ..
كما لا يزعم أنه شيطان همّه
إفساد الناس ، وسَماع اللعنات
تنصبّ عليه صباحَ مساءَ ..ثمّ لا
يبالي ..!
كما لا يزعم أنّه لصّ مجرم
سفاّح ، يَتوقّع أن يقاومه
الناس ، بكلّ ما أوتوا من قوّة –
ولو فنيَ أكثرهم – حتى يطهّروا
منه بلادهم ..
نقول: إذا كان الحاكم يَحكم
بشراً لا بقراً .. وأنّه ليس
إلهاً ، ولا شيطاناً ، ولا لصاً
سفاحاً يقود عصابة من اللصوص ..
وإذا أصرّ على أنه حاكم للبلاد
والعباد ، لا حاكم لحزب معيّن ،
أو زمرة معيّنة ..
وإذا دأبَ الناس – اختياراً ،
أو اضطراراً – على تصديقه بأنه
حاكم ، مسؤول عن أرواح البشر
وأموالهم وأمنِهم ، وحفظِ
بلادهم من القوى الخارجيّة
الطامعة ..
إذا كان ذلك ، كلّه ، كذلك ..
فما الذي ينبغي على الحاكم –
المفترَض – فِعله !؟
هذا السؤال مطروح على الحاكم
نفسِه ، وحدَه ، تحديداً..
والمطلوب منه الإجابة ـ بأفعاله
حصراً – لإثبات افتراض أنه
حاكم بشر .. ليس إلهاً ، ولا
شيطاناً ، ولا لصّاً سفّاحاً ،
ولا جلاّداً ..
أمّا الادّعاءات ( القَوليّة )
فلمْ يَعد أحد يَكترث بها ،
لأنها فَقدت معانيَها جميعاً!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|