النظام
المتهالك
دكتور
عثمان قدري مكانسي*
كلما حاولت الوقوف على ضعف
النظام السوري وخوائه تصورت
سنّا أوضرساً ظاهره القوة بما
فيه من لمعان ، وداخله الفراغ
الذي نخر فيه السوس فلم يُبقِ
منه سوى القشرة الظاهرة . وليس
أدعى إلى ضعفه وتهالكه من
الأزمات التي يقع في الواحدة
منها دون أن يخرج من أختها . وهو
لن يخرج منها بإذن الله تعالى
إلا إلى حيث " ألقت رحلها أمُّ
قشعم " . ولعل الفساد المستشري
في النظام وأركانه متعدد السمات
والوجوه ، فالنظام بتركيبته حشر
نفسه فيها ،و لم يرد أن يخرج
منها بل لم يستطع أن يخرج سوى
إلى الاندثار . فليس بمقدوره أن
يفعل غير ذلك .. وهذه سنة الله في
عبيده الآبقين الذين يزوغون
يميناً وشمالاً ليقعوا الوقعة
الأخيرة في زبالة التاريخ .
والدلائل على تهالكه كثيرة
كثيرة ، منها :
أنه
حين سيطر على مقدرات البلاد
بانقلاب في غفلة من الشعب اعتبر
البلاد بمن
فيها ملكاً خاصاً بالمستلبين ،
فأعلن قانون الطوارئ وكم
الأفواه وملأ السجون
بالمعتقلين وقتل عشرات الآلاف
من الشرفاء وقنن القوانين
الاستثنائية ، وحكم بالنار
والحديد ،
وشرد اضعافهم في أرض الشتات
الواسعة .
ثم
أعلن وصايته على الأفكار
والعقول ، وشرّع المادة الثامنة
من دستوره فجعل من حزب البعث
قائداً للأمة ، الحاكم بأمره ،
الصدقُ ما يقوله ، والحق ما يراه
، والقولُ قوله والأمر أمره ،
وليس بعد هذا استبداد ، وليس بعد
هذا استعباد . وهذا من أكبر
الأدلة على عدم الثقة بالشعب ،
والرغبة في الاستئثار بالسيطرة
، واالدليل على ان الانقلاب
الذي عُدّ زوراً وبهتانا ثورة
وتحرراً كان سبيلاً
للمكاسب المادية الرخيصة ،
وظهور الغنى الفاحش والثراء
العريض على فئة المتنفذين برهان
ساطع يدمغ كذب النظام ويعرّيه
من المصداقية التي يتشدق بها .
ولما
رأى الكذبة شاعت وافتضحت تزين
بـ " الجبهة الوطنية التقدمية
" وهي مجموعة متسلقة وصولية
لفظتها الأمة ونفتها ، فأنشأ
منها أحزاباً هزيلة لا تمثل حتى
نفسها ، وتاريخها موصوم
بالنذالة والعمالة من رأسها إلى
أخمص قدميها . ولم تكن هذه
المجموعات لترضى بالفتات الذي
أُلقيَ غليها إلا لهوانها على
نفسها وهوانها على الشعب ،
وأنها لا تعيش إلا في الزوايا
الآسنة ، وتحت مداس العابرين
تتقبل الإهانات والركلات ،
وترضى الدونية في سبيل تحقيق
مكاسب هزيلة تعادل نفوس أصحابها
. فلا صحف لها ولا إعلام .
وكوادرها لا تتعدى العشرات بله
أصابع اليد الواحدة . وعليها أن
تسبح بحمد صانعها وتمجد اسم
الحزب الذي أنشأها لتكون صورة
هلاميّة لجبهة حاكمة ليس لها
فيه – في الحكم – سوى تمرير
الصفقات ، ومحاولة التلميع ،
والتطبيل والتزمير .
ومن المعروف أن دورالمعارضة في
أي بلد أن تكون مرآة تعرض أخطاء
الحكم ، وتصوب المسيرة ،
والمحفّز على العمل الدؤوب ،
وخدمة الأمة ، ولم تكن المعارضة
في البلدان التي تحترم نفسها
أداة تخريب ولا معول هدم . ، لكن
النظام الذي استلب البلاد
واغتصبها ووضع في أوّلياته أن
يجعلها بقرة حلوباً لأركانه
وأزلامه لا يُسعده أن يكون في
البلاد معارضة تسلط الضوء عليه
فتفضح ممارساته ، وتكشف عيوبه
وتنبه إلى مساوئه . فلا بد من
مجابهتها بقسوة . واتهامها
بالصفات التي هو- النظام - أهل
لها من تخريب وإفساد وعمالة وما
إلى ذلك من الأوصاف التي انغمس
فيها فكانت سمته البارزة
ولصيقته الدائمة ، يطلقها عليها
ظانّاً أن الشعب غِرٌّ أحمق
تنطلي عليه هذه الأكاذيب وتلك
الادّعاءات . وضيّق عليها
الخناق ، وجعل الاتصال بها خطاً
أحمر لا ينبغي تجاوزه ، ولاحَقَ
من يتعدّاه ، فاستعان في أول يوم
بدأ حكمه فيه بالأجهزة الأمنية
التي سلطها على الشعب عدوّه
الحقيقيّ يذيقه المر والعلقم
بدل أن يكون عينه الساهرة على
مصالحه ، وهاهو في اليومين
السابقين يصدر أمراً لأجهزته
القمعية أن لا تغفل عن السلاح
لمواجهة أية حالة أمنيّة بقوة
وحزم دون رأفة ورحمة .
أما
الحريّة فهي رابع المستحيلات ،
فلا ينبغي للشعب أن يذوق
عسيلتها أو تقترن حياته بها ،
فهي على حد قول الفريق المناضل
بشاربن الفريق المناضل حافظ
يؤدي إلى مفسدة يصعب إيقافها
إذا عرفها الشعب المصابر فطالب
بها ، ولهذا أعلن أمام مجموعة من
ضباطه أنه لن يقدم للشعب أيّ
هامش من الحرية لأنه سيعتاد
عليها وسيطالب بالمزيد منها .
وهنا الطامّة الكبرى ، فالأمة
ستحاسبه على ما اقترفت أيدي
النظام من سلب واغتصاب ونهب
وقتل وظلم و.و.وو.
وها
هو النظام الآن يرفض الإصلاح
ويستعيض بشعار آخر يناسبه –
إرهاب المجتمع – كي ينكمش على
نفسه خائفاً مترقّباً ، وينشغل
بهمومه الحيوية المعيشية ، ثم
استعدى على الأمة أعداءها
التقليديين –أمريكا وإسرائيل
والغرب – فما يزال يعلن صباح
مساء استعداده للجلوس على طاولة
المفاوضات مع إسرائيل دون شروط
مسبقة ن ويترضّى الإدارة
الأمريكية فيعلن في كل وقت أنه
يسعى للتفاهم معها ، ويقدم لها
عشرات الآلف من ملفات
الإسلاميين قربان استرضائها ،
ويسهم في حفظ الدماء الأمريكية
في العراق حين ينشر على الحدود
العراقية السورية الآلاف من
الجنود السوريين بحجة
منع المجاهدين من الدخول إلى
العراق لقتال الجنود
الأمريكيين . ثم يتقرب إليها –
الإدارة الأمريكية
- بتمثيلية مكشوفة "
مفبركة " فيختلق قصة
جند الشام على
الحدود اللبنانية مدّعيا أنه
مستهدف من الإرهاب الإسلامي
كالولايات المتحدة
" حذو القذّة بالقذّة "
.
كان
الأولى بالنظام - لو كان في
القائمين عليه ذرة من كرامة أو
عقل - أن يلجأ إلى الشعب فيرتبط
به بعلاقة قوية تدعمه وتقويه
بدل الارتماء في أحضان الآخرين
، ولكن ..
لقد اسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
*كاتب في المنفى ـ
عضو رابطة أدباء الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|