الانتقال
من ثقافة الهزيمة
إلى
ثقافة النصر
د.
محمد الغزي
تشهد
الأمة العربية والإسلامية
لحظات انبعاث أمل وتطلع إلى
نهضة واسعة تقيل عثراتها التي
استمرت دهرا طويلا، وتنقذ
الشعوب من براثن عهد من التسلط
والاضطهاد بدأ خطواته الأولى
قافلا نحو الاضمحلال، فالأمة
الآن على عتبات عهد جديد تجلت
فيه مبشرات النصر بعد الهزائم،
واستيقظت فيه الشعوب بعد الغفلة
ونهضت من كبواتها وعثراتها،
وهذا يحتاج من الأمة –أفرادا
وجماعات من كل الأطياف السياسية
والفكرية– أن تستجيب لمتطلبات
هذا العهد الجديد وتعيد صياغة
رؤية جدية لمعطيات النصر
والبشائر.
ولقد
تبددت الغشاوة التي كانت تحجب
الحقيقة عن أوهام أوهنت عزائمنا
ومزقت وحدتنا وزرعت الشك
والحيرة في قلوب الكثير منا،
فقد أسقطت المقاومة العراقية
هيبة أعتا قوة على الأرض، وبددت
أوهام بوش وحلفائه بالنيل من
بلادنا وشعوبنا. وحطمت
انتفاضة فلسطين آمال شارون
وأحلام الصهاينة، وانتصرت
ثقافة المقاومة والجهاد قاطعة
قول كل خطباء ثقافة التوسل
والاستسلام والرضوخ إلى الواقع
والانهزام.
لم
تعد لدعوات الديمقراطية
الغربية وثقافة العجز والرضا
بالواقع أي مصداقية، فعلى دعاة
ثقافة الانهزام تسليم هذه
العهدة إلى جهة استيرادها،
وعليهم التوبة وإعادة تشكيل
بنياتهم الفكرية وطريقة
قراءتهم للأحداث والواقع.
لقد خابت آمال كل الذين
حاصروا وحاربوا المقاومة بحجة
مراعاة الرأي العام العالمي،
والحفاظ على المصالح الوطنية
العليا، والحرص على الصورة
الحضارية لشعوبنا، والاستجابة
لإرادة المجتمع الدولي، ومد يد
السلام إلى أعدائنا، والتطبيع
مع من احتل أرضنا.
ونحن
بحاجة ماسة في هذه اللحظات إلى
إعادة صياغة رؤية جديدة لواقعنا
ولتعاطينا مع المعطيات على
الساحة الإقليمية والدولية،
وهذا يتطلب من المثقفين
والمفكرين والكُتَّاب
والإعلاميين والسياسيين
والأكاديميين أن يعيدوا قراءة
الواقع والأحداث، ونفض كل
الأفكار الانهزامية، والعمل
على تنوير وتوعية شعوبنا،
وتجسيد آمالها وطموحاتها
ومشاكل مجتمعاتنا في نمط جديد
من التفكير يتجاوز كل أخطاء
الماضي البائس.
وعلى الدعاة أن يعيدوا
صياغة خطابهم الإسلامي
والسياسي ليتناسب مع واقع جديد
وطموحات عالية وانطلاقة حضارية
تتميز بالشمولية والعالمية
وتجميع الجهود ورص الصفوف.
وهذا
لن يتحقق في أجواء السلبية
والحيرة والتردد التي عشناها في
زمن الهزائم والانكسارات،
فعلينا الخروج من حالة العجز
وعدم الفاعلية، ومن نطاق
الأنانية، وعلينا تغليب مصلحة
أمتنا على تحقيق المصلحة
الفردية، نحن بحاجة إلى تكريس
ثقافة التفاهم والانسجام
والالتقاء على الحد المشترك من
الأهداف التي تحقق عزة وكرامة
واستقلالية الأمة، وهي كثيرة
وتكفي للالتقاء على أرضية متينة
تمكننا من تحقيق هذه الأهداف،
فالالتقاء على أهداف مشتركة وإن
قلت خير من التفرق على الأهداف
المختلف عليها وإن كثرت.
لا
بد للمثقفين والمفكرين العرب
والمسلمين من الكف عن إشاعة
ثقافة الانهزام واستيراد القيم
والمبادئ الشرقية والغربية
التي مزقت أمتنا وأدت إلى تأخر
مجتمعاتنا وتخلفه عن الركب،
علينا أن نقف جميعا في صف هؤلاء
الشباب الذين ضحوا بحياتهم وكل
ما يملكون من أجل الدفاع عن
أمتنا وذلك بتحقيق التكامل بين
الجهاد والمقاومة من جهة وبين
أفكار الإصلاح والحداثة
والتطور، وعلينا بذل جهود أكبر
لإنقاذ شعوبنا من براثن أنظمة
الحكم التي حولت بلادنا إلى
مصانع للاستبداد وانتهاك
الحقوق ومصادرة الحريات، بنشر
ثقافة الانتفاضة بما تتضمنه من
استعداد للتضحية والمبادرة إلى
العمل والفاعلية والإبداع.
كلنا
يعلم أن هناك مساع كبيرة من
أعداء أمتنا لعزل الشعوب
العربية والإسلامية عن دائرة
الأحداث العالمية وإلغاء
رسالتها العالمية وحضارتها،
بلا إن الأعداء يبذلون جهودا
مضنية وحثيثة لإظهارنا بما هو
ليس من حقيقتنا وثقافتنا
وديننا، وهنا يأتي دور المثقفين
والمفكرين في الدفاع عن
إنسانيتنا ورسالتنا الربانية،
وهذا يتطلب منا إصلاح حالنا
والاعتزاز برسالتنا وتبليغها
إلى شعوب العالم، والقيام
بالدور المنوط بنا لإنقاذ
أنفسنا والعالم الذي نعيش فيه
من شرور وسلبيات الحضارة
الغربية التي يمثلها نموذج بوش
وبلير والصهاينة.
لقد
طغت طريقة تعاطينا مع مشاكلنا
المحلية، ومشاكلنا المتمثلة في
صد العدوان والاستعمار على صورة
ديننا وثقافتنا، فما زال
الإعلام الغربية الصهيوني يعمل
على إظهار المجاهدين بمظهر
الانتحاريين اليائسين الذين لا
يوجد لديهم ما يحزنون عليه
ويخسرونه في هذه الدنيا.
ويبدوا لشعوب العالم أن
الإسلام هو دين خاص بالعرب،
يتناسب مع تخلفهم وانحطاطهم
الحضاري، وأنهم اختاروه طريقا
لهم لتحرير بلادهم ونيل حقوقهم،
وكأن الإسلام قد فقد عالميته
وشموليته، وارتبط بالعرق
والقومية من جهة، وبالعنف
والتخلف من جهة أخرى.
ونحن
نعلم أيضا أن الإدارة الأمريكية
وحلفاءها لا يعتمدون في تحقيق
أهداف حملتهم الشريرة على القوة
العسكرية فحسب، وإنما يستخدمون
الدبلوماسية السياسية،
والدعاية والإعلام، والحرب
المعلوماتية والنفسية إضافة
إلى ذلك. لهذا
هناك متسع لكل أبناء الأمة
للعمل على مقاومة تلك الأهداف
الشريرة وإفشال هذه الحملة التي
تستهدف أمتنا في دينها
ومقدراتها، فليأخذ كل واحد منا
مكانه ويحمي الثغرة التي تليه
سواء كان مثقفا أو مفكرا أو
فنانا أو كاتبا أو إعلاميا .. الخ.
كل
ذلك يتطلب منا استخدام أساليب
جديدة والعمل بطرق غير تقليدية،
فالمطلوب تطوير عملية التفاعل
مع والاستجابة للأحداث التي
تتميز بالسرعة والشمولية وتحمل
أخطارا رهيبة على وجودنا، لا بد
من فتح جبهات ثقافية وسياسية
وإعلامية تتميز بالمرونة
والتكييف، ولا بد من أيجاد أطر
وحدود عريضة للمناورة مع
الأعداء وأعوانهم من أبناء
شعوبنا، ولا بد من إنشاء كيانات
ثقافية متخصصة لتأخذ مكانها في
الحرب الثقافية التي تشنها
الإدارة الأمريكية وحلفاؤها
على أمتنا، ولا بد من ربط حركة
الجماهير بالأحداث باستمرار
لرص الصفوف وشحذ الهمم واستثمار
الطاقات والإمكانات.
إن
أمتنا مازالت حية معطاءة قادرة
على النهوض، وأبناؤها مازالوا
يضربون أروع الأمثلة في التضحية
والفداء، وهي أمة فتية ذات
ثقافة غلابة ودين خالد، وهي في
حاجة إلى كل المخلصين من
أبنائها لسد حاجات السيول
العارمة من الشباب والأطفال
الذين يحتاجون إلى إنتاج ثقافي
وعلمي وإعلامي يستطيع مجابهة
التيارات الفكرية والثقافية
الغربية، ويقف في وجه العولمة
الأمريكية. فعلينا
أن نكون على قدر المسؤولية وأن
نبادر في أن يكون لنا شرف العمل
والبناء والريادة.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|