ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 01/10/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


هذه هي حقيقة النظام السوري

في عهد بشار الأسد

بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

المواطن العربيّ (هلال عبد الرزاق علي)، العراقيّ الأصل، والبريطانيّ الجنسية .. كان من أوائل المستفيدين من عهد الشفافية والحريات العامة والديمقراطية، واحترام الرأي الآخر، والمحافظة على كرامة الإنسان العربيّ والسوريّ .. لذلك عندما خرج (هلال) من أحد السجون السورية، لم يكن مصاباً إلا ببعض الأمراض، ولم يفقد من وزنه أكثر من خمسةٍ وأربعين كيلو غراماً، وبدا وجهه أصفر اللون متجعّداً وكأنه خارج من قَبْرِهِ، كما بدا ظهره منحنياً مشوَّهاً (من التكريم)، وهو الرياضيّ ولاعب كرة السلة النشيط، والمدرِّب البارع ممشوق القامة!..

(هلال عبد الرزاق علي) تحوّل خلال أقل من سنةٍ من المعاناة والعذاب، إلى (عينة) من عينات خطاب القَسَم للعهد السوريّ الجديد، الذي أثبت أنه نفس العهد الاستبداديّ القديم!.. وخطاب القَسَم الشهير ذلك، كان قد ألحّ على تحقيق الحريات العامة، واحترام الإنسان وحقوقه وكرامته، ما دفع أجهزة الأمن العتيدة التي يزيد عددها على الأربعة عشر جهازاً .. إلى تحويل القول في خطاب القَسَم إلى فِعلٍ حقيقيٍ فوريّ، فتحوّل القَسَم إلى يمينٍ غَموسٍ كاذبة، حرصاً من الأجهزة على حَمْل أمانة أمْن الوطن والمواطن بشكلٍ كامل!..

(هلال عبد الرزاق علي)، الشقيق العربيّ العراقيّ، دخل مصنع (الشفافية) بعد خمسة أيامٍ فحسب، من خطاب القَسَم الشهير، ولم يخرج منه إلا بعد أحد عشر شهراً محمّلاً بعبارة : (عفواً .. لم نكن نقصد!..)، وذلك إكراماً للسفارة البريطانية في دمشق، التي بذلت جهوداً مضنيةً لإنقاذ أحد أبناء الأمة العربية، الذي يحمل جنسية الدولة البريطانية!.. فليسقط الاستعمار، ولتسقط بريطانية الدولة الاستعمارية البغيضة!.. ألسنا أمةً عربيةً واحدة .. ذات رسالةٍ خالدة ؟!.. ولعلّها الدلالة الأولى الفاضحة لحقيقة النظام الاستبداديّ الحاكم!..

لن نستعرض كل مشاهد المأساة والمعاناة، التي رواها (هلال) بتفصيلٍ ودقّةٍ وأمانة .. إلى جريدة (القدس العربي) في لندن .. فتلك المشاهد هي أبسط ما يعرفه المواطن السوريّ، على الرغم من التعتيم الشديد على ذلك الإرهاب الفظيع، الذي يُرتَكَب بشكلٍ مبرمَجٍ ومنظّم، بحق الإنسان السوريّ، سواء أكان داخل السجن الكبير الذي تحيط أسواره بالوطن السوريّ كله، أم داخل زنزانةٍ منفردةٍ في أحد السجون الكثيرة المتناثرة في أرجاء الوطن وصحرائه وبَواديه!..

لن نستعرض مشاهد التعذيب والقهر والظلم والاضطهاد والإذلال التي رواها (هلال)، حرصاً على مشاعر القارئ الكريم، وإحساسه الإنسانيّ، وذوقه الخُلُقيّ السليم!.. لكن سنتوقّف عند بعض النقاط المهمة ذات الدلالات العميقة، التي تفضح النظام وتعرّي أجهزته القمعية في عهدَيْه القديم والجديد .. تعرّيها من كلّ أوراق (التوت)، التي حاول سَتْرَ عَوْراته الكثيرة بها، طوال أكثر من ثلث قرنٍ من ممارسات الخداع والنفاق، التي لم ينخدع بها عاقل، مهما تحدّث العالَم والدجّالون والعبيد .. عن القيادة التاريخية، وعن رمز الوطنية والقومية والتحرير، وعن أبطال الصمود والتصدّي والوحدة والحرية والرسالة الخالدة!..

أولاً :

(هلال) مواطن عراقيّ الأصل، بريطانيّ الجنسية، كان يعمل مدرباً لفريق كرة السلة في أحد النوادي الرياضية السورية، وقد حقق لفريقه السوريّ نجاحاً كبيراً في منافساته على المركز الأول ضمن فئته من الفِرَق، ثم كوفئ المدرّب الناجح باستضافته في (قبوٍ) من أقبية (الشفافية) و(الديمقراطية)، من غير تهمةٍ أو جُرْمٍ، سوى أنّ عمداء (الشفافية) عثروا على اسمه ورقم هاتفه في دفتر هاتف أحد المعتقلين، من أقارب زوجة (هلال) السورية الجنسية!.. وهنا تتفرّع الدلالة إلى دلالات : فالأصل العربيّ، وخدمة أحد نوادي الوطن، والجريمة المنكرَة بوجود صلة رحمٍ مع أحد الضحايا المعتَقَلين، التي دلّت عليها (جريمة) وجود رقم هاتف (هلال) في دفتر هاتفه .. كل ذلك يستحقّ المكافأة المجزية، التي تستوجب إكرام (هلال) العراقيّ، في إحدى زنازين القهر السورية الرهيبة!..

ثانياً :

إنّ جريمة وجود اسمٍ ما، في دفتر الهاتف الشخصيّ لمواطنٍ من المواطنين .. ليست حالةً فرديةً عابرةً خاصة، فقد التقى (هلال) مع شخصٍ معتَقَلٍ واحدٍ على الأقل في السجن، كان السبب الوحيد لاعتقاله هو نفس السبب الوحيد لاعتقال (هلال)!.. أي أنّ أسلوب الاعتقال بناءً على (بيّنة) وجود الاسم في دفتر الهاتف الشخصيّ للمواطن، هو أسلوب معتمَد واستراتيجي أكيد في عقلية الأجهزة الأمنية القمعية!.. وليمعن النظر كل شخصٍ منا، في فداحة الجرائم التي يمكن أن يُتهَم بها الآخرون، من الذين تربطنا بهم علاقات اجتماعية متعدّدة، كالصداقة أو البيع والشراء أو العمل أو صلة الرحم!.. وليتخيّل أي مواطنٍ ماذا سيحصل لعشرات المواطنين الذين يمكن أن تعثر أجهزة (الشفافية) على أسمائهم وأرقام هواتفهم داخل جيبه، في ساعة غفلة!.. ليتخيّل أحدنا كم صديقاً ستجرّه أجهزة القمع إلى أقبيتها، وكم صاحب بقّالةٍ أو نجاراً أو قصّاباً، أو صاحب ورشةٍ لتصليح السيارات أو الثلاجات أو الإليكترونيات أو بائع غازٍ أو موظّفاً صديقاً، أو عمّاً أو خالةً أو شقيقاً للزوجة، أو طبيباً خاصاً .. أو .. يمكن أن يُجَرَّ إلى أقبية التعذيب والإهانة والإذلال!.. فهنيئاً للأجهزة القمعية على عبقريّتها الفذّة، التي تُلجئ المواطن إلى الانغلاق والشكّ بكل نسمة هواءٍ تصادفه، وتُلجئ الشعب إلى حالةٍ من التفكك والهلع والخوف وفقدان الثقة بالنفس وبالآخرين!.. ولعلّه الدرس الأول من دروس الانفتاح والشفافية، التي تحدّث عنها الوريث الجديد لعرش سورية في خطاب القَسَم .. فلنتأمّل!..

ثالثاً :

أحد الأشخاص المعتقَلين الذين التقى بهم (هلال) داخل السجن، كانت جريمته هي الامتناع عن التصويت لبشار الأسد، في الاستفتاء الشعبيّ العام على رئيس الجمهورية!.. وهي جريمة كافية لجرّ صاحبها إلى السجن، وتعذيبه وضربه وإذلاله، وإخضاعه لبرنامج اضطهادٍ مستمر!.. فهنيئاً للعهد الجديد بديمقراطيته، وهنيئاً للمواطن السوريّ بحريّته، وألف تحيةٍ لصاحب نسبة الـ (97.29%) في الانتخابات العامة الحرّة النـزيهة!.. وتعيش الحرية المجهرية، التي لا يتنسّمها المواطن (الحرّ)، إلا مرةً واحدةً كل سبع سنوات، وتتجلى في قول كلمة : نعم، لصانع الأمجاد، وباني عزّ الوطن .. المرشّح الوحيد!.. وما على المواطن إلا أن يقول كلمة : نعم، بحريةٍ مطلقة، وبالطريقة التي تعجبه، وتريح ضميره، وتحترم مواطنته وإنسانيته!..

بقدر ما تشير هذه المسألة إلى الاستبداد والديكتاتورية والاستخفاف بإنسانية المواطن من جهة .. فإنها من جهةٍ ثانية، تشير إلى وجود إرادة التحدّي عند المواطن السوريّ، على الرغم من كل الوحشية والقساوة، التي يلقاها من الأجهزة القمعية .. وهي بشرى خيرٍ، ودليل قاطع على الحالة الصحية التي يتمتّع بها المواطن السوريّ العاديّ حتى الآن، بعد أكثر من ثلث قرنٍ من الاضطهاد والاستبداد والضغط الذي لم ينقطع، بفضل قوانين الطوارئ والأحكام العُرْفية، المستمرة منذ أربعة عقود!..

رابعاً :

أحد المعتقَلين كان ضحية تقريرٍ سريٍ أمنيّ، يتّهمه بكيل المديح لأهل (حماة) و(حلب)، لأنهم قاوموا القمع والقتل والاضطهاد والمجازر الوحشية وعمليات السلب والنهب وانتهاك الأعراض، التي ارتكبها صناديد النظام بحق أبناء هاتَين المحافظتَين السوريَّتَين، في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي!.. وأهل حماة وحلب يمثّلون ما يقرب من ربع سكان سورية، ومدحهم بعد أكثر من عشرين عاماً من الأحداث الدموية التي كان يرتكبها النظام .. ممنوع منعاً باتّاً في عُرف أجهزته القمعية!..

ربما لم ينتبه دهاقنة القمع، إلى أنّ مجرّد وجود مَن يثمّن مقاومة قمعهم واستبدادهم وجرائمهم .. من أبناء شعبنا، بعد عشرين عاماً من وقوعها .. يُعتَبَر دليلاً كبيراً على حجم المأساة، التي تُصرّ الأجهزة الأمنية على استمرارها وارتكاب صفحاتها المختلفة بحق شعبنا .. من جهة!.. وعلى أنّ ذاكرة هذا الشعب الأصيل أشد حدّةً مما يتصوّرون، فهي ذاكرة متجدّدة عصيّة على النسيان، طالما أن هناك من المهووسين المصابين بجنون القوّة وغطرستها مَن يجدّد هذه الذاكرة ويقوّيها، بالسلوك غير الأخلاقيّ تجاه شعبٍ يتوق إلى الانعتاق والحرية والإحساس بكرامته الوطنية .. من جهةٍ ثانية!..

لن يستطيع المتوحّشون المتخلّفون، أن يغسلوا أدمغة أبناء شعبٍ كاملٍ مما اقترفته أيديهم الآثمة، وهم يمارسون اضطهاده على مدار الساعة في كل ناحيةٍ من نواحي حياته!.. وحَريٌّ بتلك الأجهزة القمعيّة أن تعمل على الانسحاب من يوميات المواطن وذاكرته، فلعلّ ذلك يخفّف من حجم المصير الذي ستلْقاه طال الزمن أم قَصُر، لا نشك في ذلك مطلقاً، لأنّ الشعوب تبقى وتستمرّ، بينما يدول الجلادون ويزولون مهما طال بهم الأمد .. فهذه سنّة الله في أرضه وخَلْقه!..

خامساً :

من الواضح تماماً -حسب ما وصفه الضحية (هلال) من أحداثٍ ومشاهد وقعت في السجن- .. أنّ القائمين على إدارة السجون والمعتقلات السورية، والعاملين فيها .. هم من الطائفيّين المَوْتورين الحاقدين على كل بذرة خيرٍ في المجتمع السوريّ!.. الذين ينعكس حقدهم الذي يحملونه في قلوبهم على كل مواطنٍ شريف، وعلى كل خُلُقٍ قويمٍ وقيمةٍ سامية .. ينعكس على سلوكهم وتصرّفاتهم وأفعالهم الدنيئة إلى أوسع مدىً، تجاه ضحاياهم الأبرياء!.. وهذا الحقد الدفين الأعمى لا يختلف بينهم كلهم، سواء أكان ضابطاً كبيراً أم صغيراً، أم جندياً جلاّداً .. فالقاسم المشترك الذي يجمعهم، هو الحقد الطائفيّ الأعمى، والسّاديّة التي لم نسمع عن مثيلٍ لها، حتى في سجون النازيّين أو الفاشيّين أو الصهاينة!.. وما يقوم به أولئك المتخلّفون التافهون بحق الإنسان السوريّ، يفوق ما قامت به أي دولةٍ استعماريةٍ احتلّت سورية في التاريخ القديم أو الحديث .. فأعمالهم الساديّة التي يقطر منها الإجرام والتشفّي واحتقار إنسانية الإنسان .. يفوق التصوّر أو الوصف أو الخيال!.. ونحن على يقينٍ أنّ ما وصفه (هلال) في إفادته إلى جريدة (القدس العربي) ليس كل الحقيقة القائمة على الأرض، ونعرف أنه في السجون الصحراوية كسجن تدمر الرهيب، ارتُكِبَت أبشع الأعمال والانتهاكات بحق المعتَقلين، مما يعجز اللسان والقلم عن وصفه!.. ويبدو أنّ أولئك المجرمين الساديّين قد وصلوا في غيّهم وطغيانهم، إلى الدرجة التي يستصغرون فيها قضية أنهم ينتمون إلى أقليّةٍ لا تتجاوز نسبتها أكثر من ثمانية بالمئة من أبناء الشعب السوريّ، وأنّ الأكثرية الكاثرة -بمن فيهم شرفاء الأقليّة نفسها- مهما ضعفت، فإنها ستبقى الحقيقة الوحيدة الثابتة على أرض الوطن والواقع، وأنّ الضعيف لن يبقى ضعيفاً، والقويّ لن يبقى قوياً .. خاصةً إذا كان يحمل بذور ضعفه وانتهائه بين طيّات قوّته، التي لا تقوم على أدنى درجةٍ من درجات الأخلاق أو الضمير الإنسانيّ الحيّ!..

في الوقت الذي يتوجّب على الأقليّة في أي وطنٍ، أن تكون على الصراط المستقيم، كي تحميَ نفسها بالوطنية الحقّة والإخلاص لله عز وجلّ وللشعب، بحمل أمانة الوطن والشعب في روحها ومُهَجِ أبنائها وقلوبهم بحقّ .. فإننا نرى أنّ الساديّة الرهيبة هي التي تحكم سلوك تلك الفئة الباغية وأخلاقها ونَهجها وسلوكها، وهذا سيشكّل -قبل كل شيءٍ- الوَبالَ عليها حين تغرب شمسها، وما أسرع غروب شمس الظالمين الجبّارين في الأرض!.. فليتأمّل طويلاً في هذه الحقيقة، العاقِلون من أبناء الطائفة الذين ما تزال في أدمغتهم بقيّة من خلايا رطبةٍ حيّة، وليعملوا على بَتْرِ قرون الشيطان من جذورها .. قبل فوات الأوان!..

سادساً :

ورد في رواية الضحية (هلال)، أنّ السجين (سليمان) ووالدته السجينة، التي تجاوز عمرها السبعين عاماً .. نعم السبعين عاماً .. تمّ اعتقالهما ومن ثم إخضاعهما للتعذيب والإذلال وامتهان الكرامة الإنسانية .. بسبب كلمةٍ أدليا بها على الهاتف، جواباً على سؤال قريبٍ لهما عن أحوالهما، اتصل بهما من خارج البلاد بعد موت حافظ الأسد .. فكانت كلمة : (مُكَيِّفين)، كافيةً لممارسة أبشع أنواع الانتهاكات بحقّهما!.. إذ ينبغي على ضحايا الوطن وأبنائه المضطهَدين، ألا يشعروا بأي درجةٍ من السعادة الحياتية التي يمكن أن يصادفها الإنسان في حياته .. بعد موت حاكم البلاد، مهما كانت المدّة التي انقضت على موته!.. فكما كان الحاكم -قبل موته- يتحكّم بكل بسمةٍ أو إحساسٍ أو حركةٍ للمواطن، فهو أيضاً يجب أن يتحكّم -بعد موته- بكل ذلك، إضافةً إلى طريقة الحزن الذي ينبغي أن يشعر به، أو نوع الطعام الذي يأكله، أو لون الحذاء الذي ينتعله!.. وإن كان الحاكم قد مات ولم يعد موجوداً بجسده، فهو موجود بظلّه وأجهزة قَمعه، التي أسّسها وطوّرها ورعاها طوال ثلاثين عاماً، لتنثر الخير والحرية والشفافية في أرجاء الوطن كله!..

أما ذلك المعتَقَل المسكين، الذي أدلى هاتفياً لأحد أقربائه، بأنه سيذهب إلى قَبْرِ الرئيس مع وفدٍ رسميٍ مرتدياً (كَلسوناً) أحمر اللون .. فاعتُقِلَ في نفس اليوم .. فهذا يدل على عكس ما يصوّره النظام، من أنّ أبناء الشعب السوريّ كانوا في غاية الحزن والألم لرحيل جبّارهم، الذي اضطهدهم بشكلٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ الوطن!.. وحادثة (سليمان) مع والدته العجوز تؤكّد هذه النتيجة أيضاً!.. بينما تؤكّد الحادثتان المذكورتان معاً، انعدام هامش الحرية التي يتمتّع بها شعبنا في سورية، إلى الدرجة التي تحصي فيها الأجهزة القمعية عليهم أنفاسهم، وتعدّ عليهم كلماتهم التي يبوحون بها عبر أجهزة هواتفهم، وتراقب شِفاههم وقَسَمات وجوههم، وتقيس الانفعالات المنعكسة على شكل عيونهم!..

لا يفوتنا أن نتساءل هنا : كم تبلغ أعداد أولئك الذين يرتدون (الكلاسين الحمراء)، من بين الجحافل التي يصوّرها إعلام النظام للعالَم ويعرضها على الشاشة الصغيرة، الذين يزورون قبر جبّارهم الراحل؟!.. أما ما يتعلّق بالتكييف والمُكيِّفين، فماذا يمكن أن تفعل أجهزة القمع الحامية للنظام، فيما لو (كَيَّفَ) الشعب كله دفعةً واحدةً ذات نهار، في هبّة (تكييفٍ) عارمةٍ شاملة .. ردّاً على نعيم الأمن والاستقرار والسلام والديمقراطية والحرية، الذي تَهَبه له أجهزة (الشفافية) القمعية الظالمة تلك؟!..

سابعاً :

أربعة أشخاصٍ من الذين التقى بهم (هلال)، كانوا قد اعتُقِلوا وتعرّضوا للتنكيل، بسبب قيامهم ببعض الأعمال العبادية والإسلامية البسيطة العادية!.. فأحدهم تعرّض للضرب المبرّح لأنه كان يقرأ -من ذاكرته- ما تيسّر من القرآن الكريم داخل زنزانته!.. والثاني لارتكابه (جريمة) الدعاء مع (البكاء) في جَوْف الليل!.. والثالث جريمته هي أنه كان يبيع بعض أشرطة التسجيل (الكاسيت) الصوتية الإسلامية، المصرّح بها أصلاً من قبل الحكومة، وذلك عند باب أحد المساجد!.. والرابع لأنه كان يدعو بعض الشباب المسلم إلى الالتزام بالقرآن العظيم وبسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم!..

إن الأمثلة المذكورة تدحض كل الدعاوى الساذجة التي يدّعيها النظام، بأنه يعمل على حماية الدين الإسلاميّ والمسلمين، وتتسابق أجهزة إعلامه المختلفة بشكلٍ محموم، لإبراز اهتمام النظام برجال الدين الإسلاميّ، وبالمساجد والمدارس الدينية الإسلامية .. وكذلك يفعل أولئك الذين باعوا دينهم وشرفهم، من المحسوبين على الصف الإسلاميّ .. مروِّجين لنفاق النظام ومسوِّقين له، وملمِّعين لأركانه من أهل الفسق والجهل والضلال، الذين هم في حقيقة الأمر أدوات رخيصة يستخدمها أعداء الأمة لتدمير الإسلام والمسلمين، وتدمير أوطانهم المسلمة، وجعلها لقمةً سائغةً في فم كل وحشٍ عدوّ!..

إذا كانت قراءة القرآن، أو كان الدعاء إلى الله .. جريمةً تستوجب العقاب .. فأيّ التزامٍ بالإسلام لا يُعتَبَر جريمةً في نظر النظام ونواطيره؟!..

ثامناً :

السجن الذي أمضى فيه الشاب العراقيّ (هلال) ما يقرب من سنة، عذاباً وذلاً وامتهاناً للكرامة الإنسانية .. كان يضمّ خمس مئة سجين، معظمهم لا يعرفون لماذا اعتُقِلوا أو سُجِنوا!.. وهم من النساء والرجال والأطفال (الذكور والإناث)، ومن مختلف الفئات العُمْرية (أم سليمان 70 عاماً، وطفلة 4 سنوات، ..)، ومنهم الضابط في الجيش (عقيد)، وبعضهم مصاب بأمراضٍ مزمنة (سكري، ربو، أمراض القلب، ..)، وبعضهم ماتوا بسبب قطع الدواء عنهم (ضابط مات بنوبةٍ قلبيةٍ لقطع الدواء عنه)!.. أي أنّ الظلم والقهر طال كل الشرائح العُمْرية والاجتماعية تقريباً، فهل كل هؤلاء معارِضون للنظام ذكوراً وإناثاً ورجالاً ونساءً وكباراً وصغاراً وأطفالاً وعجائز ومرضى؟!.. أم أنّ سَوْط النظام وسياط أجهزته القمعية، مسلطة على ظهور أبناء الشعب السوريّ كلهم دون تمييز؟!.. وإذا كان كل أولئك معارضين للنظام، فأيّ نظامٍ هذا؟!.. ومَن يمثّل من أبناء الشعب السوريّ؟!..

تاسعاً :

المرأة المسلمة التي زعم النظام أنه قَدِمَ لتحريرها، نالها من اضطهاده وعَسَفه وظلمه ما يعجز القلم عن وصفه!.. فالنساء السجينات اعتُقِلْنَ بلا سببٍ معروف، وبعضهنّ كنّ مصاباتٍ بأمراضٍ مزمنةٍ قبل اعتقالهنّ، وبعضهنّ مسنّات (أم سليمان عمرها 70 عاماً)، وبعضهنّ كنّ حوامل عند اعتقالهنّ وأسقطن حمولهنّ داخل السجن من التعذيب، وبعضهنّ تعرّضن للإهانة والتحرّش (امرأة تُجَرَّد من ملابسها في غرفة التعذيب)، وبعضهنّ اعتُقِلْنَ مع أطفالهنّ أو طفلاتهنّ!.. فما ذنب هؤلاء كلهنّ؟!.. وهل هناك نظام حُكْمٍ في الدنيا كلها يفعل ذلك بنساء وطنه، ثم يزعم أنه قادم لتحرير المرأة؟!.. وتحريرها من ماذا؟!.. من عفّتها ودِينها وإنسانيّتها وكرامتها؟!..

عاشراً :

لم يوفّر النظام الاستبداديّ الديكتاتوريّ الظالم حتى الأطفال من جرائمه، فقد التقى (هلال) داخل السجن بطفلٍ عمره خمس سنوات مع أمه وأبيه السجينَيْن، وبطفلةٍ عمرها أربع سنوات، وبطفلةٍ عمرها إحدى عشرة سنة، وبطفلةٍ عمرها ست عشرة سنة حافظةٍ للقرآن الكريم، وبطفلةٍ عمرها سبع عشرة سنة!.. وبعض هؤلاء كانوا يشهدون عمليات التعذيب والإهانات المختلفة والشتائم المهينة، التي يوجّهها الجلادون ورؤساؤهم لأمهاتهم وآبائهم!.. فأيّ نظامٍ هذا الذي يعذّب أطفال وطنه داخل الزنازين، ويكويهم بظلمه، ويمتهن براءتهم بِعَسَفِهِ وخِسّته؟!.. وأيّ انحطاطٍ وصل إليه ذلك النظام الذي يدّعي التقدمية والشفافية والحفاظ على حقوق الإنسان والطفل؟!.. وأيّ حقدٍ يغرسه أولئك الشاذّون المجرمون الحاقدون في صدور أطفال المسلمين؟!.. وأيّ انتقامٍ ينتظرهم يوم تدقّ ساعة الخلاص، على أيدي الأجيال التي يُسيئون إليها بهذه الخِسّة وهذا الانحطاط؟!..

إذا كان النظام المتخلّف يزرع كل هذا الشوك في صدور أبناء وطنه، فهل يظنّ أنه سيجني العنب والرُّطَب؟!.. ثم يزعم رئيسه وأركانه الإرهابيون، أنه وأنهم يكافحون الإرهاب منذ ثلاثين سنة!.. إرهاب مَن يكافح أولئك الطغاة الشاذّون الساديّون؟!.. أهو إرهاب طفلةٍ في الرابعة من عمرها؟!.. أم إرهاب طفلٍ في الخامسة من عمره؟!.. أم إرهاب امرأةٍ عجوزٍ عمرها أكثر من سبعين عاماً؟!.. وهل بعد إرهابهم وإجرامهم وتجرّدهم من كل شِيمةٍ إنسانيةٍ سليمة .. هل هناك إرهاب وشذوذ يجاري إرهابهم وشذوذهم؟!..

حادي عشر :

(أبو أيمن) عمره سبعة وستون عاماً، اعتُقِلَ من المشفى الذي كان يُعالَج فيه من أزمةٍ قلبيةٍ حادّةٍ مفاجئة، أصيب بها قبل أيامٍ من اعتقاله!.. والتهمة الموجّهة إليه هي : قيامه بخدمة إحدى الأُسَر المنكوبة بظلم النظام، بحمله إليها خمس مئة ريالٍ سعوديّ (130 دولار) من أحد المهجَّرين، عند عودته من أداء فريضة الحج، قبل أكثر من عشر سنواتٍ من اعتقاله!.. فالنظام القمعيّ الذي يضطهد عائلاتٍ كاملةً بسبب معارضة أحد أبنائها له .. يحول بين الابن وأسرته، ويمنع تقديم أيّ معونةٍ إلى تلك الأسرة، من ابنها الفارّ بدِينه وجِلده من قمع النظام المستبدّ!.. هذه جريمة النظام وأجهزته القمعية، أما جريمة ذلك المعارِض الفارّ، بحقّ المسكين (أبي أيمن) .. فهي تقديمه -من غير ضغطٍ ولا إكراهٍ- المعلومات المفصّلة الكاملة لأجهزة النظام المتربّصة، عبر إحدى سفاراته .. عما قام به قبل أكثر من عشر سنوات، خلال عملية تسويةٍ هي أقرب للخيانة والوشاية منها إلى المصالحة، كانت نتيجتها وقوع ضحيةٍ جديدةٍ أو أكثر بين مخالب الأجهزة التي لا ترحم!.. فأيّ جريمةٍ يقترفها أولئك الأدعياء السذّج، بحق مَن خدموهم وأعانوهم على محنتهم من أبناء شعبهم؟!.. فليتأمّل أولئك السذّج في جنايتهم، التي يرتكبونها لتحقيق مكاسب دنيويةٍ زائفة، على حساب دِينهم ومبادئهم وإخوانهم وأبناء وطنهم!..

ثاني عشر :

لعلّ أهم قضيةٍ عرضها (هلال عبد الرزاق علي)، هي قضية مجموعةٍ من الشباب السوريين والفلسطينيين المقيمين في سورية، الذين تجاوبوا مع انتفاضة الأقصى المبارك، فقاموا بمحاولة دعمها عن طريق نقل بعض الأسلحة الخفيفة إلى الأرض المحتلّة، لكنّ أجهزة القمع السورية كشفت أمرهم فاعتقلتهم كلهم، وكان عددهم ثمانيةً وعشرين شاباً، عُزِلوا في السجن، ليعامَلوا معاملةً خاصةً تختلف عن معاملة غيرهم من المعتقَلين!.. فقد كانوا يخضعون لأشدّ أنواع التعذيب النفسيّ والجسديّ، لأنّ جريمتهم تختلف عن جرائم غيرهم بعُرف النظام!.. إذ كان هؤلاء يملكون حِسّاً وطنياً خاصاً، ويتألّمون لآلام الشعب الفلسطينيّ المقهور، ويحاولون دعم أهلهم في الأرض المحتلّة ضد اليهود الغاصبين المحتلِّين!.. وكان من بين أولئك الشباب شخص اسمه (نعيم)، يعيش بساقٍ واحدةٍ لأنّ ساقه الأخرى مبتورة .. كان هذا الرجل يتعرّض لصنوفٍ خاصةٍ من التعذيب، والسبب أنه كان خبيراً بجغرافيّة الحدود مع الأرض المحتلّة، وكان يحاول مساعدة أهله في فلسطين ببعض (الخردة) من السلاح الخفيف، ليدافعوا به عن أنفسهم وأعراضهم ضد الصهاينة المجرمين المعتدين!..

كان (نعيم) يُستَدعى للتعذيب يومياً مراتٍ عدّة، فيعذّبونه حتى يتساقط اللحم من جسمه ومن ساقه الثانية الباقية له، وكانت تُسمَع توسّلاته واستغاثته وصراخاته في كل أركان السجن، وكان في كل مرةٍ يُسحَل سحلاً إلى غرفة التعذيب، ويُعاد إلى زنزانته سحلاً أيضاً، لأنه لا يقوى على السير بساقٍ واحدة!..

أترك للقارئ الكريم استنتاج دلالات هذه القضية، عن النظام الطائفيّ الباطنيّ الحاقد، الذي تملأ أبواقه الإعلامية الآفاق، وتصمّ الآذان، زاعمةً دعم هذا النظام للانتفاضة الفلسطينية، ورعايته للجهاد والمجاهدين، واتخاذه المواقف الصلبة ضد الصهاينة والغرب وأميركة، وبطولته في الصمود والتصدّي والنضال والكفاح بكلّ أشكاله ومقاساته وألوانه!..

ثالث عشر :

لعلّ الطريقة التي كانت تنتهجها إدارة السجن، بمشاركة كل عناصرها من السجّانين والجلاّدين في ممارسة اللصوصية والابتزاز الرخيص .. لعلّها تمثّل أنموذجاً للطريقة المبتكرة من قبل الأجهزة القمعية، التي يتعامل فيها النظام مع الشعب السوريّ كله : سلباً ونهباً ولصوصيةً وابتزازاً!.. فعصابة السجن الذي قبع فيه (هلال) كانت منقسمةً إلى عصابتين متكاملتين : الأولى تعمل داخل السجن، والثانية تعمل خارجه .. لابتزاز أهالي المعتقَلين، وسرقة أموالهم ونهب مقتنياتهم الثمينة، ولكلٍ منهم نصيبه حسب رتبته وموقعه!.. فنصيب مدير السجن مثلاً خمسة آلاف ليرةٍ سورية، عن كل زيارةٍ يقوم بها شخص من أقارب سجينٍ ما له .. وهكذا!.. أما إيهام أهل السجين ذي المصير المجهول بالإفراج عنه، فيكلّف أكثر من مليوني ليرةً سوريةً (حوالي أربعين ألف دولار) يتم ابتزازها من الأهل بالخداع والكذب، ثم لا يُفرَج عن المسكين الذي لا يعرف -سواء هو أو أهله- لماذا اعتُقل، وإلى متى سيبقى رهن الاعتقال!..

كانت تُرسَل أنواع الطعام والثياب إلى المعتَقَلين، من ذويهم المحرَّم عليهم رؤيتهم أو معرفة مصيرهم، لكنها كلها كانت تذهب إلى الجلاّدين وسماسرة السجن اللصوص!..

رؤية الأهل لابنهم السجين، لا تتم إلا لدقائق معدودة، بعد جولاتٍ من المساومة والابتزاز، التي ينتج عنها سرقة أموال الأهل ونَهْب ذَهَبِ النساء وحُليّهم ومجوهراتهم ثمناً لزيارة الابن السجين .. وفي أغلب الأحيان يُعتَذَر عن السماح للأهل بمثل تلك الزيارة، بعد فقدانهم لأموالهم ونَصْبِها، من قبل سماسرة السجن برئاسة مديره اللصّ المحترف!..

لقد استطاع أحد الجلاّدين -مثلاً- التعرّف على بيت أهل زوجة (هلال) في حماة، فكان يتردّد إليهم مدّعياً أنه مُرسَل من قبل (هلال)، الذي يحتاج إلى الثياب والمال والطعام، وهو ليس إلا فاعل خيرٍ يرغب في المساعدة .. واستطاع ذلك الجلاّد المجرم بهذه الطريقة، أن يسرق (حليّ) الزوجة كله، إضافةً إلى أكثر من مئة ألف ليرةٍ سورية (حوالي ألفي دولار)، وكمياتٍ كبيرةٍ من الأجبان والزيتون والأدوية والملابس!.. كان ابتزاز الجلاّد اللصّ لا ينتهي، كما كان لا يستحي من قدومه إلى الأهل مرتدياً الملابس التي أرسلوها لهلال في مرةٍ سابقة .. وهكذا ..!..

لدى تدخّل السفارة البريطانية للإفراج عن (هلال) الذي يحمل الجنسية البريطانية، وحضور القنصل البريطانيّ لمرافقته وإخراجه من السجن .. لم ينتهِ الابتزاز الرخيص حتى لحظة الإفراج عنه .. ولما لم يكن مع (هلال) أيّ قطعةٍ من نقود، تفحّصه أحد الجلاّدين أمام رئيسه ومعلّمه، من رأسه حتى أخمص قدميه، فلم يجد ما يسلبه منه -أمام القنصل- إلا الساعة التي كانت معلّقةً على معصم يده!.. فتأمّلوا ..!..

إضاءات :

إنّ قصة الشقيق العراقيّ (هلال عبد الرزاق علي)، هي واحدة من عشرات آلاف القصص، التي وقعت وما تزال تقع في سورية، ولعلّ من المفيد -قبل أن ننهي مطالعتنا هذه- أن نؤكّد على النقاط الهامة التالية :

1- لقد سُجِنَ (هلال)، وعومِلَ معاملةً لا تليق حتى بالحيوانات مدة أحد عشر شهراً، من غير أن توجَّه إليه تهمة محدّدة، عدا وجود اسمه ورقم هاتفه في دفتر الهاتف لأحد المعتقَلين، وخرج بعدها مقوَّس الظهر، فاقداً لخمسةٍ وأربعين كيلو غراماً من وزنه، ومصاباً بأمراضٍ مزمنةٍ عدة (بواسير، فقر دم، ..)، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد جهودٍ مضنيةٍ، وتدخّلٍ حثيثٍ من قبل السفارة البريطانية في دمشق!.. وأترك للقارئ الكريم تقدير أوضاع المعتَقَلين والسجناء السوريين، الذين لا يجرؤ أحد أن يسأل عنهم وعن أوضاعهم وأحوالهم، وهل هم في عِداد الأحياء أم الأموات!..

2- لقد سُجِنَ (هلال) في سجنٍ اسمه : سجن فلسطين (يا للسخرية)!.. لا يتسع لأكثر من مئة سجين، ومع ذلك فقد حشروا فيه أكثر من خمس مئة سجينٍ وسجينة!.. وسجن فلسطين هذا، هو واحد من عشرات السجون السورية، وهو من السجون الصغيرة بينها .. فلنتأمّل ..!..

3- إذا اعتبرنا أنّ (سجن فلسطين) هو عينة لما يجري في سورية منذ أكثر من ثلث قرنٍ من الاستبداد والإرهاب المبرمَج الموجَّه .. فبإمكاننا أن نستنتج بسهولةٍ أنّ النظام الحاكم تحوّل بواسطة أجهزته القمعية الأمنية، إلى (مافيا منظّمةٍ) أو استعمارٍ أو احتلال، ما وُجِدَت إلا لاستعباد الشعب السوريّ، ومَنْعه من القيام بدوره الكامل، ضمن المنظومة العربية والإسلامية، ما أدى إلى استمرار العدوّ الصهيونيّ والأميركيّ بتنفيذ مخططاته في المنطقة العربية والإسلامية!..

لعلّنا نستنتج بسهولةٍ، كيف يُقمَع المواطن السوريّ، وكيف يُحارَب الطفل المسلم، وكيف تُحارَب المرأة المسلمة، وكيف تُنتَهَك الكرامة الإنسانية للمواطن السوريّ، بغضّ النظر عن انتمائه السياسيّ والدينيّ، وكيف تُزوَّر إرادة الشعب في الانتخابات، وكيف تُحارَب الانتفاضة الفلسطينية ويُتآمَر عليها، وكيف تنمو عصابات الفساد والمافيات واللصوصية، وكيف تنافق الأنظمة الحاكمة وتقدّم صورةً مشرقةً مزوَّرةً خادعةً عن نفسها، وكيف تُحصى على المواطن أنفاسه وتُراقَب حركاته ومكالماته الهاتفية، ثم يُسَلَّط عليه أنذل خَلْقِ الله وأشدّهم انحطاطاً وساديّةً وشذوذاً، وكيف تُمارَس الطائفيّة البغيضة بحقدٍ دفينٍ وخِسّة، من قِبَلِ ثلّةٍ انسلخت عن الشعب والوطن، وغدت لا تمثّل إلا نفسها الذميمة، وتقترف ما تقترف باسم طائفةٍ هي من أفعالهم براء!..

لعلّ ما يحصل خارج السجون السورية، لا يختلف عما يحصل داخلها، فالطفل مثلاً  يُربَّى منذ نعومة أظفاره على مبادئ النظام الحاكم الفاسدة وقِيَمِهِ الشاذّة، التي تتعارض كلياً مع دِين الأمّة وهويّتها وتاريخها الإسلاميّ المُشرق!.. ثم تُضاف إلى ذلك، الممارسات غير الأخلاقية للأجهزة القمعية، ورعاية الفساد الاجتماعيّ والأخلاقيّ والاقتصاديّ والثقافيّ والتربويّ والسياسيّ .. !.. وإذا كان الأمر كذلك، وهو أكثر من ذلك، فإنّ ما نشهده في سورية حرباً شاملةً على الشعب والوطن والإسلام والمسلمين، بنسائهم وأطفالهم ورجالهم وأخلاقهم وقِيَمهم وثقافتهم ودِينهم، وحرباً على كل مَن يملك ذرّةً من ضميرٍ حيٍ أو وطنيةٍ حقة!..

4- الأحداث التي رواها (هلال) حدثت في الفترة الواقعة ما بين (23/7/2000م) و(22/6/2001م)، أي في فترة تولّي (بشار الأسد) رئاسة الجمهورية الوراثية الأولى في التاريخ، أي في العهد الجديد، الذي أوهم شعبه بأنه سيقوم بإصلاحاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وأمنيةٍ وعسكريةٍ شاملة، وأقسم رئيسه على ذلك في خطاب ما سُمي بخطاب القَسَم أمام مجلس الشعب!.. ويبدو لنا أن كل تلك الإجراءات الخادعة، لم تكن إلا لتمرير مدةٍ زمنيةٍ على الشعب الناقم على جلاّديه الذين مثّلوا أركان العهد القديم، ريثما يتم التقاط الأنفاس، وتثبيت أركان النظام من جديد، ونَفْخ الروح فيه، وتوطيد شبكة علاقاته الداخلية والخارجية .. للاستمرار على نفس النهج من الظلم والقهر والاستبداد والاستعباد، واستئثار ثلّةٍ طائفيةٍ شاذّةٍ على مقاليد السلطة والحكم، التي أخذت تتصرّف على مبدأ : (نكون أو لا نكون)، لأنها أدرى بممارساتها البشعة الخسيسة بحق أبناء الوطن، على اختلاف اتجاهاتهم السياسية والدينية والطائفية!..

5- على الذين يراهنون على أن يغيّر النظام نهجه وأسلوبه وسياسته، من الخيانة والساديّة والشذوذ والتآمر على الوطن والأمة .. على هؤلاء أن يعيدوا حساباتهم!.. فالنظام الحاليّ هو امتداد للنظام الحاكم منذ ثلث قرن، وكل الذي يفعله هو تجديد شبابه ودمائه الفاسدة، للاستمرار في احتلال الوطن السوريّ، ومصادرة إرادة شعبه، وتسخير مقوّمات الوطن وإمكاناته، ضد عقيدة الأمّة وأخلاقها وتاريخها وحرّيتها واستقلالها!.. فالنظام الحاليّ المحكوم لنهج أجهزته الأمنية القمعية المتسلّطة، هو تماماً كالأفعى السامة الرقطاء، التي تبدّل جلدها بين حينٍ وآخر، أو كالحرباء التي تتلوّن مع كلّ ظرفٍ أو بيئةٍ أو وسطٍ توجد فيه!..

وبعد :

فلا يستطيع المَرء أن يحيط بقضية شعبٍ ووطن، من خلال مقالةٍ عابرة، فقضية الشعب السوريّ المأساوية مستمرّة منذ أربعة عقود، وقضية (هلال) العراقيّ، هي عينة لا تمثّل أكثر من قطرةٍ في بحرٍ كبير، فقضية الشعب السوريّ هي أضخم مما يعرفه عنها الناس، ولعلّ تقصير أصحابها في شرحها للعالَم، إضافةً إلى باطنيّة النظام ونفاقه .. لعلّ ذلك يسبّب غيابها كلياً عن أذهان الغالبية العظمى من الناس، وعن معظم الساحات الحقوقية والسياسية المختلفة، ولا بد من العمل على تقديم شرحٍ مفصّلٍ لهذه القضية الإنسانية الملحّة، فلعلّ الله عز وجلّ ينصر هذه الأمة بتضرّع طفلٍ بريء، أو بدمعة طفلةٍ شاكية، أو بدعاء كادحٍ فقير، أو بِعَبَرات امرأةٍ مستغيثة، أو بِغُصّة شيخٍ عجوزٍ مقهور!..

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ