العلمانية
وفصل الدين عن الدولة
دعوة
قديمة جديدة
الحلقة
الثالثة
هل
استنفذ الاسلام أغراضه
طريف
السيد عيسى
قلنا فيما سبق
في حلقات سابقة أن العلمانية
شجرة غريبة يراد استنباتها في
بيئة غير بيئتها , وقد فشلت كل
تجاربهم في أن يحققوا أي حرية أو
تقدم يذكر بل نجد أنهم أوقعوا
البلاد والعباد في أزمات فلا
نكاد نخرج من أزمة حتى يدخلوننا
في أزمة أخرى , ثم تراهم يشيدون
في تجارب الغرب الناجحة ونسي
هؤلاء أن هذا الغرب قد استعمر –
استخرب – بلادنا ردحا من الزمن
فأين دعوتهم من الحرية والعلم
والتقدم وما الذي منعهم أن
يحققوا ذلك وقد سيطروا على كل
مقدرات البلاد والعباد , ثم خرج
هذا المستخرب مدحورا فجائتنا
أنظمة لاتقل سواءا عن هذا
الاستخراب فكانت أنظمة علمانية
فما الذي منعها أن تحقق شعارات
العلمانية البراقة وليس كل
مايلمع ذهبا .
ثم مالبس دعاة
العلمانية يروجون لفكرتهم
مبررين ذلك بحجج واهية اوهن من
بيت العنكبوت فتارة يقولون
الاسلام لايصلح لعصرنا وتارة
يتهمون الاسلام بالجمود
والتخلف الى ماهناك من شعارات
معسولة سئمنا من سماعها .
فهل فعلا أن
الاسلام أستنفذ أغراضه في عملية
الاصلاح والتغيير .
- أقتنع العلمانيين أو لنقل أقنعوا
أنفسهم وبدأو يضعون البحوث
والدراسات لانشاء البديل عن
الاسلام وانطلت اللعبة على بعض
المثقفين فساروا خلف هذا السراب
فباعوا عقولهم للغير وسلموا
زمامها لهم ليفكروا نيابة عنهم
ليدخلوا من جديد في عهد الرق
والعبودية للغير .
- لاشك أن الصراعات التي تدور من
حولنا سواء على المستوى السياسي
أو العسكري أو الاقتصادي أو
الاجتماعي تجعل الانسان يعيش
حالة من الاضطراب والقلق
ولاخروج من هذه الحالة الا
بمرجعية تربط الانسان بالسماء
تعيد له الطمأنينة في رحاب
شريعة الله بعيدا عن تسلط البشر
وقوى الشر والطغيان .
- ومن حقنا أن نسأل ماقيمة الانسان
بلا ايمان وعقيدة,
أنه بلا شك يعيش بلا هدف ولا
غاية, فتسيطر عليه أهواؤه
وشهواته ويسعى لتحقيها بكل
السبل والوسائل حتى لو كان ذلك
على حساب أقوام آخرين .
- ان الاسلام يدعوا للتحرر من كل
سلطان للبشر , ويدعوا الى
الانطلاق في رحاب الله الواسع
والتفكر في هذا الكون الذي سخره
الله للانسان فهل يعقل أن يضيق
الانسان على نفسه ضمن دائرة
ضيقة فيحشرها في تلك الزاوية
وهناك عالم رحب يأخذ بيد
الانسان نحو التحرر من القيود
البشرية .
- كما أن الاسلام جاء ليحرر الانسان
من سلطان الشهوة التي دفعت نحو
كوارث أرتكبت في سبيل تحقيق هذه
الشهوات وجعلت البشرية ترزخ تحت
سيطرة الظلم والقهر , فهؤلاء
لاحد لسيطرتهم ونفوذهم وكلما
حققوا سيطرة في مكان ما طلبوا
المزيد فتزداد استعارا .
- وجاء الاسلام ايضا ليحرر العقل من
الخرافة والجهل والتخلف ورفض
العبودية لكل صنم سواء كان
ماديا أو معنويا , ودعا الانسان
ليفتح عقله باتجاه حقيقة الحياة
دون افتعال لأي خصومة بين العقل
والدين أو بين الدين والعلم ,
ففي الاسلام لايضطر الانسان لأي
خرافة من أجل الايمان بالله أو
لاكتشاف حقيقة الحياة والكون
فكانت المعرفة في الاسلام جزء
من الايمان .
- فهل تخلصت البشرية من العبودية
للبشر وهل تخلصت البشرية من
سيطرة الشهوة وهل وصلت البشرية
الى نهاية العلم وهل تخلصت
البشرية من الخرافة , ولا ننكر
أن هناك من تخلص من بعض منها
ولكن مازالت هناك أمما وشعوب
ترزخ تحت سيطرة وانتشار هذه
الأمراض الخطيرة , لذلك مازالت
البشرية بحاجة الى المبادئ التي
وضعها الاسلام ليرتفع في تفكيره
فيعيش في أمن وسلام .
- ويسأل البعض اذا كان الاسلام كذلك
فلماذا لم يتخلص أهله من حكام
يسلكون مسلكا يخالف هذه المبادئ
, فنقول أن مايدعيه بعض الحكام
من تحكيم شرع الله تعالى هو نسخة
معدلة من الاسلام وهي نسخة معدة
لتتماشى مع الظلم والقهر
والاستبداد , أما المتنورين
والمخلصين فهم مبعدين ومهمشين
ولايد لهم بكل مايحصل بل انهم
محاربين من قبل هذه الأنظمة
التي وجدت وأوجدت فقهاء يفصلون
الفتاوى على مقاس الحاكم ليضفوا
عليه الشرعية .
- ان الدعاة والعلماء المخاصين الذين
فهموا وفقهوا المقاصد العامة
للشريعة الاسلامية يريدون
اسلاما يدعوا للتحرر من الخرافة
والجهل ويدعوا الى نظام تسود
فيه الحرية والعدل والكرامة
والمساواة والتحرر والاخاء
لافرق بين بني البشر بغض النظر
عن معتقداتهم وأعراقهم رائدهم
في ذلك – ان أكرمكم عند الله
أتقاكم – فلا يحصرون التقوى في
صلاة وصيام بل في مايقدمه
الانسان من خير لمجتمعه .
- ان الاسلام عندما يدعوا
لدور روحي متميز في حياة
الانسان ويدعوا للأخلاق
الفاضلة ونبذ الرذيلة فانه
لايدعوا للعزلة والسلبية تجاه
العلم والتقدم والتطور والرقي ,
انه دين عملي يدعوا للنظر في
شؤون الأرض وفي كل مايحتاجه
الانسان في حياته ومن هذا
المنطلق كان طلب العلم فريضة من
فروض هذا الدين فكان نظاما
عمليا واقعيا وليس نظريا مجردا
حيث شرع لبني البشر مايجعل
حياتهم تستقر في توازن فلا يطغى
الجانب المادي على الجانب
الروحي .
- كما أن الاسلام وازن بين حاجات
الجسد والعقل وحاجات الروح فهو
يسعى لارتقاء الحالة الايمانية
بعيدا عن كل صور العزلة
والسلبية , كما أنه لايبالغ في
تأمين شهوات الجسد الى الحد
الذي يجعل الانسان يهبط لمستوى
الحيوانية.
- كما أن الاسلام أهتم بالنظام
الاجتماعي والاقتصادي دون
أفراط أو تفريط فوازن في ذلك بين
حاجات الفرد وحاجات المجتمع دون
طغيان طرف على آخر , فالفرد رغم
أنه كيان مقدس ولكن ليس على حساب
المجتمع وكذلك فالمجتمع له من
القدسية ولكن ليس على حساب
الفرد , فلقد أعطى الاسلام قدرا
واسعا من الحرية للفرد يجعله
يحقق كيانه دون سلب أو تعدي على
حقوق المجتمع , ثم منح الدولة
سلطة لتنظيم هذه العلاقة على
المستوى الاجتماعي والاقتصادي
على أساس العدل والتعاون
المتبادل لمافيه مصلحة المجتمع
.
- ان النظم والتشريعات الاسلامية لم
تأتي نتيجة ضغوطات أجبرت
البشرية على انتاج هذا التشريع
حيث لم تكن هناك ضغوطات تذكر
لانتاج هذا التشريع بل كان
تشريعا ربانيا يعلم حاجات
الانسان في كل زمان ومكان فجاء
التشريع متماشيا مع هذه الحاجات
وملبيا لها دون تكليف أكثر من
طاقة الانسان ودون الانغلاق على
زمن معين أو بيئة معينة .
- ان التشريع الاسلامي أحاط بكل
متطلبات الكون والانسان
والحياة في العقيدة والعبادة
والأخلاق والمعاملات والقوانين
سواء كان على مستوى الاقتصاد أو
الاجتماع أو السياسة وبذلك لبى
الفطرة التي فطر الله الناس
عليها , ان هذا الشمول والتوازن
والقدرة على التوافق والتكيف
والتطوير لايمكن لنظام من هذا
النوع أن يستنفذ أغراضه لأن
أغراضه هي الحياة كلها مادامت
الحياة .
- ان دينا ساوى بين بني البشر لافرق
بين ابيض أو أسود ولا بين عربي
أو أعجمي ولافضل بينهم الا
بالتقوى حتى أوصل صاحب البشرة
السمراء أن يكون واليا على
المسلمين مصداقا لحديث الرسول
صلى الله عليه وسلم الذي رواه
الامام البخاري : قال عليه
الصلاة والسلام :اسمعوا وأطيعوا
ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن
رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب
الله , ان دينا ساوى بين بني
البشر تحتاجه البشرية اليوم وفي
المستقبل لأنه صمام الأمان
للبشرية.
- ان دينا تعامل مع البشرية بكل
شفافية وحرية فلم يفرض عقيدته
على أحد فرضا انطلاقا من قوله
تعالى : لا اكراه في الدين قد
تبين الرشد من الغي , مثل هذا
الدين تحتاجه البشرية في الحاضر
والمستقبل .
- الاسلام لم يستنفذ أغراضه ودنيا
سعدت بهذا الدين ردحا من الزمن
فقدم لها نموذجا فريدا لم تستطع
البشرية رغم كل تقدمها أن تأتي
بمثيله , فهو قادر أن يقدم هذا
النموذج مرة أخرى عندما تتاح
الفرصة للصادقين والمخلصين
الذين فهموا هذا الدين فهما
سليما بعيدا عن كل صور واشكال
التعنت والتشدد والانغلاق , فهو
قادر أن يقود البشرية نحو شاطئ
الأمان .
- ان دورة التاريخ ودورة الحضارات
تؤشر بما لايدع مجالا للشك أن
هذا النموذج هو المؤهل لتلك
القيادة وان غدا لناظره قريب .
والى لقاء مع
الحلقة الرابعة
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|