الأمم
المتحدة :
وقفــة
مـع النفـس
بقلم:
صبحي غندور*
محطتان
بارزتان في تجربة «الأمم
المتحدة» تفرضان عليها الآن
(وقفة مع النفس) وهي تحتفل
بعيد ميلادها الستين:
المحطة
الأولى، كانت في مطلع التسعينات
حينما انهار الاتحاد السوفياتي
كقطب دولي منافس
وموازن للقطب الدولي الآخر،
الولايات المتحدة الأمريكية،
فإذا بالعالم يبدأ مرحلة
جديدة من القطبية الأحادية التي
فرضت نفسها وشروطها على المجتمع
الدولي وما زلنا في
خضم هذه المرحلة.
المحطة
الثانية كانت الحرب الأمريكية -
البريطانية على العراق التي
تجاوزت الأمم المتحدة
ومجلس الأمن، وحاولت أن تفرض
واقعاً جديداً على العالم،
فنجحت عسكرياً وتعثرت
سياسياً وفشلت إدارياً، حيث
اضطرت واشنطن للعودة المحدودة
إلى الأمم المتحدة ومجلس
الأمن من أجل إنقاذها من مأزقها
الراهن في العراق، وهي عودة
مشروطة باستمرار رفض
اخضاع العراق لإدارة مؤقتة من
الأمم المتحدة كما جرى في
كمبوديا وكسوفو وغيرهما.
في المحطتين الهامتين، كان
واضحاً أن تجربة الأمم المتحدة
أصبحت بحاجة إلى تقييم
وإعادة نظر في مؤسساتها
السياسية كمجلس الأمن، وفي
طبيعة دورها الذي اقترن بالمحافظة
على السلام العالمي والتعايش
السلمي بين الدول. لقد كان تأسيس
هيئة الأمم المتحدة
عام 1945 مقترناً بنتائج الحرب
العالمية الثانية، تماماً كما
كانت تجربة «عصبة
الأمم المتحدة» متزامنة مع
نتائج الحرب العالمية الأولى.
وقد كان من الطبيعي أن تسقط
تجربة «عصبة الأمم» مع اندلاع
الحرب العالمية الثانية، لكن
الاختلاف حاصل الآن في
تجربة هيئة «الأمم المتحدة» مع
اندلاع الحرب العالمية
الثانية، لكن الاختلال حاصل الآن
في تجربة هيئة الأمم المتحدة
لأن ظروف ودواعي نشأتها قد
تغيرت مع المتغيرات
الدولية التي حدثت جراء سقوط
الاتحاد السوفياتي وانتهاء
الحرب الباردة التي كانت تحافظ
عملياً على طبيعة الأمم المتحدة
كأرضية مشتركة يلتقي عليها المتنافسون الكبار
والدول الأخرى التي تدور في
فلكهم.
لقد
نجحت تجربة الأمم المتحدة في
الستين عاماً الماضية بأن تكون
هيئة إنسانية واجتماعية
لمساعدة بعض الدول الفقيرة أو
المنكوبة بحروب أو كوارث
طبيعية، لكنها لم تكن
قادرة على تجاوز طبيعتها
التآلفية بين أقطاب متنافسين
على العالم وثرواته. فحين كان
الاتفاق بين قطبي الحرب
الباردة، كانت هيئة «الأمم
المتحدة» تنجح في عملها السياسي،
بينما تفشل أو يسود الجمود في
أماكن الاختلاف ومكامن الخلاف
بين الكبار. كانت
شعوب العالم الثالث تجد في
الاجتماعات الدورية السنوية أو
الطارئة للهيئة العامة
للأمم المتحدة وكأنها «حائط
مبكى» تطرح فيه مشكلاتها
وهمومها أمام ممثلي وأعلام
العالم كله، لكن القرار السياسي
كان، وما زال، في مجلس الأمن وفي
حقوق الامتياز
التي حصلت عليها الدول الخامس
الكبرى من حيث العضوية الدائمة
في المجلس، وأيضاً
حق النقض (الفيتو) دون أن تعبّر
هذه الامتيازات بالضرورة عن كتل
بشرية كبيرة أو
مواقع قارية وجغرافية أو حتى عن
ثقل مادي أو اقتصادي أو عسكري.
وفي مسيرة الستين عاماً
جرى مرة واحدة تصحيح بعض الخلل
في تركيبة مجلس الأمن وذلك
باحتلال الصين الشعبية
موقع العضو الدائم بدلاً من
تايوان، لكن استمر العديد من
الأمم الكبرى الأخرى
الفاعلة دولياً خارج دائرة
العضوية الدائمة، وهي تحاول
الآن تصحيح هذا الخلل بتحرك
واسع تقوم به بشكل منفرد أو
مشترك كدول ألمانيا والهند
والبرازيل إضافة إلى الكتلة
الافريقية والجامعة العربية
واليابان. لقد كانت الأمم
المتحدة - ومازالت - أشبه
بشركة مساهمة لها جمعيتها
العمومية التي تلتقي دورياً،
لكن قراراتها الفاعلة تكون في
مجلس الإدارة وبين رئيسه
العملي، ويخطئ من ينظر للأمم
المتحدة بغير هذه النظرة،
أو يتوقع منها القيام بدور فاعل
آخر. فلم تكن صدفة أن يكون تأسيس
هيئة الأمم
المتحدة قد جرى على الساحل
الغربي الأمريكي في مدينة سان
فرانسيسكو، ولم تكن صدفة
أيضاً أن يكون مقرها في الساحل
الشرقي الأمريكي بمدينة
نيويورك. وطبعاً ليس هو سخاء
أمريكي أن تكون ربع ميزانية
الأمم المتحدة في فتراتها
الأولى تتحصل من الميزانية
الأمريكية. فواشنطن هي منذ
تأسيس الأمم المتحدة تحتل
عملياً منصب «رئيس مجلس
إدارة هذه الشركة المساهمة
الدولية». وما من دولة دائمة
العضوية في مجلس الأمن استخدمت
حق النقض كما استخدمته الولايات
المتحدة. ولم تكن قمة الألفية في
نيويورك عام
2000مجرد قمة رمزية تطالب
بإصلاحات في الأمم المتحدة، ولن
تكون القمة هذا العام أيضاً
مجرد تجديد لدعوات الإصلاح،
فالقمة السابقة أرادت التعامل
مع نتائج انتهاء الحرب
الباردة وما حصل بعد ذلك من حروب
البلقان وانتقالها من العلاج
الأوروبي إلى الأطلسي
في الأمم المتحدة، وأوضاع
الصومال والقرن الافريقي وما
ظهر من فشل الأمم المتحدة
في هذه المنطقة. بينما نجحت في
كمبوديا واندونيسيا بحل نزاعات
والإشراف على بناء
دول من جديد. وستجدد القمة
الدولية الآن الحديث عن الإصلاح
في المؤسسة الدولية المشتركة،
وستكون تركيبة مجلس الأمن
وصلاحياته هي القضية الأبرز
طبعاً، لكن المسألة الأساسية
التي ستحرص واشنطن على بحثها هي
كيفية توظيف الأمم المتحدة في
حروبها العسكرية
والسياسية المفتوحة الآن في
أكثر من مكان، وخاصة في العراق
وأفغانستان وفي حرب
الضغوط على سوريا وايران.
واشنطن
أرادت في السنوات الأربع
الماضية أن تكون الأمم المتحدة
أداة تنفيذ لما تقرره
هي من حروب وسياسات، لكن هذا
الأمر لم يكن ولن يكن سهلاً في
عالم عانى الكثير من
تداعيات الحرب الباردة وسياسة
الاستقطاب الدولي لأحد
المحورين، ثم وجد نفسه يعاني
أكثر في ظل الأحاديث القطبية.
التوازن
الدولي وتعدد الأقطاب هما الآن
حديث «الإصلاحيين الدوليين»،
لكن تبقى العبرة
في تركيبة مجلس إدارة الأمم
المتحدة!!
*مدير
مركز الحوار العربي الأمريكي في
واشنطن
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|