ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 04/10/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإسلام

وعلاقات الإنسان

أحمد الخطيب

معلوم أن للإنسان علاقات ثلاث: علاقته بخالقه وتشمل العبادات والعقائد، وعلاقته بنفسه وتشمل الأخلاق والمطعومات والملبوسات، وعلاقته بغيره وتشمل المعاملات والعقوبات، وجميع هذه العلاقات متشابكة متداخلة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، والدين الكامل أو المبدأ هو الذي يملك نظاماً يعالج هذه العلاقات. أما الدين الناقص أو الفكر القاصر فهو الذي يعالج بعضها ويهمل بعضها، فجميع الأديان اليوم عدا الإسلام هي أديان ناقصة لأنها لا تملك نظاماً كاملاً للعلاقات الثلاث، وجميع الأفكار عدا الإسلام والرأسمالية والشيوعية هي أفكار قاصرة لأنها ليست مبادئ تعالج العلاقات الثلاث وإنما تعالج بعضها وتهمل بعضها الآخر. وإنه وإن كانت الرأسمالية والشيوعية مبدءان يعالجان جميع علاقات الإنسان لكنهما مبدءان باطلان لأن معالجتهما لا تتفق مع فطرة الإنسان ولا تنبني على العقل الإنساني.

وأما الإسلام فقد تناول علاقات الإنسان الثلاث تناولاً عملياً بالفكرة والطريقة وبالتوجيه والتشريع وبالحجج والبراهين وبالأحكام والحلول، لذلك كانت أية محاولة لفصل الإسلام عن جزء من العلاقات هي محاولة محكوم عليها بالفشل لأنها تتناقض مع طبيعة الإسلام الشمولية، والإسلام لم يفرق في معالجاته بين هذه العلاقات. ولو استعرضنا بعض النصوص الشرعية التي تناولت العلاقات الثلاث لما وجدنا فيها أي تمييز أو تفريق بينها يستدعي الفصل بينها وبين بعض تلك العلاقات.

فمثلاً في العقيدة يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً).

ومثلاً في العبادات يقول تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) ويقول عليه الصلاة والسلام: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرد".

ومثلاً في الحكم يقول تعالى: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) ويقول عليه الصلاة والسلام: "من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية".

ومثلاً في القضاء والبينات يقول تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) ويقول عليه الصلاة والسلام: "من أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ومن جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتص منه" ويقول أيضاً: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر".

ومثلاً في العقوبات يقول تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا).

ومثلاً في الاقتصاد والمعاملات يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ويقول عليه الصلاة والسلام: "ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده" ويقول أيضاً: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما" ويقول تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).

ومثلاً في الحرب والسلم يقول تعالى: (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ) ويقول: (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً) ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ) ويقول: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ).

ومثلاً في الأخلاق يقول تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ويقول عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة".

ومثلاً في المطعومات يقول تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ).

ومثلاً في الملبوسات يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً" وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "إن الله جميل يحب الجمال".

وهكذا نجد أن الإسلام من خلال هذه العينة من النصوص قد عالج العقيدة والعبادة كما عالج المعاملات والعقوبات وكما عالج الأخلاق والمطعومات والملبوسات، فلا فرق في معالجات الإسلام للعلاقات بين أن تكون علاقة الإنسان بخالقه أو علاقته بغيره أو علاقته بنفسه.

وأما دور العقل في ذلك فقد اعتبره الإسلام مناطاً للتكليف، فعن طريق العقل يهتدي الإنسان أو يضل وطلق الإسلام للعقل العنان للفهم والإبداع في إطار النصوص الشرعية، فهو من جهة منعه من التفكير العابث الذي يؤدي إلى الضياع وهو من جهة ثانية حثه على التفكر والتدبر والاجتهاد.

والرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يوجه المسلمين توجيهاً إيمانياً عملياً يجمع كل جوانب الحياة ويعالج جميع علاقات الإنسان بدون تفريق، لذلك كانت حياة المسلمين هي حياة إنسانية راقية لا تجنح للمادة وطغيانها ولا تهرب من صخب العيش إلى الجبال والكهوف والزوايا لتدع الدنيا لمن يقدر عليها، ولنأخذ حديثاً من أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم يوصي فيه أحد أصحابه. فقد روى البيهقي في كتاب الزهد عن معاذ أنه قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فمشى قليلاً ثم قال: "أوصيك: 1- بتقوى الله 2- وصدق الحديث 3- ووفاء العهد 4- وأداء الأمانة 5- وترك الخيانة 6- ورحم اليتيم 7- وحفظ الجوار 8- وكظم الغيظ 9- ولين الكلام 10- وبذل السلام 11- ولزوم الإمام 12- والتفقه في القرآن 13- وحب الآخرة والجزع من الحساب 14- وقصر الأمل 15- وحسن العمل. وأنهاك أن: 1- تشتم مسلماً 2- أو تصدق كاذباً 3- أو تكذب صادقاً 4- أو تعص إماماً 5- وأن تفسد في الأرض. يا معاذ:  1- أذكر الله عند كل شجر وحجر 2- وأحدث لكل ذنب توبة السر بالسروالعلانية بالعلانية".

ففي هذا الحديث الشريف أوصاف للمسلم الذي يحيا حياة إسلامية حقيقية كاملة، حياة عملية إيمانية حيث تضمن خمس عشرة وصية اشتملت على العقيدة والأخلاق والسياسة والعبادة وخمس منهيات تعلقت بالأخلاق والسياسة وترك المعاصي، وختمه بذكر الله والتوبة، وكل ذلك بكلمات قليلة لمعاني جليلة.

فلو أخذ المسلمون بمثل هذا الحديث لكفاهم وحماهم من البضاعة الفكرية الفاسدة التي تروجها لنا الحضارة الغربية وما فيها من تشدق بالكلام عن الحياة المدنية والمجتمع المدني وما شاكل ذلك من هرطقات.

نخلص من هذا كله إلى القول بأن هناك فرق بين الأديان المحرفة الناقصة وبين الدين الإسلامي، فإذا كان الفصل في أوروبا بين الديانة المسيحية والدولة فصلاً طبيعياً ومقبولاً عندهم فإنه لا يصلح مع الإسلام ولا بحال من الأحوال لأن الحاكمية في الإسلام هي من خصائص الألوهية فإذا سلبها العبد من الله سبحانه فإنه ينصب نفسه إلهاً إلى جانب الله تعالى وهذا هو الشرك بعينه لذلك كان التشريع والحكم من الله سبحانه فقط ولا مجال لإعطائه للإنسان لأن في إعطائه له ظلم عظيم فضلاً عن كونه كفراً صراحاً.

أما فصل الدين الإسلامي عن الحياة والسياسة والدولة في بلاد المسلمين، أو الأخذ بالإسلام في بعض العلاقات وإهماله في البعض الآخر، فهو ما جعل المسلمين في حالة من الانحطاط الدائم والتخلف المتواصل والضعف الشديد الذي لا تبدو له نهاية طالما استمر تكريس هذا الفصل للإسلام عن الحياة.

وهذا الفصل وهذا الأخذ الناقص للإسلام في العلاقات هو الذي تسبب أيضاً بسيادة الكفر وشقاء البشرية واستشراء الظلم. ولا سبيل إلى إرجاع البشرية إلى رشدها إلا بتمكين الإسلام من تنظيم جميع علاقات الإنسان الثلاث، ولا يتحقق ذلك إلا بإقامة دولة الإسلام.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ